صفحات الثقافة

عودة للقرون الوسطى!

سمير التنير

تعرض المخرج نوري بوزيد إلى ضربة قوية على الرأس (في شهر نيسان عام 2011 في تونس) لأنه طالب بدستور علماني. وبعد أسابيع قليلة من ذلك الحادث هاجم جمع من السلفيين دار سينما افريك أرت، وأطلقوا قنابل مسيلة للدموع. وذلك لمنع عرض فيلم يتعرض للأديان. وفي شهر تشرين الأول من العام نفسه تعرضت قناة تلفزيون «نسمة» لحريق بسبب فيلم وثائقي. كما أقفلت صالة عرض اللوحات «ربيع الفنون». وقد مزقت وأحرقت الرسوم كلها.

وفي الوقت نفسه تتعرض الجامعات لمشكلات وحوادث متعددة، بسبب سريان منع المنقبات من دخول قاعات المحاضرات. وفي جامعة منوبية تتخصص إحدى كلياتها بتدريس العلوم الدينية. ولذلك أصبحت تلك الكلية هدفاً لتظاهرات «الحرس الأخضر» الذي يقوم أفراده بتعطيل المحاضرات، ورفع العلم الاسلامي الأسود، في أعلى بناء الكلية، وتتعرض الجامعات الأخرى في البلاد لنفس المضايقات، والمطالب هي نفسها: السماح للمنقبات بالدخول إلى المحاضرات، وتخصيص أمكنة في الجامعة لإقامة الصلاة، والفصل ما بين الجنسين. أي إقامة فاصل ما بينهما في قاعة المحاضرات.

لقد اكتسبت تونس هوية علمانية كمدينة حديثة تتمتع بطابع «كوزموبوليتي» عالمي، هنا تسير الفتيات سافرات. دون خوف. على عكس مما هو عليه الحال في القاهرة على سبيل المثال. ويعتبر بعض الأوربيين مدينة تونس توأماً لمدينة «مارسيليا» الفرنسية. حيث يختار الناس أزياءهم بكل حرية، وخاصة في فصل الصيف.

لا تميز حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة في تونس نفسها عن الحركات السلفية. ورئيسها يقول للسلفيين «لِم العجلة» في فرض الشريعة، هناك وقت. ولذلك سارعت الحركات الإسلامية بإنشاء مدارس تحفيظ القرآن، وإعداد الدعاة.

تتهم المعارضة حركة النهضة بالعمل بوجهين. فهي من ناحية تحبذ الانفتاح على الأفكار والنشاطات، ومن ناحية أخرى تؤيد الحركات السلفية. ولكن حركة النهضة أصدرت بياناً أكدت فيه على الديموقراطية وحرية الرأي. يقول باجي قائد السبسي رئيس الوزراء السابق وأحد أركان نظام بورقيبة، والذي أشرف على الانتخابات التي جاءت بحركة النهضة إلى الحكم، والذي يرأس حركة سياسية جديدة اسمها «نداء تونس» والبالغ من العمر 84 عاماً. «ان حركة النهضة لن تتخلى عن الحكم. وهي تود إرجاع تونس إلى عهد الخلفاء الراشدين، في القرن السابع الميلادي».

ان السعي إلى السلطة، ليس عيباً في حد ذاته. اذ انه هدف كل حزب سياسي في العالم. ولكن تجارب الشعوب تاريخياً وفي أزمنة الثورات والتغيير، تقتضي إقامة حكومات ائتلافية تضم كل القوى السياسية التي شاركت في القضاء على النظام الديكتاتوري.

منذ انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، ظنت حركات «الاخوان المسلمين» في الوطن العربي ان وقت حيازتها للحكم قد حان. وقد سارعت لالتقاط هذه اللحظة التاريخية. ولكن ذلك قد يؤدي إلى الانقسام المجتمعي، الذي قد يؤدي إلى الفوضى.

يقول الاسلاميون ان زوال الطغاة هو «نصر من عند الله». ونحن نريد ان يكون الانتصار لكل المناضلين الذين أسهموا في القضاء على أنظمة الاستبداد، بمن فيهم شباب الميدان، كي لا يصح قول أجهزة الغرب الاعلامية بأن «الربيع العربي» قد انقلب إلى «شتاء إسلامي».

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى