صفحات المستقبل

عندما قاطعنا خطاب نجاد : الله .. حِرية .. سورية وبس !


أحمد أبو خليل ‏

ساد القاعة ضجيج هائل ووقف الجميع فى منتصف خطاب على أكبر ولايتى ، فقد دخل القاعة للتو محمود أحمدى نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية ، لم أكن من ضمن المصفقين أو الوقوف ، نظر الناس لى من حولى شظرا واستمروا فى هتافهم : الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل

بعد دقائق بدأت كلمة الرئيس ، رفع عمار البلتاجى سماعة الترجمة عن أذنه قليلا وهمس لى : حديث يشبه كثيرا كلمة أردوغان فى القاهرة مؤخرا ، الرجل يتحدث عن التقوى والإيمان والأنبياء والرسل ورسالة التوحيد ، وأردوغان كان يتحدث فى القاهرة عن الإيمان والموت والبعث والحساب والنشور .

انعطف الخطاب قليلا وعرج – بالطبع – على إسرائيل ومن ثم الشيطان الأكبر أمريكا ، ثم قال بلسان فارسى فصيح : إن المشكلات التي يتعرض لها الشرق الأوسط السبب فيها الكيان الصهيونى” ،  و “إن أمريكا تريد أن تضرب سورية بيد عربية كى ينكسر محور الممانعة ، ثم تضرب باقى الدول العربية” .

وفى نفس اللحظة التى ارتطمت بعض أيادى الحضور ببعضها البعض تعبيرها عن بهجتهم بهذه اللكمات النارية كان الدم ينبثق من كل عروقى يهتف بأعلى ما وصل إليه صوتى : “الله .. حرية .. سورية وبس” ولم أصل إلى نصف الهتاف حتى كان الهتاف نفسه على لسان عمار دونما اتفاق .. سكن التسقيف فى القاعة ، وعلى الهتاف وردده العشرات ، وأخذ نجاد ينتظر انقطاعه ، نظر إلينا وقال : نعم بالطبع الحرية لسورية ولكن ليس على الطريقة الأمريكية ، ابتلع ريقه وأكمل الخطاب .

لم تهدأ القاعة منذ هذه اللحظة ، بدأ الشباب المصرى يرفع لافتات مكتوب عليها بالعربية والإنجليزية “سوريا ؟” وبدأت عدسات المصورين تتحول من المنصة إلى هؤلاء الشباب ، وبدأ منظموا المؤتمر فى الارتباك ، بعد دقائق شاهدت عددا من أعضاء الوفد ينسحب من مقاعده ، قمنا معهم لنكتشف أن إحدى المشاركات معنا كانت ترفع لافتة دعم لسوريا فخطفتها منها إحدى المشاركات من حزب الله ومزقت اللافتة ، ولحق بها شاب إيرانى فخطف حقيبتها ورمى بها بعيدا .

تحولت الساحة التى أمام باب أكبر قاعة مؤتمرات فى طهران أسفل خامس أطول برج فى العالم (برج ميلاد) إلى ساحة حرب كلامية بين العشرات من الوفد المصرى المهددين بالانسحاب الكامل من المؤتمر والمنظمين الذين أخذوا يتوسلون إلينا ألا نفعل ذلك وكل حقوقنا مكفولة من الاعتذار وطرد الشاب الإيرانى ، إلى إصدار بيان بشأن الأزمة السورية يوقع عليه من شاء من المؤتمرين ، لكن شيئا من هذا لم يُهدأ من روع الشباب حيث تمت أيضا مقاطعة الكلمة التالية لنائب رئيس الجمهورية من قبل شاب مصرى آخر ، وهتف بعدها شباب ليبيون “سوريا حرة .. بشار يطلع برة” وردد المصريون والتوانسة واليمنيون وضجت القاعة بالهتاف لأكثر من 5 دقائق .

إلا أن الأمر الأكثر جدلا فى اليوم الأول من المؤتمر كان عرض فيديو صغير فى افتتاح المؤتمر ، فيه لقطات من كل الثورات العربية إضافة إلى الثورة الإسلامية ، مع التأكيد على وجود البحرين وتجاهل سوريا تماما ، لكن الأغرب والأخطر هو بعض الثوانى التى تخللت عرض الفيديو وفيها قطات جرافيك ، عبارة عن قطع “دومينو” تقطع الأولى فتسقط التى تليها ، وعلى كل قطعة صورة زعيم تم إسقاطه ، فبدأت بالشاه ثم صدام حسين ثم ابن على ومبارك والقذافى وعبد الله صالح وقفزت على بشار لتأتى بحمد ملك البحرين ثم المفاجئة ، ملك الأردن والعاهل السعودى ! ، فى شكل يعد تحريضا مباشرا وسافرا !

بالطبع كنا نعرف ونحن نستلم الدعوات لمؤتمر “الصحوة الإسلامية” بطهران (أواخر يناير الماضى) ، أن النظام الإيرانى الداعم لبشار والمتآمر على العراق والعميل فى أفغانستان هو نفسه من يدعونا للاحتفال بثوراتنا العربية ، ومحاولة إيجاد أى خيط رفيع بين هذه الثورات وبين الثورة الإيرانية ، وكنا نعرف أيضا أنهم لن يألوا جهدا فى أن يسيحوا بنا فى إيران شرقا وغربا ويطلعونا على كل إنجاز اقتصادى وعلمى وسياسى ودينى يمكن أن نراه ، و بالطبع كنت محددا أهدافى وخياراتى سلفا .

لن أرفض دعوة يمكننى من خلالها التعرف على أرض من بلاد المسلمين ، ورؤية وجوه قوم هم جزء أصيل – شئنا أم أبينا – من الأمة الإسلامية ، ولن أقبل أى موازنات سياسية ولا مواربات فى معتقداتى ولا آرائى مقابل هذه الزيارة ولو أدى الأمر إلى توقيفى .. اعتقالى ، أو ما هو أصعب من ذلك .

النظام الإيرانى شمولى لأقصى درجة ، للدرجة التى وصل إليها الاتحاد السوفيتى تقريبا ، للدرجة التى يأخذ من كل الوفود المشاركة جوازات سفرهم فور نزولهم من المطار ، ويمنع أية تحركات حرة لهم فى البلد بحجة تأمينهم ، بل ويوقف لهم كل الطرقات إذا مروا بحافلاتهم ويسير بهم فى مواكب وتأمنيات وحراسات شخصية  ، و للدرجة التى يحظر فيها “الفيس بوك” و “التويتر” بدعوى المحافظة على أخلاق الشباب ، و للدرجة التى يعتبر فيها محمد خاتمى (رئيس الجمهورية السابق) ، و مير حسين موسوى (رئيس الوزراء الأسبق) ، و مهدى كروبى (رئيس البرلمان الأسبق) – يعتبرهم محرضين على قلب نظام الحكم ، ويحدد إقامة الأخيرين !

المشكلة الأساسية فى “النظام السياسى الإيرانى” هى مشكلة أى نظام مستبد فى العالم ، أنه يعطى أهمية وقيمة لمبادىء وأفكار عينة على حساب الناس ، وفعليا هذه الأفكار والمبادىء المعينة هى تمثل أشخاصا معينين وتدور فى فلكهم بشكل مستمر ، وميزة إيران هنا أن لها نهضة علمية وحضارية ومعيشية تغطى على هذا ، وأنها أيضا استطاعت أن تجمع بين الشكل السلطوى والديمقراطى فى آن واحد .

فأمريكا مثلا تُغير رئيسها كل فترة أو فترتين لكن يندر أن يأتى رئيس على مدار قرن أو أكثر ليغير سياسات أمريكا فهى واحدة وإن تعاقب عليها كثيرون ، كذلك إيران هناك قائد الثورة المرشد الأعلى ومجلسه ، وهناك رئيس الجمهورية الذى هو فى درجة “رئيس وزراء” فى بلادنا ، ينتخب ويفوز فى معركة ضخمة ولكنه غالبا لا يستطيع التأثير فى المبادىء والأفكار المتصنمة .

وتغليب مصلحة الفكرة المشخصنة والمتشيئة أيضا على مصلحة الناس ظهر جليا فى كل أحاديثنا مع الدبلوماسيين الإيرانيين وعبر عنه نجاد نفسه فى كلمة موجزة : “إن مقياس صدق أى ثورة هو مرتهن بمدى مناهضتها للمشرع الصهيو أميركى” .. أى أن أى ثورة تُقام لا يقتنع ناسها بهذه الفكرة تصبح مباشرة ثورة عميلة ، وتصبح دماء هؤلاء الثوار بغير ثمن ، بل من الواجب إراقتها كما يفعل النظام الإيرانى الآن بإرسال الأسلحة والجنود الذين يتخيلون أنهم يقاتلوا ضد عملاء أمريكا فى المنطقة !

وهو هنا لا يضع “مناهضة المشروع الصهيو أميركى” مركزا لكل القضايا فى حد ذاته ، بل لأن الدولة نفسها قررت ذلك ، وأى مقاومة لهذا المشروع على غير الطريقة الإيرانية غير مرضى عنها أيضا ، فعندما علقت على صدرى مكان “البطاقة التعريفية للمؤتمر” ورقة مكتوب عليها “مصرى وأدعم الثورة السورية” وجُلت بها فى أروقة المؤتمر بشكل بدأ يستفز الأغلبية الشيعية المشاركة فى وفود لبنان والعراق والبحرين تشاجر معى مسئول دبلوماسى كبير فى المؤتمر وجاء محمر الوجه يقول : أين كنت وقطاع غزة يدمر ويحرق ويستشهد فيه العشرات ، ولو طلب إليك الذهاب إلى هناك لفررت كالجبان ، وكان بجوارى شاب مصرى يعرفنى فرد عليه : “لقد كان فى أقبية أمن الدولة يتم التحقيق معه بسبب تضامنه مع غزة وذهابه إلى هناك قبل ذلك” ، لكن جملة كهذه لم تصل أصلا إلى سمعه لأن المتضامن مع سوريا ببساطة – فى رأيهم –  لا يمكن أن يكون مع المقاومة فى الوقت نفسه !

…………..

لقطة لمعرض صور على هامش المؤتمر ، من اليمين صورة لاقتحام الشباب المصرى لسفارة إسرائيل ، وبالنسبة لهم هى أهم صورة فى الثورة المصرية ، وهى دليل صحتها وصدقها ، ثم صورة لسيد قطب وكلمات له عن الصحوة الإسلامية ، ثم صورة مناصفة لمشهدين من الثورة الإيرانية والثورة المصرية فى محاولة إيجاد ذلك الخط السياسى الوهمى بين الثورتين

……………

ولذا فإن سقوط النظام السورى فى رأيى هو بالفعل بداية النهاية للنظام الإيرانى ، والنظام الإيرانى عندما يقاتل فى سوريا فإنه لا يقاتل بالوكالة بل بالأصالة عن نفسه ، وإن دماء السوريين التى يدفعونها ، لا يدفعونعا ثمنا لحرية سوريا وفقط ، بل لحرية قادمة للشام والعراق ومن ورائها إيران التى لم تع الدرس جيدا للأسف .

لكن الشىء الأكبر صدمة لى فى المؤتمر هو اقتناع عشرات الشباب اللبنانيين والعراقيين والبحرينيين وأيضا الفلسطينيين أن ما يحدث فى وسريا مؤامرة وأن القتل عهناك على أيدى عصابات إرهابية مسلحة ! للدرجة التى امسك فيها بجريدة إيرانية على متن طائرة داخلية بعدها بيومين ، فأجد العنوان الرئيسى لها تحت صورة لخامنئى ورمضان شلح تقول : الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامى يؤكد أن أمريكا تريد ضرب الممانعة بإحداث الفتنة فى سوريا !

الإيجابى فى هذا المشهد السياسى القاتم أنناعندما كان بعضنا يستطيع التحدث مع الشباب الإيرانى فى الشارع أو فى الطائرة كنا نسمع منهم كلاما يشبه ما كنا نقوله منذ خمس سنين هنا فى مصر ، وقد أخبرنا بعض من تحدثنا إليهم بعد أن عرفوا أننا مصريون : أن الثورة المصرية ستكون ملهمة لثورة إيرانية قادمة ، وهى عكس الرسالة التى أراد النظام السياسى الإيرانى أن يوصلها لنا تماما !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى