خولة حسن الحديدصفحات مميزةلن ننساكم -بمثابة تحية الى شهداء سورية -

كيف يحوّل النظام النبل الإنساني إلى جريمة .. – د. خولة الحديد

الشهيد محمد محمود الرسو و ثمن الكرامة الإنسانية  

د.خولة الحديد

في التاسع و العشرين من أيار عام 2011 ، و خلال توجه حافلة تقل عدداً من أطفال مدينة الرستن برفقة الملازم بسام طلاس إلى مدرستهم في محافظة حمص، قام الحاجز العسكري الذي يرابط على جسر مدينة تلبيسة خلال حصار المدينة في تلك الفترة – الطريق الدولي – بإطلاق الرصاص على الحافلة، مما أدى إلى استشهاد الطفلة هاجر الخطيب، و الملازم بسام طلاس و جرح عدد من الأطفال، و قد بينت شهادات الناجين من الأطفال و شهادة ذويهم لاحقاً تفاصيل هذه الجريمة التي هزت الرأي العام، والتي اتهم النظام بعض من شباب مدينة تلبيسة بارتكابها. خلف هذه القصة التي بات يعرفها السوريون جيداً توجد قصة مأساوية أخرى كثر منهم لا يعرفونها،هي مأساة استشهاد الشهيد محمد محمود الرسو المعروف ب”محمد رستم”.

خلال تعرض الحافلة لإطلاق النار،و إطلاق الرصاص و القذائف بشكل عشوائي على المدنيين، سارع محمد رستم – رحمه الله- لإسعاف أحد المصابين، حين مرت بجواره سيارة إسعاف فأشار إليها مسرعاً ليبادره الرصاص منها إذا كانت تضم عدد من جنود النظام و الذين خطفوا الجريح و معه محمد بعد أن أصيب بإحدى قدميه، وقد حملوه بكل قسوة وهمجية وبدؤوا يضربونه على جرحه، و محمد يقول : “الله أكبر الله أكبر”، و لم يعرف أحد من الأهالي أين كانت الجهة التي نقلوه إليها ، ولم تنتهي الحكاية هنا، بعد أقل من ثلاثة أسابيع تتحفنا قناة الدنيا و على عادتها في بث شهادات مخترعة يجبر على روايتها المعتقلين، برواية تبث فيها البشرى للناس بأنه تمّ اعتقال أحد المسؤولين عن مقتل الطفلة هاجر الخطيب و الملازم بسام طلاس رحمهما الله، ليظهر محمد رستم و هو في سرير في مستشفى ما على شاشتها يروي قصة مفبركة عن كيفية قيامه و مجموعة من الإرهابيين باستهداف الحافلة و المدنيين، كان يبدو محمد شاحباً ، مرهقاً ، مرتبكاً ، يتعثّر في كلماته، و يستغفر ربه و كأنّه يريد أن يوصل للناس رسالة اعتذار، و كأنه يريد أن يخبرنا عما أجبرعلى قوله، و بالطبع بقي محمد بعد هذا الظهور المتلفز في قبضة الأمن . ليعاد إلى أهله بعد فترة وجيزة ( 14/6/ 2011) ، جثة هامدة تظهر عليها آثار التعذيب الرهيب الذي تعرض له، و تظهر على جسده آثار عدة عمليات جراحية قد أجريت له لاستئصال أعضاء من جسده الطاهر.

لم يكتفِ الأمن السوري بإطلاق الرصاص على محمد و لا باعتقاله ، و لا بإظهاره كمجرم مطلوب للعدالة عوضاً عن رجل نبيل كان يحاول في ظروف بالغة الخطورة إسعاف المصابين، بل أمعنوا في قهره و تعذيبه حتى الموت، و من ثم سرقة أعضاء من جسده الطاهر.

محمد رستم ( الرسو) شاب في الثلاثينيات من عمره ، كان متزوج و له عدد من الأطفال، و قد نشأ في أسرة كريمة، وترعرع على حب الخير والعمل على بثه في أواسط المجتمع، فكان نِعْمَ الشاب، الذي يحب العمل ومعاركة الحياة، إذ لم تسمح له الظروف الصعبةأن يتابع دراسته، فاختار محمد طريقه في الحياة فعمل في أشغال البناء والعمارة، و قد كان محباً للناس و محبوباً من قبل الجميع، و قد شكّل رحيل محمد صدمة كبيرة لدى جميع أهالي تلبيسة، و كما ترك أثراً كبيراً في نفوسهم و جرحاً عميقا في قلوبهم، و غضباً عارماً للطريقة التي استشهد بها، لهذا شهدت جنازته حضورا كبيراً، و لفها حزناً عميقاً، و بالرغم من حصار الدبابات للمدينة و تعرضها المتواصل لإطلاق النار ، فقد شيّع الأهالي محمد في جنازة ضخمة، وشَهِد من شَهد أن أم محمد قد زغردت فيما سمي “عرس الحرية”، في حين  رفع والده يديه باكياً وهو يواريه الثرى وقال: “على الجنان يا محمد بإذن الله ” …….. هذه حكاية شهيد من آلاف الحكايا التي باتت محفوظة في ذاكرة السوريين و قلوبهم، و لن تنسى مدينة تلبيسة الشهيد محمد رستم و بقية شهداءها، كما لن ينسى السوريون .. الرحمة للشهداء و الصبر لذويهم و لثورتنا النصر و العزة لسوريا الصامدة .

خاص – صفحات سورية –

اللوحة للفنان السوري بشار العيسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى