رياض معسعسصفحات سورية

في مسألة الثورة السورية والشرعية

رياض معسعس
في علوم السياسة لا يوجد نظام حكم بدون شرعية، والشرعية تختلف من نظام إلى آخر حسب الإيديولوجيه، أو النظم السياسية التي تتبعها الأنظمة في حكمها. وجرت العادة في دول ما بعد الاستقلال العربية أن ‘تفبرك شرعية’ على مقاسها. والنظام السوري ومنذ زهاء نصف قرن كان يرتكز على شرعية ‘الحزب القائد’ ولم تجر أي انتخابات رئاسية، وإنما الشرعية كانت تكتسب من قبل النظام باستفتاءات شعبية على مرشح واحد، تمثل بالأسد والد وولد، التي كانت نتائجها لا تنخفض عن 99.99′ وهو دليل قاطع على تزويرها.
اليوم وفي ظل الثورة السورية وبروز مجموعات من القوى السياسية، والعسكرية، والشعبية، فإن معضلة الشرعية بدأت تطرح على الساحة السورية بشكل أو بآخر، ولاشك أنها ستطرح بحدة بعد سقوط النظام الآيل إلى حتميته التاريخية لامحالة، كغيره من أنظمة الطغيان والفساد العربية التي سبقته إلى السقوط.
في الداخل السوري لا شك أن أحزاب المعارضة التقليديين كحزب الشعب الشيوعي، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاخوان المسلمين، ومجموعة إعلان دمشق، وسواها ترى أن نضالها في الداخل، ومجابهتها للنظام وما تكبدته من اضطهاد وتعسف من قبل النظام القمعي يجعلها في مقدمة الذين يرون أنهم الأحق بالشرعية الثورية. ومن يدفع فاتورة الدم سيطالب أيضا بكل قوة ‘ بشرعية الدم ‘، فهناك كل التنسيقيات التي نشأت في كل مدينة، ومنطقة. وهذه التنسيقيات تقوم بجهود كبيرة إعلامية، وتنظيمية، وتقديم المساعدات الطبية الأولية، وغيرها داخل كل مدينة.
و قد برز منها شخصيات ساعد في معرفتها على المستوى العربي ظهور بعضها على القنوات الفضائية العربية، ويعتبر الناشط خالد أبو صلاح مثالا لمئات الأشخاص الأقل بروزا إعلاميا وليس أقل نجاعة وكفاءة ميدانيا، كما أن بروز شخصيات فنية ورياضية تقود المظاهرات وتنشط ثوريا كعبد الباسط ساروت، وفدوى سليمان كمثالين لشخصيات تلعب دورا في غاية الأهمية في تأجيج إوار هذه الثورة. ثم يأتي الجيش السوري الحر الذي تتضخم أعداده يوما بعد يوم، والمجلس العسكري الثوري الأعلى كتنظيمين عسكريين منشقين عن النظام ويقومان بدور دفاعي هام جدا عن المدنيين العزل ويدخلان في مواجهات مباشرة مع الجيش الأسدي وعناصر أمنه وشبيحته، ويتكبدون بدورهم خسائر في العتاد والأرواح، وهنا أيضا هناك ضريبة الدم التي تعطي ‘ شرعية الدم’ لكل عسكري مقاوم لهذا النظام، وقد ظهر ذلك جليا عندما أعلن قائد الجيش السوري الحر رياض الأسعد بأنه لا يعترف بالمكتب العسكري الذي تم تشكيله من قبل المجلس الوطني السوري. كتأكيد منه بأنه لا يريد أن ينضوي تحت أمرة أحد ( وهنا ربما نشاهد سلوكا قريبا من سلوك الثوار الليبيين الذين يملكون شرعية القتال على الأرض، ولم يقبلوا بقرار المجلس الانتقالي الليبي ). وكذلك تبين أيضا خلافات بين المنشقين عن الجيش تجلى في البيان الذي صدر عن المجلس الثوري الأعلى في بداية هذا الشهر حيث أكد رفضه المطلق أن يتبع الجيش الوطني الحر إلى أي حركة أو تيار سياسي.
في الخارج فإن العديد من الهيئات المعارضة والمهجرة منذ عدة عقود والتي لها خبرات وممارسات سياسية، والتي دفعت ضريبة المنفى أيضا، وكان لها دور لا يستهان به في العمل المعارض الطويل النفس، على المستوى السياسي والإعلامي فإنها أيضا تطرح نفسها على الساحة تمثلت مؤخرا بالمجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق،، والإئتلاف العلماني الديمقراطي، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، وتجمع 15 آذار، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، وتيار التغيير الديمقراطي، التي ترى جميعها أنها لها الحق في الشرعية الثورية، كما لوحظ أيضا أن بعض أعضاء المجلس الوطني الذين عانوا كثيرا في السجون السورية بأنهم يستحقون أكثر من غيرهم هذه الشرعية التي تخولهم محاسبة الآخرين أو أن يتبوؤا مراكز قيادية يفرضون فيها وجهة نظرهم مما يجري على الساحة
هذه الإشكالية ربما تنطرح بحدة في حال سقوط النظام، ولا سيما في المراحل الأولى بانتظار ترتيب البيت الداخلي. (وهنا يجب التنويه إلى شيء هام وهو أنه على عكس المثال الليبي، فإن جميع أفراد المعارضة السورية لم يكن يوما من المتعاونين مع النظام، عدا بعض الأفراد القلائل الذين يعرفهم الجميع، بالإضافة إلى جبهة الخلاص الوطني التي يقودها نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، ومنظمة الديمقراطية والحرية التي يقودها ريبال الأسد إبن عم بشار الأسد، ونجل رفعت الأسد).
وكي لا تقع سورية ما وقعت فيه ليبيا، من عمليات رفض للآخر، وتشهير وتخوين، يجب أن يتوافق الجميع على حد أدنى من الاتفاق على أساسيات مرحلة ما بعد السقوط، لتجاوز الخلافات الحادة التي ربما توقع ســورية في مطب آخر لا يحمد عقباه.

‘ كاتب سوري
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى