صفحات سورية

لماذا يشعر السوريون بأن هناك من يكذب عليهم؟

 

سمير الشيشكلي

كنا نأمل أن نجد يداً فولاذية خلف قفاز الحرير الطبيعي، ولكننا لم نحظ إلا بيـدٍ رخوة وغموض في صنع القرار.

كتبت منذ يومين تعليقاً قصيراً على مقاطعة الائتلاف لاجتماع روما ووصفتها بأنها أول موقف ثوري حقيقي تتخذه المعارضة تجاه النفاق الذي تميزت به شلة “أصدقاء الشعب السوري”. غير أن فرحتنا بالنفحة الثورية المفاجئة لم تدم طويلاً إذ عادت “رئاسة” الائتلاف لتوقف المقاطعة متذرعة بأن شلة الأصدقاء وعدوا بتغيير مواقفهم.

كل ما حصل أن هناك إعلاناً بأن الرئيس الأمريكي “يدرس” و”يبحث” وأن وزير خارجيته الجديد سيعلن عن “مساعدات ملموسة” في روما. وهل كان الرئيس يفعل غير الدراسة والبحث منذ نحو عامين؟!

في أعقاب اجتماع عقده مجلس الأمن حول سوريا أمس الثلاثاء، أسرّ لي صديق دبلوماسي أممي كبير بأن الأصدقاء ما كانوا يتوقعون من الائتلاف أن يتراجع بهذه السهولة “خاصة وأننا لم نقدم له شيئاً بعد”، مضيفاً إنهم كانوا يتدارسون مسألة إرجاء اجتماع روما عندما وردتهم أنباء عودة الائتلاف إلى رشده…

هذه المقاطعة التي حظيت بتأييد هائل من جانب الثوار لم تكن بالأصل وليدة أفكار رئاسة الائتلاف بل جاءت على ما يبدو بضغط من المجلس الوطني. على أن الرئاسة وجدت فيها موقفاً إعلامياً مجزياً فتبنتها بيد لتعود وترفضها باليد الأخرى قبل أن يجف الحبر الذي سكبته على ورقة إعلانها… فالمقاطعة التي أعلِنت بموجب توافق في الآراء حولها، تم التراجع عنها دون اتفاق عام على هذا التراجع. رئاسة الائتلاف هي التي تراجعت وباسمها صدر إعلان وقف المقاطعة.

هذه الرئاسة على ما يبدو تنساق ولا تقود. انساقت خلف فكرة المقاطعة بسبب ضغط الأطياف، ثم انساقت إلى التراجع عنها بسبب ضغط  معاكس. وفي الحالين كان موقفها انفعالياً يغيب عنه أي حس قيادي.

لماذا يشعر السوريون بأن هناك من يكذب عليهم؟

عندما يتحدث شخص من وزن اللواء سليم إدريس رئيس هيئة القيادة الموحدة للجيش السوري الحر على قناة العربية أمس محذراً “الوفد المفاوض” من مغبة التفاوض باسم ثورة لا يمثلونها، وكأن الوفد والتفاوض أصبحا حقيقة واقعة، فإننا نجد أمامنا أسئلة بسيطة تطرح نفسها: هل ما نشاهده اليوم من تراجعات هو التفاف على رفض معظم الأطياف المعارضة، بل والجانب الأعظم من فصائل الثورة السورية في الداخل والخارج، لمبادرة الحوار مع النظام؟ ما الذي تحقق من تلك المبادرة التي سمعنا نعيها مراراً وتكراراً خلال الأسابيع الماضية؟ وهل هي مستمرة بصورة أخرى؟

الشيخ الذي طالب أهالي حوران في لقائهم الالكتروني معه بألا يعترضوا عليه بل أن يمهلوه… ذكـّرنا منذ أيام على صفحته “الشخصية” على الفيسبوك بأن الإمام مالك، رحمه الله، كان يخاطب الناس على قدر عقولهم، فهو القائل “أفكرُ بجوابٍ يسعْهُ عقـلك!”

وبغض النظر عن جدوى المقارنة المبطنة بين الرجلين، فإن من حق الشيخ أن يخاطبنا على قدر عقولنا وفق تصوره لها… أما أن يُستهان بعقل الشعب السوري وبعبقرية ثورته فهذا في تقديري، وبحدود ما يسعه عقلي، خطأ سياسي لا يمكن التذرع فيه بنوايا حسنة من قبيل إنقاذ العاصمة دمشق من دمار يماثل دمار العاصمة الاقتصادية حلب. فهدف إنقاذ دمشق على ما فيه من نبل لا يمكن أن يتحقق على حساب الثورة أو بتسليمها، خاصة وأن تلك النوايا الحسنة لم يعد هناك ما يبررها أصلاً بعد أن جاء رد النظام على مبادرتنا بصواريخ السكود.

هل يحق لنا أن نسأل ما الذي يجري حقاً في كواليس الائتلاف؟ أم أن علينا ألا نعترض وأن نـُـمْهـِل انصياعاً لما يطالبنا به الشيخ؟

بالطبع أتمنى أن يأتينا اجتماع الأصدقاء في روما غداً (28 شباط) بما يدحض هذه الشكوك، وأن ينجح في تلبية مطالب الشعب السوري والثورة السورية في دعم دولي حقيقي.

أما ما أتمناه على الائتلاف وعلى رئاسته فهو أن يكونا صادقين مع السوريين مصارحين لهم، فقد كفانا نصف قرن من قيادات تدعي أن لها العصمة والحق في أن تقود وأن للسوريين الحق في أن يُصفقوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى