صفحات الثقافة

النكوص النسوي في النقد الشمولي


أحمد صلال

المستغرب والمستهجن في مقالة الكاتبة السورية شهلا العجيلي بجريدة ‘القدس العربي’ في تاريخ 30-11-2011 والمعنونة تحت ‘النكوص النسوي في الحراك العربي’، وقوعها في كثير من المغالطات ومخالفة المنطق العقلاني- على الأقل في الحالة السورية، اعتماداً على التشابه في الربيع العربي ككلية ولضرورة التركيز في مقاربة نموذج قابل للتعميم – في رصد الربيع العربي من خلال ‘التبئير’ الحفر الفكري في الحراك النسوي، فالكاتبة تعتمد في رصد الحراك النسوي في الاتكاء على تنظيرات نسوية تقوم على شذرات كلاسيكية من هنا وهناك، لتكوين مسخ نسوي شمولي يحاكي النسوية وفق ما يخدم هذه الأنظمة الشمولية، والاعتماد كما فعلت الكاتبة على عملية ‘التلصص من ثقب الباب’ على قضايا المرأة.

المغالطة الأولى: في طرح ومعالجة الحالة النسوية في إلقاء اللوم والتقريع على الحراك النسوي العربي، الناتج تخلفه عن سبب ذاتي هو الحراك النسوي العربي بما هو قائم وكائن ماضياً وحاضراً، كما تذهب الكاتبة، وطرح أمثلة لم تكن موفقة فيها وتقارب المحاكاة الشعبوية للمواضيع من حيث اتكاء الموظفة الأنثى على شريكها الذكر في إنجاز واجباتها الوظيفية والخروج مبكراً من العمل، ناسية أو متناسية المعالجة الموضوعية على ضوء الممارسات الشمولية التي أرست صنوف الفساد ليظل المجتمع متخلفاً وفاسداً على كافة الأصعدة لبقاء هذه الأنظمة مسيطرة وسائدة في المجتمع..

والمغالطة الثانية: محاكاة الحالة بعيداً عن واقع ورصد الحراك على أرض الواقع والاكتفاء بخلع مبادئ تنظيرية لا تراعي التعامل مع الواقع بواقعية ميدانية في تشريح الربيع العربي، تعتمد على الرصد والاستكشاف، فالنساء السوريات شاركن في الحراك منذ الانطلاقة الأولى، بدءاً بمحاولة عدد من المثقفين الاعتصام أمام البرلمان في تاريخ 2-5-2011 الذي دعا له ثلاثة صحافيين سوريين على الشبكة العنكبوتية، حيث كان عدد المشاركات من النساء يساوي بالكم والكيف الرجال ضمن علاقة تفاعلية تشاركية تخرج عن العلاقة الجندرية، كما توصف الكاتبة فكرياً، وكان من بين المعتقلات الفنانة التشكيلية السورية هبة الأنصاري – قبل اعتقال مروى الغميان بفترة تقارب الشهر- حيث كانت أول معتقلة في الحراك وبقيت لسويعات حتى تم الإفراج عنها، واعتصام الداخلية الشهير حيث فاقت المشاركة النسوية فيه كماً وكيفاً المشاركة الذكورية، ولعبت المثقفات السوريات أمثال سمر يزبك وسهير الأتاسي ورزان زيتونة دوراً رائعاً وبطولياً، حيث لم تتزحزح سهير الأتاسي من مكانها وهي تتلقى حفنة من الهراوات وتم اعتقالها بشكل بربري غير مسبوق. كل ذلك يجري لسهير بينما صديقتها سمر يزبك تحتضن طفلاً صغيراً كانت أمه التي اعتصمت من أجل زوجها المعتقل تركته للريح بعد اعتقالها هي وابنها الكبير، وهذا الدور كان استمراراً لدور تاريخي اضطلع فيه الحراك النسوي السوري بشكل واسع منذ ثمانينات القرن المنصرم، حيث تعرضن للاعتقال ولشتى صنوف الاعتقال والاغتصاب الجسدي والروحي، والعمل الأدبي التوثيقي’نكتيف’ للكاتبة السورية روزا ياسين حسن، خير ما أحيل إليه في هذا الصدد، وليس المقصود من مشاركة المرأة إحياء قيمة جاهلية مستفزة للرأي العام كما تصبو إليه الكاتبة، لتحويل قيمة الشرف إلى قيمة الكرامة كعلاقة’براغماتية’، ورأي الكاتبة هذا يؤدي بنا إلى عزوف النساء عن المشاركة في الربيع العربي من أجل إثبات حسن النية، وهذا الرأي مثير للاستغراب…!

والمغالطة الثالثة: كون الحراك السوري الصانع لانتفاضة الحرية السلمية نسويا بامتياز من حيث القيادات، فالمحامية صاحبة الكاريزما الحديدية والمتدربة في مكتب الحقوقي السوري هيثم المالح رزان زيتونة، استطاعت تفعيل ما يسمى ‘لجان التنسيق المحلية’ إحدى أهم التكوينات التي أفرزتها الانتفاضة لتكون حاضنة تنسيقية للحراك السلمي العفوي، وكذلك سهير الأتاسي التي عملت على تكوين ما يسمى’اتحاد التنسيقيات السورية’ التكوين الآخر الذي له وجوده في تنظيم وتوجيه الفعل الشعبي الحيوي، والناشطات الفاعلات والمناصرات للانتفاضة بكثرة لا تحصيها الأرقام (منتهى الأطرش- هنادي زحلوط – ملك الشنواني – رزان غزاوي – مروى الغميان – ريم غزي….)، هذا يحيل إلى كونهن من صانعات الانتفاضة ولسن نبات زينة ومحكومات بمركزية ذكورية، كما تصبو إليه الكاتبه، والمجلس الوطني السوري كممثل شرعي ووحيد هن ممثلات في مكتبه التنفيذي والهيئة العامة وبدور قيادي وفاعل، والدور الثقافي والإعلامي الذي قامت به المثقفات والإعلاميات النسويات المناصرات للانتفاضة جزء من الاشتغال على الحراك وليس الدور اليتيم كما صورته الكاتبة، وهو دور مهم جداَ كجزء من موزاييك الانتفاضة.

المغالطة الرابعة: تأتي حالة القتل والجرح والاعتقال والاغتصاب كأسلوب تنتهجه الأنظمة الشمولية لكبح جماح الشارع الثائر لنيله حريته وكرامته، والنساء لسن بمنأى عن آلة لا تتقن سوى فن القتل والتنكيل والقيمة، والتفكير الأخلاقي بطفل أو امرأة ليست في قاموسها، وبدلاً من نقد المعارضة والمساواة بين الضحية والجلاد هذا المنطق الأجوف والأعمى والمرفوض كلياً، لتدين الكاتبة الكريمة التي تزعم أنها خرجت من عباءة الراحل الكبير عبد السلام العجيلي والوراثة الشرعية لمشروعه الثقافي، الأفعال القمعية الواقعة من قبل النظام الشمولي الذي تتدافع عنه منذ بداية الانتفاضة – عبر المحاضرات الملقاة في جامعة حلب والمراكز الثقافية السلطوية ومقالتها الأسبوعية في جريدة ‘الثورة’ السلطوية والظهور المتلفز الدائم على شاشات النظام السلطوي – على النساء خصوصاً والذكور بالعموم، بدلاً من تهويمات نسوية نقدية شمولية لا تخرج عن نسق الخطاب الخشبي الشمولي المنافح عن أنظمة شمولية تتدعي أنها أعطت المرأة مكتسبات أين هي هذه المكتسبات؟ أمية مرتفعة بين النساء، خاصةً في الريف السوري حيث تصل معدلاتها بين النساء 46% تسرب النساء من المدارس بشكل كبير، انتقاص قانوني لحقوق المرأة وتعاملها بعض النصوص بتبعية ذكورية قطعية، جرائم الشرف المرتفعة جداً، وتجئير المنظمة التي تعنى بشؤون المرأة لمصلحة النساء البعثيات، مهادنة المؤسسة الدينية والقبلية من أجل كسب الدعم والتأييد السياسي…. وفي هذا الصدد أحيل الكاتبة للفيلم الوثائقي ‘كلام حريم’ إخراج سامر برقاوي والسيناريو للكاتب عدنان عودة الذي يرصد واقع النساء المتردي في الجزيرة السورية عموماً والرقة أنموذجاً وهي المدينة التي تنتمي إليه الكاتبة شهلا العجيلي.

المغالطة الخامسة: النساء في الحراك النسوي يملكن رؤية للمستقبل المبني على الحرية كقاعدة لبناء الفعل الحيوي والنسائي، التي تحصل المرأة من خلاله على مكتسبات حقيقية هي من حقها وصولاً لحقوقها الكاملة، وتلك التي تعنى بخصوصيتها الثقافية والتاريخية النابعة من التراث بعيداً عن الانتقاص المرضي، ويكون للحراك النسوي استلزام وواقع جزء مهم مبني على الدور الحيوي والتاريخي الذي قامت به، وبالنسبة للرؤية يفرزها الحراك خلال وما بعد انتصار الانتفاضة والعمل السياسي الجاد للخروج من الأزمة المرضية العامة والتركة المرضية التي أورثتها الأنظمة الشمولية للشعوب بما فيها الحالة النسوية، والحراك بداية له وليس فعلا مكتملا.

الكاتبة السورية شهلا العجيلي النظرية النسوية بعد الربيع العربي، وخاصةً الحالة النسوية السورية غير المألوفة تفرداً وتطرفية حياتية مبدعة من أجل الحرية، تحتاج للابتعاد عن النكوص النسوي الشمولي، تماشياً مع الحراك الذي سبق هذه اللغة الخشبية بأشواط بعيدة، وعلى ما يصطلح عليها نخبة، أن تماشي الشارع أو على الأقل السير بجانبه بواقع وواقعية، ضمن تأثر وتأثير وصولاً لتفاعلية تشاركية، تمكنها من الخروج بمشروع نسوي ثقافي يعبر عن طموح الحراك النسوي بعد الربيع العربي.

‘ كاتب صحافي- سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى