صفحات سورية

لكنْ من يعلّق الجرس؟/ داريوس الدرويش

 

 

أجاب الرئيس أوباما عن السؤال في مقابلته الأخيرة مع توماس فريدمان، فقال بوضوح غير مسبوق إنّ شعوب المنطقة هي التي تتحمّل مسؤوليّة التخلّص من «داعش»، ولا أحد غيرها يمكنه القيام بهذه المهمّة على المدى الطويل. بل ذهب إلى أن مسؤوليّة معالجة جميع المشاكل الأخرى تقع على كاهل هذه الشعوب، وليس فقط مشكلة «داعش».

بين ما قاله وما لم يقله أوباما هناك الكثير. العراق ربّما أصبح، مثل سورية، غير مهمّ بالنسبة للولايات المتّحدة في مجال الطاقة، فمجمل صادراته النفطيّة لا تُشكّل أكثر من 4 في المئة من مستوردات الولايات المتّحدة، وأقل من ذلك بالنسبة للغرب المحسوب عليها (أوروبا)، وذلك بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركيّة.

وليس هناك خوف من القدرات العسكريّة لدولة الخلافة في ما يهمّ الولايات المتّحدة، فأراضيها ليست مجاورة لإسرائيل، وتسليحها ضعيف مقارنة بالأخيرة، ولا يوحي المستقبل بإمكانيّة تطوّر هذا التسليح ذاتيّاً أو عبر الاستيراد من الدول العظمى مثل روسيا والصين. لهذا، لا يُمكِن أن تشكّل «الدولة الإسلاميّة» تهديداً جديّاً للمصالح الأميركيّة في المنطقة (فيما لو بقي منها شيء أساساً ما عدا حماية إسرائيل) إلا ضمن سياق عمليّات «إرهابيّة» لن يكون لها قدرة على التأثير الكبير في مجريات الأحداث.

حسناً، إن لم تكن هناك مصالح أو مخاوف أميركيّة تدفعها للتدخّل في المنطقة، لماذا إذاً تشارك الولايات المتّحدة في الحرب عبر القصف الجوي لأماكن «داعش» في منطقة شنكال (سنجار) والمناطق المتاخمة لإقليم كردستان العراق؟

إضافة إلى العامل الإنساني في ضرورة إنقاذ الإيزيديين من براثن «داعش»، فإنّه، وتبعاً لتلك المقابلة، لا تبدو المحافظة على النظام العالمي الذي نشأ عقب الحرب العالميّة الأولى من أولويّات الرئيس أوباما، بل قد يبدو أنّه متشكّك بعض الشيء من صلاحيّة هذا النظام في الشرق الأوسط على وجه التحديد. ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً، فإنّه لا يعني أنّ الولايات المتّحدة لن تتدخّل في ما لو تغيّر هذا النظام. «التمدّد» الذي تقوم به «الدولة الإسلاميّة» لا يمكن أن يشمل المنطقة بأكملها، والاعتداء على الشعوب الأخرى (غير العرب-السنّة) سوف لن يكون مسموحاً: يُستدلّ على ذلك من الرد الأميركي على هجوم داعش في مناطق من كردستان العراق. إذاً يمكن لداعش أن تغيّر خريطة العرب السنّة في المنطقة، ولكن لا يمكنها التجاوز إلى غيرهم.

لكن، وبما أنّ التدخل قد حصل، لماذا لم تقم الولايات المتّحدة بقصف مواقع «داعش» في الموصل، فتُنهي «الغول» بذلك بدلاً من تقليم أظافره؟

سيحمل هذا القصف أبعاداً أكثر مما يمكن أن تحتمله الولايات المتّحدة، ألا وهو الدلالة المعنويّة لإسقاط «الدولة الإسلاميّة» وخلافتها التي كان لسقوط آخرها (الدولة العثمانيّة) الدور الأكبر في نشوء فكر الإخوان المسلمين، كما لم تخل أدبيّات أيّ قوّة سياسيّة إسلاميّة تقريباً من التغنّي بها واللطم على أطلالها والدعوة إلى استعادتها. وحتى إن اختلفت السبل والوسائل بين هذه القوى في إقامة الدولة الإسلاميّة المنشودة، فإنّ إزالتها الآن على يد الولايات المتّحدة ستحمّل الأخيرة مسؤوليّة تاريخيّة قد لا تتمكن من التخلص من تبعاتها لقرون. وما يدعو إلى خوف الولايات المتحدة هنا أنّ علماء الدين المسلمين لم يتبرّأوا من «الدولة الإسلاميّة» حتى الآن، عداك عن محاربتها. لهذا، فالتخوف الأميركي من إعادة تجربة إسقاط صدّام حسين في العراق (الآن بمحاميل معنويّة أكبر) قد يكون في محلّه، فقد تحوّلوا في تلك التجربة من «محرّرين» توقّعوا شكرهم على ما فعلوه، إلى «غزاة» استحقّوا القتل بنظر العراقيين.

فمن وجهة نظر الولايات المتّحدة، تتحمّل شعوب المنطقة مسؤوليّة القضاء على «داعش»، بدعم ومساندة عسكريّة ومعنويّة من الدول العربيّة والإسلاميّة وعلماء الدين، بينما يلقي هؤلاء الآخرون المسؤوليّة على الولايات المتّحدة في عدم كبح جماح «داعش» في سورية ممّا أدّى (إضافة إلى انسحاب القوّات الأميركيّة من العراق) إلى حصولها على الزخم الذي سمح لها أساساً بإنشاء دولتها. وما بين إلقاء المسؤوليّات كلّ على الآخر، نتذكّر الحكاية المجازيّة للقطّ الذي اختلفت الفئران في من يعلّق الجرس حول عنقه.

* كاتب كردي سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى