صفحات الرأي

شيخ العصبية الأسدية يجادل جناحها الأصولي «الكوري»


الاستيلاء الخالص يقتضي حرباً «كيماوية» … متعذّرة ومرجأة

وضاح شرارة

رد الرئيس البعثي بشار الاسد في مقابلته قناة «الدنيا» (29 آب المنصرم) التي استعاض فيها بالحوار عن الخطابة، رد على جناح الحكم اليساري الاصولي، اذا جازت الصفتان. فهذا الجناح ينكر على رئيسه وزعيمه تأخر «الانجاز» أو «الحسم» والابادة أشهراً، وينكر عليه دوام القتال، أي القصف والاجتياح والاغتيال الجماعي، فوق «الاسابيع والايام والساعات» التي يقتضيها، على رأي الجناح اليساري الاصولي، قمع الحركة السورية الوطنية والديموقراطية. ويذكّر خالفُ «بطل تشرين» وفاتح لبنان وجزار حماه منتقديه المستعجلين بأنه هو وهم يخوضون «معركة اقليمية وعالمية». وعرض المعركة وعظمتها يؤخران الحسم بعض الوقت. وهذا سبب أول في استطالة الحرب.

ويلوم الجناح اليساري الاصولي رئيسه على حاجته الى «ضوء اخضر» قبل الاقدام على القتل الحر، وهو اسم آخر للانجاز أو الحسم لعله الاسم الصريح والاول. وربما يكني الجناح بالضوء الاخضر عن الإجازة للقتلة الذين ينتظمهم جسم بيروقراطي مثل الجيش، أو الذين يقتصرون على الروابط الاهلية مثل عصابات الزعار والشطار والفتيان أو «رجال الموت» على ما سموا أنفسهم على جدران بيروت، أو بالتوسل بأصناف من السلاح المدمر والسريع الى قتل ذريع ورادع، على ما يحسب الاسديون اليساريون الاصوليون. ويحجم كبير «الاشقاء» من أهل القتلة عن اجازة التوسل بهذه الاصناف من السلاح. ومرد احجامه، على ما فهم أشقاؤه وحرسه، الى مشاورته «الاصدقاء» الروس والصينيين والايرانيين واللبنانيين، خشية الاعداء الاميركيين والاوروبيين والاتراك، وبعض العرب من بعد، وخوفه من انقضاضهم عليه وعلى اجهزة قتله حال تيقنهم من إباحته إعمال سلاح قتل أو دمار شامل. والامساك عن السلاح الفتاك هو سبب ثانٍ في دوام الحرب، وغرقها في حال معلقة.

وجواب مقدَّم النظام العصبي قاطع وحاسم وناجز، وهذه مشتقات مفرداته ومصطلحه، على قول آية عظمى راحل: الضوء الاخضر «في القضايا السيادية وفي القضايا المحلية وفي القضايا الوطنية»، واستعمال سلاح الدمار في صدارتها، نحن «نمتلكه»، ولا يمتلك غيرنا ذرة منه، على خلاف مطاعن الطاعنين. ويوضح الوارث أمراً في صلب مذهبه او معتقده السياسي الثابت، وهو ان الانفراد بالبت في شؤون السلطة، وحماية هذا الانفراد «مهما كان الثمن»، على قول مأثور يتداوله الاعوان على مراتبهم، هو «الداعي لوجودنا كوطن ودولة». فركن معنى «السيادة» وهو معنى عام ليس في وسع المصلِح المجدد والفقيه الدستوري تخصيصه فيُدخل تحته «القضايا المحلية» و»القضايا الوطنية» من غير تمييز ولا تقييد هو توحيد الزعامة والتصرف المنفرد والمطلق بالسلطة في كيان الدولة السياسي والمجرد وكيان الوطن الحسي والشعوري. والتراخي في جمع الانفراد بالحكم الى معنى السيادة هو سبب ثالث في دوام الحرب واتساعها.

وعلى هذا، لا يصدر صاحب الامر أو وليه «السوري»، في لغة الحليف الخميني والحرسي، عن غيره أو عن رأي هذا الغير وإرادته. والشك في ركن المذهب أو المعتقد السياسي الاسدي طعن في وفاء الوارث لميراث سلفه الاول و»رب» العشيرة المقدس، وانحراف عن سنته في دمج القيادة في الدولة والوطن والأمة. وكان تخفيف الاسدي الثاني من نص «الدستور» الوقح والفظ على قيادة الحزب الدولة والمجتمع السوريين ذريعة لوم على تراجع وضعف فادحين. فإذا اهتز هذا الدمج، وهو ما يعرِّض به الأصوليون، انهار البناء الذي صبَّر السوريين وسوريا في هيئة المومياء العظمية طوال نحو نصف القرن من الزمن.

ويعلل حارس المومياء مُصابَ الحرب التي يخوضها جهازه بالزمن، أو وقوع الحرب في «وهدة الزمان»، على قول الروائي الشيوعي المفتعل، ودوامها وكثرة أوقاتها، بـ»تطوير (السوريين المعارضين) لأسلوب أعمالهم». وهذا إقرار بالواقع، وبتماسكه بإزاء السلطان الكلي الاقتدار والسيادة، على ما يتوهم الرجل وأصحابه. فهو يكاد يصدع بحقيقة كيان معارض يتمتع بـ»اسلوب» عمل و»يطور» هذا الاسلوب، ويلزم الدولة، وهو يقصد العصابة المقاتلة، بـ»مزيد من الخطوات المقابلة». ويُفهم من الرد ان الجناح اليساري المغامر أو الكوري، على ما سمي، لم يرَ مسوغاً لإحجام الرئيس عن استعمال قوة قمع ساحقة منذ الايام الاولى للحركة الديموقراطية، وحمل إرجاءَ استعمال القوة الساحقة الى مطلع صيف 2012 على التسويف والضعف. فيقول القائد العام للقوات المسلحة (والاستخبارات والقوات النيابية والادارية والمالية…):» البعض يريد ان نتعامل مع تلك المرحلة كما نتعامل مع المرحلة اليوم»، أي بدك المدن والبلدات بمدفعية دبابات ت 72 وبقصف طائرات الميغ 21 و23 و29 ومروحيات م إي 24، وبرمي الأحياء والحارات بعصابات القتل والتمثيل الاهلية. ويقطع جازماً: «وهذا الكلام غير منطقي». وفي اختصار شديد يكاد يعصى الفهم العامي والظاهري:» المرحلة مختلفة«.

وهو يرد الاختلاف الى عوامل من العسير على «الكوريين» احتسابها أو قبولها، مثل «عدم وجود تفهم شعبي» (على خلاف تفهم الشعب دك حماه فوق رؤوس معظم أهلها قبل 30 عاماً، وتفهمه احتلال لبنان وتدمير دولته وخنق المنظمات الفلسطينية المستولية على اجزاء منه أو تصفية قياداتها…). والتدرج في تعظيم قوة النار «القدارت النارية» المصوبة على أهل حمص وأحيائهم، على الضد من إلحاح الاصوليين اليساريين، السبب في التدرج هو ان استخدام كل القدرات العسكرية «مرفوض». وهو لا يجرؤ على القول أن الروس وربما الصينيين يحرجهم هذا الاستخدام. وهو، ثانياً، «لا يحقق النتائج المطلوبة«.

ولا ريب في ان المتحفظين الداخليين من أهل السلطة عن سياسة «التراخي» التي ينتهجها قائدهم في معالجة قيام معظم السوريين على سلطانهم يرون في الانشقاق عن نظام العصابة المستولية، وعلى الاخص انشقاق رئيس الحكومة الإسمي السابق، مأخذاً عليه، وعلى تقريبه حزبيين وإداريين وعسكريين سنة غير مأمونين، وليس له عليهم الدالة التي كانت لأبيه. وهو، على ما يحسبون، خامس الاسباب في تباطؤ سحق «الثوار» و»الثورة»، وإرجائه ربما الى يوم آجل قد لا يدرك قبل أبعد الاجلين المخيف. وإجابة من سمته بعض الصحافة الغربية، في هذا المعرض، «البروفيسور«، كناية عن ميله الى الشرح التعليمي (الساذج)، إجابة جدلية و»سوفياتية»، تتخطى «المنطقي»، بحسب صفة أو نسبة أثيرة على قلب الاسد الثاني.

فعلى منوال ستالين الذي عمد الى تطهير الحزب الشيوعي القائد، وجهاز الامن فوق القائد، وأركان قيادة الجيش المولود من الحرب الأهلية وانتصاراتها، عشية الحرب الثانية المصيرية، وعلى منوال حركة تطهير الحزب الشيوعي والصيني في مراحل متفرقة من الصراع على رأس السلطة وفي بعض أحرج الاوقات (المجاعات، الصراع الصيني السوفياتي، الخلافة…) يردد الطاغية والسفاح «الصغير» اليوم أن انشقاق الجنود والضباط والنواب والوزراء والموظفين والسفراء واللاجئين، وخروجهم على «سيادته» وسيادة صحبه وعشيرته، إنما هو انتصار محقق على الفساد والخوف والطمع: «عملياً، هذه العملية هي عملية إيجابية وعملية تنظيف ذاتية للدولة أولاً وللوطن بشكل عام». ولا ريب في انه يلمح الى حجاب رئيس الحكومة السابق اللاجئ الى الاردن، وربما الى مناف طلاس، ويغمز من قناة هذا وذاك، ويعزو اجتيازهما الحدود الى غض الاستخبارات النظر.

«والتنظيف الذاتي» فضيلة جوهرية من فضائل الانظمة الكليانية أو الشمولية. فهو ينسب الى الانظمة، وإليها وحدها و»ذاتيتها»، من دون «النجاسات» أو «الاوساخ» المنفية، التطهير أو التنظيف. وتحسب «النفايات» أنها تصدر عن نفسها، وإرادتها ومصلحتها، حين تخرج على سيادة الدولة والوطن، بحسب جمع وملازمة يصِر عليهما طاغية العشيرة ومدرسها. وهذا من مكر السيادة ورميها: فيتوهم المنشقون انهم بادروا الى الانشقاق من تلقاء أنفسهم وذواتهم. وهم من غير أنفس ولا ذوات، على ما يفترض النظام وعلى ما يحسب أنه صنع بيديه. وما انشقاقهم إلا نتيجة وظيفة عضوية وحيوية يتولاها الجسم الوطني الصحيح والسليم. ويظن المنشقون أنهم يرمون نظام «الدولة والوطن بشكل عام»، ويوقعون به الضرر حين ينفصلون عنه، ولا يدرون أن نظام «الدولة والوطن بشكل عام» إنما يرمي بهم «الجماعات الارهابية» ويصيب منها ومنهم مقتلاً حين ينفيهم من جسمه، ويشقهم عن نفسه.

وكناية الطهارة والتطهر، وهي صنو البراء أو البراءة في الاعتقاد الديني السياسي الاخواني والخميني، آلة من آلات التسلط على الدولة والمجتمع، وأداة ترتيب الرعية على مراتب متباينة في القرب والبعد والجدارة. وتصاحب الكنايةُ الحرب الاهلية واستواءها نظاماً سياسياً عصبياً، لا محل فيه للجماعات المتفرقة والجزئية ولا لهيئات الوساطة والتحكيم. وينتهي الامر بجزار عموم الاقاليم السورية، الطاهر أو النظيف الذاتي، الى دمج الخارج في الداخل والداخل في الخارج، وتسوية الصعيدين أو الوجهين. وتمييزهما هو ركنُ الدولة الوطنية، واساس التفريق بين الحياة السياسية واطارها الآمن والسلمي والقانوني الحقوقي وبين النزاع العسكري الخارجي.

فيزعم «الشيخ» العصبي ان «العدو تحرك هذه المرة… من الداخل وليس من الخارج»، غافلاً عن خلطه وخلط دعايته الرسمية، وأعلام سوق الرقيق الإعلامي الذي يروج دعاويه ودعاوى اصدقائه الاثرياء الشرفاء، الداخل بالخارج خلطاً يستحيل معه تخليص «بن لادن» و»التكفيري» و»السلفي» و»الاخواني» و»السني» من الاميركي الصهيوني الخليجي (أو «بعض العربي») التركي. والتحرك من «الداخل» بأمر من «الخارج» المتسلل والمستبطن والملابس الداخل، يرد عليه بـ»الحماية من الداخل أيضاً». وعلى هذا، وقع على عاتق الجيش «حماية الوطن… من الداخل«.

والمنطق الصوري والقومي والسيادي هذا لا يُفل، والراد عليه «كالراد على الله»، على قول إجازات الاجتهاد الإمامية الاثني عشرية. ويتمتع هذا المنطق الصارم والرباني بقوة جوهرية وفاعلة في الجواهر والهويات: «قد تقول لي (يخاطب القائد المختار المذيع العامي) انهم سوريون وأقول (أنا المختار الاسدي) ان أي سوري يقوم بتنفيذ مخطط أجنبي ومعادٍ يتحول (نظير الخبز والنبيذ في الذبيحة الالهية) إلى عدو ولا يعود سورياً». ويجوز أي يجب قتله وقصف وهدم بيته على رأسه ورؤوس أولاده وتشريده وتجويعه وحرق غلاله وتسميم آباره وقطع الماء والكهرباء والخبز عنه وأسره وخطفه وتغييبه وتسليح «الوطنيين» عليه وحمله («تحويله») على العدو الاجنبي والمقاتل، على ما تفعل الامبريالية البشعة والظالمة في المقاتلين المظلومين.

والحق أن ما تقدم قديم قِدَم الاستيلاء القومي العروبي والعصبي على الدول التي سلط عليها «حظها» التاعس الجماعات المستولية هذه (وهي، الدول والجماعات والمجتمعات أو «الشعوب»، على حسبان أهل التنظيف الاقواميين، وليدة هذا التعْس وصانعته). فمعظم جماعاتها وطبقاتها الحاكمة والمحكومة تشترك في تحكيمها معايير الطهرة والأصالة والبراءة في علاقاتها بعضها ببعض، وفي معاملاتها مع «الاجنبي» و»الغريب». وهي لا تزال تحسب، في عالم لم ينفك يخلط الشعوب والأجناس والدول ومصالحها بعضها ببعض- وسبق لها هي أن كان لها، يوم كان لها شأن، سهم راجح ومعلّى في خلط الشعوب والاجناس والآلات والتجارات والعلوم والكلمات والحقوق- ، أن معايير الطهر والاصالة والبراءة، الدينية والعصبية، في متناول الجماعات السياسية، وطوع إرادتها. فهي، الجماعات والطبقات الحاكمة والمحكومة، تقيس على مثال سياسة الاستيلاء والاستتباع الخالصة التي نصبت المستولين من غير أضداد ولا قيود، في رأس دول ومجتمعات خاوية.

ومجادلة رأس العصبية المستولية جناحَه اليساري الاصولي و»الكوري»، ورده على حمى الجناح الكيماوي وعلى إلحاحه في خوض حرب تطهير شاملة على السوريين، قرينة داخلية على استعصاء إعمال هذه المعايير والعمل بها. فيدعو رأس العصبية بعض «ضباطها»، وعوامها المجندين في عصابات القتل الخاصة و»رجال الموت»، يدعوهم الى احتساب معوقات حرب التطهير والتأصيل والبراءة، الشاملة، مثل صفة المعركة الاقليمية والعالمية، ودور «الاصدقاء»، وتطوير «الثوار أساليب عملهم، والحاجة الى «تفهم شعبي» لارتقاء القتل من الآحاد الى العشرات فالمئات في اليوم الواحد، ومن العشرات والمئات الى الآلاف في الشهر… فـ»القيادة السورية»، على ما تسمي نفسها، شأن «القيادة الايرانية»، تحتاج ، قبل الاستقرار على حرب داخلية – خارجية مزمنة إلى إعمال طقوس غيبوبة تخلط اللظى النووي بولادة نظام عالمي وتاريخي جديد، ووأد قوى جبارة، تبعث النبوات، وتحرق الشياطين، وتقرأ الادعية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى