صفحات العالم

إدارة أوباما الثانية… وتحديات الأزمة السورية

 

دويل مكمانوس

في شهر أغسطس الماضي اقترحت وزيرة الخارجية السابقة كلينتون، ومعها ديفيد بيترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك، أن تقوم الولايات المتحدة بتغيير سياستها وإرسال أسلحة وغيرها من أنواع المساعدات لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون جيش النظام السوري.

وفي ذلك الوقت، وافق كل من وزير الدفاع ليون بانيتا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة أيضاً، على هذا المقترح وهو ما عُد خطوة غير معتادة بالنسبة لمؤسسة تتسم بالحذر -في الأحوال العادية- مثل البنتاجون.

ولكن “توماس دونيلون” مستشار أوباما للأمن القومي، عارض ذلك الاقتراح، وانضم الرئيس إليه في نهاية المطاف.

ويقول منتقدو أوباما إن الرئيس لم يقدم على العمل المناسب في ذلك الحين، بسبب أهداف سياسية ضيقة تتمثل في أن الحملة الرئاسية الأميركية كانت جارية على قدم وساق، وأن آخر شيء كان يفكر فيه أوباما أثناءها هو توريط الولايات المتحدة في حرب جديدة.

واليوم، وبعد مرور ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات، تغير الملعب الذي تدور عليه الأحداث. فعلى رغم أن سوريا ما زالت غارقة في حالة من الانسداد السياسي الدموي، تؤدي إلى مصرع أعداد من المدنيين تتزايد يوماً بعد يوم، ألا أن كلينتون، وبيترايوس، وبانيتا، خرجوا من دائرة الحكم، وبات أوباما يعتمد على مجموعة مختلفة من المستشارين.

وأهم اثنين في هذه المجموعة هما جون كيري وزير الخارجية، وتشاك هاجل الذي سيتم تثبيته عما قريب كوزير للدفاع.

وما زال الرئيس هو اللاعب الأكثر أهمية، ولكنه يبدو في الوقت نفسه، كرجل يبحث عن أعذار كي يظل بعيداً عن الصراعات. وقد شرح ذلك في صيغة سؤال، حين قال في مقابلة له مع صحيفة “نيو ريبابليك”: “يجب عليّ أن أسأل: هل نستطيع إحداث فارق في هذا الموقف؟” وأضاف أوباما: “هناك سؤال آخر يتعين أن أسأله وهو: كيف يمكننا أن نوازن بين عشرات الألوف من الأشخاص الذين يقتلون في سوريا مقابل عشرات الألوف من الأشخاص الذين يتعرضون للقتل الآن في الكونجو مثلاً”.

وقد وجد أوباما في هاجل شخصاً أكثر تصميماً منه على مبدأ عدم التدخل. فهو -هاجل- لم يؤيد تصعيد أوباما للحرب في أفغانستان ولا قراره باستخدام قوة أميركية في ليبيا، وهذان الانشقاقان يبدوان كما لو كانا قد احتسبا لصالحه -وليس ضده- عندما قرر أوباما اختياره.

أما كيري، وهو من قدامى المحاربين في فيتنام أيضاً مثل هاجل، فهو، وإن كان مثله من المتشككين في جدوى التدخل العسكري؛ إلا أنه أيد، على النقيض من هاجل، سياسة أوباما في زيادة عدد القوات في أفغانستان، وقراره بالتدخل في ليبيا.

ويقول كيرى إن سوريا ستكون من أولى المشكلات التي ينوي معالجتها. وقد أعد بالفعل خططاً للالتقاء بالزعماء المدنيين للمعارضة السورية في روما الأسبوع المقبل، كما يقول أيضاً إنه يريد أن يمنح الدبلوماسية فرصة أخرى لإقناع الأسد بالتنحي عن منصبه سلمياً.

ولكن ليس هناك مؤشر من دمشق يفيد بأن الأسد على استعداد للاستجابة لمثل هذه الاقتراحات. فاعتقاده الحالي هو أنه قادر على الصمود والبقاء لفترة أطول من المعارضة المسلحة، حتى لو أدت الحرب إلى تمزيق بلاده.

ومن بين المقترحات التي يتعين النظر فيها ذلك المقدم من “فريدريك هوف” مسؤول الملف السوري في إدارة بيل كلينتون، والذي ظل يعمل في وزارة الخارجية حتى العام الماضي.

ويمكن تلخيص مقترحه في عبارات موجزة بأنه يتمثل في “البحث عن فصيل المعارضة السوري المعتدل الأكثر احتياجاً للسلاح والعمل على توصيله له بسرعة”.

وهذا الاحتياج كما يشرح هو “لا يشترط أن يكون على شكل أسلحة فهناك أنواع أخرى من المساعدات يمكن أن تكون أكثر أهمية مثل المعدات العسكرية، والتدريب، وتقاسم المعلومات”.

ومن الصعب تخيل موافقة هاجل على مقترح كهذا يقضي بتقديم المساعدة للمعارضة المسلحة… ولكن ماذا عن كيرى؟

الحقيقة أن كيري قد وافق على ذلك من قبل. ففي مقابلة لم تحظ بذيوع كبير مع مجلة “فورين بوليسي” في مايو الماضي قال بالحرف: “إن المساعدة العسكرية للمتمردين السوريين يجب أن تزداد”.

وبناء على هذا كله قد يكون بإمكاننا تقديم تنبؤ بعملية صناعة السياسات في إدارة أوباما فيما يتعلق بسوريا خلال الشهور القليلة المقبلة.

وسيقوم كيري برحلته المقررة وسيطلب من الأسد التفاوض مع المعارضة، ويناشد روسيا إنهاء مساعدتها لسوريا، ولكن هاتين المحاولتين لن تكللا بالنجاح.

وبعد ذلك سيعود كيري إلى واشنطن ويقول إن الوقت قد حان لإحياء المقترح الذي قدمه كل من كلينتون وبيترايوس في أغسطس الماضي بتقديم المساعدة للمعارضة السورية المسلحة.

وسيجد أوباما نفسه في حيرة من أمره مرة ثانية. ولكنه في هذه المرة سيكون مضطراً لاتخاذ القرار حيث لا توجد حملة انتخابية، كما أن التداعيات السلبية للأزمة السورية كانت قد بدأت تفيض على الجيران وتدفع بالأمور نحو التصاعد.

وسيجد أوباما أنه من الصعب عليه أن يقول لا هذه المرة؛ ولكنه إذا ما قال نعم فإنه سيجد نفسه مضطراً لتفسير لماذا اضطر للصبر سبعة أشهر كاملة قبل أن يتخذ هذا القرار، وهي فترة ضاع فيها الوقت كما فقدت فيها أيضاً أرواح بشرية كان يمكن إنقاذها.

دويل مكمانوس

كاتب ومحل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشيونال»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى