صفحات العالم

مقالات عن اجتماع المعارضة السورية في القاهرة


الثلاثاء

نحو وحدة المعارضات السورية في القاهرة

أسعد حيدر

السوريون، يستطيعون الصبر وانتظار اتفاق الغرب والعرب مع الروس حول وسائل إنقاذهم من “قائد القتلة” بشار الأسد كما وصفه لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا. لكن السوريين غير قادرين، ولا ملزمين على الانتظار أكثر مما انتظروا وهم يقدمون قوافل الشهداء يوماً بعد يوم على اتفاق المعارضات السورية على مشروع سياسي يؤكد وحدة الأفق والأدوات للإسراع في توفير الخلاص ووقف المجازر ضدّهم.

الغرب مشكلته، في وجود “حصانين” يقودان “عربته” بسرعتين مختلفتين. أوروبا وفي مقدمها فرنسا مستعجلة، على ملاقاة الشعب السوري في التخلص من الأسد. الرئيس باراك اوباما ليس مستعجلاً لأنّ لديه حسابات انتخابية ضيّقة. يعتبر أنّ الأهم له حتى الانتخابات الرئاسية في مطلع تشرين الثاني الحصول على موقف روسي إيجابي حول: الملف النووي الإيراني، وطرق الإمداد والانسحاب العسكري من افغانستان. أما السوريون فإنّهم يستطيعون الانتظار والاستمرار في النزيف. إلى جانب ذلك، فإنّ سوريا ضعيفة ومثخنة بالجراح ستكون أكثر طواعية سياسياً في المستقبل المنظور.

العرب حالتهم حالة. بعضهم مشغول بنفسه والبعض الآخر مشغول بمشاغل الآخرين. إلى جانب ذلك، فإنّهم غير قادرين أكثر من التأييد والدعم المادي حتى الآن. ربّما التحوُّلات الأخيرة قد تساهم وتدعم حصول تحوّل عربي باتجاه انخراط أوسع وأعمق إلى جانب الشعب السوري. لا شك أنّ النظام الأسدي بكل السادية والفاشية التي يمارسها يومياً ضدّ الشعب السوري، دفع بقوّة نحو “عسكرة” المعارضة الشعبية من جهة، والآن يدفع العرب نحو دعم “العسكرة” بالمال والسلاح. لم يعد خافياً أنّ السلاح أصبح يصل إلى “الجيش السوري الحر”، وأنّ تدريبه وتأهيل بعض وحداته أصبح أكثر جدّية وفاعلية. المعادلة الحالية ترتكز على تصعيد النظام الأسدي الحل العسكري إلى أقصى درجاته دون الأخذ في الاعتبار الخسائر البشرية على أمل تحقيق “انتصارات” ميدانية تمنحه حضوراً أقوى في المفاوضات حوله. فرق كبير بالنسبة له أن يكون بقاؤه بعد الحل في سوريا مقبولاً وبين أن يكون رحيله إلى المنفى شرطاً أساسياً للحل.

أما الروس، فإنّه رغم كل ممانعتهم، قبلوا الآن بخفض سقف مطالبهم. لم يعد بقاء الأسد في السلطة شرطاً لهم. المطلب الروسي حالياً بقاء الأسد حتى نهاية ولايته الرئاسية على قاعدة يرأس ولا يحكم، لأنّ حكومة وحدة وطنية تملك كل الصلاحيات الرئاسية هي التي تدير مسار الحل. مجرّد حصول هذا التقدّم يعني أنّ مؤتمر جنيف لم يفشل وإن كان لم يحقّق نجاحاً كاملاً. بعد جنيف واحد سيأتي ثانٍ وربما ثالث في جنيف أو غيرها. في النهاية مؤتمر الطائف اللبناني لم يكن يتيماً. مسار طويل قاد إلى نجاحه كان ثمنه الكثير من الدماء والدموع والدمار.

يبقى أنّ المسؤولية الأولى والأساسية تقع على المعارضة السورية. مؤتمر القاهرة، محطة مهمّة جداً، وهو مؤهّل لتحقيق نجاحات ضرورية وملحة خصوصاً أنّ مؤتمرين سبقاه، الأول في اسطمبول، والثاني في بروكسل. أهمية مؤتمر القاهرة التي تسمح بتعليق آمال كثيرة عليه أنّه: ينعقد في القاهرة بعد أن أصبح لها رئيس للجمهورية هو الدكتور محمد مرسي، مما سمح بالإعلان عن موقف مصري واضح وهو أنّ مصر مع الشعب ومع مطالبه. لذلك فإنّ مؤتمر المعارضات السورية في مصر اليوم هو غيره في أي وقت سابق. ولا شك أنّ وحدة المعارضات ستوفّر الأسباب الكاملة لمصر “الجديدة” باتخاذ مواقف أكثر وضوحاً وقوّة وعملية مستقبلاً، وأنّ أغلب الكتل والقوى السورية في الداخل والخارج شاركت في مؤتمر القاهرة بعد أن تجاوزت خلافاتها حول تمثيلها.

[ انّ مشروعاً تحت عنوان “مشروع العهد الوطني” قد تمّ الاتفاق عليه قبل المؤتمر، وهو يؤكد “تعاهد المؤتمرِين على أن يقرّ الدستور الجديد مضامين هذا العهد”. وبلا شك أنّ هذا “العهد” متقدّم أشواطاً عديدة على كل الدساتير العربية المصاغة والمعمول بها حتى الآن، لأنّه يؤكد جملة ثوابت تتضمن وعياً كاملاً لكل التحوّلات التي عرفها الوطن العربي قبل ذلك.

[ انّ العودة إلى شعار الآباء المؤسّسين للدولة: “الدين لله والوطن للجميع”، ولا أحد يمنع أحداً من حرية اختيار عقيدته وممارستها، وانّ النساء متساوون مع الرجال ويحق لأي مواطن أن يشغل جميع المناصب في الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية وبفخر الشعب السوري بتنوّع حضارته وتراثها.

[ “لا يجوز التخلي عن أي شبر في سوريا بما فيها الجولان المحتل الذي للشعب السوري الحق في النضال من أجل استعادة أراضيه بكل الوسائل الممكنة”.

[ “حرية الاعتقاد والتظاهر والاضراب السلميين”.

[ “تقرّ الدولة السورية بوجود شعب كردي ضمن أبنائها وبهويته وحقوقه القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن اطار وحدة الوطن السوري، كما تقرّ كذلك بوجود وحرية وحقوق مماثلة للشعبين السرياني الاشوري والتركماني السوريين”.

[ “سوريا جزء من الوطن العربي”.

[ “يلتزم الشعب السوري دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إنشاء دولته الحرّة السيّدة المستقلة وعاصمتها القدس”.

[ “تقوم مؤسسات الحكم على أساس الانتخابات الدورية والفصل التام بين السلطات الثلاث”.

[ “الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية التي تحمي البلاد وتصون استقلالها وسيادتها على أراضيها، تحرص على الأمن القومي ولا تتدخّل في الحياة السياسية”.

هذا غيض من فيض، الذي تحفّظ عضوان على بندين فقط، علماً أنّ العهد يضم 18 بنداً. هذا العهد ينهي المرحلة “الأسدية” بكل شرورها، ويحفظ في الوقت نفسه وحدة سوريا وبقاء الدولة السورية.

حان الوقت لكي تتبلور معارضة واحدة وموحّدة على قدر المسؤولية وذات أهلية قادرة على تجاوز فرقتها وتملك الإرادة لمواكبة تضحيات الشعب السوري العظيم.

كلما أسرعت المعارضة السورية في بلورة اتفاقها كلما أجبرت العالم على تجاوز خلافاته والإسراع في إسقاط الأسد إلى الأبد.

المستقبل

الجمعة

استياء عربي من أداء المعارضة السورية

    روزانا بومنصف

تبدي مصادر ديبلوماسية عربية استياءً كبيراً من الاداء الذي قدمته المعارضة السورية في مؤتمرها الذي استمر يومين في القاهرة مطلع الاسبوع الحالي واستمرار انقساماتها على رغم التحديات الكبيرة الملقاة على عاتقها. فاداء المعارضة وفق ما تقول هذه المصادر ظهر غير مسؤول في ظل عاملين ملحين احدهما استمرار النزف لدى الشعب السوري مع مواصلة النظام عمليات القمع والمواجهة بحيث برز اداء المعارضة مترفاً ولا يرقى الى مستوى عذابات السوريين في خلاف على ادوار ومصالح وان كانت الاهداف واحدة بما يؤدي الى احباط السوريين في الداخل وكذلك المراهنين على قدرة المعارضة على قيادة التغييرفي المرحلة المقبلة. الاخر هو ان عجز المعارضة عن التوافق من دون تدخل عربي او غربي من اجل تدوير الزوايا والاتفاق على الحد الادنى على رغم ان المؤتمر الاخير ليس الاول من نوعه انما يمدد عمر النظام ويساهم في بقائه حتى اشعار اخر. اذ انه بحسب هذه المصادر فان ما يعوق الولايات المتحدة او اوروبا عن التدخل الفعلي والحاسم في سوريا هو عجز المعارضة عن توفير البديل من الرئيس السوري بشار الاسد. فليس انشغال الادارة الاميركية بالانتخابات الرئاسية او ان الازمة المالية في الدول الاوروبية يحولان دون الرغبة في التدخل الغربي الوازن بل ان مخاوف هذه الدول شأنها شأن روسيا هو من وصول تنظيم الاخوان المسلمين الى السلطة في سوريا وسيطرته على الحكم باعتباره الاكثر تنظيما وقدرة.

وعلى رغم التغيير الذي رأته الدول الغربية في الموقف الروسي في اجتماع جنيف والتي سوقت له على هذا الاساس معتبرة ان هناك تحولا مشجعا احرزته روسيا ومعها الصين، فان المصادر الديبلوماسية العربية تشير الى ان هذه الدول لم تشر الى التنازل الذي قدمته بدورها في الصيغة التي تم التوافق عليها للمرحلة الانتقالية في ما يعتبر تحولا او تراجعا اساسيا في موقفها عما كان عليه هذا الموقف من قبل. اذ انها وبعدما كانت تطالب برحيل الاسد كشرط من شروط المرحلة المقبلة فان هذه الدول وافقت على حكومة تشارك فيها السلطة والمعارضة على حد سواء بمعنى انها اقتربت من الموقف الروسي اكثر مما اقترب الموقف الروسي منها. وهذا لا يعد تقدماً جذرياً في رأي هذه المصادر التي تعرب عن خشيتها من ان استمرار الوضع الدموي في سوريا قد يساهم في توفير ظروف للرئيس السوري ليس لاطالة امد الازمة فحسب بل لاقتطاع منطقة حكم له لا يعتبر الكلام عنها مجرد وهم وفق ما تقول هذه المصادر.

النهار

الثلاثاء

مصير سوريا تحسمه الثورة قبل المؤتمرات

    علي حماده

بين اجتماع مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا الذي عقد يوم السبت الفائت في جنيف، والاجتماع الموسّع لفئات المعارضة السورية الذي عقد امس الاثنين برعاية الجامعة العربية في القاهرة، ومؤتمر اصدقاء سوريا الثالث المفترض انعقاده في الخامس من تموز الجاري في باريس، رابط أساسي يجمع بين هذه التظاهرات الدولية الكبيرة والأزمة السورية المستعصية: انها الثورة التي أثبتت رسوخها على أرض الواقع بحيث صار البحث على المستوى الدولي (حتى بوجود روسيا الاتحادية وقبولها الشكلي) بما يسمى المرحلة الانتقالية في سوريا، وهي تعني من الناحية العملية ان النظام في سوريا انتهى وان بشار لم يعد جزءاً من مستقبل سوريا، وان يكن جزءاً من حاضرها الدموي المقيت. هذه نقطة مهمة تسجل للثورة وللثوار الى اي جهة انتموا. فالصمود الاسطوري للشعب في كل مكان من سوريا أنهى عملياً كل إرث لحافظ الأسد، ودفن جمهوريته، ودمّر كل رموزه الحيّة والصنمية.

انطلاقاً مما تقدم، يمكن القول ان الثورة التي يواجهها بشار وبطانته بالحديد والنار والمجازر وقتل الاطفال واغتصاب النساء، أثبتت أنها لن تتوقف قبل إسقاط النظام بكل رموزه. وما الانقسامات الظاهرة على مسارات الثورة والثوار بالامر الذي يمكن ان يهدد بتغيير قدر النظام المحتوم، أي السقوط المدوّي. نقول هذا وكلنا ايمان بأن الشعب الذي خرج من البيوت لن يعود إليها قبل إخراج بشار من القصر الجمهوري، كما أن الذين حملوا السلاح رغماً عنهم بعد سقوط عشرة آلاف شهيد لن يلقوا البندقية قبل اللقاء الكبير في دمشق على جبل قاسيون في ما يسمى “قصر الشعب”، الذي كان رفيق الحريري بناه وقدمه للشعب السوري في تسعينات القرن الماضي قبل أن يفجره بشار و”حزب الله” في قلب بيروت بطنّين من المتفجرات! بالعودة الى الحراك الدولي المكثّف حول سوريا، نعتبر ان ما يحصل معناه ان القضية السورية باتت بيد المجتمع الدولي، وان قول حاكم القرداحة انه لا يقبل سوى بحل يأتي من سوريا نفسها، لا قيمة له، اللهم الا اذا كان يريد القول ان الحسم العسكري هو الحل الوحيد الذي يرتئيه للأزمة. والحال ان الواقع يشير بما لا يقبل الشك الى ان التفوّق العسكري للنظام لم يمكنه حتى الآن من حسم المعركة في أي بقعة من البقاع الساخنة من سوريا. والثوار يدقون أبواب دمشق نفسها. وبالرغم من فداحة الثمن الذي يدفعه الشعب السوري، فإن البطولات الأسطورية التي نشهدها ويشهدها العالم بأسره لا تدع مجالاً للشك في المآل النهائي للصراع في سوريا. بهذا المعنى يمكن القول ان الحل لن يكون الا سورياً ما دام المجتمع الدولي يحجم عن التدخل ضد سفاح الأطفال، فالثورة آيلة الى انتصار في ساحة المعركة، ومن يدعمون النظام مثل “حزب الله” مدعوون الى التواضع، لان ما بعد سقوط حاكم القرداحة لن يكون كما قبله، إن في سوريا أو لبنان.

النهار

الثلاثاء

المعارضة سرّ النظام

    امين قمورية

مؤتمر القاهرة للم شمل المعارضة السورية تحت سقف واحد ، يقرأ من عنوانه. المعارضة معارضات ، والخلافات بين أطرافها أشد قسوة من خلافها مع النظام، ولعل هذا ما يجعل الانتفاضة السورية أطول الثورات عمرا بين نظيراتها العربيات.

الشتائم المتبادلة بين المعارضين سبقتهم الى قاعة المؤتمر، ولم تفلح كل أنواع الاغراءات في لجم الألسنة والصمت قليلا لإنجاح المناسبة. “الجيش السوري الحر” سارع الى وصف المنتدى بأنه “مؤامرة “ تنعقد عقب “القرارات الخطيرة لمؤتمر جنيف”، علما ان الصوت الاعلامي لهذا “الجيش” أقوى من فعله الميداني في الداخل، إذ يقال إن كل مجموعة مسلحة تفتح على حسابها تمويلا وتسليحا وامتدادات. أما “المجلس الوطني السوري” فيحضر شاكيا لانه لم ينل ما كان يتوقعه من هذا الاجتماع وحده الادنى التدخل الاجنبي لطي صفحة النظام الى الابد على الطريقة الليبية، يطالب بالحسم النهائي مع النظام ولايقبل بأي تنازل ولو شكليا لجمع صفوف الخارجين عن اطاره.

دعك من الخصام او الفصام بين معارضات الداخل ومعارضات الخارج، فهذا وحده كفيل باحباط أفضل المؤتمرات مهما يكن إعداده جيدا ومقومات نجاحه متوافرة. فمن في الداخل لا يكف عن اتهام من في الخارج بالعمالة للأجانب، ومن في المنافي او فنادق العواصم لايتوقف عن وصم من هم في الوطن بالاستزلام لأجهزة النظام.

في الاصل، هذه المعارضات خطوط متوازية لايمكن ان تلتقي عند نقطة واحدة. بعضها معارضة كيدية سقف مطالبها ان الله يحب العبيد، وبعضها الاخر معارضة من أجل المعارضة سفسطائية تتحدث عن مكامن الخلل ولا تعطي حلولا، وبعضها الثالث معارضة تتنظر الكسب وتنظر الى الوطن كسلطة ليس إلا ، وبعضها الرابع “موظف براتب” لدى النظام ، ومثلها فئة خامسة تحركها “الهدايا” الخارجية.

معارضة، أشكال وألوان، معارضة علمانية نخبوية تتكلم كثيرا ولاتملك قاعدة شعبية ذلك انها اعتادت ان تخاطب السلطة وليس الناس، ومعارضة دينية طائفية كانت تخيف الاقليات بشعاراتها وصارت مع الانتفاضة تؤكد خوفها بممارساتها.

 وحدها المعارضة الشعبية ولفيف المثقفين العضويين الملتصقين بقضايا شعبهم، تعبر عن أوجاع الناس ويدفعون الثمن والتضحيات، لكنهم مغلوبون على أمرهم ولا يسمع صوتهم في المنتديات والاعلام.

عدد المؤتمرين الذين شاركوا في احتفالية القاهرة، 250 شخصية، لها 250 رأيا وموقفا ، فكيف لها ان تتحد .. هذا هو سر قوة النظام وعلة تماسكه وبقائه حتى الآن.

النهار

الثلاثاء

تظاهرة المعارضة السورية

ساطع نور الدين

بدلاً من التجمّع الحاشد الذي انعقد امس في احد فنادق القاهرة، تحت مظلة الجامعة العربية، ربما كان من الأجدى للمعارضين السوريين أن يخرجوا في تظاهرة في ميدان التحرير القريب، ليرفعوا فيه لافتاتهم، ويردّدوا هتافاتهم التي يمكن أن تخدم ثورتهم اكثر من نصوص سياسية مطولة ومكررة، وتشكيلات تنظيمية عجز العالم كله عن توحيدها او دفعها نحو انشاء جبهة خلاص وطني موحدة.

اختار المعارضون السوريون الذين تجمعوا في القاهرة أهون السبل وأكثرها إثارة للخيبة: المؤتمر الذي تعاونت على تنظيمه جميع الدول والمنظمات والهيئات العربية والدولية الصديقة للشعب الثوري وثورته، يبدو في الشكل خطوة الى الامام من حيث حشده أكبر عدد ممكن من الاحزاب والتيارات والشخصيات السورية المعارضة، لكنه في الجوهر يمثل خطوتين الى الوراء في مسار الثورة التي يحمل لواءها، ويفقد زمامها في آن.

الحشد الحالي أكبر من الحشود التي اجتمعت في مؤتمرات المعارضة المتلاحقة التي انعقدت في اسطنبول وتونس وباريس وبروكسل وصوفيا وغيرها من العواصم التي استقبلت على مدى الشهور الماضية معارضين سوريين من جميع الاتجاهات وجاهدت من أجل توحيد صفوفهم، لكنها فوجئت بخلافاتهم وانقساماتهم المستعصية.. لكنها لم تيأس وربما لن تيأس أبداً، لأن المهمة إلزامية.

المحاولة الراهنة في القاهرة لا تختلف عن المحاولات السابقة، الا في حضور بعض رجال الأعمال السوريين المرشحين لتولي الحكم في المرحلة المقبلة، وفي ظهور بعض المثقفين والفنانين السوريين الذين حرصوا على البقاء في الظل اما خوفا او ترددا. عدا ذلك فإن مشاركة الإسلاميين السوريين والتي تتخطى حجمهم الفعلي (والتي يبدو أنها باتت تستفيد من اسلامية القاهرة) ما زالت ضاغطة، مثلها مثل غياب الجيش السوري الحر الذي صار، للأسف، محور الثورة وأداتها الرئيسية، متقدماً على بقية القوى المدنية واليسارية والليبرالية المؤثرة.

وثيقة العهد المطوّلة التي وزعت قبل أيام على المئات من المدعوين، والتي لا يحتملها ولا ينتظرها الشارع السوري، لم تعد تكفي لمواجهة تلك المعضلات الجوهرية المتزايدة التي تواجه المعارضة السورية، وأهمها غلبة السلاح والمسلحين الذين بات عددهم يقدر بأكثر من مئتي الف مسلح في شوارع سوريا، وهيمنة الاسلام والاسلاميين، الذين يعدّون بشكل حثيث للانقلاب على المعارضة والانقضاض على السلطة، قبل الأوان بكثير.. وحيرة بقية المعارضين وسوء تقديرهم للمجلس الوطني الذي كان وسيبقى عنواناً عربياً وعالمياً وحيداً للثورة ومركزاً رئيساً لتحويل المال والسلاح، لا يمكن القفز من فوقه ولا يجوز ان تحتكره الأقلية الاسلامية!

ليس مؤتمراً، بل تظاهرة في غير مكانها وربما في غير أوانها، يمكن ان تنجح اذا خرجت الى ميدان التحرير واذا استطاعت تحريك الشارع المصري.. طالما ان الشارع السوري لا يحتاج الى تحريض.

السفير

الجمعة

المعارضة السورية وتجارة الأوهام

د. عبدالوهاب الأفندي

(1) لا يملك أي شخص يتصل بالجنس البشري بأوهى الأسباب إلا أن يتعاطف مع صرخات المعذبين في سورية المنكوبة بنظام قل نظيره في الوحشية. فصبر المبتلين بهذه العصابة من المجرمين ومن يراقب مأساتهم نفد منذ زمن بعيد، ولا يكاد أحد منهم يفهم تباطؤ أهل المروءة في نجدتهم واستنقاذهم من براثن وأنياب هذا الوحش الكاسر، خاصة وأن مشاهد العذاب تبث على مسامع وأنظار العالم على مدار الساعة. وبنفس القدر فإن الحجج البائسة لمناصري هذا النظام والاعتذاريين عنه تثير الغثيان حين تتذرع بالمبادئ أحياناً (استقلال وسيادة الدول) والمخاوف أحياناً (‘تفجير المنطقة’، ‘الحرب الأهلية’، ‘التطرف’)، والأكاذيب والأباطيل في كل الأحيان.

(2)

المأساة التي ابتلي بها الشعب السوري هي من أكبر المحن، لأنها تضاهي مصيبة الطفل الذي وقع ضحية والد يسومه العذاب، ويرتكب في حقه الجرائم التي قد تصل إلى حد الاغتصاب، في أعظم إساءة لدور الوالد والكفيل، الملاذ الأخير للطفل من قسوة العالم. ولكن المحنة تكون أعظم حين يحاجج الحاضن المتهم بالجرم بحرمة الأسرة وشناعة ‘التدخل’ في شؤونها من قبل ‘الأغراب’، إذ أن أولي الأرحام أولى ببعضهم!

(3)

ولكن بنفس القدر فإن التفهم والتعاطف مع ضحايا هذه المأساة لا يبرر السذاجة أو الديماغوجية، أو كلاهما معاً، مما طفح به خطاب بعض المعارضين في الآونة الأخيرة، خاصة خلال مؤتمر المعارضة السورية الأخير في القاهرة. فقد سمعنا مزايدات مضحكة لولا عمق المأساة، من ‘معارضين’ ينادون بمقاطعة الاجتماع لمجرد أنه لم يناد بالتدخل الأجنبي الفوري، ويقوم بإرسال الجنود والطائرات لإنقاذ ضحايا النظام، كأن مجرد إصدار نداء من هذا القبيل يمكن أن يكون له أثر السحر في حمل مجلس الأمن لإصدار قرار وتنفيذه.

(4)

يتحدث كثير من السوريين عن ‘مؤامرة دولية’ لإبادة الشعب السوري. ويبدو أن الإيمان بالمؤامرة هو عقيدة سورية بامتياز، لأن رئيس النظام وأزلامه يتحدثون بدورهم عن ‘مؤامرة كونية’ لإسقاط نظام الممانعة الوحيدة في العالم. فكأن العالم كله لا شغل له إلا التآمر على السوريين حكومة وشعباً، وفي نفس الوقت!

(5)

إذا كان هناك تآمر على المعارضة فإن المتآمرين قد نجحوا بالفعل في إخفاء أمرهم بمكر لم يسبقوا عليه. فلم يحدث في التاريخ العربي الحديث أن تم ترتيب مؤتمر معارضة ضد دولة عضو في الجامعة العربية تحت رعاية الجامعة وبحضور طائفة من وزراء الخارجية. حتى في أيام الحرب على العراق، لم تجرؤ الكويت أو السعودية على استضافة مؤتمر للمعارضة العراقية، بل لم تفعل ذلك حتى طهران. ولم نسمع كذلك بمؤتمر ل ‘أصدقاء العراق’ تحضره مائة دولة، ويجاهر بهدف إسقاط النظام ودعم المعارضة.

(6)

يبدو أن هذا التدليل للمعارضة السورية هو الذي دفع أطياف منها باتجاه ممارسات طفولية، مثل مطالبة العالم بأن يترك كل شؤونه الأخرى، ويخوض معركة المعارضة نيابة عنها، ويسعى لتفجير حرب غير معروفة العواقب في واحدة من أكثر مناطق العالم التهاباً، ثم يقوم بتسليم السلطة لفئات لا تحسن الحوار الهادئ فيما بينها كما يفعل العقلاء والبالغون. فإذا كان هؤلاء لا يقبلون الانصياع لرأي الأغلبية ممن يتفقون معهم في معظم الأمور، فكيف يؤتمنون على مصير مخالفيهم ومعارضيهم؟

(7)

إن أكبر خدمة كان يمكن لهؤلاء المعارضين إسداءها للشعب السوري كانت الصبر على الحوار العقلاني مع إخوتهم في الوطن، وإعطاء المثل في الالتزام بالديمقراطية واحترام حق الاختلاف، بدل المزايدات المقصود منها كسب النقاط عبر الغوغائية. وبنفس القدر فإن أكبر خدمة يمكن أن يسديها جنود وقادة الجيش السوري الحر هي التزام الصمت وأداء واجبهم العسكري، وترك التصريحات للسياسيين وأهل الدراية والخبرة بتعقيدات الوضع الدولي.

(8)

لا يجب أن يساء فهم ما سلف، أو اعتباره تقليلاً من حقيقة أن النظام الأسدي سقط وانتهى. وفي حقيقة الأمر فإن الأسد وأزلامه هم ‘المعارض الأكبر’، لأن ممارساتهم هي التي جيشت العالم أجمع ضدهم. وهم الآن في حكم من سقط في وسط الرمال المتحركة، يغوص أكثر كلما حاول خروجاً. ولكن بالمقابل فإن بعض المعارضين هم أفضل رصيد للنظام، لأنهم بنزقهم وممارساتهم اللامسؤولة يؤخرون سقوط النظام.

(9)

هذا يتطلب أن ترتفع المعارضة إلى مستوى المسؤولية تجاه شعبها، بدءاً من التواضع وإدراك حقوق قدراتها. فليست المعارضة السورية هي التي تعطي جيوش العالم التعليمات لتعريض مواطنيها ومصالحها، فضلاً عن سلام المنطقة واستقرارها، للخطر بحسب الجدول الزمني الخاص ببعض المزايدين من أطراف المعارضة. وإنما واجب المعارضة هو إيصال صوت الشعب السوري ومطالبه المشروعة للعام، وضرب المثل في السلوك الحضاري اللائق بالشعب السوري، وأول ذلك الالتزام بقواعد الديمقراطية في أطر المعارضة ومؤتمراتها، والقبول المنضبط بما تتوافق عليه الأغلبية، بدلاً من ممارسة الابتزاز والمزايدات.

(10)

إن الوضع الحرج الذي تمر به الأزمة السورية الآن يستدعي أقصى غايات المسؤولية والانضباط لتحقيق ظروف نجاح الثورة بأقل كلفة، وذلك بالتركيز على مطالب واقعية، تصب في خانة تفكيك النظام، وذلك عبر دعم الجيش الحر، والاجتهاد في تشجيع الانشقاقات، وتشديد الحصار على النظام وإضعافه إلى درجة يصبح التدخل فيها مطلباً لأنصار النظام قبل معارضيه. والوضع يقترب الآن من هذه النقطة، ولكن الأمر يحتاج إلى تضافر الجهود المسؤولة من الجميع حتى يتم بلوغها.

القدس العربي

الأحد

ثوار سوريا سيحسمون الوضع بعيداً من المؤتمرات

جاسر عبد العزيز الجاسر

تتواصل اجتماعات ومؤتمرات أصدقاء سورية موازاة مع تواصل القتل اليومي الذي تمارسه كتائب الأسد في عموم البلاد؛ حيث يلاحظ أن الطيران المروحي والمدفعية الثقيلة البعيدة المدى تشارك بفاعلية في قصف المدن السورية لإسقاط أكبر عدد من القتلى في صفوف الشعب السوري.

وبما أن نظام بشار الأسد قد أيقن أن مثل هذه المؤتمرات لن تثنيه عن مواصلة قتل الشعب السوري فإنه لا يهتم بعقد مثل هذه المؤتمرات؛ سواء عقدت في تونس أو اسطنبول أو باريس، بعد أن أثبتت تلك المؤتمرات أنها لا تنتج إلا تصريحات وأقوالاً دون الالتزام بمواقف تسعف الشعب السوري وتجنبه المجازر الدموية التي ترتكبها كتائب الأسد يومياً بحقه، وحتى مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان لم يرَ في هذه المؤتمرات فائدة، ولذا فضل البقاء في جنيف وهي القريبة من باريس، مرتكباً تجاوزاً يحمل دلائل لا يمكن تفسيرها إلا بعدم جدوى مثل هذه المؤتمرات، ومع أن ما قام به كوفي عنان يمثل عيباً وسلوكاً غير مبرر كونه الموظف التنفيذي الأممي الأكثر ارتباطاً بهذه الأزمة، ومع هذا يتخلف عن هذا المؤتمر.

ماذا يمثل هذا التصرف؟ إما أن يكون كوفي عنان غير مقتنع بمثل هذه المؤتمرات أو أنه يضع نفسه في صف القلة القليلة من الدول التي تعارض عقد مؤتمرات أصدقاء سورية؛ كونه متحالفا مع نظام بشار الأسد، وهو ما يعطي ظلالاً من الشك حول موقف كوفي عنان.

مؤتمرات أصدقاء سورية ومؤتمر جنيف وقبلها اجتماعات مجلس الأمن الدولي جميعها أكدت بأن الوضع في سورية لا يتم حله ومعالجته عبر الاجتماعات والمؤتمرات، وإنما يحل داخل الأرض السورية من خلال دعم ثورة الشعب السوري؛ حيث يواصل الثوار السوريون؛ سواء عبر الجيش السوري الحر أو العمليات التي تقوم بها الجماعات العسكرية المنشقة، هي التي ستحسم الوضع لصالح الثورة. فقد أثبتت الثورة السورية قدرتها على مقارعة قوات النظام السوري؛ رغم ضعف الإمكانيات وعدم توفير السلاح، في الوقت الذي يواصل سلاح النظام الاستفادة من الدعم الروسي والإيراني اللذين يوفران له سلاحاً متواصلاً، إضافة إلى تدفق مقاتلين من حزب الله اللبناني والمليشيات الطائفية العراقية.

مؤتمر أصدقاء سورية في باريس وقبله مؤتمر جنيف يؤكدان مجدداً ضرورة دعم الثوار السوريين بالسلاح لحسم الوضع لصالح الشعب السوري بعيداً عن المؤتمرات والاجتماعات التي لا يجني منها الشعب السوري سوى الأقوال.

الجزيرة السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى