صفحات المستقبل

عوائق الاعتراف الدولي بالمجلس الوطني السوري


يعتبر المجلس الوطني السوري أهم طيف من أطياف المعارضة السورية , وقد كان تشكيله نتيجة لمناشدات داخلية وخارجية عديدة ليكون على غرار المجلس الانتقالي الليبي .وبغض النظر عن الدوافع التي كانت خلف إنشاء المجلس الوطني السوري ورأينا فيه , إلا أنه لم يلق ذات التعامل الذي لاقاه نظيره الليبي, خاصة فيما يتعلق بالاعتراف الدولي به كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري, بل إن أقصى ما استطاع المجلس حتى هذه اللحظة تحقيقه هو اعتباره محاوراً شرعياً عن المعارضة السورية ودون أن يكون ممثلها الوحيد.

ونذكـّر هنا بتصريحات الدكتور برهان غليون رئيس المجلس, والتي قال فيها أن أسهل شيء أمام المجلس هو الحصول على الاعتراف الدولي , لكن الواقع كان معاكساً لما قاله الدكتور غليون وما تمناه أنصار المجلس.

والذي يبدو حتى الآن أن الاعتراف بالمجلس ليس على الأجندات الدولية في العالم, ولا يظهر أن الاعتراف به ( كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري ) ممكن ضمن الظروف الحالية لاعتبارات عديدة.

أولاً – الاعتراف في القانون الدولي :

الاعتراف في القانون الدولي هو إما اعتراف بدولة أو اعتراف بسلطة تمثل الدولة أو جزءاً منها ( ويسمى اصطلاحاً الاعتراف بغير الدولة )

و الاعتراف بالدولة في القانون الدولي هو:

((عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول , وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين , مستقلة عن كل دولة أخرى ، وقادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولي العام ))

أما الاعتراف بغير الدولة فليس له تعريف محدد في القانون الدولي , ولكن يورد القانون أنواعاً مختلفة من هذا الاعتراف وهي :

1- الاعتراف بالثائرين :

وهو يحصل في حالة إذا ما نشبت ثورة في داخل دولة ما , وتعدت هذه الثورة حدود الهيجان الشعبي, لكن دون أن تبلغ في الجسامة مبلغ الحرب الداخلية.

وصدور الاعتراف بالثائرين من دولة أجنبية في هذه الحالة , لا يترتب عليه إعطاء الثوار حقوقاً معينة في القانون الدولي, ولا ينتج عنه التزامات تقع على عاتق الدولة المعترفة. ولذلك يمكن أن تعترف الدولة الأجنبية بالثوار وتبقي صلاتها الدبلوماسية كاملة مع السلطة القائمة في الدولة المعنية, بل إنه في حالات معينة يمكن للدولة المعنية نفسها أن تعترف بالثوار. و الأعم والأغلب في هذا المجال أن تمتنع الدول الأجنبية عن مساعدة الثوار والاعتراف بهم حرصاً على صلاتها بالدولة الأم.

2- الاعتراف بالمحاربين :

إذا ما اتخذت الثورة شكل حرب داخلية بين قوتين متقابلتين , لكل منهما حكومة منتظمة تمارس سيادتها على جزء من إقليم الدولة وجيش يتبع قواعد الحرب, ترتب على ذلك اعتبار حالة الحرب قائمة مع كل ما ينتج على ذلك من آثار . ويجوز في هذه الحالة للدول الأجنبية الاعتراف بالمحاربين, ويلاحظ هنا أن هذا الاعتراف يعني عملياً سحب الاعتراف بالجانب الآخر كسلطة شرعية في الدولة أو في جزء من إقليمها.

وقد شهد الوطن العربي هذا النوع من الاعتراف في حرب الجزائر حين بادرت الدول العربية والإسلامية للاعتراف بالجزائريين فور تشكيل حكومتهم الأولى في القاهرة بعد اندلاع الثورة الجزائرية .

كذلك يعتبر من قبيل هذا الاعتراف الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي بعد اندلاع الثورة الليبية.

ويذكر هنا أن المادة الثامنة من لائحة مجمع القانون الدولي وضعت شروطاً لهذا النوع من الاعتراف فقررت أنه :

” لا يجوز للدول الأجنبية أن تعترف للجماعات الثائرة بصفة المحاربين إذا لم يكن في حوزة هؤلاء إقليم معين, ولهم حكومة نظامية وقوات مسلحة نظامية ”

بمعنى أن الاعتراف بحكومة المحاربين يحتاج أن يسيطر المحاربون سيطرة فعلية على جزء من الإقليم الوطني, وأن يكون لهم حكومة نظامية وقوات مسلحة تابعة لها.

3- الاعتراف بالحكومة الفعلية ( حكومة الأمر الواقع ):

وهو: (( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بسلطة أو حكومة معيّنة قادر على حفظ الأمن و تمثيل الدولة أمام الجماعة الدولية و القيام بالتزاماتها تجاه الدول الأخرى)) .

وغالباً ما تنشأ هذه الحكومات عند قيام نظام حكم جديد في دولة معينة على إثر انقلاب أو ثورة.

والتعامل الدولي في هذا الخصوص يقوم على اعتبارات سياسية بحتة , فالدولة الأجنبية تعترف بالحكومة إذا كانت موافقة لاتجاهها السياسي ولا تعترف بها في الحالة المعاكسة .

وتتميز الحكومة الفعلية أن تنصيبها يتم خارج الإطار الدستوري المطبق في البلاد, ولابد لسلطتها أن تتمتع بالفعالية أي أن تكون قادرة على فرض نفسها على المواطنين جميعاً في الدولة.

وتقدير الفاعلية هو مسألة واقعية يعود تقديرها لكل دولة على حدى , فبريطانيا مثلاً تركز على مقدار سيطرة الحكومة على إقليم الدولة, ولهذا مثلاً رفضت في عام 1962 الاعتراف بحكومة السلال في اليمن , ورفضت في عام 1969 الاعتراف بحكومة اليمن الجنوبي بدعوى أن أي من الحكومتين لا تمارس سيطرة تامة على كامل الإقليم.

4- الاعتراف بالأمة أو الشعب :

ظهر هذا النوع من الاعتراف عقب الحرب العالمية الثانية عندما احتلت قوات ألمانيا النازية بعض الدول الأوروبية , فانسحب زعماء هذه الدول المحتلة إلى البلاد الحليفة وشكلوا فيها لجاناً قومية اعترفت بها الدول الأخرى على أنها حكومات في المنفى.

ثانياً – الوضع القانوني الحالي للمجلس الوطني السوري :

من الاستعراض السابق, يتبين أن المجلس الوطني السوري لا يحقق أياً من الشروط اللازمة للاعتراف به بأي شكل إلا كحكومة ثوار , وهذا الاعتراف حتى في حال حدوثه لا يترتب عليه سحب الاعتراف من النظام في سوريا .

ويرجع السبب في ذلك كما قلنا إلى أن المجلس الوطني السوري لا يحقق شروط الاعتراف المذكورة .

فلا هو يسيطر على الدولة أو جزء من إقليمها , ولا شكله الحالي له هيكلية الحكومة التي يمكن الاعتراف بها, ولا الجيش الحر يمكن اعتباره قوات نظامية تابعة للمجلس وتخضع له.

وبعيداً عن الاعتبارات القانونية المذكورة, وعلى فرض أن المجلس استطاع أن يسيطر على جزء من الإقليم الوطني ( المنطقة العازلة ) وبنى هياكله الداخلية على شكل ( حكومة ) وخضع له ( الجيش الحر ) بالمطلق, يبقى هناك مسألتان أساسيتان :

الأولى- أنه لا يمكن إجبار دولة على أن تعترف بالمجلس الوطني السوري , فالدول حرة في منح الاعتراف أو حجبه وفقاً لاعتبارات سياسية محضة تتفق مع مصالحها الوطنية, وهذه الاعتبارات قد تكبل المجلس الساعي للاعتراف به, وقد تضطره في سبيل نيل الاعتراف المنشود إلى تقديم تنازلات معينة تعود وبالاً على الدولة.

والثانية – أن المجلس يواجه مشكلة تمثيل وليس مشكلة تأسيس , بمعنى أنه لا يقدر أن يدعي أنه يمثل 23 مليون سوري وليس هناك من وسيلة لإثبات مثل هكذا ادعاء مهما كان محقاً , وفي سبيل ذلك اقترحت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون على المجلس ضم ممثلين عن الأقليات وعن النساء.

وهنا الطامة الكبرى لأن ذلك يعني أن توزيع المناصب في المجلس سيكون على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية وإذا كان الحال هكذا فإن القوى الوطنية في سوريا متضررة من هذه العملية.

كما أن الخوف هو في أن تبقى المحاصصة تلك سارية بعد سقوط النظام كما حدث في الحالة العراقية.

أخيراً – قد يدفع الكثيرون أن هذه الاعتبارات القانونية لا تهم الثوار في شيء ولا تعنيهم من قريب أو بعيد. وهذا أمر لا أنكر صحته بالنسبة للثوار في الداخل , ولكنه بالغ الأهمية في فهم سبب عدم حصول المجلس الوطني السوري على اعتراف دول العالم به, خاصة وأن العالم اليوم وبالتحديد الغربي منه مهووس بالقانون الدولي ويتشدد في تطبيق قواعده.

Ares lawcurt

http://the-syrian.com/archives/58091

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى