مراجعات كتب

تنظيم القاعدة في فرنسا” لصموئيل لوران اقرأوا أسرار البلاد التي تعيش على فوّهة بركان أصولي/ حميد زناز

 

 

تنظيم القاعدة في فرنسا، الكشف عن شبكات مستعدة للهجوم”، حينما وصلني هذا الكتاب من دار “سوي” الفرنسية منذ أسابيع، اعتقدتُ في بادئ الأمر أنه كتاب كعشرات الكتب التي تصدر في باريس بحثاً عن الربح عبر حيلة الإثارة والتخويف من الغول الإسلاموي. وفكرتُ حينما قرأتُ اسم الكاتب صموئيل لوران على الغلاف، أن تنظيم “القاعدة” يستغل صدقية المؤلف وعلاقته به ليثبت وجوده أمام الصعود المتعاظم لـ”داعش” وليقول إنه لا يزال على قيد الحياة.

خاض هذا الكاتب المغامر تجارب مع الحركات الأصولية العنيفة محاولاً التعرف إلى ممارساتها عن قرب، وقد نال ثقة الكثير من زعمائها في ليبيا وكذلك العراق حيث تعرف إلى أصدقاء الزرقاوي ثمّ على بعض رؤوس “داعش” و”جبهة النصرة” والمهاجرين الخ.

إذا كان كشف تنظيم “القاعدة” عن بعض أسراره لصموئيل لوران خروجاً إعلامياً، في محاولة من التنظيم للبقاء في السباق الإرهابي الدولي، فهذا لا يمنع من التأمل في ما جاء في الكتاب من معلومات في غاية الخطورة تجعل الملاحظ يتساءل عن استراتيجية فرنسا الأمنية التي تحارب الإرهاب في أفغانستان وفي مالي، في الوقت الذي يعيش على أراضيها رجال ونساء يحضّرون في السرّ لضرب أهداف في باريس ومرسيليا وليون ومدن أخرى كثيرة، في الوقت المناسب.

ولئن بات من شبه المؤكد منذ سنوات أن تنظيم “القاعدة” متغلغل في فرنسا، كفكر، بين شبّان من أصول عربية وإفريقية وحتى أوروبية، فهذا الكتاب لا يكتفي باقتفاء أثر هذه المجموعات الثرثارة لا والأفراد الذين يتسابقون على الإدلاء بتصريحات نارية كلما سنحت لهم فرصة الحديث إلى وسيلة إعلامية، ليهددوا ويتبجحوا بإمكان فرضهم الشريعة في فرنسا بعد سنوات قليلة، حتى أصبحوا موضوع سخرية، ليس بالنسبة إلى الفرنسيين بل حتى بالنسبة إلى غالبية العرب المقيمين بفرنسا. ويذهب إلى أبعد من ذلك بكثير إذ يصل إلى قلب “القاعدة” في فرنسا. “القاعدة” كتنظيم إرهابي مستعد لإحداث أضرار ضخمة في عقر دار الفرنسيين.

الكتاب يعيد النظر جذرياً في طبيعة وجود تنظيم “القاعدة” في هذا البلد ويدحض أطروحات السلطات الأمنية المتداولة إعلامياً، وعلى الخصوص نظرية “الذئاب المعزولة” التي مفادها أن الأعمال الإرهابية هنا وهناك، كفعلة محمد مراح وغيرها، هي من ارتكاب خلايا صغيرة لا علاقة تنظيمية لها بـ”القاعدة”، أو هي أعمال عنف ينفّذها شبّان معزولون، غير مهيكلين. لذا أعتبره أهم كتاب صدر إلى الآن حول تسلل “القاعدة” إلى التراب الفرنسي.

يسافر القارئ معه عبر 426 صفحة في رحلة أهوال وأخطار وجنون، إلى ليبيا ولبنان والعراق وهولندا وبريطانيا وتركيا والصومال وسوريا في طبيعة الحال. يتعرف إلى نماذج جهادوية غريبة الأطوار ويقف على الفوضى والعنف والعلاقات المسمومة بين الجماعات الجهادية المتناحرة. ولكن عند حدود الصفحة 331 يُدخل الكاتب القارئ في فصل مرعب، إذ لا يعود الأمر تخميناً أو تحليلاً أو رواية، بل يجد نفسه في ضيافة تنظيم “القاعدة”، مع أميرها في بلاد الإفرنج، وهو يتحدث عن خلايا التنظيم النائمة التي يمكن أن تنشط في كل لحظة وعن الأهداف المحتملة الخ.

لكن ما لا يتوقعه القارئ، هو زيارة معرض للأسلحة أقامه التنظيم في منطقة ما على التراب الفرنسي لا يعرفها حتى الكاتب نفسه، نظراً إلى السرية التي فرضها التنظيم الإرهابي على صموئيل لوران، في كل مواعيده مع أميرها. الهدف من المعرض هو البرهنة للكاتب، على ما جاء على لسان الأمير، وإيصال رسائل إلى السلطات الفرنسية وغيرها. للأمانة، كنت آمل من صفحة إلى أخرى ان يكون الأمر مجرد مسرحية تضليلية يحاول فيها التنظيم إظهار إمكانات تدميرية وهمية. لكن خاب ذلك الأمل وخصوصاً أن صموئيل لوران ليس من الذين تنطلي عليهم حيل متعلقة بالسلاح. فللرجل باع في هذا المجال. لنقرأ ما كتب: “في وسط المستودع، على يميني، أشاهد قاذف كورنيت H133 وهو مزود صاروخاً يبدو جاهزا للاستعمال. ويمكن هذا النوع من السلاح أن يصيب هدفه على بعد أكثر من 5 كيلومترات وهو مجهز بنوعين من الذخيرة، الأولى تخترق المدرعات وتخرب حجرة قائدها بتفعيلها للصاروخ المخفي لحظة الإصابة. كالإبرة يثقب ويفجر الدبابة المدرعة من الداخل محدثاً خسائر فظيعة. أما الذخيرة الثانية فهي حرارية تخرّب الأوكسيجين في محيط الانفجار الذي قد يصل إلى مئات الأمتار. يختنق الضحايا ويموتون قبل أن يشعروا بالحروق التي على أجسادهم. “ولئن كانت رؤية قاذف الكورنيت وهو جاهز للاستعمال في أي وقت على الأراضي الفرنسية قد جمدت الدم في عروقي وقطعت أنفاسي، فببساطة أصابني هلع وذعر حينما شاهدت آخر طراز من

الـIgla-S، السلاح الذي كنت أظن أنه يستحيل الحصول عليه في السوق السوداء. يستطيع هذا القاذف أن يحطم طائرة عسكرية من آخر طراز ولا يترك أدنى حظ لطائرة “إيرباص” أو “بوينغ”. وأصبحت شروح الأمير حول مشاريعه التدميرية تأخذ صدقية أكثر فأكثر وأنا أشاهد بأمّ عيني هذه الترسانة ولم يعد هناك مجال للشك في أن فرنسا اليوم مهددة بعمليات إرهابية محتملة. يتواصل العرض وأكتشف وجود كيسين من مفجر “السمتكس” المتعدد التطبيقات. وهو سلاح مناسب لتفجير سكة حديد أو أيّ مكان عمومي. كما رأيتُ كثيراً من الأشياء لا أعرفها، وأخرى بسيطة تستخدم للتفجير من بعيد كعشرات الهواتف النقالة. لدى الأمير 300 كلغ من “السمتكس” في هذا المخبأ. فتحتُ الأكياس لأتحقق من الكميات. وقد أكد لي الأمير أن هناك مخابئ أخرى مشابهة على التراب الفرنسي. في الغرفة الأخرى رشاشات كثيرة من نوع “سنيبر M82″، وهذا سلاح يمتاز بدقة عالية جدا إذ يمكن أن يصيب هدفه عن بعد كيلومترات عدة، تالياً فحياة المسؤولين الفرنسيين باتت في خطر. شاهدتُ أيضاً ذخيرة رصاص معتبرة وقنابل يدوية ورشاشات كلاشنيكوف ومدفعين 82 ملليمتراً جديدين، يسهل نقلهما وتركيبهما. مدفع يستطيع رمي 20 قذيفة في الدقيقة الواحدة”.

لا أحد من المسؤولين الفرنسيين يمكن أن يقول بعد هذا الكتاب إنه لم يكن يعلم أن بلده على شفا حفرة من الجحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى