صفحات العالم

بعدما اقتربت النار السورية من لبنان

لا شيء يحميه منها سوى التزام “إعلان بعبدا”

    اميل خوري

في المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان بحيث يكاد الأمن فيه يدخل دائرة الخطر، لا بد للمرجعيات الرسمية والسياسية والدينية والاقتصادية من أن يكون لها موقف واحد موحد يحمي استقلال لبنان وكيانه وسيادته، ألا وهو موقفها من الحياد الذي تقرر في هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري وعرف بـ”إعلان بعبدا” والعمل على جعله بنداً ميثاقياً يضاف إلى بنود مقدمة الدستور ليصبح ملزماً ولا يظل شعاراً ولكل من المرجعيات تفسير مختلف له.

لقد نص ميثاق 43 على أن يكون لبنان على الحياد بين الشرق والغرب ليحول دون تدخل اي خارج في شؤونه الداخلية، لكن اللبنانيين لم يلتزموا ويا للأسف ذلك. فمنهم من شرّق ومنهم من غرّب.

وذاق لبنان مرة واحدة طعم الحياد مصادفة عندما بقي خارج الحرب المصرية – السورية ضد اسرائيل لأن الرئيس عبد الناصر أراد أن يكون لبنان دولة مساندة لا دولة مواجهة كما يريدها لبنانيون اليوم، وقد تدفقت الرساميل العربية على لبنان وسجّل ارتفاعاً ملحوظاً لدخله القومي ومستوى عالياً لمعيشة شعبه، لكنه ما لبث ان دفع الثمن عند اول دخول فلسطيني مسلح اليه عبر منطقة العرقوب وعجزت الحكومة يومذاك عن اتخاذ قرار شجاع يضع حدا لذلك بسبب الخلاف بين اعضائها، ومن يومها انتشر داء السلاح خارج الدولة في كل لبنان واشتعلت فيه الحروب الداخلية العبثية التي فتحت الأبواب لتدخل كل خارج. وها ان السلاح خارج الدولة اليوم وبعدما عجزت الحكومات عن ايجاد حل له، ينتشر ويدخل لبنان في صراع المحاور ويعيد أرضه ساحة مفتوحة لهذا الصراع لتدمره مرة اخرى ولا من يعيد إعمار ما تهدّم.

لذلك مطلوب من المرجعيات اللبنانية والقيادات على اختلاف اتجاهاتها ومشاربها ومذاهبها ان يكون لها موقف صريح وواضح من “إعلان بعبدا” وأن تتحمّل كل مرجعية وكل قيادة مسؤولية قرارها بحيث لا يتكرر مع هذا “الاعلان” الخطأ الذي حصل مع ميثاق 43 عندما لم يلتزم اللبنانيون مبدأ “لا شرق ولا غرب”.

أما كيف تتخذ المرجعيات والقيادات قرارها في الحياد فينبغي ان يكون ذلك موضوع بحث وتشاور: هل يكون بالعودة الى طاولة الحوار، هل يكون من خلال الدعوة الى مؤتمر وطني، هل يكون بعقد قمة روحية مسيحية – اسلامية، هل يطرح في اول جلسة لمجلس الوزراء تعقدها حكومة جديدة، هل يطرح اقتراح على مجلس النواب يكمل اقتراح حزب الكتائب في هذا الشأن لتقرر الاكثرية اي حياد تريد للبنان، أحياد سويسري أم حياد نمسوي أم حياد خاص للبنان يتناسب وتركيبته بحيث يكون مع العرب عندما يتفقون.

وما دامت الدول الكبرى تعلن تأييدها لـ”اعلان بعبدا” كي يبقى لبنان بمنأى عما يجري في سوريا وفي المنطقة، فلماذا لا يغتنم اللبنانيون الفرصة ويجعلون من “اعلان بعبدا” وثيقة ميثاقية تضاف الى مقدمة الدستور وتعترف بها جامعة الدول العربية والامم المتحدة بعدما بات واضحا للجميع ان لا خلاص للبنان ولا حماية لأمنه وكيانه واستقلاله إلا بالحياد الذي ينادي به لبنان منذ الاستقلال؟

وهذا الحياد هو فرصة اليوم يجب عدم اضاعتها وإلا تعرض لبنان للزوال وللتقاسم اذا تعذر التقسيم.

وكان الوزير والنائب والمفكر الراحل ادوار حنين (يصادف 8 حزيران المقبل الاحتفال بمئوية ولادته) قال في محاضرة له عام 1961: “ان ميثاق اللبنانيين هو ميثاق ايجابي متحرك وفاعل، ويجب ان يكون ميثاقا قائما على الحياد، فأي حياد ولماذا وكيف؟ ان لبنان لا يكون كذلك الا اذا قدر ان يكون موطن المحبة والكرم، موطن الانسان المتناغم العاقل، موطن الحرية وملجأ وملاذا لكل مضطهد فازع من بلاده اليه، ومختبرا انسانيا ديموقراطيا حضاريا تجرب فيه جميع التجارب لنفع الانسانية. واذا لم يستطع ان يكون كذلك فلن يستطيع ان يكون شيئا غير ذلك. ومن اجل ان يكون كذلك وجب ان يكون ميثاقه ميثاق الحياد، حياد عن الشرق والغرب، حياد عن الابعدين والاقربين، حياد كامل ناجز، لا ثغرة فيه ولا شائبة ولا عيب، حياد صادق مخلص، حياد ارض لا مقر ولا ممر، حياد لا انحياز ولا تحزّب، حياد حكومة وشعباً كنجم القطب به نهتدي وعلى ضوئه نسير”. ويختم بالقول: “عندما تلزمنا اوضاعنا ان لا نكون في خدمة المحاربين، فإنها تلزمنا ان نكون لراحة المحاربين، وان نكون يدا معمّرة لا مدمرة، اذذاك يطلع لبنان من حدوده ليشع على قدر الرسالة التي اختارها لنفسه، واذذاك يصير من حقنا ان نقول: ليس لبنانيا، اي لبناني، لا يكون الا لبنانيا”…

لقد بات من الملحّ جداً وقبل الانتخابات وقوانينها وقبل اي شيء آخر العمل بجد على تطبيق “اعلان بعبدا” والابتعاد عن الصراع السوري لحماية لبنان من الفتنة. واذا كان لبعض الاحزاب ولاسيما “حزب الله” تحفظات عن فكرة الحياد كالقول: لسنا حياديين اذا تعرض اي بلد عربي للعدوان وان لا حياد في مشاكل الحق مع الباطل، فإن على كل حزب ان يتحمل مسؤولية موقفه امام الله والوطن عندما يبحث في اجراءات تطبيق “اعلان بعبدا” وجعله ملزماً. وعلى مسيحيي 8 و14 آذار خصوصا ان يقنعوا شركاءهم وحلفاءهم بحياد لبنان صوناً لكيانه واستقلاله بحيث يرفع الجميع شعار “لبنان اولا، ولبنانيون اولا والامن أولا”، وعندها يكون الرئيس ميشال سليمان قد أنهى ولايته بتحقيق انجاز لا يقل أهمية عن الاستقلال.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى