صفحات العالم

لا أحد يريد الخروج من سوريا/ ماجد كيالي

 

 

يفيد المشهد السوري الراهن بأن لا أحد من القوى المنخرطة في الصراع يريد الخروج من سوريا، لا الولايات المتحدة ولا تركيا ولا إيران ولا روسيا، مع الفارق في الادعاءات. ففي حين يعتبر الطرفان الأخيران أن وجودهما شرعي، بدلالة دعوتهما من قبل النظام، فإن الطرفين الأولين يعتبران تواجدهما دفاعا عن أمنهما القومي، وفي إطار مهمة الحرب الدولية ضد الإرهاب، الأولى ضد تنظيم داعش، والثانية ضد “قوات حماية الشعب” الكردية (بي واي دي)، التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الديمقراطي الكردي في تركيا.

اللافت أن الولايات المتحدة أكدت ذلك في تصريح لافت على لسان جيمس ماتيس وزير الدفاع قال فيه “التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، لن يغادر هذين البلدين طالما أن مفاوضات جنيف للسلام في سوريا، والتي ترعاها الأمم المتحدة لم تحرز تقدما، قوات التحالف الدولي ستنتظر. مهمة قوات التحالف هي القضاء على تنظيم الدولة وإيجاد حل سياسي للحرب في سوريا”. وأهمية هذا التصريح أنه أولا، لا يربط وجود قوات التحالف، وضمنها القوات الأميركية، بمكافحة الإرهاب (داعش) فقط، إذ هو يربطها، لأول مرة، وبكل وضوح بالتغيير السياسي في البلد.

ثانيا، أن الحديث هنا يجري عن مفاوضات جنيف حصرا، في إشارة إلى رفض المسارات التفاوضية البديلة التي تحاول روسيا فرضها، سواء كان مسار أستانة أو مسار حميميم-سوتشي.

ثالثا، إن هذا التصريح يعكس حجم الخلاف الأميركي – الروسي في ملف الصراع السوري، وضمن ذلك الموقف من وجود قوات إيرانية مع الميليشيات الطائفية المذهبية (اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية) التابعة لها.

رابعا، أن هذا التصريح يصدر عن وزارة الدفاع الأميركية بالذات، ما يرجّح أن الولايات المتحدة تعدّ لشيء ما، لا سيما بعد أن بات لها وجود من بضعة آلاف من العسكريين على الأرض في الشمال الشرقي وفي الشرق، كما بات ثمة قوات تعمل تحت رعايتها وحمايتها، وهي قوات سوريا الديمقراطية، والتي باتت تسيطر على حوالي ربع مساحة سوريا.

في المقابل طالعتنا في الأيام الماضية تصريحات لمسؤولين إيرانيين ترفض إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتؤكد أنها موجودة بشكل شرعي، أي بموافقة النظام، كما شهدنا ردود فعل روسية على التصريحات الأميركية تنفي موافقتها على عدم السماح لقوات إيرانية، أو تابعة لها بالتواجد على عمق معين في الأراضي السورية، لجهة الجنوب الغـربي، على الحدود مع إسرائيل والأردن، كما جاء في البيان الروسي ـ الأميركي، الذي جرى إصداره عقب لقاء عابر بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في فيتنام (11 نوفمبر الجاري)، بل إن التصريحات الروسية ذهبت إلى حد اعتبار الوجود الأميركي غير شرعي في سوريا.

وبديهي أننا يجب أن نذكّر هنا بعدة وقائع جارية، أولها أن ثمة حملة غير مسبوقة في الكونغرس الأميركي، وفي مختلف دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، تستهدف عزل إيران وفرض عقوبات عليها، وضمن ذلك وصم قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بالإرهاب، مع دعوتها للخروج من سوريا.

وثانيها أن هذه التصريحات الأميركية تأتي في وقت ظنت فيه روسيا أنها باتت المقرر الأوحد في المسألة السورية، وهو ما تجلى في تسرّعها بالدعوة إلى مؤتمر سوري في سوتشي، ثم التراجع عنه، ثم الدعوة إليه مرة ثانية، بعد حصول توافقات روسية – تركية – إيرانية، سيتم تتويجها أو بلورتها، على الأرجح، في لقاء القمة القادم، بعد أيام، في سوتشي، بين الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني.

وثالثها أن التوتر الأميركي – الروسي بات واضحا وعلى أشده، لا سيما بعد استخدام روسيا حق النقض “الفيتو” للمرة العاشرة، وللمرة الثانية في غضون ثلاثة أسابيع، في مجلس الأمن الدولي، لإحباط قرارات لجنة التحقيق الدولية المشكّلة للتحقق من استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا.

ورابعها، أن كل هذه الأمور تجري فيما تركيا باتت تعتبر وجود قوات حماية الشعب الكردية في عفرين (شمال غرب سوريا) هو قضيتها الأساسية، باعتبارها قوة إرهابية وكتهديد لأمنها القومي.

يستنتج من كل ذلك أن مختلف الأطراف المنخرطة في الصراع السوري لها أجندتها التي تختلف عن أجندة الطرف الآخر، وأن المتغير البارز في هذا الموضوع بات يتمثل أولا في إعلان الجميع أن الحرب على تنظيم داعـش كانت بمثابة حجة للتدخل في سـوريا. وثانيا في تطوير الولايات المتحدة لموقفها بقولها إنها لن تخرج من سوريا دون حل سياسي. ثالثا ظهور تموضع جديد للقوى يتمثل بالتوافق الروسي التركي الإيراني.

وطبعا، لا حاجة للتذكير هنا أن إسرائيل حاضرة في كل هذه التطورات، عبر الولايات المتحدة، ومن خلال اتفاقية خفض التصعيد في الجنوب، بغض النظر عن تفاصيل ذلك، مع التأكيد على أن السوريين هم الغائب الأكبر في هذه المعادلات الدولية والإقليمية، وهذا يشمل النظام والمعارضة على السواء.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى