صفحات العالم

مقالات حول مهمة كوفي عنان


كوفي عنان لم يسمع قصة أم قصي

نهاد إسماعيل

في مناوراته العبثية ولقاءاته العقيمة يأمل كوفي عنان ان يلعب دورا تاريخيا في انجاز حل سلمي للأزمة السورية. جهود عنان ستبؤ بالفشل الذريع وسيكتشف انه لعب دور الساذج المغفل في شرك الماكر المخادع طاغية دمشق.

اخطأ كوفي عنان في زيارته لبشار الأسد واخطأ في التوجه لطهران ولبغداد عواصم دعم الدكتاتورية السورية واعداء الشعب السوري واعداء الثورة الشعبية السورية. لم يحضر عنان مؤتمر اصدقاء سوريا الذي عقد في جنيف قبل عدة ايام ولكنه يزور بشغف اعداء سوريا يأتمر ويتآمر على الشعب السوري.

 كان الأحرى بعنان ان يصر على زيارة المناطق المنكوبة في ادلب والرستن ودرعا وحماة ودير الزور وغيرها. كان الأفضل لكوفي عنان زيارة مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن وسماع قصصهم والاضطلاع على اوضاعهم.

 الدور الذي يلعبه عنان هو شراء المزيد من الوقت للنظام السوري لكي يستمر في ذبح السوريين وهزم المقاومة وفرض امر واقع جديد بمباركة الديبلوماسي العالمي الفاشل كوفي عنان. ولو كان لدى عنان اقل كمية من الانسانية والمهنية والاخلاق لوقف وأعلن فشل مهمته وقال بصراحة ان المسؤولية تقع على عاتق نظام الاجرام في دمشق وعلى بشار الأسد بالتحديد.

 ألم يكن من الأفضل لكوفي عنان ان يسمع من ذوي الضحايا عن ألامهم ومعاناتهم والظلم الذين يتعرضون له على أيدي وحوش النظام وشبيحته. هل استمع كوفي عنان لقصة السيدة أمينة ام قصي.؟

السيد أمينة تروي قصة ابنها المعاق قصي

 قالت أم قصي لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية: ” توسلت لهم بأن يتوقفوا عن ضرب ابني المعاق “

 ثم أعدموه بدم بارد.

 لم يخطر على بال السيدة أمينة ان يكون قصي ابنها المعاق هدفا لشبيحة بشار الأسد.

 قبل سنوات تعرض قصي وهو في العشرينات من عمره لحادث من آلة زراعية وفقد ساقه واعتمد على عكازات او ركائز لتساعده في الحركة. في اواسط مايو آيار الماضي لم يستطع قصي الالتحاق برفاقه الذين تصدوا لمهاجمين لقرية الأتارب شمال سوريا. اقتحمت القرية وحدات من الجيش النظامي وفصائل من الشبيحة لقتل النشطاء والمعارضين لنظام بشار الدكتاتوري.

 قالت أمينة انهم قبضوا على عدد من أولاد القرية بما فيهم ابناء أمينة ولكنهم فصلوا قصي المعاق جسديا عن بقية الأولاد. ورأت امينة من نافذة الشباك ان قصي ملقى على الأرض ومحاط بعدد من الشبيحة وينزف الدم من رأسه وكتفه. وقال لها شهود أن سبب النزيف الدموي هو ان الشبيحة كانوا قد ربطوه بحبل وسحلوه في شارع القرية وقال شاهد عمره 55 سنة ان الشبيحة انفسهم من القرية ويعرفوا في أي منزل يعيش قصي.

 هرعت امينة للشارع تصرخ متوسلة للشبيحة أن يتركوا ابنها ويتوقفوا عن ضربه واهانته وهو معاق وتوسلت وتضرعت لهم بأن يدعوه وشأنه وحتى انها انحنت وقبلت بسطار قائد مجموعة الشبيحة أملا أن يستجيب لنداءها. وأضافت قائلة “هددوني بحرقه حيا اذا لم اعد للبيت والتزم الصمت. ثم سحبوني عنوة والقوا بي في باب المنزل”. وقالت أمينة هرعت لشرفة المنزل ورأيتهم يضربون قصي ضربا مبرحا حتى فقد وعيه ثم اطلقوا عليه وابل من النار حتى فارق الحياة.

 وبكت أمينة وهي تروي قصة ابنها قصي والدموع تسيل بغزارة من عيونها وقالت ان قلبها يحترق على ابنها. وغادر معظم سكان الأتارب منازلهم وهربوا للأرياف. وقبل ان يتركوا الأتارب ترك الشبيحة واشاوس بشار الأسد الغاما وافخاخا وحرقوا دكاكين وحافلات. دمروا سوق البلدة. اشعلوا النار في الصيدلية وتركوا البلدة بحالة يرثى لها. وبعد دخول عناصر من الجيش السوري الحر للبلدة عاد بعض السكان ليتفقدوا الركام والخراب. هذه قصة بلدة صغيرة قرر أهلها رفض حكم الطاغية بشار الأسد.

 اقترح على كوفي عنان ان يزور الأتارب ويجتمع مع أم قصي ثم يعلن فشل مهمته العقيمة.

اعلامي عربي – لندن

ايلاف

أنان في إيران وراء السراب

رندة تقي الدين

مهمة كوفي أنان في إيران ذهاب وراء السراب. فالمهمة في إيران مستحيلة. سيعود مع وعود كاذبة ولكنه يكون قد حاول. فأنان يعتقد ان لإيران ورقة ضغط على سورية. ولكن حتى لو كان مثل هذا الاحتمال صحيحاً فإيران لن تعطي كوفي انان هذه الورقة مجاناً. لماذا تعطيها لأنان؟ فالنظام الايراني يريد ثمناً لذلك وهو ليس في يد كوفي انان. فالثمن الايراني هو رفع الحصار النفطي والمالي والاقتصادي وهذا ليس من صلاحيات كوفي انان. فإيران حاولت باستمرار مع الدول الست التي تفاوضها حول ضرورة وقف التسلح النووي ان تقول لهذه الدول انها تريد التحدث معها عن حل في سورية. والدول رفضت هذه المناورة الايرانية. كما كانت تعرض دائماً على فرنسا ان تشارك معها في حل الوضع المعطل في لبنان عندما تعطل الوضع السياسي فيه ورفضت فرنسا ذلك باستمرار لأن ايران تساهم في زعزعة استقرار المنطقة وتعرض اوراقها للمقايضة. فإيران ما زالت تملك ورقة مهمة في لبنان مع حليفها «حزب الله». وهي مثل روسيا تساعد النظام السوري بالسلاح والمعدات للقمع والقتل. فكيف يتصور كوفي انان ان النظام الايراني سيوافق على اقناع النظام السوري بالقبول بانتقال السلطة الى جهاز حكومي يضم المعارضة واعضاء في الحكومة يكون للمعارضة الحق في اختيارهم مع تجريد بشار الاسد من سلطاته؟ ان الوضع اليمني غير الوضع السوري. فقبيلة الرئيس علي عبدالله الصالح تخلت عنه. اما بشار الاسد فهو يستقبل انان وتستمر قواته بكل معداتها بالقتل والقمع والتعذيب. وروسيا متمسكة به ولو ان مصالحها ينبغي ان تكون الى جانب الشعب السوري وليس مع نظام محكوم بالرحيل. فلا يمكن ان يبقى رئيس يصفي نصف شعبه واولاده وكلما اشتد الضغط عليه كلما استخدم المزيد من القوة والقتل.

ان بقاء الاسد مستحيل مع حوالى ١٥ الف قتيل يزداد عددهم يوماً بعد يوم مع وحشية القمع والتعذيب. المتشائمون من امكانية رحيله يقولون ان الحرب الاهلية في لبنان بقيت اكثر من عقد. الا ان الاوضاع الدولية لم تكن مثل الآن. فكان المخطط الاسرائيلي السوري بالتخلص من ياسر عرفات وتسليم لبنان الى سورية مع موافقة الاطراف الدولية. والآن روسيا ليست كما في الماضي قوة عظمى، فهي ضعيفة ولكنها قوية بالفيتو المعطل. وهي تريد اظهار هذه القوة للدول الناشئة، الصين والهند وجنوب افريقيا وغيرها. ولكن الاوضاع في سورية والمزيد من القتل سيقلب المعادلة الداخلية خصوصاً عندما يفتقد النظام الى المال الذي يدفعه للقوات للقتل. فأوضاع ايران المالية لا تسمح لها بمد النظام السوري بأموال طائلة خصوصاً مع الحظر النفطي وصعوبة الاجراءات المالية لشراء نفطها تقلص من عائداتها بشكل كبير. اما روسيا اذا بقيت على موقفها فكيف يمكن ان يكون لها كلمة في سورية المستقبل؟ عدد كبير من المسؤولين الغربيين بدأ يقرأ بعض التغيير في الموقف الروسي وقد يكون ذلك في اطار التمني المتفائل. فالآن تتم مناقشة مشروع قرار في مجلس الامن بدأ التشاور حوله بين الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وقد تناوله امس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة البريطاني ديفيد كامرون لوضع النقاط الست لخطة انان تحت الفصل السابع الذي يفرض اذا لم ينفذ القرار اما فرض المزيد من العقوبات او استخدام القوة. باريس وواشنطن ولندن لا تريد استخدام القوة بل العقوبات. فضغط العقوبات سيكون بالطبع اطول واصعب للحصول على وقف القتال ورحيل الاسد. فالتكهن حول متى يرحل الاسد صعب. ولكن من الصعب ايضاً التصور ان بعد كل ما حصل من قتل وقمع وتعذيب بإمكانه ان يبقى وأن يعود الى اسرة دولية اكثر من نصفها نبذه وطالب برحيله.

الحياة

اكتشاف أنان… «المدهش»!!

 إياد أبو شقرا

أقام يجهد أياما رويته

وفسر الماء بعد الجهد بالماء

(علي بن الذروي)

قبل أن يجف حبر «مؤتمر أصدقاء سوريا» في العاصمة باريس… نطق كوفي أنان، الوسيط الدولي – العربي لتسوية الأزمة السورية، كفرا بعدما صمت دهرا!

الإعلام الرسمي في دمشق، بالأمس، كان قد اعتبر ما خرج به المؤتمر المنعقد في باريس «انقلابا» على مقررات مؤتمر جنيف، الذي سبقه بفترة قصيرة، في تعقيب «تشبيحي» بائس على كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن أنه لا توجد في مقررات جنيف إشارة إلى تنحي الرئيس السوري بشار الأسد. غير أن تصريح أنان، وهو الأمين العام السابق للأمم المتحدة، لصحيفة «لوموند» ينقل عبثية المجتمع الدولي في التعامل مع محنة الشعب السوري إلى درك أسفل حتى من مستوى الضعف المشين الذي تعبر عنه مواقف بان كي مون، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة.. وتصوراته وأقواله.

ذلك أنه إذا كان تصور بان لدور فريق المراقبين الدوليين في سوريا يتلخص بـ«ملء الفراغ بمثله»، فإن دعوة أنان – تكرارا – لإشراك إيران في تسوية الأزمة السورية، تؤكد بضعة شكوك كلها غاية في السوء.

الشك الأول يتعلق بما إذا كان هناك تعامل جدي مع مجزرة متطاولة على امتداد 17 شهرا حصدت لتاريخه، على مرأى من العالم ومسمعه ومنظماته الإنسانية والسياسية الدولية، أكثر من 20 ألف قتيل موثقين بالأسماء، ناهيك من المفقودين والمصابين والمهجرين داخل سوريا والمشردين في بلاد الله الواسعة.

والشك الثاني يمس تصور «سيناريو» سياسي منطقي لمهمة أنان أصلا، لأن ما قيل ويقال يشجع أي محلل عاقل على استنتاج أن استنباطها كان عملية هروب من تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات حاسمة.

أما الشك الثالث، وهو الأسوأ، فيتصل بالجانب الأخلاقي – أو بالأصح، انعدامه – في معالجة الملف السوري، ومن خلفه ملفات الشرق الأوسط ككل. بل إن أنان كشف بالأمس عبر تصريحه لـ«لوموند» عن الدور المحوري لإيران في أزمات المنطقة، وهو دور يستبعد كثيرون أن يكون تناميه، وتبعات هذا التنامي، من الأمور التي غفلت عنها في يوم من الأيام عواصم القرار العالمية.

إن الدور المحوري لإيران في الأزمة السورية ما كان يحتاج لـ17 شهرا من المجازر والدمار والمآسي الإنسانية والمهازل السياسية والدبلوماسية، إذ إن أي مطلع على حقيقة النظامين في طهران ودمشق يدرك القواسم المشتركة بينهما، ويعرف هوية الجهة الدافعة للمشروع الاستراتيجي للمنطقة، واستطرادا، الجهة الثالثة المسهلة له والمعطلة لأي إجراء قد يشكل عائقا أمام تنفيذه.

أنان على حق في نقطة مهمة. نعم إيران هي اليوم، كما على الأقل منذ نحو 11 سنة، المحرك المباشر لسياسة دمشق.

إيران هي راعي النظام السوري ومحركه، بينما يشكل هذا النظام قناة الاتصال المموهة لطهران مع تل أبيب. وهذه الحقيقة كما أحسب معلومة في كل العواصم الكبرى، وعلى رأسها واشنطن. ولعل من الإيجابيات القليلة التي سجلتها تحركات الأسبوعين الأخيرين أن كل الأطراف كشفت أوراقها على الطاولة.

ما عاد أحد قادرا على خداع أحد. وحتما، ما عاد بمقدور أحد مواصلة خداع الشعب السوري.

ولنبدأ بمعسكر موسكو – بكين، الذي تصرف لأول مرة بالحد الأدنى من الأخلاق بدلا من النفاق عندما قاطع مؤتمرا يحمل اسم «أصدقاء سوريا». والقصد هنا أن موسكو وبكين أثبتتا منذ أول «فيتو» مزدوج أنهما «عدوان» لسوريا ولشعبها، وبالتالي، كانت مشاركتهما لو شاركتا ستبدو أشبه بمزحة سمجة.

ثم ننتقل إلى بعض مناصري كفاح الشعب السوري من العرب الذين، على الرغم من حسن نيتهم وسخائهم على أبناء سوريا، أحجموا عن توجيه رسائل ذات معنى إلى موسكو وبكين. وحسنا فعلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما غمزت من قناة بعض الدول العربية التي لم تقاطع الروس والصينيين اقتصاديا، وبالتالي سمحت لهم بالاستخفاف بالغضب العربي. ومعلوم أن إحدى الدول العربية الخليجية كانت قد وقعت قبل أيام قليلة من مؤتمر «أصدقاء سوريا» في باريس على استثمارات ببضعة مليارات دولار أميركي مع الصين بالذات.

ومن ثم، لا بد من التطرق إلى هذا الموقف الأميركي نفسه. إن الوزيرة كلينتون محقة بلا شك في لفت نظر العرب إلى واجب مقاطعتهم روسيا والصين اقتصاديا عقابا لهما على مواقف حكومتيهما السلبية من معاناة السوريين، ولكن هل تتصور السيدة الوزيرة فعلا أن العرب في موقع قوي يتيح لهم معاقبة الدول الكبرى على استخفافها بمعاناة شعوبهم؟ هل ساور الوزيرة كلينتون أو أيا من الساسة الأميركيين القلق من رد فعل عربي كذلك تنصح به… عندما تجاهلت واشنطن عشرات، بل مئات المرات، معاناة العرب – وبالأخص الفلسطينيين – من استمرار سياسة العدوان والاستيطان والتوسع الإسرائيلية بدعم أميركي مباشر؟ الحقيقة المرة أن الاستخفاف الأميركي بالحقوق العربية، ومنه استمرار تغطية واشنطن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، هو ما جرأ حكام روسيا والصين وإيران على العرب، وطمأنهم إلى أن أي استخفاف بالعرب لن يؤدي إلى رد فعل عقابي.

أمر آخر يستحق الإشارة إليه وتوكيده، هو أن موسكو وبكين على الرغم من لا أخلاقية سياستهما تجاه الشعب السوري، فإنهما وفق حساباتهما السياسية الاستراتيجية لا تعتبران أنهما تخوضان حربا ضده، بل تخوضان حربا إقليمية في مكان حساس من العالم ضد واشنطن؛ إذ إن الشعوب في حسابات القوى الكبرى لا تعني شيئا على رقعة الشطرنج العالمية. وهذه النقطة، بالذات، كان من المفروض أن تدفع واشنطن إلى موقف حازم ورادع إزاء ما يفعله نظام دمشق بشعبه، بدلا من التلطي خلف صلف الروس والصينيين… ورمي المسؤولية عليهم.

وأخيرا، نصل إلى إيران. حكام طهران، مثل حكام موسكو وبكين، وواشنطن أيضا، يلعبون لعبتهم القاتلة في الشرق الأوسط على حساب العرب ومصالحهم وكياناتهم. ولكن حتى هنا ما عاد بمقدور أحد خداع أحد…

في لبنان، مثلا، نجد أن أتباع طهران مرتبطون بعلاقة تحالفية ممتازة مع أدوات تل أبيب و«شبيحة» دمشق – فرع لبنان. والتفاهم على الساحة اللبنانية – حيث يهيمن سلاح حزب الله – كامل والتحالف قوي… في وجه الفريق اللبناني الاستقلالي الساعي إلى بناء الدولة وترسيخ الأمن وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يتسع للجميع. ولا تنفي هذه الحقيقة طفرة المزايدة الطائفية المسيحية التي اعتمدها التيار العوني أخيرا في موضوع تثبيت المياومين من موظفي مؤسسة كهرباء لبنان.

الوضع السياسي والأمني في لبنان، الذي يظل الساحة المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط، يفضح الكثير.. الكثير مما يموه عليه مخططو «التعايش الضمني» بين العدوين الإقليمين الظاهرين إيران وإسرائيل. وحتى إشعار آخر، لا يمكن قراءة مسلسل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وتفجير الطوائف من الداخل… التي استهدفت وتستهدف في لبنان معسكرا واحدا، هو معسكر الساعين إلى بناء الدولة في لبنان، إلا في إطار الرسائل الإقليمية المتبادلة… إما حول ثمن الإبقاء على نظام دمشق ضد إرادة شعبه، أو الثمن المطلوب للبدائل المقبولة.

الشرق الأوسط

أنان هو الفاشل!

طارق الحميد

طوال فترة مهمة المندوب العربي والأممي السيد كوفي أنان في سوريا ونحن – ومثلنا آخرون – نقول إن مهمته فاشلة، وحماية لأرواح السوريين على السيد أنان إعلان فشل مهمته. وكتبت هنا مرارا بأنه ليس أنان الفاشل، بل إن خطته هي التي فشلت، والسبب طاغية دمشق بشار الأسد.

لكن اليوم، وبعد مضي ثلاثة أشهر على مهمة أنان، وبلوغ عدد القتلى في سوريا على يد النظام الأسدي 17 ألف قتيل، وجب أن نقول إنه ليست مهمة أنان الفاشلة فقط، بل إنه هو شخصيا يعتبر فاشلا، حيث قام بإعطاء الأسد الفرصة تلو الأخرى، ولم يقل منذ وقت مبكر إن الأسد غير صادق، ولا ينوي أن ينجح أي مبادرة، وهذه أمر واضح، ومنذ اندلاع الثورة السورية، قبل 17 شهرا، حيث كان أنان في سوريا مثله مثل الفريق الدابي. لكن الفارق بين الدابي وأنان هو أن الأول كان يريد إرضاء الأسد، بينما كان أنان يريد إرضاء غروره السياسي، والدبلوماسي!

أنان لم يكلف نفسه حتى عناء الحديث للرأي العام السوري، أو العربي، بل إنه لا يتحدث إلا لوسائل الإعلام الغربية، وآخرها الـ«لوموند» الفرنسية، علما بأن القتلى هم من السوريين، والأزمة في سوريا، والأطراف الفاعلة هي العالم العربي، وضمير الأزمة السورية الحقيقي والصادق هو الرأي العام العربي. لكن السيد أنان لم يكلف نفسه عناء التوجه للرأي العام السوري، أو العربي، طوال الأشهر الثلاثة الماضية. وكان محقا وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد وهو يقول في مؤتمر أصدقاء سوريا بباريس الأخير إن عدم حضور أنان لذلك الاجتماع وبقاءه في جنيف يعد أمرا معيبا. فأنان لم يكلف نفسه مجرد حضور مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس على الرغم من حضور قرابة مائة دولة عربية وغربية، وإنما يطالب بإشراك إيران في الأزمة السورية لأنها طرف فاعل! وهذا بحد ذاته يعد ليونة سياسية، ولا أجد تعبيرا ألطف من ذلك.

فإشكالية بعض الساسة، وتحديدا الدبلوماسيين، أنهم يريدون الوصول إلى أي نتيجة للقول إنهم قد أوجدوا حلولا، ولو كان الحل إبقاء طاغية دمشق، ومكافأة إيران بمنحها شرعية في سوريا، مثلما منحتها واشنطن الشرعية في العراق، وهذا أمر مرفوض سوريًّا، ويجب أن يرفض عربيا أيضا، وبشكل علني، وواضح، وبدون أي مساومة.

والمؤسف، والمستفز، أن السيد أنان دائما ما يقول متسائلا: ما هو البديل لمهمته في سوريا؟ وهذا حديث العاجز، فالبديل عن مهمته هو وضع روسيا والصين أمام الاستحقاق الذي نعيه كلنا وهو أن الأسد يلعب، ولا بد من العودة إلى مجلس الأمن، وأن عليهم أن يكفوا عن دعم طاغية دمشق، والإعلان عن فشل المهمة منذ وقت طويل يعني أيضا أن أنان قد وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لوقف آلة القتل الأسدية، بدلا من منح الأسد الفرصة تلو الأخرى لقتل السوريين العزل.

لذا، نقول اليوم إنه ليست مهمة أنان الفاشلة وحسب، بل إن السيد أنان نفسه كان فاشلا في سوريا، خصوصا عندما منح الأسد الفرصة تلو الأخرى، ويريد منح إيران شرعية لا تستحقها في سوريا.

الشرق الأوسط

أنان.. وأستاذه الأسد!

طارق الحميد

من الواضح أن الثورة السورية قد تورطت في السيد كوفي أنان، ومبادراته، وخططه في الشأن السوري، حيث يبدو أنان اليوم وكأنه يسطو على وظيفة وليد المعلم. فما يفعله أنان لإنقاذ الأسد بات يفوق جدية المعلم في فعل ذلك.

فمبادرة أنان الأخيرة تجاه سوريا لا تعني منح فرصة للأسد، بل إنقاذه. فالحديث عن تهدئة الأوضاع تدريجيا «منطقة منطقة» يعني أن أنان يريد تمكين الأسد على الأرض بعد أن باتت فرصه تتضعضع في السيطرة على كل سوريا. والمخيف، والمستفز، هو قول أنان إنه لا بد من جمع السلاح الذي وقع في الأيادي الخاطئة، فهل أنان يريد أن يقول إن المعارضة السورية هي معارضة مسلحة، وإرهابية، كما يقول الأسد دائما؟ مما يعني أن أنان بات يتبنى مواقف الأسد، وخطاباته!

والأخطر من كل ذلك أن أنان يريد الاستمرار في مبادراته من دون سقف زمني، أو وضع مبادراته تحت الفصل السابع بمجلس الأمن، بما في ذلك استخدام القوة، وإلا فلا معنى لأي مبادرات جديدة.

لكن كثيرا من الشك حول مواقف أنان يزول تماما عندما نقرأ بتأمل ما نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية هذا الأسبوع، حيث قامت بنشر محضر اللقاء الذي جرى بين الأسد وأنان، ثم عادت الصحيفة لتنفيه ثاني يوم، وهو أمر تعودناه من نظام الأسد، والصحف المحسوبة عليه وعلى حزب الله في لبنان، طوال فترة حكم بشار الأسد، حيث يتم تسريب المعلومات عن لقاءات الأسد بضيوفه، ثم يتم القول بأنها أُخذت خارج السياق، أو أن أطرافا في النظام الأسدي يريدون إجهاض ما يريد الأسد فعله، وهي أكاذيب وألاعيب تعودناها كثيرا من النظام الأسدي، وفعلها الأسد يوم روج كذبة الإصلاح أول فترة حكمه بدمشق، وبعد اغتيال رفيق الحريري، وفي كل أزمات لبنان الأخيرة، والعراق، وفعلها كذلك مع زواره السعوديين، والأتراك، والفرنسيين، وغيرهم.

قصة صحيفة «الأخبار» اللبنانية تظهر أنان مستمعا وكأنه تلميذ أمام أستاذه الأسد الذي كان يطرح عليه الفكرة تلو الأخرى، ويبدو مرتاحا، وواثقا، وأنان فقط يتمتم بالإيجاب والإعجاب. والأدهى من كل ذلك هو ما نقل عن استخفاف أنان بالمعارضة السورية في القاهرة، وتوصيفه للثوار السوريين بأنهم مجرد جماعات مسلحة إرهابية مدعومة من الخارج، وكأن ما يحدث في سوريا ليس بكارثة حقيقية، ومجازر، وجرائم تقع بحق الإنسانية، بل إن التقرير نقل عن لقاء الأسد وأنان تهكم طاغية دمشق على السيدة هيلاري كلينتون، والاستخفاف الواضح بدولة قطر. وقد شارك أنان في ذلك حين أبدى تعليقا مستخفا بدولة قطر، كما يوحي التقرير الذي نشر في صحيفة معروف قربها من النظام الأسدي، وحلفائه في لبنان.

ولذا فإن مواقف أنان تجعل المسألة ملحة الآن لإنقاذ السوريين من أنان أولا، وقبل إنقاذهم من طاغية دمشق، لسبب بسيط وهو أن الأسد يقتل، وأنان يبرر، ويسوّف، وعلينا أن نتذكر المقولة الشهيرة التي تقول: «عندما تقتل شخصا واحدا استعن بمحام، لكن عندما تقتل العشرات فاستعن بلوبي، يقوم لك بحملات دعائية»، وهذا ما يفعله الأسد اليوم من خلال نهج أنان.

الشرق الأوسط

نهاية هذا الفتى الأبانوسي!

صالح القلاب

هل تذكرون “الدابي” وتتذكرونه… لقد ابتلعته الأزمة السورية وطوت صفحته الأحداث فغاب واختفى ولم يُبق وراءه إلا السمعة السيئة، فهو باع ضميره وأساء لشرفه العسكري… وها هو كوفي أنان هذا الأبانوسي اللون بات يفعل ما فعله شقيقه في “الأفرقة”، وغدا كأنه مبعوث للرئيس السوري بشار الأسد ولإيران ووليها الفقيه ولـ”الرفيق” فلاديمير بوتين، المسؤول السابق لمحطة “كي جي بي” في ألمانيا الديمقراطية، التي أعطت لألمانيا الموحدة أنجيلا ميركل، وليس مبعوثاً للأمم المتحدة والجامعة العربية. غريب هذا الرجل، الذي كان ذات يوم قريب أميناً عاماً للأمم المتحدة، وكان قد فشل فشلاً ذريعاً في أكثر قضايا فترته تعقيداً وخطورة ومأساوية، فهو أعلن فشل خطته ذات النقاط الست في أعقاب مؤتمر جنيف, الذي كان إحدى محطات الأزمة السورية, لكنه بدل أن يعود إلى الذين كلّفوه هذه المهمة، أي الجامعة العربية والأمم المتحدة، ليتدارس معهم طبيعة الخطوة الجديدة المفترضة، بادر إلى حزم أمتعته والتوجه إلى دمشق، ومنها إلى طهران، ثم إلى بغداد، ليكحّل ناظريه بابتسامة نوري المالكي الخلابة، وليستمتع بطلته البهية! لم يناقش أنان مع بشار الأسد أي شيء سياسي على الإطلاق، حتى بما في ذلك خطته ذات النقاط الست، التي ولدت ميتة وبات الحديث عنها من قبل النظام السوري، و”صفويي” طهران، وفلول “كي جي بي” في موسكو، مثيراً للتقزز والاشمئزاز، وقد اقتصر الحديث بينه وبين الرئيس السوري، بحضور وحش الدبلوماسية الجسور وليد المعلم وفتاة “البعث” التي لا يقعقع بشنان بثينة شعبان، على ضرورة القيام ببعض الترتيبات المحلية، وعلى مدى ثلاثة أشهر، على أساس أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة لضمان التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجيش العربي السوري “المقدام”! والمعارضة المسلحة. بعد ذلك ذهب هذا الفتى الأبانوسي إلى طهران، وعاد منها مروراً ببغداد بالإعجاب، والمزيد من الإعجاب، والمزيد من القناعة بأن في يدها مفاتيح الأزمة السورية، وبأن بإمكانها بالتعاون مع موسكو جمع الأسلحة “التي وصلت إلى الأيدي الخطأ”! وإنهاء العنف وضمان انتقال سلمي للسلطة بعناية وإشراف بشار الأسد. بقي هذا الأنان يأتي ويعود دون أن يحقق إنجازاً واحداً، والغريب أنه باقتراحاته الأخيرة المتعلقة بالتجديد للمراقبين الدوليين لثلاثة أشهر، وتحويلهم إلى وسطاء، قد أشعر من يتابعونه أنه بكل ما فعله، بعدما نعى خطته وأعلن فشلها بنقاطها الست، يؤكد أن كل همه غداً أن يطيل فترة انتدابه من قبل العرب والأمم المتحدة، وأنه لم يعد يكترث بكل هذه الأعداد المتزايدة من الشهداء السوريين الذين يسقطون يومياً برصاص “شبيحة” بشار الأسد وقذائف جيشه “الباسل”!… وهذا يعني أنه يجب أن يطرد من هذه “الوظيفة” فوراً، ليلحق بمصطفى الدابي الذي غير معروف بأي أرض هو الآن؟!

الجريدة

أنان يهاجم الخليجيين ويدافع عن الروس!

 عبد الرحمن الراشد

منذ تسميته مبعوثا دوليا ظننت أنني تعجلت بالتحذير منه. زعمت حينها أن كوفي أنان شخصية جيء بها لإطالة أمد النظام. قلت إنها فصل هزلي آخر في مسرحية الجامعة العربية والأمم المتحدة. كوفي أنان كان أمينا عاما للأمم المتحدة وخرج منها بفضيحة اتهام ابنه في قضية المتاجرة بعقود النفط مقابل الغذاء في زمن العقوبات الاقتصادية على نظام عراق صدام. وبعد أشهر ثلاثة من الفشل، والمزيد من الدم، اتضح أن أنان بالفعل دمية جيء بها لصالح المجموعة التي تريد شق الصف الدولي، وإنقاذ نظام الأسد بإطفاء الثورة السورية.

الآن، طفح الكيل من هذا المندوب حتى خرج وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد عن هدوئه وانتقد أنان على الملأ قائلا: إنه أمر معيب أن المكلف بمهمة المبعوث الأممي في سوريا، لا يحضر مؤتمرا عن سوريا فيه نحو نصف ممثلي حكومات العالم!

بعدها رد أنان على الشيخ عبد الله في حديث لصحيفة الـ«لوموند» كشف فيه بوضوح عن ميوله.. اتهم صراحة دول الخليج، ويعني السعودية والإمارات وقطر. قال «القليل يقال عن الدول الأخرى (يقصد الخليجية) التي ترسل السلاح والمال ولها وزن على الأرض»! يعني أنها من تسلح الثوار. طبعا، أنان يتجاهل أنه لم يطبق أهم بنود مبادرته، ولم يطلب معاقبة النظام السوري التي تقضي بوقف عملياته العسكرية وسحب آلياته من المدن، ثم يطلب من العالم ترك الناس يذبحون!

ويستغفل أنان العالم محتجا في مقابلته على التركيز في النقد على روسيا.. يقول: «التركيز على روسيا يزعج الروس كثيرا.. ما يفاجئني أن الكثير من التعليقات تركز على روسيا، فيما تذكر إيران بدرجة أقل»! إن تخصيص روسيا بالنقد فلأنها عضو دائم في مجلس الأمن، أما إيران فلا قيمة لها في مسار القرارات الدولية. ولولا روسيا – لأن الصين لن تعارض – لكان التدخل الدولي حتميا منذ الصيف الماضي لوقف الإبادة من قبل قوات النظام. بسبب روسيا، وليس إيران، المأساة مستمرة في سوريا حيث قتل آلاف الأبرياء ويشرد الآن مليون ونصف المليون إنسان سوري.

ثم يطالب أنان بإدخال إيران إلى طاولة التفاوض حول مستقبل سوريا، هذا مقبول لو كان الهدف إقناع نظام الأسد بإجراء إصلاحات، لكننا تجاوزنا هذه المرحلة وبات الحل الوحيد التوجه نحو حل سلمي ينهي النظام الحالي بأقل قدر من الضرر، وهذا أمر لن تلعب فيه إيران دورا إيجابيا. وربما يكون لها دور مستقبلي إن أثبتت حسن تصرفها لاحقا بالتعاون مع النظام البديل.

ثم يتبنى أنان موقف روسيا في مساندتها رفض التدخل لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الأسد، حيث يقول إنه تم خداع روسيا والصين في ليبيا بتبني مبدأ «مسؤولية الحماية» للمدنيين وتحول إلى عملية لتغيير نظام القذافي. وتناسى أنان الظروف المحيطة بالقرار الدولي، فقوات القذافي كانت فعلا تقوم حينها بعمليات تشابه ما تفعله قوات الأسد اليوم، من قتل وتدمير وتشريد لمئات الآلاف من الناس. وبالتالي لم يكن القذافي جالسا في بلد آمن، بل كانت ليبيا في حمام دم لا بد من إيقافه حماية للمدنيين، ولولا قرار مجلس الأمن تلك الليلة لكانت قوات القذافي قد دمرت مدينة بنغازي المحاصرة.. هذه حقيقة وليست حيلة.

إن التدخل الدولي في سوريا بات ضرورة لحماية الشعب السوري، وضرورة لحماية المنطقة، واستباقا لوقف تفكيك تلك المنطقة إلى دويلات، ومنعا لظهور جماعات إرهابية في فراغ انهيار نظام الأسد.

الشرق الأوسط

أنان مبعوث روسي – إيراني؟!

    راجح الخوري

بدأ كوفي انان مهمته الفاشلة في سوريا قبل ثلاثة اشهر. ومع وصوله الى دمشق للمرة الثالثة اول من امس يكون عدد القتلى قد ارتفع ثلاثة آلاف بمعدل الف قتيل لكل زيارة. وانان بدأ مهمته الكارثية على انه المبعوث الدولي – العربي بعد رفع توصيات الجامعة العربية الى مجلس الامن، لكن اقنعته تسقط الآن.

فبعد تصريحاته عشية وصوله الى دمشق مدافعاً عن روسيا والصين، ومتعمداً فرض ايران لاعباً اقليمياً عبر حمامات الدم السوري، ومحاولاً تحميل الدول الخليجية مسؤولية فشله، يمكن القول انه ليس اكثر من مبعوث روسي – ايراني عمل ويعمل منذ البداية على اعطاء النظام السوري المزيد من الوقت للحسم العسكري المستحيل!

كان فاضحاً ومعيباً ان يتعمّد انان الغياب عن “مؤتمر اصدقاء سوريا” كما قال الشيخ عبدالله بن زايد غاضباً، لكن الامر ليس مستغرباً بعدما وقف وراء روسيا حيث اعتبر ان “مؤتمر جنيف” يغني عن اي اجتماعات اخرى رغم انه انتهى بخلاف صارخ بين الروس والدول العربية والغربية. والآن عندما يحاول تحميل مسؤولية فشله الفاضح الى السعودية وقطر ودولة الامارات التي تدعو الى تسليح المعارضة، فانه يتجاهل كل اشاراته السابقة الى ان النظام السوري لم يطبق اي حرف من خطة بنوده الستة.

ليس خافياً على احد ان نقاط انان الست دعت الى وقف النار وسحب الآليات من المدن تمهيداً للحل السياسي ولكن النظام لم ينفذ، وعندما جاء المراقبون الدوليون منعهم النظام من امتلاك المروحيات تسهيلاً لمهمتهم وحتى من الحصول على هواتف دولية وحال دون وصولهم الى المدن التي شهدت المجازر فقبع روبرت مود وزملاؤه يتلون الصلوات في فنادقهم في دمشق. ومع ذلك بلغت الفظاظة بانان ان يحاول وضع العربة امام الحصان عندما اقترح في مؤتمر جنيف تشكيل حكومة انتقالية من النظام والمعارضة بينما كانت المدن السورية تحت وابل من القصف؟

 والآن عندما يصل انان الى دمشق قائلاً ان مهمته لم تنجح وليس من ضمانات بأنها ستنجح… “ولكن ليس هناك من حلول بديلة ولا من خيارات اخرى على الطاولة”، يمكن ان نفهم انه يريد الاستمرار في توفير الغطاء للنظام والحل العسكري الذي شبع فشلاً منذ 16 شهراً. لكنه عندما يعود الى نغمة الاصرار على اشراك ايران في الحل في وقت تعتبرها المعارضة جزءاً من المشكلة اخطر وادهى من المشكلة الروسية والصينية، فان ذلك يدفع الكثيرين الى استذكار التاريخ المعيب والسيئ لأنان وابنه، الذي ذهب بعيداً في المتاجرة بآلام العراقيين.

فهل نكتشف ولو بعد حين ان المستر انان الذي تم استدعاؤه من الغبار منغمس الآن في بورصة الدم السوري، وخصوصاً عندما يحاول ان يجعل من مهمته الفاشلة مدخلاً لتلزيم روسيا وايران الازمة السورية، في وقت تكتفي هيلاري كلينتون بالتحذير الفظ من كارثة تتهدد سوريا؟!

النهار

أنان يخرج عن تفويضه

حسان حيدر

أياً تكن ذرائع الموفد الدولي – العربي كوفي أنان لتبرير زيارته الى طهران وتأكيده أن لإيران «دوراً إيجابياً» في حل الأزمة المستفحلة في سورية، فإنها تشكل خروجاً عن التفويض الممنوح إليه على أساس الخطة العربية الانتقالية المرفوعة إلى مجلس الأمن، وتحول جهوده مجرد تقطيع للوقت بانتظار أن تحسم التطورات الميدانية والسياسية مسار وساطته المترنحة ومصير بعثة المراقبين الدوليين التي لم تعد قائمة عملياً.

وقد جاءت محادثات وفد المجلس الوطني السوري في موسكو امس لتؤكد أن اجتهادات أنان غير مجدية، بعدما تبين للمعارضين السوريين عدم حصول أي تطور ولو بسيط في موقف روسيا المتمسك ببقاء بشار الأسد، فكيف يُنتظر من إيران الغارقة حتى أذنيها في الدفاع عن حاكم دمشق، قولاً وعملاً، أن تكون «إيجابية» في التعاطي مع أي اقتراح انتقالي يؤدي إلى تغيير النظام.

لقد شكلت سورية بقيادتها الحالية المنفذ الذي دخلت منه إيران وتدخلت في الشؤون العربية، والغطاء السياسي لفرض إرادتها ورجالها في لبنان والعراق، فهل يعقل أن تتخلى عن هذه الورقة؟

أما الخطة التدريجية لوقف إطلاق النار التي اتفق أنان عليها مع الرئيس السوري فتشكل أيضاً خرقاً لتفويضه ولخطة النقاط الست التي كان وضعها بنفسه وصادق عليها مجلس الأمن والجامعة العربية، والتي تنص على وقف فوري وشامل لإطلاق النار وخصوصاً من جانب القوات الحكومية، وسحب الجيش من المدن والمناطق الآهلة وإطلاق المعتقلين السياسيين والسماح بكل أشكال التعبير السلمي.

ويصعب التصديق أن المبعوث المشترك لم يكتشف الخدعة في اقتراح الأسد وقف إطلاق النار أولاً في الجبهات الأكثر عنفاً بما يريح قواته ويسمح لها بالقضاء على بؤر الانتفاضة الأقل قوة، واحدة تلو الأخرى، لا سيما انه ينص على فترة ثلاثة اشهر للوصول إلى وقف شامل للعنف. ومن الواضح أن أنان الذي اعلن في حديثه إلى صحيفة «لوموند» فشل خطته يسعى إلى تمديد مهمته بأي شكل كان ومهما كانت النتائج ضئيلة.

ولعله يستغل في سبيل ذلك العجز الدولي عن التوصل إلى تفاهم يتيح البدء فعلاً في الحل الانتقالي. فالخلافات التي تبدت في تفسير «الأرضية المشتركة» التي خرج بها مؤتمر جنيف لمجموعة العمل حول سورية أظهرت الحاجة إلى استمرار جهوده، ولو من دون توقعات، خلال فترة المراوحة هذه. فالروس والإيرانيون يعرفون انه ليس ممكناً قبول المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها بحل يقوم على بقاء الأسد وحاشيته، والأميركيون والعرب يعرفون انه ليس ممكناً أن يقبل الأسد بحل يقوم على تنحيه طالما لا يزال يمتلك القوة الكافية للدفاع عن نظامه.

لكن هذا لا يبرر الشطط الحاصل في جهود أنان وتوزيعه شهادات حسن السلوك على إيران وعلى الرئيس السوري نفسه، كما لا يمنحه الحق في تبني وجهة نظر احد طرفي النزاع بعدما كان حمَّله في إيجازه أمام مجلس الأمن المسؤولية الأكبر عن فشل مساعيه.

وحتى لو كان البعض يعتقد أن فترة اللاحسم ستطول، وقد تمتد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ما يبرر الحاجة إلى وجود وسيط ما، فالمطلوب من الأمم المتحدة ومن الجامعة العربية أن تضبطا موفدهما المشترك بحيث يتوقف عن الإخلال بشروط تفويضه.

الحياة

عنان إذ «يبق البحصة

عريب الرنتاوي

الموفد العربي/الدولي لسوريا كوفي عنان، لم يخف رغبته في مغادرة المسرح السياسي وترك الأزمة السورية الشائكة إلى مآلاتها الأكثر صعوبة…لقد قال ذلك تلميحاً وتصريحاً، وتناقلت وسائل الإعلام عنه وعن مساعديه، أجواء الإحباط التي يعيشها الرجل بسبب فشله في الوصول إلى النتائج المرجوّة بدءا بوقف النار العنف والقتل.

من حيث الشكل، يبدو العالم مُجمعاً على خطة عنان وحولها…لكن من حيث المضمون، فثمة أطراف غربية وعربية وإقليمية، تحفر عميقاً لدفن هذه المبادرة مرة واحدة وإلى الأبد…هذا ما استشعره الرجل منذ البدء، وهذا ما عبر عنه في أحاديثه وتقاريره العلنية والمنشورة مؤخراً.

عنان ينظر إلى روسيا كجزء من الحل…المحور العربي / الإقليمي / الدولي، الذي يتكون أساساً من الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر، يرى – بتفاوت – خلاف ذلك…هم يرون أن روسيا جزء من المشكلة لا وسيلة مساعدة على الحل…وتزداد الفجوة اتساعاً عند الحديث عن الدور الإيراني في الأزمة، عنان يرى ضرورة إشراك إيران، ذات الحضور والنفوذ غير الخافيين على أحد، في سوريا والمنطقة، فيما المعسكر المذكور يضع “فيتو” عريضا ضد مشاركة إيران، بل ويعتبر التفكير في أمر كهذا نوعاً من “السخرية السوداء”.

عنان يتحدث عن النظام السوري بوصفه جزءا من المشكلة والحل على حد سواء، فيما المعسكر الآخر، لا يرى في النظام سوى “جانب المشكلة” أما الحل فبإسقاطه بدءا من رمزه الأول: بشار الأسد…عنان لا يُخلي ساحة المعارضة وداعميها من “قسطٍ” من المسؤولية عن أحداث العنف والقتل، فيما يرفض المعسكر الآخر وضع الفريقين المحتربين في سلة واحدة، ويؤثر التركيز على “جرائم النظام ضد الإنسانية” متغافلاً عمّا تفعله بعض قوى المعارضة المسلحة من اعتداءات وتجاوزات تشارف ضفاف “الجرائم ضد الإنسانية وفقاً لبعض التقارير الدولية.

عنان لم يحضر مؤتمر باريس لأصدقاء سوريا، في دلالة على عمق الخلاف مع هذا المعسكر الذي يقود حلفاً دولياً مناهضاً للنظام…فكانت للمؤتمرين فرصة تفسير نتائج اجتماعات “جنيف” بما يروق لهم ويغضب عنان وروسيا، بالذات حين اتصل الأمر بتنحي الأسد كشرط مسبق للانتقال السياسي للديمقراطية.

بدل الشروع في تقديم استقالته، فاجأ السيد عنان المراقبين والمتتبعين بجولته الحالية في المنطقة والتي ستشمل عدداً من الدول المؤثرة في الأزمة، بدءا بسوريا والرئيس الأسد…ليواصلها في طهران التي استبعدت عن لقاء “جنيف” واستبعدت معها المملكة العربية السعودية، موحياً بوجود أفكار جديدة لوقف العنف، سيعرضها على المعارضة في أول لقاء له مع قادتها وأركانها الكثر والمتنافسين.

مثل هذا التبدل المفاجئ، أثار تساؤلات واسعة حول الأسباب التي حدت بالرجل إلى استئناف جهوده وبث بعض جرعات التفاؤل، وهو الذي كان منتظراً منه أن يلقي خطبة (تقرير) الوداع ويمضي إلى منزله ويوميات تقاعده المريح…هنا تقول بعض المصادر أن الذين عرقلوا خطة عنان على ضفتي الصراع الدائر في سوريا وحولها، لا يريدون للرجل أن يترك مهمته…لأن الفراغ وحده، أو الفراغ القاتل هو ما سيخيم على الأزمة، في وقت لا يبدو فيه الأفق مُحمّلاً بأية مبادرات سياسية أو عسكرية بديلة.

معظم، إن لم نقل جميع الأطراف المتورطة في الأزمة السورية، لا تريد أن تصل إلى هذه النتيجة…هي تريد مهمة عنان ولا تريدها…تريدها لتقطيع الوقت وتوفير فرص الحشد والتدريب والتسليح و”الحسم”…تريدها لغايات أخرى عديدة ومتناقضة، ليس من بينها هدف الوصول إلى حل سياسي للأزمة.

الولايات المتحدة و “بعض” أوروبا والأطلسي ليسوا جاهزين للتدخل العسكري الآن، أقله هذا العام…وهم غارقين في أولويات أخرى من بينها الانتخابات والأزمات وتجربة الفشل في أفغانستان والعراق…لذلك هم يريدون استمرار عنان في مهمته وإن إلى حين، حيث تجري تحت غبار تحركات الموفد الدولي، أوسع عملية تسليح وتدريب وتمويل وتهريب للمال والرجال إلى سوريا تقودها قطر والسعودية وبمساعدة نشطة من تركيا، وحيث تنعقد الرهانات والآمال على انهيار النظام تحت وقع أزمته المالية والاقتصادية واشتداد عود المسلحين والجيش الحر والعزلة الدولية المتفاقمة التي تحيط به وتمسك به من عنقه.

في المقابل، لا تبدو روسيا والصين وإيران، في وضع يمكّنها أن تقدم للنظام في دمشق أكثر مما قدمت له حتى الآن…هؤلاء يراهنون على صمود النظام وتماسكه وقدرته على “حسم معركة الأرض” مع خصومه ومعارضيه…كوفي عنان بالنسبة لهم، وكما يقرأون مهمته، ربما يكون خط الدفاع الأول عن النظام وعن مصالحهم المتشعبة في سوريا والمنطقة.

بين هذين “الهامشين: غياب البدائل السياسية والعسكرية لدى الأطراف المحتربة في سوريا وعليها، وحاجتها لتفادي “الفراغ”، يقرر عنان التمديد لنفسه ومهمته، يرجئ الاستقالة التي لوّح بها، ويتحرك يائساً ٌلإنقاذ ما تبقى من خطته، ليظل السؤال الذي يطارده: هل ستنجح هذه المرة حيث أخفقت محاولاتك السابقة؟

عنان يدرك صعوبة المهمة المولج بها، ويدرك أنه في غياب التوافق الدولي الصريح والواضح على أسس الحل وآلياته التنفيذية، في غياب الإرادة الدولية لإنفاذ خطته كما هي ومن دون “إضافات خبيئة وخبيثة”، لن يُكتب للأزمة السورية أن ترى الحل بوسائل سلمية، وستنزلق سوريا إلى أكثر سيناريوهاتها “كابوسيةً”…وهذا ما قاله عنان بصورة شبه حرفية على أية حال، معلناً بكل جرأة ووضوح أن بعض الدول، (ذكر تركيا وقطر والكويت والولايات المتحدة وفرنسا بالإسم) تمارس على الأرض غير ما تقوله في العلن، وتبطن في اللقاءات المغلقة غير ما تظهر للمعارضة من مواقف وسياسات…مشدداً على مسؤولية الجميع في تحمّل أوزار الأزمة وتبعات سفك الدماء الذي لم يتوقف.

سوريا بين خطة الأسد وضياع أنان

رضوان السيد

لا يدري أحد – حتى الروس – سبب إصرار أنان على إدخال إيران في حل «الأزمة» في سوريا! وقد كان هذا الأسبوع بالنسبة لأنان أسبوعا إيرانيا بامتياز. وقد بدأ الأمر قبل عشرة أيام بالغضب الساطع الذي استولى على أنان لاعتراض الولايات المتحدة والخليجيين على إشراك إيران في لقاء مجموعة الاتصال بجنيف. وتلا ذلك غيابه عن مؤتمر أصدقاء سوريا بباريس. فقد فهم معارضو الأسد من العرب والدوليين أن لجان الاتصال، واقتراحات المؤتمر الدولي بموسكو، ربما لاحقا بالعراق أو طهران، إنما يراد بها خلق آليات مواجهة لمؤتمرات أصدقاء سوريا التي توالت إقامتها ردا على الانسداد الذي تسببت به روسيا في مجلس الأمن. وما اكتفى أنان بإظهار الغضب في جنيف، والغياب عن مؤتمر باريس، بل إنه كما سبق القول «نظم أسبوعا إيرانيا بامتياز»، فذهب أولا للقاء الأسد بدمشق، ثم ذهب للقاء المالكي ببغداد، ومن هناك مضى إلى طهران حيث اجتمع بوزير الخارجية صالحي، وبمسؤول الأمن القومي جليلي. ولنلاحظ أنه التقى بجليلي لا للتفاوض على الملف النووي الذي لا علاقة لأنان به، بل على الشأن السوري، وهو المبعوث الدولي – العربي بشأنه!

في سوريا، بادر الأسدُ أنانَ بالتخلي عن بند كان قد صار واضحا أن أنان لا يؤمن بإمكان تطبيقه: تنحية الأسد شرط للدخول في مرحلة انتقالية تفاوضية! ثم أقنعه الأسد بالتخلي عن بند آخر، بحيث روج أنان لما صار يعرف خلال الأيام الماضية بـ«خطة الأسد»! والبند الثاني الذي تخلى عنه أنان من خطته ذات النقاط الست: وقف العنف قبل بدء التفاوض السياسي! فخطة الأسد العظيمة تقوم على «الانسحابات المتبادلة»؛ وهو ما خالف ما اتفق عليه مع أنان قبل ثلاثة أشهر، بل كان يحاول طرد المسلحين والإرهابيين من القرى والبلدات والمدن. وقد شارفت هذه المهمة الجليلة على الإنجاز؛ إذ سبق له أن تحدث عن «حرب» يوشك على الانتصار فيها! وهكذا فليتفاوض أنان مع المعارضة المسلحة على انسحاب متبادل، ومع المعارضة السياسية على بدء الحديث عن حل سياسي. وخرج أنان مقتنعا بـ«خطة» الأسد.. أو هكذا قال. إنما خفف من هذا الاقتناع الظاهر، ما تسرب عن محادثاته ببغداد، فقد قال للمالكي ومحاوريه الآخرين إنه لن يفيدهم في شيء دعم العنف الجاري في سوريا من جانب النظام، كما لم يفد في شيء دعم المسلحين المعارضين للأسد من جانب جهات عربية وتركية.

أما في طهران، فقد كان الأمر أصعب. فالإيرانيون كانوا يريدون التفاوض على أمور لا يملك أنان منها شيئا، تبدأ بمناطق نفوذهم في العراق وسوريا ولبنان، ولا تنتهي بالنووي، بل بمستقبل العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، بعد اشتداد الحصار عليهم ووصوله لتصدير النفط! وكان هم أنان إقناعهم بالضغط على الأسد للدخول في الانتقال السياسي الذي لا يبدأ بل ينتهي بتنحيه عند نهاية مدته عام 2014. لا يملك أنان بالطبع أن يعطي طهران شيئا بالمقابل، ولذا فقد اعتبر أنه «انتصر» ما داموا قد وافقوا على التفكير في سوريا بعد الأسد، أي بعد عام 2014، وحتى ذلك الحين، فإنه سيستمر في التشاور معهم، ويكون عليهم إقناع الأسد وحزب الله بالدخول في ترتيبات المرحلة الانتقالية بالفعل، أو يصبح الأمر مستحيلا على الجميع، وتصبح السلطة السورية هي الخاسر الأكبر بمنظور ما كانت عليه الأمور قبل عام ونصف العام!

ويتوجه أنان أخيرا وبعد الأسبوع الطويل مع المعسكر الإيراني إلى المعسكر الآخر. والمعسكر الآخر مكون من المعارضة السورية المسلحة، والمعارضة السياسية بفرقها الثلاث، واللجنة العربية برئاسة قطر، والجامعة العربية (المتمايزة عن قطر من خلال موقف أمينها العام)، والولايات المتحدة وحلفائها، وتركيا. وقد شكا أنان من قبل، وسيشكو الآن أكثر، من تعدد الأطراف والاتجاهات داخل «جبهة» المواجهة للنظام السوري. لكنه سيجد موقفين أساسيين: موقف يعتبر وقف العنف من جانب النظام شرطا لا بد منه للدخول في التفاوض، وموقف يعتبر تنحي الأسد شرطا لا بد منه للقبول بالدخول في المرحلة الانتقالية. وقد قال أنان لبعض ثقاته إن «العمل مع المعارضين أسهل بكثير من العمل مع النظام السوري، فخلافاتهم يمكن تجاوزها بجمعهم معا. أما من جانب النظام، فلا مفاوض غير الأسد نفسه، وما عادت عنده (قدرة) على تفويض غيره. ولذا لا يمكن التفكير حقا بتنحيته لأن الآلة العسكرية التي تسيطر عليها طهران منذ سنة، لا تعترف بغير الأسد، وسيكون صعبا على رئيس حكومة التوافق – وإن كان بعثيا – أن ينفذ شيئا من دون العودة كل ساعة للأسد الذي ينبغي أن يظل قابعا في قصره لحين انتهاء مدته لكي يمشي الحل».

ومن جهة أخرى، يقول بعض مستشاري أنان من العرب – وهم ليسوا بعيدين عن خنزوانات محمد حسنين هيكل – إن الصدع الزلزالي الذي تحدث عنه الأسد قبل عام صحيح، بمعنى أنه إذا ذهب الأسد ذهبت سوريا! ولكأنما بشار وأبوه هما اللذان أقاما هذا الوطن، وهو يذهب بذهابهما شأن كوريا الشمالية وكيم إيل سونغ وأولاده وأحفاده مثلا.

لن تنجح مفاوضات أنان مع المعارضين ولا مع مؤيديهم. فهو يبدو مستميتا فقط في تجديد مهمة بعثته بعد انتهائها في العشرين من الشهر الحالي. وقد تخلى عن أهم شروط مبادرته وهو وقف العنف، ولذا فلماذا ستقبل المعارضة بالتفاوض تحت وطأة السلاح؟ وهو ما لم تفعله عندما كانت غير مسلحة بعد خمسة أشهر على اندلاع الثورة! بيد أن الأبرز في تراجع عمل أنان ليس التخلي عن مبادرته عمليا؛ بل الابتعاد عن مجلس الأمن؛ إذ الأجدى بالفعل في الضغط على النظام – وبالاتفاق مع الروس – تهديد الأسد بوضع المبادرة تحت الفصل السابع. والروس إن كانوا واثقين من «التقارب» مع واشنطن – وهم كذلك – فإنهم – وبعكس الإيرانيين – قد يقبلون المضي في هذا الطريق. لدى الروس عدة ملفات مهمة يشتركون فيها مع الولايات المتحدة: الملف النووي الإيراني، وملف أمن إسرائيل، وملف أفغانستان الذي يهدد «الإرهاب» فيها الطرفين. وهم مختلفون بالفعل على الدرع الصاروخية، وعلى جورجيا؛ لكن الحديث لم ينقطع حتى في هذه المسائل. وهكذا، فهناك فرق كبير بين طهران المأزومة بالنووي والحصار وبمناطق النفوذ في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وبين روسيا الاتحادية القوية والمستغنية، والتي تريد استعادة الشراكة مع الولايات المتحدة على المسرح الدولي. لماذا ابتعد أنان إذن عن مجلس الأمن، أو لماذا لم يحاول الوصول إلى «توافق» الحد الأدنى بين الطرفين بالمجلس؟ أفكار أنان كانت دائما، عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة ثم عندما صار وسيطا دوليا، أنه في أي نزاع ينبغي عدم إلغاء أي طرف أو إضعافه حتى لا يطمع الطرف الآخر فلا يمكن إجراء التسوية. هذا هو الاعتبار الأول. أما الاعتبار الثاني، فهو أن الرئيس الأسد أفضل من خصومه ومعارضيه والتفاوض معه سهل، ويمكن التفكير ببقائه (!). وهذه أفكار يتداولها مفكرو «الأقليات» بالمشرق، ويحاولون ترويجها، مشيرين إلى نموذج جنوب أفريقيا، وهو مثل حساس بالنسبة لكوفي أنان، وإن لم يكف، فانظروا ماذا حصل بالعراق نتيجة التدخل الأجنبي، وماذا حصل بليبيا!

تنتهي مدة بعثة أنان العظيمة في العشرين من الشهر الحالي، وهو سيخاطب مجلس الأمن بهذه المناسبة، فيطلب إنهاء مهمته أو تجديدها أو تعديلها. والراجح أنه سيصر على التمديد، ليس لأنه نجح؛ بل لأن هذا الخيار لا خيار غيره، والتحية لخطة الرئيس الأسد العظيمة!

الشرق الأوسط

الموفد الدولي سقط في خطأ الخداع

    روزانا بومنصف

انقسامات ومقاربات تضيّع مكاسب جنيف

كشفت التطورات والمواقف الدولية المتصلة بالوضع في سوريا مزيدا من التخبط والعجز اللذين يسيران جنبا الى جنب مع مساعي تضييع الوقت لعدم وجود حلول جدية في الافق المنظور كما مع الانقسام الدولي الذي يترك مفاعيله بقوة على ما يجري على الارض في سوريا وفق مصادر ديبلوماسية معنية. وتتوقف في تفسيرها لذلك عند مجموعة مؤشرات من بينها:

اولا ان اجتماع مجموعة العمل من اجل سوريا التي انعقدت في 2 من الجاري في جنيف وروجت على اثرها الدول الاوروبية والولايات المتحدة ان الموقف الروسي شهد تغييرا من خلال موافقته على حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة اعلن على اثره بيان مشترك قد دحضه تطوران على الاقل: الاول اجتماع روسيا مع وفد من المعارضة السورية في موسكو خرجت على اثره هذه الوفود بانطباع ان الموقف الروسي لا يزال على حاله وهو لم يتغير باعتباره لا يزال يدعو كما دعا المعارضة قبل اشهر الى حوار بين السلطة والمعارضة بغض النظر عما حصل من تطورات ميدانية لها دلالات كبيرة. والتطور الآخر تمثل في التجاذب الدولي مجددا في مجلس الامن بين روسيا والصين من جهة والدول الاخرى من جهة ثانية حول مشروع قرار يطالب بعقوبات ضد النظام في حال عدم وقفه النار في اطار مناقشة التمديد لمهمة المبعوث الدولي الى سوريا ومهمة المراقبين. وهذا التجاذب يظهر سطحية ما تم التوصل اليه في جنيف ان لم يكن يدحضه او ينسفه في حال لم يتم التوصل الى آلية تنفيذية له باعتبار ان زخم الاتفاق الذي تم التوصل اليه في جنيف لم تبلغ عتبة مجلس الامن علما ان المواقف الروسية الاخيرة ترسل مؤشرات او رسائل متناقضة بين اعادة ارسال المروحيات التي كانت اوقف ارسالها قبل اسبوعين الى دمشق وتوجه بواخر من الاسطول الروسي الى طرطوس تزامنا مع الاعلان عن وقف عقد صفقات جديدة من الاسلحة قبل استتباب الوضع في سوريا.

ثانيا ان المقاربة التي يعتمدها الموفد المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي انان لم تكن موفقة من زوايا متعددة. فالرجل الذي زار دمشق اخيرا خرج بانطباع او اظهر انطباعا بالاحرى انه توصل مع الرئيس السوري بشار الاسد الى توافق على خطة ما بدا انها لم تأخذ في الاعتبار الجديد الذي طرأ على خطته والمتمثل في اتفاق جنيف من خلال التسليم بنقاط لتهدئة الوضع كان يفضل الا يبدي انان رأيه فيه بدلا من اظهار اقتناعه بها. علما ان ما اعتبر تقدما خرج به من خلال تسمية الرئيس السوري ممثلا له في الحوار مع المعارضة وهو الوزير في حكومته علي حيدر ليس جديدا بالمعنى الصحيح للكلمة باعتبار ان انان وحين زار دمشق سابقا على اثر تكليفه توصل الى خلاصات ان النظام سيسمي مندوبا عنه للحوار مع المعارضة باعتبار ان خطة انان كانت تقضي بالنية في جمع الطرفين إلى طاولة حوار في حزيران الماضي ثم عاد وأرجأ ذلك الى ايلول المقبل بعدما فشلت خطته للنقاط الست وهو حمل النظام مسؤولية اساسية في هذا الفشل. والجديد الوحيد بين لقائه السابق مع الرئيس السوري واللقاء الاسبوع المنصرم هو ابدال اسم بثينة شعبان التي كانت مرشحة النظام لتمثيله في حوار مع المعارضة وفق ما سرت معلومات آنئذ بعلي حيدر. وهذه المقاربة تظهر ان انان أخطأ في التسليم بمنطق النظام وخطته لوقف العنف باعتبار انها تمده بالوقت لتنفيذ ما يقوم به في حين ان هذه المقاربة كفلت له انعكاسين خطيرين على مهمته:

الانعكاس الاول ان مجزرة التريمسة تظهر ان التسليم للنظام بأي خطة يضع هذا الاخير عناصرها او يساهم فيها يعني ان الموفد الدولي تم خداعه من خلال الموافقة العلنية على خطته ثم نسفها من تحت الطاولة كما جرى سابقا. وقد سارع انان الى الاعلان عن صدمته ازاء هذه المجزرة محملا النظام المسؤولية فيها ارتكازا على حركة المروحيات والقصف اللذين لا تملكهما المعارضة. ثم ان ما بدا منه تبنيا لخطته مع الاسد كفل له فقدانا لصدقيته وحياديته مع المعارضة السورية التي خصصت له يوم الجمعة اعتراضا على وساطته ورفضا لدوره خصوصا ان موقفه اتى معطوفا على زيارة قام بها انان لطهران في الوقت الذي عارضت فيه الدول الغربية ايلاء ايران اي دور في موضوع سوريا في الوقت الراهن. وهو الامر الذي يخشى ان يضع تحديات اضافية امام الموفد الدولي من اجل اسباغ صدقية على مهمته ابعد من توفير المهل للنظام او تضييع الوقت وفق ما بات متعارفا على تحديد مهمة انان في عدد لا بأس به من الدول العربية والخارج في انتظار توافق الغرب مع روسيا علما ان اسئلة يثيرها البعض في شأن اقامته حوارا بين النظام والمعارضة حول مرحلة انتقالية مقبلة حيث مصير النظام هو الذي بات مطروحا على المحك وليس حوارا عاديا بين سلطة ومعارضة.

فهل تشكل مجزرة التريمسة التي فاقت بهولها كل المجازر التي وقعت حتى الآن محطة فاصلة في اتجاه تعديل في المواقف ام انها ستكون مجرد فصل جديد في فصول الازمة السورية المتواصلة؟

النهار

انان نأى بنفسه في أسوج بعد شعوره بالخديعة

روزانا بومنصف

تلقى مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان الى سوريا ضربة قوية في ضوء المحادثات التي اجراها مطلع الاسبوع الماضي مع الرئيس السوري بشار الاسد، اذ شعر على اثرها في ضوء ما سرب عن الاجتماع، انه تعرض للخديعة، وتالياً للفشل مما تسبب بشعوره بخيبة واحباط كبيرين دفعاه الى مغادرة جنيف يوم الخميس الماضي الى اسوج من اجل الابتعاد، عما اثقل عليه في هذا الاطار. ومع ان انان يزور موسكو من حيث المبدأ غدا الاثنين للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فان القرار المنتظر صدوره عن مجلس الامن قبل العشرين من الجاري هو الذي سيسمح بتبين ما اذا كان ثمة فرصة لأنان، لأن يستأنف مهمته. ًذلك انه في حال اراد ذلك او كلف بمتابعة مهمته في غياب اي بديل راهنا فان عليه ان يتسلق جبلا عاليا في محاولة لاستعادة ثقة السوريين الذين كلف مهمة في سوريا من اجلهم ومن اجل ان يحمي الشعب السوري فلا يبقى ضحية للعنف الذي يتعرض له، ذلك ان انان لا يستطيع ان يكمل، كما كان يفعل، ويفترض به اعادة صياغة مهمته في حال استطاع، كونه تسبب باذية للناس الذين اعتقد انه يخدمهم وتسبب بغضب المعارضة السورية التي لم تكن مؤمنة اصلاً بمهمته ولم تقبل بها، الا لاعتقادها انه يمكن ان يقنع الروس بالتعاون. كما عليه ان يستعيد ثقة الدول العربية وبعض الدول الغربية والبعض يقول ثقة فريقه المباشر التي تعرضت للاهتزاز مع عدم اخفاء البعض رغبته في الاستقالة من فريق عمل انان كون هذا الاخير اهمل الاستماع الى تقويم مختلف من جانب هذا الفريق.

وتكشف مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع ان ثلاثة عوامل على الاقل ساهمت في انزلاق انان الى ما اعتبرته المصادر فخا نصب له ووقع فيه. اول هذه العوامل انه كون انطباعا بعد اجتماع سان بطرسبرغ بين وزيرة الخارجية الاميركية ونظيرها الروسي ان الروس اكثر وعيا وادراكا لما يريدونه من الوضع السوري، واكثر استعداداً لتحقيق ما يريدونه في حين ان موقف الاميركيين غير واضح لا من حيث استعدادهم للوصول الى ما يقولون به حول تنحي الاسد ولا بتشددهم او بتراخيهم في هذا الاطار. وتاليا استنتج انان وفق معلومات هذه المصادر ان الموقف الروسي ومعه الدعم الايراني اقوى في دعم الاسد من دعم الولايات المتحدة والغرب والدول العربية للمعارضة باعتبار ان هذا الدعم ليس بالقوة نفسها وهو دعم مبدئي وليس بالقوة الفعلية نفسها للدعم الروسي والايراني للاسد . وهو الامر الذي ظهر في اجتماع جنيف لمجموعة العمل المتصلة بسوريا فاعتقد انه من ضمن ميزان القوى الروسي الغربي الحالي لا يستطيع ان يضغط على النظام السوري بل ان يحاول ان يصل معه الى تسوية مقبولة منه، وهو الخطأ الذي وقع فيه انان من اول الخط الى نهايته.

العامل الثاني وفق معلومات هذه المصادر يتصل بنظرة انان الى ما يجري في سوريا بناء على ما تقدم. فبات ينظر الى الثورة في سوريا على انها صراع مصالح بين ايران والمملكة العربية السعودية مغلباً العنصر الجيوسياسي على طابع الانتفاضة الشعبية في سوريا. مما يعني ًانه بات يعتبر ان السوريين هم ادوات في خدمة مصالح الآخرين، منزلقا الى تفسير جيوستراتيجي لما يحصل، مرتكبا بذلك خطأه الكبير الثاني في تجاهله الاسباب الداخلية للثورة السورية وديناميتها التي دخلت عليها الاعتبارات الخارجية.

اما العامل الثالث فكان اعتماد انان في تقويمه للوضع الداخلي وميزان القوى الداخلي في سوريا على تقدير رئيس فريق المراقبين الجنرال روبرت مود الذي من موقعه اعتبر ان ميزان القوى لا يزال الى جانب الجيش الموالي للنظام في قدرته على استخدام الاسلحة الثقيلة على رغم ان التقارير من جهات استخبارية عدة تكشف خسارة النظام سيطرته على مناطق عدة من الاراضي السورية. ويعود ذلك وفقاً لما تقول هذه المصادر الى غياب وجود للامم المتحدة على الارض في سوريا وعرقلة النظام السوري اقامة مكتب دائم يمكن ان يساهم من خلال تقارير موضوعية في تقويم الوضع على الارض على حقيقته. والخطير في هذا الاطار انه غاب عن انان، تبعا لذلك، ان ما يجري في سوريا ليس،من عمل مجموعة مسلحين او ارهابيين مسلحين وفقاً لما يقول النظام بل معارضة وقوة سياسية غيّبهما انان في جولته الاخيرة بعد غيابه عن اجتماع مجموعة اصدقاء سوريا الذي انعقد في باريس، فاكتفى بزيارة النظام السوري وحلفائه اي العراق وايران من دون التحدث مع المعارضة او مع الدول العربية. وتالياً، فاستنتاجه كان وفق معلومات هذه المصادر الديبلوماسية، انه في ظل الخلل في ميزان القوى الدولي وفي ظل صراع جيوستراتيجي يجعل السوريين ادوات في صراع اقليمي وتشخيص خاطىء لميزان القوى العسكري في الداخل، ان عليه ان يكون اكثر مرونة في التعامل مع الاسد. وقد تبين له ان الرئيس السوري وعده بمجموعة امور ظهر من تسريب السوريين لما سمي محضر اللقاء انه كان ضحية خديعة باعتبار انه تم تظهير انان موافقا على اقتراحات الاسد وخططه في حين نفى المبعوث الاممي انه وافق. فانان اعتبر انه اخذ من الرئيس السوري أمرين: احدهما هو موافقته على وقف العنف وقبوله بالحوار. لكنه في العنصر الاول ذهب الى شروط وتفاصيل تنسف خطة انان في الاساس ويستحيل في ضوئها ان يتحقق اي وقف للنار، وفي العنصر الثاني فان تسمية علي حيدر للبحث في تشكيل الهيئة الانتقالية ليس اقتراحاً جدياً باعتبار ان هذا الاخير ليس من ضمن النظام وهو على طرفه في حال التسليم جدلاً بأن الاسد يريد ان يسلم السلطة الى هيئة انتقالية تأخذ منه صلاحياته.

هذا الاهتزاز العميق لمهمة انان من حيث تقويمه للامور وشعوره بالخديعة واثارته غضب المعارضة السورية وفقدانه ثقتها الى جانب الاعتقاد انه اداة طيعة في يد الروس سيجعل الامور اكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة على رغم اقتناع عام بان انان يضيع الوقت ليس الا، خصوصاً بعد استنتاج المعارضة السورية بكل تلاوينها ان روسيا لم تغير اطلاقاً موقفها من النظام واستمرار دعمه. لكن مهمته تبقى ذات دلالة معنوية ان لم تكن فعلية فكيف سينقذها مجلس الامن او الدول التي تحتاج اليها في الوقت الضائع؟

النهار

خيبة أنان

مصطفى زين

منذ انطلاقها بدت مهمة كوفي أنان في سورية مستحيلة. لا احد يريد له النجاح، أو لا أحد يتوقع أن يتوصل إلى وقف العنف والبدء بالمسيرة السياسية، لا النظام ولا المعارضة، ولا الدول التي توافقت على البنود الستة. بنود عامة فسرها كل طرف انطلاقاً من موقعه في الصراع. الأميركيون وحلفاؤهم قرأوا فيها دعوة إلى تنحي الأسد وفرصة لزيادة الضغط على النظام وحليفيه الروسي والصيني، طالما أنهم لم يقرروا استخدام القوة العسكرية بعد، فيما وجد فيها الروس مخرجاً موقتاً يجنبهم الحرج في استخدام الفيتو في مجلس الأمن.

الجميع كان في انتظار التطورات الميدانية للانتقال إلى مرحلة جديدة، اي في انتظار المزيد من القتلى والضحايا والدمار، فهؤلاء ثمن بخس في اللعبة، والبكاء عليهم واجب «إنساني» يساعد في تكريس هزيمة سورية الدولة، لا النظام، من هنا كانت المحاولات الجادة لتحويل شمال لبنان إلى منطقة عازلة لاحتضان مسلحي المعارضة، واستفزاز الجيش السوري كي يدخل إلى الأراضي اللبنانية ليصبح دخوله ذريعة أخرى وتبريراً لهجوم عسكري يعد له على المدى الطويل. لكن استحالة هذا الأمر، واستحالة تحويل حمص إلى منطقة «محررة»، حول المدن السورية كلها إلى جبهات مواجهة، المنتصر فيها مهزوم.

ولأن أنان يعرف تماماً ان الصراع على سورية صراع جيو-استراتيجي وقوده الشعب، يخرج المنتصر فيه بأكبر انتصار عرفه المتصارعون منذ الحرب العالمية، يدرك أن اياً من هؤلاء لن يسهل مهمته بالامتناع عن تسليح المعارضة وعسكرتها، أو بالضغط على النظام كي يتنازل عن موقفه. لذا حاول عدم التقيد ببنود المبادرة المحصورة في الداخل السوري، ووسع اتصالاته مع الدول المؤثرة، من بكين إلى بغداد، ومن واشنطن إلى طهران. وكانت رحلته «المحرمة» إلى العاصمة الإيرانية اعترافاً منه بأن مهمته أصبحت في نهايتها، لكنه سجل في تاريخه الديبلوماسي العريق أنه لا يخدع وأنه يعرف لعبة الأمم الدائرة في الشرق الأوسط. هذا ما رآه، أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فرأوا أن دخول إيران إلى هذه اللعبة من البوابة السورية يعني أن الغرب عموماً اعترف بدورها في المنطقة وأصبح مضطراً إلى تقاسم النفوذ معها، ويعني أيضاً انه تنازل لروسيا التي تطالب بدور لطهران في التسوية، وفي هذه الحال يكون اعترف بهزيمته الكاملة أمام التحالف الروسي الإيراني، والصيني، في هذا الصراع على نظام عالمي جديد بدأ يتشكل انطلاقاً من سورية. وفي هذا السياق لا يرفض الروس التراجع عن دعم الأسد، فهذا تفصيل، ولا مانع لديهم من رحيله إذا ضمنوا محافظة البديل على موقعهم.

زيارة أنان لطهران كانت رسالة إلى الجميع مفادها أنه يدرك ابعاد اللعبة واستحالة النجاح في ظل شروطها. أو هي لدفع المعنيين إلى إعلان موت المبادرة التي ولدت ميتة.

الحياة

خداع أنان

ساطع نور الدين

كوفي أنان ديبلوماسي موضوعي ونزيه الى حد غريب. مهمته السورية الحالية لن تنجح، لان أحدا لا يريد لها النجاح، سواء داخل سوريا أو خارجها. وهو ليس ساذجا الى حد أن يجهل هذا الأمر، لكنه ليس ماهرا الى حد أن يكتشف أن اسمه وسمعته ورصيده أصبحت في مهب الريح.

صحيح أن أنان وجه بعد مؤتمر جنيف وقبل مؤتمر باريس السوريين، أول إشارة الى ضيقه من المهمة المستحيلة، ورغبته في تركها لسواه، لكنه سار في الاتجاه المعاكس تماماً لما تقتضيه هذه الاشارة عندما قرر فجأة السفر الى دمشق ثم الى طهران ثم بغداد، حاملا مشروعا أعدّه رئيس فريق المراقبين الدوليين الجنرال روبرت مود، يتسم بغرابة أو حتى سطحية استثنائية: فك الاشتباك بين المتحاربين في داخل سوريا بناء على وقف متبادل لإطلاق النار وانسحابات متزامنة تؤدي بالضرورة الى خلق المناطق الآمنة التي لا يرغب بها أحد، لا من جانب النظام ولا من الجيش السوري الحر أو غيره من المعارضين المسلحين الذين يعتبرون، مثلهم مثل القوات النظامية، أن مساحة سوريا كلها هي ميدانهم وملعبهم، حتى بغياب التنسيق بين تشكيلاتهم الموزعة جنوبا في درعا، أو شرقا في دير الزور أو وسطا في حمص أو شمالا في إدلب.

اقتراح غير قابل للتنفيذ، وهو ما يعرفه أبسط المتابعين للوضع السوري الذي لم يعد يحتمل فكرة ضمان تحويل محافظة حمص على سبيل المثال من جبهة مواجهة الى منطقة عازلة وخالية من وحدات النظام ومن المسلحين.. وهو ما يتطلب اتفاقات وعهود ثقة غير موجودة أصلا، فضلا عن أنه يستدعي مراقبين إضافيين، في الوقت الذي يقترح فيه أنان نفسه على مجلس الأمن خفض عدد المراقبين الموجودين الى النصف وتعديل مهمتهم بحيث تصبح مهمة متابعة سياسية وإنسانية أكثر من كونها مهمة أمنية.

أما الذهاب الى طهران والإصرار من جانب أنان على مشاركتها في الحل، فهو أشبه بالتحدي والاستفزاز: قيل ان مصدر هذه الفكرة أميركي وروسي، وهي كانت تهدف الى تطمين النظام الى أن تغييره ليس شرطا مسبقا للعملية الانتقالية المقترحة، لكن الوضع تغير الآن، حتى بالنسبة الى الروس، الذين باتوا يدركون موازين القوى على الارض مثلما يلاحظون انه ليس من المناسب الآن مكافأة ايران أو حتى إغراؤها بمثل هذا الدور السوري، في الوقت الذي يتصاعد الخلاف معها حول برنامجها النووي وحول أفغانستان والعراق أيضاً.

الثابت الوحيد الآن هو أن أنان وقع وسط عملية خداع متبادلة بين جميع أطراف الأزمة السورية، الذين لا يريدون حلا، ولا يرون سبيلا سوى استهلاك ذلك الديبلوماسي العريق حتى النهاية.. التي لا يتوقع أحد أن تأتي من الخارج، سواء كانت في شكل مقترحات سياسية أو خيارات عسكرية.

قد لا يكون أنان هو ضحية الخداع، بل هو الذي يخدع الجميع الآن؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى