صفحات العالم

والأسد في بابا عمرو!

عبد الرحمن الراشد
في اليوم الوحيد الذي قررت فيه أطراف المعارضة السورية الاتفاق، واختارت مدينة اسطنبول لإعلان ذلك، اختار الرئيس السوري اليوم نفسه ليزور أطلال حي بابا عمرو المهدم في مدينة حمص المنكوبة، التي لا يزال يسمع فيها رصاص قواته.
لم تكن مصادفة؛ فالأسد اختار توقيت الزيارة متعمدا ومتحديا زمن لقاء المعارضة، ليقول لهم وللعالم إن «بابا عمرو» هي إجابته على التمرد الشعبي والانتفاضة المستمرة ضد حكمه منذ مطلع العام الماضي.
والطرفان، النظام والمعارضة، اختارا أن يسابقا القمة العربية في بغداد التي وضعت الأزمة السورية على رأس قائمة أعمال المؤتمر ليفرض كل منهما موقفه. الآن باتت المواقف واضحة وموجهة في رسائل علنية. باجتماع اسطنبول لم يعد هناك عذر للتقاعس العربي بالقول إن المعارضة مختلفة، نعم هي جماعات شتى لكنها متفقة على رفضها للتعامل مع النظام، ومصرة على إسقاطه، ومتفقة على نظام حكم تعددي انتخابي، القرار فيه للشعب السوري وليس لمبعوث الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو أي فريق أو وسيط آخر. والأسد بزيارته للحي الذي دمره يؤكد إصراره على البقاء رئيسا ونظاما بالقوة العسكرية، ولن يتنازل.
وسواء التقطت الجامعة العربية الرسالة، وتعاملت معها كما ينبغي، إما نصرة للشعب المظلوم وإما استمرارا في مساندتها للنظام المجرم، فإن قمتها في بغداد لا تعني الكثير. لا أحد ينتظر موقفا حاسما، أمر مستبعد تماما خاصة أن رئاسة القمة آلت للعراق المتضامن مع نظام بشار، وأمانة الجامعة لا تزال في يد نبيل العربي مهندس كل الأفكار الإنقاذية للأسد والتي تهدف لتبديد دم ووقت الإنسان السوري المتظاهر والمعارض، وإضعاف المعارضة في الخارج.
ورغم هول الأضرار التي ألحقها النظام بالمناطق الثائرة، ونجاحه في تعزيز إمكانات القمع والملاحقة، وحتى مع انتصاره في الجولة العسكرية الأخيرة، فإنه فشل في إنهاء الثورة. وصورة الرئيس الأسد ومرافقيه أمامه وخلفه، بملابسهم التي تبدو من تحتها دروع ضد الرصاص، وهم يسيرون خلف جدار لاتقاء رصاص المقاومة أو رصاص منشقين محتملين في داخل قواتهم، يوضح أن النظام فشل في السيطرة على كيلومتر مربع واحد، كما فشل في قمع المظاهرات اليومية السلمية ضده في أنحاء البلاد.
نحن أمام سباق ثنائي، بين المعارضة والأسد؛ الأول بمساندة معظم الشعوب العربية، والثاني بدعم من الجامعة العربية وإيران وروسيا. في صف النظام السوري تقف الجامعة العربية بنبيل العربي ووسيطها كوفي أنان، حيث لا يزالون يسعون لتسويق حل نبيل العربي، الذي يقوم على الإبقاء على نظام الأسد مع إشراك للمعارضة في بعض حقائب الحكومة لإسكاتها.
وقد أثبت الشعب السوري، وليست الجامعة ولا حتى معارضة الخارج، أنه لا يزال يمسك بالقرار. لم تتوقف المظاهرات رغم كثرة القتل، ولم يتوقف الثوار رغم شح الرصاص، وها نحن بعد أربعة أشهر من إعلان الحل العربي ومهزلة المراقبين العرب والفيتو الروسي ووصول المدد لقوات النظام وتدمير حي بابا عمرو.. وبعد عام من الثورة لم يرضخ أحد أبدا. بل إن عدد المنشقين عن النظام من عسكريين ومدنيين يزداد، والرفض العلني للنظام يظهر حتى في شوارع العاصمة دمشق. وعلينا ألا نهون من لقاء اسطنبول الذي اتفقت فيه المعارضة على مبادئها. وليس ضروريا أن تتحد المعارضات السورية تحت سقف واحد وقيادة واحدة، فهي تمثل جماعات مختلفة، لكن المهم أن تتفق على المبادئ التي توضح الكيفية التي يريدونها لسوريا الجديدة. الاتفاق على صيغة الحكم كافٍ، بمبادئ الميثاق المعلن. بعد ذلك لكل جماعة الحق أن تعمل في الإطار الذي يلائمها. كانت المشكلة في السابق أسئلة صعبة واجهت المعارضة حيال النظام. حينها اختلفت على طلب المساعدة من المجتمع الدولي بالتدخل، واختلفت على التعامل مع دعوات التفاوض مع النظام. لكن هذه المسائل حسمت مع الوقت؛ حيث لا يوجد تدخل دولي عسكري محتمل، واقتنعت المعارضة برفض التفاوض مع النظام مهما كان الوسيط. واتفقت أول من أمس على أهم المسائل، صيغة الحكم وعلاقة مكونات المجتمع بالنظام الجديد. لهذا، ليس مهما ما يقال في بغداد وما تقرره القمة العربية. كل ما يستطيع الآخرون فعله، مثل القادة العرب، أن يختاروا الوقوف أخلاقيا مع الشعب السوري أو أن يحتفظوا بعلاقتهم مع نظام الأسد، التي ستكون لطخة عار زمنا طويلا.
الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى