صفحات مميزة

مبادرة دي ميستورا لحل الأزمة السورية – مقالات محتارة –

 

 

 

خلاصة اللقاءات السرية بين موالين ومعارضين :اقتراحات مركز الحوار الانساني لديمستورا

فيما يلي أهم نقاط الاقتراح الذي قدمه «مركز الحوار الإنساني» إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا:

  1. الاقتراح الأساسي

تصدر الاقتراحات الأساسية من السوريين، من دون أن يكون لها مالك أو مؤلف واحد. وإن تمّ العمل بهذه الاقتراحات بأيّ شكل من الأشكال، سيعود السبب إلى كونها نالت قبولاً من السوريين وكانت بإدارتهم، إذ يطالبون باستعادة السيطرة على مستقبلهم، يندبون خسائرهم (…)

لتبسيط الأمور، تتمثّل الحجّة الأساسية بإيجاد مقاربة استراتيجيّة تسمح بوضع حدّ للصراع في سورية، من خلال اتّخاذ خطوات عمليّة ضمن إطار تسوية شاملة. وإن تمّ الاتفاق على إطار العمل، سيتطرّق للشكاوى الأساسيّة التي أدّت إلى نشوب الصراع أصلاً، بما يشمل وضع حدّ للدولة البوليسية- الأمنية.

في غياب مقاربة من هذا القبيل، ثمّة خطر بأن تأتي نتائج الحرب الدولية، والإقليمية والمحلية على الدولة الإسلامية وجبهة النصرة على شكل مواصلة تمكين لهذه الجماعات، واستمرار في تشتّت الدولة، وزيادة لمستويات التوتّر في الأوساط المعارضة.

  1. إنهاء الصراع و/ أو وضع حدّ لتصعيد القتال

يستكشف هذا القسم احتمالات تسجيل «انتصار» واضح لأيّ من الأطراف، ويبحث في المنطق الداعم لنتيجة تم التفاوض عليها، تقوم على وضع حدّ تدرجي لتصعيد القتال حيث يمكن تحقيق ذلك، إنّما ضمن إطار عمل محدّد. ويشار إلى أنّ الحرب ضدّ النظام شنّتها جماعات مختلفة. أمّا الصراعات المستقلّة ضدّ (تنظيم) الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (وتلك التي حصلت بين هذين الطرفين)، فكانت بتوجيه من بعض الجماعات المعارضة والنظام، وقد تسبّبت بنشوء ساحة معركة معقّدة لا تظهر فيها أيّ خطوط واضحة، أكان من حيث الجغرافيا أو من حيث الانتماء (…).

من شأن الخيار العملي، بإيجاد مسار سيتمّ التفاوض عليه، أن يخدم مصلحة جميع الجهات المتفائلة تقريباً، سواء كانت موالية للنظام، أو للعدد الكبير من الجماعات العسكريّة المعارضة. ولا شكّ في أنّه السيناريو المنطقي الوحيد الذي سيتطرّق لجميع المسائل التي أدّت إلى نشوب الأزمة، ويسمح بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ويوفّر إطار عمل للمفاوضات المتعددة الضرورية في ظل أي سيناريو تقريباً للتعاطي مع كلّ من هذه الجماعات المسلّحة (…).

يتطلّب بناء هذا الخيار، بحكم تعريفه، اعتماد جميع الأطراف المعنيّة مقاربة عمليّة، ويستلزم كمّاً مناسباً من التشجيع والضمانات والضغوط الممارسة على جميع الأطراف المعنيين، من السوريّين (بما يشمل النازحين والجالية السوريّة في المهجر)، ومن مجموعة واسعة من المؤيّدين الخارجيّين من الأطراف كافّة.

  1. مقاربة تدريجيّة تنطلق من الشعب وتتوجّه نحو السلطة

كانت نقطة الانطلاق الشائعة لحلّ الأزمة التي اتخذت طابعاً عالميّاً، بالتوصّل إلى اتفاقية/ تسوية مركزية ذات طابع عالمي– كتلك التي كانت تسعي إليها المساعي المبذولة في (مفاوضات) جنيف لمساعدة سورية. وإن سعت الأطراف للتوصّل إلى اتّفاقيّة دوليّة من هذا القبيل، قد تتناسب الاقتراحات المتناولة في هذا البحث مع أيّ نقطة يتمّ التوافق عليها في المقدّمة، أو في صلب الموضوع، أو كآليّة تطبيق. وفي هذا القسم، يتمّ شرح الاستراتيجيّة التي ستسمح بالمباشرة في العمل على الجوانب كافّة، حيث يمكن التوصّل إلى اتّفاق (…).

في أفضل الاحتمالات، سيكون إطار العمل قد نال موافقة صريحة من النظام والأطراف المعنية كافة وستحصل المستجدّات التالية ضمن إطار العمل المذكور هذا. وإن لم يتسنَّ تحقيق ذلك مباشرة، يتوجّب آنذاك تطوير إطار عمل تدرجيّاً. وإن سعت الأطراف للتوصّل إلى هدنات محلية، فسيتمثّل الهدف بإدراجها ضمن إطار عمل، وتزويدها خريطة طريق تشمل خطوات واضحة وتدريجيّة. وتسعى هذه العملية لإنشاء «آليّة» بناء جسر مؤسساتي وإداري (على غرار هيئة سلام وإعادة إعمار مثلاً)، ليتسنّى لأيّ من الأطراف التعاون مع سلطة سوريّة مرحليّة لا تنتمي لا للنظام ولا للثورة. وسيركّز مجرى الأحداث على الأرض على مواقع محددة، ويعكس في شكل أساسي سير أحداث الحرب. وفي المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة، سيكون للمجتمعات المحلية حقّ إدارة مناطقها بالتعاون مع «الآليّة» بدلاً من «النظام». ويعني ذلك أن التمكين لن يكون فقط تمكيناً عسكرياً للجماعات المعنية، يقضي بوقف العمليات على إحدى الجبهات لتتمكّن من مواجهة الدولة الإسلاميّة أو الدفاع عن نفسها ضدّها، ولكن أيضاً إداريّاً. وبالتالي، «سيحتضن» كلّ من النظام والمعارضة الإدارة والسياسة المحلية، ويطوّر خبرة. وإن كانت المقاومة ضدّ التطرّف تركّز على وجهة واحدة فقط، فسيشير ذلك إلى بداية عملية إعادة بناء المنازل، والمجتمعات، والاقتصاديات، والإدارة. وستشمل خريطة طريق من هذا القبيل إعادة بناء ومراقبة بدعم دولي، تشمل انتخابات محلية ضمن تطبيق اللامركزيّة بتفويض دستوري. وستقوم عملية ذات مصداقيّة تحثّ السوريين على إحداث تغييرات شاملة في قلب السلطة. وستسمح هذه المقاربة بالتخفيف من المخاوف الوجوديّة التي تطغى على الغالبيّة السنّية، وعلى شتّى الطوائف والمجتمعات الأخرى (…).

  1. الإقرار برأي «الشارع»

(…) يرتبط هذا الجزء بأجزاء أخرى من هذا البحث، ويشدّد على السبب الذي قد يصعّب على قادة الأطراف كافّة الانطلاق في مفاوضات، ناهيك عن التوصّل إلى اتّفاق. ومن شأن عمليّة أن تشمل استشارات تحظى بموافقة من السوريّين (…).

  1. إشراك «المتشدّدين» في العمليّة

من شأن إجراءات تفاوضيّة أن تفسح المجال أمام مشاركة كلّ الجماعات المتقاتلة «التي يمكن الوصول إليها»، أي تلك التي ترغب في التفاوض. لا بدّ للتسلسل والآليات المستعملة لإشراك هذه الجماعات أن تكون مناسبة ومرنة. وتماماً كما هو الحال بالنسبة إلى النظام الذي قد لا يستجيب إلا لسلسلة من التقييمات والضغوط المشجّعة على التفاوض، قد يكون الأمر سيّان بالنسبة إلى الجماعات المسلّحة، التي قد تحتاج إلى مجموعة من الأسباب التي ستحثّها على المشاركة. ومن الضروري إرساء شروط، بما يشمل التزامات بمبادئ أساسيّة توفّر أرضيّة مشتركة للجميع في عمليّة التفاوض. ومن الضروريّ أيضاً إرساء إطار عمل سياسي يقبل به جميع الأطراف المعنيّة.

6.لماذا يحرز تنظيم «الدولة الإسلاميّة» تقدّماً

(…) بالنظر إلى الأمور من خارج سورية، يبدو أن الجميع يقف ضدّ «الدولة الإسلاميّة»، لكنّه من الضروري أن نفهم السبب الذي يجعل العكس يبدو صحيحاً داخل سورية (…). والواقع أنّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة» لا يملك عقيدة تحاربه، ولا يمكن هزمه بسهولة على أرض المعركة. (…) كلّما تواصل القصف على الدولة الإسلامية زادت قوّته، أقلّه في المستقبل الفوري. ويُعتبر وضع حدّ لهجمات النظام على المناطق الواقعة بين أيادي المتمرّدين سلاحاً أساسيّاً لهزم الدولة الإسلاميّة، علماً بأنّ حتى هذا لن يشكّل إلاّ الخطوة الأولى، ومن شأن إعادة الهيكلة التدرجيّة للدولة مع الوقت أن تلغي الظروف التي سمحت بازدهار الدولة الإسلاميّة، التي تجتذب البعض إليها في الوقت الراهن.

  1. تشرذم الدولة والمجتمع

(…) كلّما ضعف النظام، زاد الدعم الإيراني له، ومعه الاحتمال بتكاثر الإيرانيّين في ميدان المعركة. إلى ذلك، يشير تراجع قوّة النظام إلى أنّ الميليشيات التي تدعمه ستزداد قوةً، واستقلاليةً، وتصبح بالتالي أكثر خطورةً. ويفرض هذا الواقع خطراً حقيقياً، لأنّ تراجع عديد النظام يقابله احتمال نظريّ بأنّ يستعين المتمرّدون بلاجئين تمّ تحويلهم إلى أصوليّين في المخيّمات. بيد أنّ ما سبق ليس حلاً بديلاً جذّاباً للفوضى الحاليّة، مع الإشارة إلى أنّ «الثغور» التي سبّبتها الحرب تملؤها الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة وغيرهما من الميليشيات ومن عناصر الجريمة المنظّمة. وما من قوّة بديلة لملء هذا الفراغ، ما يجعل التسوية التدريجيّة أكثر أهمّية من أيّ وقت مضى (…).

  1. إنقاذ الدولة وإنهاء النظام

لن يأتي التغيير بين ليلة وضحاها. وبدلاً من ذلك، يوفر السوريون الظروف المواتية بدعم محلي ودوليّ، ويضعون حدّاً لتصعيد القتال، ويتطرّقون للتركيبة الحكوميّة في سياق عمليّة تكون ذات مغزى وفعاليّة. ومن شأن إرساء اللامركزيّة، باعتماد «آليّة سلام وإعادة إعمار» مستقلّة»، أن يولّد الظروف المواتية التي ستمكّن السوريّين من إعادة تحديد معالم حكومتهم، وإرساء «العقد الاجتماعي» بسلام نسبيّ، وبطريقة تدريجيّة (….).

من شأن عمليّة تدرجيّة أن تسمح للشعب السوري بإيجاد حلوله الخاصّة عن طريق عمليّة سياسيّة وجالبة للاستقرار تكون مضمونة وخاضعة للإشراف. والواقع أنّ الطرفين يطلبان ضمانات دوليّة (…).

يتمثّل الهدف الفوريّ بإنهاء الحرب مقابل فرض اللامركزيّة، على أن تلي ذلك تغييرات أخرى. والواقع أنّ البلاد أصبحت لامركزيّة في مطلق الأحوال، مع الإشارة إلى أنّ القادة المحلّيّين اكتسبوا الكثير من النفوذ (بغضّ النظر عمّا إذا كانوا موالين للمعارضة أو للنظام)، وبالتالي، لن يكون ذلك إلاّ إقراراً بالواقع. ولا شكّ في أنّ اللامركزيّة ستثير اهتمام الموالين للنظام الذين ينزعجون من الحكّام، وغيرهم من المسؤولين الذين عيّنتهم الحكومة المركزيّة، والذين يُعتبرون على غير تواصل مع الشعب، وغافلين لحاجاتهم وواقعهم.

سيأتي رحيل بشار الأسد في أعقاب عملية سياسيّة أوسع نطاقاً، بدلاً من أن يكون شرطاً مسبقاً. وسيزيله الشعب السوري عن منصبه، بعد أن يجد حلوله الخاصّة بمساعدة عملية سياسيّة وجالبة للاستقرار تحظى برقابة وضمانات دوليّة.

(…) ومع الإشارة إلى احتمال أن يحلّ السوريّون مشاكلهم الخاصّة باعتماد عمليّة تدريجيّة كما أشير سابقاً، تُطرَح مسألة أخرى، هي مسألة القوات الأجنبية المتعدّدة، ومن بينها ميليشيات النظام، في سورية.

  1. الخاتمة

يقترح هذا البحث طريقاً يمكن سلوكه، واتّفاقاً نموذجياً يشمل وقف إطلاق نار تمّ التفاوض عليه، وإعادة بناء انطلاقاً من القاعدة الشعبية ووصولاً إلى السلطة وعملية تغيير سياسي مفتوحة، تأتي كلّها مرفقة بدعم وضمانات دوليّة (…).

سيتطلّب إنهاء الصراع في سورية بموجب هذه الشروط مزيجاً من الدعم والتشجيع والضغط المحلي والدولي. وقد نالت العناصر الرئيسية لهذا الاقتراح تأييداً مبدئياً من مجموعة كبيرة من الفاعلين السوريين. ونجد أرضيّة مشتركة كافية لهذا «الحل الوسط» الذي يشمل إطار عمل يتم التفاوض عليه، يؤدّي إلى تسوية شاملة وعادلة.

الحياة

دي ميستورا و”توسيع بقع الحبر

أصدر “مركز الحوار الإنساني”، مشروع حل قدمه إلى المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بعد سلسلة من اللقاءات غير العلنية بين شخصيات سورية، سياسية وعسكرية، من النظام والمعارضة، ومع لاعبين دوليين وإقليميين، منخرطين في الوضع السوري. دي ميستورا تبنى الشق السياسي، من المشروع، وبنى عليه استراتيجته القائمة على “تجميد” الصراع.

ويحمل ميستورا نهجاً مغايراً لسابقيه؛ كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، اللذان ارتكزا على تنفيذ بيان جنيف-1، حزيران/يونيو 2012، والداعي إلى تشكيل “جسم انتقالي” بصلاحيات تنفيذية كاملة، من ممثلي النظام والمعارضة. ميستورا تجاوز أسلوب “من فوق إلى تحت”، لصالح الحل القائم على أسلوب “من تحت إلى فوق”، بدءاً باتفاقات وقف النار إلى المصالحات والإدارات المحلية، وانتهاءاً بحل سياسي يبحث مصير الرئيس بشار الأسد.

دي ميستورا، في نظر المعارضة السورية، أقرب للنظام وحلفائه الإقليميين والدوليين، ما يثير تخوفات لديهم، أنه بتبنيه الشطر السياسي لخطة مركز الحوار، قد يغفل، عمداً، الآليات التنفيذية، التي تسمح بتطبيق هدن حقيقية تسمح ببذور حكم لامركزية، لصالح “اتفاقات إذعان واستسلام” درج النظام على فرضها في مناطق المعارضة المحاصرة.

بالنسبة إلى مركز الحوار فـ”الحل في المدى القصير، ليس مرحلة انتقالية ولا محاصصة سياسية، بل تجميد الحرب كما هي عليه والاعتراف بأن سورية أصبحت لا مركزية في مناطق على فوهة البندقية”. فالمطلوب حالياً هو “وقف فرامة اللحم” في سوريا، وتوسيع اتفاقات وقف النار المحلية، على أساس ثلاث أولويات تتعلق بـ”خفض مستوى العنف، وإيصال المساعدات الإنسانية، وزرع بذور الحل السياسي”. ففي سوريا اليوم “مجموعات متمردة كثيرة مع أجندات متناقضة، محلية ودولية، لا يمكنها التوصل إلى اتفاق كبير”. في وقت “يَعرِفُ” فيه الأسد أنه “لا يستطيع استعادة السيطرة على كامل البلاد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء”.

مشروع المركز يعني “توسيع بقع الحبر” على الأرض، لأن “الطريقة الحالية لا تحقق أهداف الشعب السوري التي خرج لتحقيقها”، وبالتالي لا بد من البحث عن “كيفية الوصول إلى الأهداف بطريقة أخرى، وإن أخذ الأمر وقتاً أطول”، ما يعني العمل أولاً على “وقف النار” لأن هذا “سيسمح للمضي في الحل السياسي والوصول إلى حل انتقالي تفاوضي”.

وبحسب مركز الحوار، فإن عقبة “رحيل” الأسد، “ستعقب العملية السياسية، بدلاً من أن تكون شرطاً مسبقاً”. أي ستترك هذه القضية شديدة الإشكالية، لـ”الشعب السوري”، كي يجد “الحل السياسي عبر عملية سياسية وآمنة تحت رقابة دولية وبضمانات دولية”. ما يعني ايجاد “مقاربة استراتيجية لإنهاء الصراع في سورية بسلسلة من الخطوات البراغماتية ضمن إطار عام للتسوية. إذا تم الاتفاق على اتفاق الإطار، فإنه سيتناول القضايا الجوهرية التي ألهمت الصراع بما في ذلك إنهاء الدولة البوليسية-الأمنية. وبغياب مقاربة كهذه، فإن النتيجة ستكون نتيجة الحرب الدولية والإقليمية والمحلية على تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المخاطرة بتقوية هذين التنظيمين وتشظي سورية وتفتيت المعارضة”.

خطة مركز الحوار المدعومة من ميستورا، تتضمن خطوات محددة ضمن برنامج زمني في حدود سنتين، يبدأ باتفاقات وقف النار مربوطة بمقاربة “لا مركزية مقابل توسيع المحليات”، تعقبها انتخابات محلية وأخرى برلمانية، وصولاً إلى “نظام برلماني وليس رئاسياً”، يتمتع فيه رئيس الوزراء الذي تختاره الغالبية البرلمانية بـ”صلاحيات واسعة”، إلى جانب رئيس الجمهورية الذي يتمتع أيضاً بصلاحيات.

مركز الحوار، يعتقد بأنه من “شأن إجراءات تفاوضيّة أن تفسح المجال أمام مشاركة كلّ الجماعات المتقاتلة، التي يمكن الوصول إليها، أي تلك التي ترغب في التفاوض”. فلا بدّ للآليات المستعملة لإشراك هذه الجماعات أن تكون “مناسبة ومرنة”. و”كما هو الحال بالنسبة إلى النظام الذي قد لا يستجيب إلا لسلسلة من التقييمات والضغوط المشجّعة على التفاوض، قد يكون الأمر سيّان بالنسبة إلى الجماعات المسلّحة، التي قد تحتاج إلى مجموعة من الأسباب التي ستحثّها على المشاركة”. كما أنه “من الضروري إرساء شروط، بما يشمل التزامات بمبادئ أساسيّة توفّر أرضيّة مشتركة للجميع في عمليّة التفاوض. ومن الضروريّ أيضاً إرساء إطار عمل سياسي يقبل به جميع الأطراف المعنيّة”.

مشروع المركز يعتبر بأن “وضع حدّ لهجمات النظام على المناطق الواقعة بين أيادي المتمرّدين سلاحاً أساسيّاً لهزم الدولة الإسلاميّة، علماً بأنّ حتى هذا لن يشكّل إلاّ الخطوة الأولى، ومن شأن إعادة الهيكلة التدرجيّة للدولة مع الوقت أن تلغي الظروف التي سمحت بازدهار الدولة الإسلاميّة، التي تجتذب البعض إليها في الوقت الراهن”.

كما يعتقد المشروع بأنه “كلّما ضعف النظام، زاد الدعم الإيراني له، ومعه الاحتمال بتكاثر الإيرانيّين في ميدان المعركة. إلى ذلك، يشير تراجع قوّة النظام إلى أنّ الميليشيات التي تدعمه ستزداد قوةً، واستقلاليةً، وتصبح بالتالي أكثر خطورةً. ويفرض هذا الواقع خطراً حقيقياً، لأنّ تراجع عديد النظام يقابله احتمال نظريّ بأنّ يستعين المتمرّدون بلاجئين تمّ تحويلهم إلى أصوليّين في المخيّمات”.

يظل المشروع بصيغته النظرية، احتمالاً لحل ينهي نزيف الدم السوري. لكن ما الذي يضمن أن النظام، لن يسعى جاهداً لتفريغ الخطة من مضمونها؟ وهل بإمكان المبعوث الدولي، بما عرف عنه من ميل لتبني خطاب النظام، وتركيزه على محاربة “الإرهاب”، أن يحدث اختراقاً في بنية النظام الصلبة؟

المدن

 

 

 

 

مبادرة دي مستورا وآفاق الحل في سوريا/ عمر كوش

حيثيات المبادرة

موقف المعارضة

محاولات التعويم

أثار كلام المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا عن خطة طرحها خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق تقضي بوقف إطلاق نار جزئي من خلال البدء في “تجميد المعارك بحلب” العديد من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة لمقترحه.

فقد تحدث دي مستورا نفسه عن موقف إيجابي من طرف بشار الأسد يتلخص في استعداده لدراسة الخطة والعمل عليها. بالمقابل، لم يعترض عليها المجلس العسكري في مدينة حلب، بل وضع شروطا للموافقة عليها، فيما تحفظ عليها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ورفضها عدد من الفصائل العسكرية المعارضة.

حيثيات المبادرة

تأتي الخطة التي تحدث عنها دي مستورا ضمن مبادرة تهدف إلى وقف القتال المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات في سوريا قدمها إلى مجلس الأمن في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتقوم على فكرة إنشاء “منطقة خالية من الصراع” يمكن أن يبدأ تطبيقها من خلال تجميد القتال في مدينة حلب، وبقاء كل طرف في موقعه الحالي بهدف إيجاد شكل من أشكال الاستقرار.

وفي حال نجاح عملية التجميد فإنها ستشكل حجر الأساس للمزيد من العمليات والخطط المماثلة، على أن يتم خلال فترة التجميد السماح بنقل مساعدات إنسانية وغذائية للمناطق المحاصرة والتمهيد لمفاوضات بين النظام والمعارضة.

ويبدو أن دي مستورا يستغل انشغال وتركيز المجتمع الدولي على حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كي يسهم في تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب، بمعنى أنه يسعى لتركيز جهود المعارضة والنظام في الحرب ضد داعش.

لكن ما يسكت ويتعامى عنه المبعوث الدولي هو أن أي حل في سوريا يجب أن ينهي الظلم الذي وقع على السوريين من قبل نظام بشار الأسد، وأن هذا النظام الظالم لم يخض أي معركة حقيقية ضد ظلم داعش، بل إنه حين كانت فصائل من الجيش الحر تخوض معارك ضد هذا التنظيم كانت طائراته تقدم الإسناد والعون له من خلال قصف مواقع المعارضة السورية بالصواريخ والبراميل المتفجرة، بل والأدهى من ذلك هو أن نظام الأسد سهل لتنظيم داعش سيطرته على العديد من المواقع، خاصة في الرقة وريف حلب، في حين أنه كان يدافع عنها بشراسة عندما كانت فصائل الجيش الحر تهاجمها.

وفي هذا السياق، يتساءل سوريون ومراقبون عن عدم اصطدام طيران النظام مع طيران التحالف، ذلك أنه لا يقصف مناطق انتشار داعش فقط، بل أيضا المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش السوري الحر، الأمر الذي لا يجد تفسيره إلا في وجود تنسيق مسبق غير معلن يقتسم فيه الطرفان الأجواء السورية.

ولأجل ذلك يخشون من أن تكون مبادرة دي مستورا تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويمه وإعادة تأهيله من خلال إعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكا في الحرب على داعش على الرغم من حديث المسؤولين الأميركيين المعلن عن عدم شرعيته وعدم التنسيق معه في حرب التحالف الدولي ضد داعش.

غير أن التساؤل عن حيثيات مبادرة دي مستورا يمتد إلى أسباب اختيار مدينة حلب نفسها، والتي أجاب عن بعضها دي مستورا نفسه، وأرجعها إلى كون المدينة واقعة “تحت الضغوط منذ أعوام وفي نزاع مستمر”، خاصة بعد أن أعرب عن صدمته من الدمار الهائل الذي رآه خلال زيارته مدينة حمص، ولا يريد “أن يحصل ذلك في حلب”.

لكن السبب الأساس لاختيار حلب يكمن في وجود مخاوف من هجوم قريب لـ”داعش” على هذه المدينة على غرار ما حدث لمدينة الرقة نظرا لموقعها الإستراتيجي، وليس لأنها “مدينة ترمز إلى الحضارة والأديان والثقافات السورية والتاريخ والحضارات المتعددة”، إذ يعلم القاصي والداني أن أحياء عديدة من هذه المدينة العريقة والتاريخية حولها النظام الأسدي إلى مناطق أشباح، حيث أمعن في قصفها بمختلف أنواع الأسلحة والطائرات والبراميل المتفجرة، وعمل على تدمير أسواقها ومعالمها القديمة على مرأى العالم كله، ولم تشر مبادرة دي مستورا إلى حجم الخراب الذي سببه النظام.

موقف المعارضة

صدرت مواقف متباينة حيال المبادرة من طرف المعارضة السورية -بشقيها السياسي والعسكري- الأمر الذي عكس تشرذمها وانقسامها، حيث اعتبر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هادي البحرة المبادرة “غير واضحة”، معتبرا أن “الحل لا بد أن يكون شاملا”، وأنها لن تفيد سوى نظام الأسد إلا إذا ترافقت مع حل سياسي شامل.

 

أما رئيس “المجلس العسكري في حلب” التابع للجيش السوري الحر العميد زاهر الساكت فقد حدد أربعة شروط للتهدئة في المدينة تتلخص في خروج المليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام، ووقف القصف الجوي وإلقاء البراميل على أحيائها، وإطلاق سراح المعتقلين، ومحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي ضد السكان المدنيين في غوطة دمشق وغيرها.

ويظهر من تصريحات دي مستورا أن مبادرته حتى وإن نفذت -وهو أمر مستبعد في المدى القريب على الأقل- فإنها لا تشكل إلا خطوة أولية، وليست حلا سياسيا، ولا ترتقي إلى خطة سلام قادرة على إنهاء معاناة السوريين.

وتزداد مخاوف السوريين من أن المبادرة لا تتضمن رؤية سياسية لحل الأزمة، إنما تتحدث عن تجميد القتال في مدينة حلب فقط، ولا تمتد على كامل مناطق المحافظة نفسها، والهدف منها هو حرف الصراع، وتحويل وجهته نحو محاربة داعش ودحره على الأرض، في حين أن مقاتلي الجيش السوري الحر وجميع “المعتدلين” يرون في النظام خطرا إلى جانب داعش، ويساوون بين النظام وبينه، بل ويعتبرونه صنيعته ولن يتوقفوا عن محاربته.

وتثير تعقيدات الوضع في سوريا التباسا لدى دي مستورا يخص فهم التطورات الحاصلة فيها، حيث إن مبادرته لا تأخذ معاناة السوريين في الحسبان، ولا تضعها ضمن حساباتها، فالسوريون -معارضة سياسية أو عسكرية- لم يستشاروا في وضع عناصر خطته، وكل ما عليهم هو تنفيذ ما يريده المبعوث الأممي الذي يقول لهم “ليست لدينا خطة للعمل، أوقفوا القتال وقلصوا العنف” دون أي مقابل، عليكم تغيير وجهة بنادقهم من النظام إلى داعش.

محاولات التعويم

تلتقي مبادرة دي مستورا مع محاولات روسيا الوقوف في وجه أي حل يفضي إلى نهاية نظام الأسد، لذلك تسعى جاهدة إلى إعادة تأهيل النظام من خلال مبادرتها إلى لقاء بعض رموز المعارضة السورية، حيث استقبلت مؤخرا وفدا برئاسة أحمد معاذ الخطيب الذي اندفع في تقدير إرهاصات زيارته إلى موسكو، وراح يحلم بأن شمس الخلاص السوري قد تشرق من موسكو، وهذا مستحيل لأن قادة الكرملين شركاء نظام الأسد في حربه الكارثية ضد أغلبية الشعب السوري.

وإذا كان الروس قد أعلنوا لزوارهم في أكثر من مناسبة أن المسار السياسي لحل الأزمة يجب أن يسير بالتوازي مع مسألة محاربة الإرهاب التي تدندن عليه الدول فإن ذلك يلتقي تماما مع ما ترمي إليه مبادرة دي مستورا، ومع جهود مصرية خجولة هدفها أيضا إعادة تأهيل نظام الأسد عبر إدخاله في مفاوضات ترمي إلى إعادة الاعتراف به، وتوحيد الجهود لمحاربة داعش.

كل هذه المحاولات لإعادة تأهيل الأسد وتعويمه تُجرى في وقت استفاق فيه الرئيس أوباما من غفوته، ليطلب من مستشاريه مراجعة الإستراتيجية الأميركية في سوريا بعد أن لامس آفاق الحل في سوريا والذي يقضي بأن “إزاحة الأسد ضرورية لهزيمة داعش”، الأمر الذي يتطلب ضرب أساس التزامه في الشرق الأوسط المتعلق بالحرب ضد الإرهاب، والقائم على الفصل بينها وبين ضرب نظام الأسد، وعلى مقولة تفيد بأن حل الأزمة السورية لا يمكن أن يكون عسكريا، وإنما من خلال تسوية سياسية.

وعلى أساس هذا الفهم أخلت إدارته بوعودها والتزاماتها خلال أكثر من ثلاث سنوات مضت من عمر الثورة السورية حيال الشعب السوري، وحيال المعارضة وباتت فاقدة ضميرها الإنساني.

ويبقى أن المبعوث الدولي دي مستورا لم يقرأ درس مفاوضات جنيف الذي أظهر للعالم أن النظام السوري لم يرسل وفده للتفاوض بل لكي يراوغ ويماطل، ويحاول تحويل قطار التفاوض عن سكة الحل السياسي إلى سكة محاربة فصائل المعارضة المسلحة وتدمير الحاضنة الشعبية للثورة.

ويكشف واقع الحال أنه لا يمكن لمبادرة دي مستورا أن تعالج الكارثة التي أصابت السوريين لأنها لا تنظر في مسبباتها، وتتغاضى عن الحرب الشاملة التي بدأها النظام الأسدي ضد أغلبيتهم منذ اندلاع الثورة السورية.

كما لا يمكن لعاقل أن يختصر الكارثة السورية بمسألة إرهاب مدعوم عربيا ودوليا إلا إذا صدقنا أن النظام يمكن أن يتحول من قاتل دمر أحياء معظم المدن والبلدات السورية وهجر ملايين السوريين إلى ضحية وديعة تدافع عن أغلبية السوريين الذين تحولوا -وفق هذا المنطق- من ضحايا نظام ظالم ودكتاتوري إلى مجرمين وإرهابيين يستحقون القتل والإبادة والتشريد.

وبالتالي، فإن العنف هو العلاج الوحيد لسلوكهم الإجرامي بغية استعادة أمن البلاد واستقرارها، وإعادة الجميع إلى مظلة النظام الظالم الجاثم على صدور السوريين منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، وهو أمر لا يمكن أن يحصل مهما كثرت المبادرات، لأن السبيل الوحيد هو إنهاء حكم الأسد.

الجزيرة نت

 

 

 

سورية.. التجريب والتخريب/ غازي دحمان

لا يعدو الحراك السياسي الذي تقوم به بعض القوى ذات العلاقة بالملف السوري، أن يكون جولة تسخين لإنضاج ثمار بدأت تينع على غصون ملفات أخرى، أو نوع من غزل تفاوضي، تجريه تلك الأطراف على (قاعدة الطبل هنا والعرس في مكان آخر)، وفي هذا تأكيد على وظيفية الملف السوري في واقع العلاقات الدولية الراهن.

تكتيكية هذا الحراك تظهر بوضوح في السلوك السياسي الضّحل لأطرافه، والذي يثبت، بدرجة كبيرة، هامشية السلام السوري في إستراتيجيات الكبار، وقد ذهبت الإدارة الأميركية في مزاوداتها المكشوفة بعيداً، حينما سرّبت أنها بصدد تعديل إستراتيجيتها في الحرب على داعش، بإضافة بعد جديد لها، وهو إسقاط نظام الأسد، بوصفه يشكل مغناطيساً جاذباً للإرهاب، فما الذي فعلته واشنطن لتسند إستراتيجيتها تلك على أرض الميدان، غير المساهمة في إسناد قوة الأسد بالنيران؟، أما موسكو فقد أعلنت أنها بصدد تأليف تحالف أصدقاء دي مستورا، لدعم المبعوث الأممي في مهمته الجديدة في سورية، والتي يبدو أنها أسوأ مهام الأمم المتحدة وأكثرها تواطؤاً مع نظام القتل؟، في حين تعمل إيران على إنشاء جيش مواز لها في سورية، قوامه مئة ألف عنصر!

لا شيء، باستثناءات الكلام، يوحي بتعديل تلك الأطراف سياساتها ومواقفها تجاه الحدث السوري، وبعد أربعة أعوام من الثورة، وما جرى على هامشها من مؤتمرات ومبادرات، صار الجميع يعرف، بالضبط، ما هو الجدي وما هو الفقاعة. باتت المشكلة واضحة ومعلومة ومحدّدة بدقة، ومعلوم أين تقع مفاتيح حلها، ويفترض بأي مقاربة لها أن تكون خالية من التشّوش واللّبس، وشغوفة بالهم الإنساني الذي يليق بمهنية الدبلوماسية العالمية في القرن الحادي والعشرين، بوصفها انعكاساً لمنظومة القيم العالمية، وما تنطوي عليه من احترام لحقوق الإنسان والعقل البشري عموماً.

التفسير الأقرب للواقع أن المقصود بكل هذا الحراك ملفان بعينهما، العقوبات الغربية على روسيا، والنووي الإيراني. في الأصل، كان الملف السوري استثمر هاتين الدولتين في حقل العلاقات الدولية، وطبيعي أن يجري استخدامه ورقة في أي محاولة لتحريك ملفاتهما، واليوم، تقف روسيا وإيران على عتبة إعادة صياغة علاقاتهما ضمن النظام الدولي، وهما لا يملكان أوراقاً كثيرة باستثناء الملف السوري.

ثمّة من يذهب إلى القول إن نتيجة تخفيض أسعار النفط بدأت تؤتي ثمارها، وإن البلدين سارعا إلى فتح نوافذ للحلول في سورية، بعد إدراكهما أن الأمور تعقّدت بطريقةٍ لا يمكن تحمّلها، ربّما يكون ذلك صحيحاً، لكن ذلك لا يعني أن الأمور ستجري لمصلحة الشعب السوري وثورته، ذلك أن موسكو وطهران تعتقدان أن مجرد التفاوض، بحد ذاته، يشكل تنازلاً، ثم إن هناك محددات تعلن الدولتان تأكيدها، وأنهما بصدد التمسك بها، ومنها المحافظة على نظام الأسد، ليس كما يشاع، الاحتفاظ بالمؤسسات من دون رأس النظام، على ما يحاول بعضهم استنتاجه عنوة، وبشكل تفاؤلي ساذج، هما يعتقدان أن ذلك سيكون خديعة، ولا يصلح لأن يكون أساساً للتفاوض، كيف يمكن الحفاظ على أوضاعهما في سورية؟، بالأصل ليست لكل منهما مصالح بعيدة المدى في سورية، تستحق كل هذا الصراع، ولا معنى إستراتيجياً مهماً لسورية، إلا بمقدار ما يريدانه من النظام الدولي الآن. قد تكون سورية أكثر أهمية لإيران من النواحي المادية والرمزية، لكن إيران بظروفها وواقعها الحالي ربّما يكفيها السيطرة على جزء من العراق.

ويكشف تاريخ علاقة موسكو وطهران بالأزمة السورية أنهما اشتغلا على أهداف أبعد من سورية، فالإصرار على إيصال البلد إلى هاوية الفشل والدمار ينطوي على حقيقة أن مستقبل هذا البلد لم يكن في لحظةٍ من ضمن اهتماماتهما، وبالتالي، لا يمكن فهم تحركهما الحالي سوى أنه محاولة لاستكمال هذا النهج بطرائق جديدة، أكثرها وضوحاً محاولة تصنيع معارضة سورية، يمكن من خلالها تمرير هذا النهج.

الخطورة في ذلك كله قبول جزء من المعارضة السورية الدخول في اللعبة، بذريعة الواقعية وضرورة إنقاذ الشعب السوري. الاستمرار بهذا النهج من شأنه تحويل المعنى الأساسي من الثورة السورية، بوصفها تحولاً تاريخياً، إلى مجرد تمرد لمكون أو مناطق بعينها، ولا يلغي هذه الحقيقة كون أن للنظام مؤيديه وبيئته، وطبيعي أن يكون ذلك الأمر موجوداً بعد استمرار 45 سنة في الحكم، كل الأنظمة التي حصلت ضدها ثورات كان لها مؤيدون، ولم يكن ذلك عائقاً، أو نقيصة، للثورات.

والخطورة الثانية في هذا الأمر، إمكانية انعكاسه في الحلول المزمع الوصول إليها، وهو الخطر الذي تنطوي عليه مبادرة ستيفان دي مستورا نفسها، والتي في ظاهرها تبدو محاولة في الممكن وتتبع النهج العقلاني، لكن خطورتها تكمن في إمكانية تكريسها وقائع مستقبلية، يصعب تجاوزها أو الفكاك منها، فتتحول العملية إلى دينامية لتفكيك البلد، بدل تفكيك الأزمة وإيجاد حل لها.

يدرك الجميع أن قرار التفاوض غير جدي، وأنه لا يعدو أكثر من عملية فحص فروض معينة في المختبر السوري، الأفضل عدم الانسياق وراءها والحذر منها، أي خطأ قد ترتكبه المعارضة قد يكلف سورية الكثير، ويجري البناء عليه، أو في أسوأ الأحوال يكون مساهمة في إعادة إنتاج النظام لنفسه، وخصوصاً وأن الظروف الدولية مستعدّة لتمرير هذا الخيار، والتكيّف معه.

العربي الجديد

 

 

 

“حل الدولتين” قنبلة أميركية توحد السوريين… موالاة ومعارضة/ ابراهيم حميدي

«حل الدولتين»، آخر قنبلة أميركية تنفجر في وجه السوريين وحدت مؤيدي النظام ومعارضين في رفضها والتمسك بـ «وحدة الشعب السوري والأرض السورية». يتضمن الاقتراح إقامة «سورية الشمالية» وعاصمتها حلب و «سورية الجنوبية» وعاصمتها دمشق. أي، طلاق «الجمهورية» بعد عقود من الزواج، سيصبح أشبه بالكوريتين الشمالية والجنوبية أو الألمانيتين قبل سقوط جدار برلين من ربع قرن: الغربية والشرقية.

هذا ما «يروج له» الباحث الأميركي جوشوا لانديس الذي درس سورية ومجتمعها مؤرخاً وباحثاً سياسياً وعاش وتجول فيها من شوارع دمشق إلى الساحل السوري وجباله ووديانه وشاطئه، حيث تنحدر زوجته. كان أرسل «بعض الأفكار» إلى شخصيات أميركية نافدة «من دون أن يعني أبداً أن الخريطة اقتراح أميركي رسمي، بل إن موقف واشنطن هو العكس». هو قارن بين تجربتي بلاد الشام حالياً ووسط أوروبا قبل عقود، ثم رمى القنبلة بمعيّة الصحافي فريد زكريا على شاشة محطة «سي أن أن» الأميركية مستعيناً بخريطة ملونة: «سوريتان، شمالية باللون البرتقالي الغامق للسنة واللون البرتقالي الفاتح للأكراد. جنوبية بالأخضر الغامق يرتخي اللون بحسب امتداد الطوائف والأقليات»، بحسب توصيفه.

وأضاف لانديس لـ «الحياة» إنه يعمل على صوغ الخطة – خريطة مستندة إلى مقاربة تاريخية وتغيرات المنطقة في القرون الماضية، مضيفاً أنه «ربما لن يحصل تغيير في الحدود السياسية، بل سيتغير الناس ليكيفون مع الحدود السياسية» ذلك أن «الربيع العربي» عموماً استحضر سؤالاً يتعلق بكيفية «تنظيم الخلافات» بين الطوائف والأعراق والأديان بعد فشل «الدولة القومية» في المنطقة بحيث ما يحصل عملياً هو «ترتيب دموي للبيت الداخلي» في كل دولة.

تابع لانديس، وهو مسؤول قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أن أميركا حاولت وتحاول «بناء دولة علمانية أو هوية وطنية في العراق، لكنها ستفشل. هي تحاول الحفاظ على وحدة سورية السياسية والاجتماعية ولن تنجح، لأن الناس لم تعد تريد العيش مع بعضها بعضاً بعد كل ما حصل. أميركا تحاول تدمير الدولة الإسلامية التي بناها تنظيم داعش من شمال غربي إلى العراق إلى شمال سورية وشمالها الشرقي، لن تستطيع فعل ذلك. السنة يشعرون أنهم مهمشون ولن يقبلون العودة إلى الماضي».

بحسب لانديس، فان فشل أميركا في سورية سيكون كما فشلها في أفغانستان والعراق، في مقابل «تسعير» الدول الإقليمية للصراع على النفوذ. و»نجاح» هذه الخطة يعتمد، بحسب الباحث الأميركي، على الأتراك: «إنهم لن يدخلون في التحالف الدولي ضد داعش ما لم يُستهدف النظام السوري، لكن بالإمكان بيع هذه الخطة لهم، بحيث تدخل قوات تركية تحت غطاء من الحظر الجوي إلى الشمال ليسمح ببناء المجالس المحلية وقوات شرطة وتوفير الأمن والأمان واستعادة الحياة الاقتصادية لتنتعش المنطقة وتخرج القوات التركية داعش من المنطقة وتنزع سلاح الميليشيات جميعاً». وتتضمن «حل إشكالية عدم وجود ميناء لهذه «الدولة»، عبر إقامة ميناء في كسب» شمال غربي سورية.

إذن اقتراح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا المتعلق بـ «اللامركزية» يقع ضمن هذا السياق، بحسب اعتقاد معارضين. لكن كيف سيقبل النظام الذي يتحدث باسم «الدولة» التخلي عن حلب؟ يقول لانديس: «يحصل تبادل في مدن ومناطق نفوذ، يجب أن تقبل المعارضة بالتخلي عن درعا وغوطة دمشق والقلمون بحيث تكون دولة الشمال تحت نفوذ إيران بما يضمن النفوذ في لبنان والعلاقة مع حزب الله، مقابل أن يتخلى النظام عن حلب والرقة ودير الزور لتصبح الدولة الشمالية تحت النفوذ التركي مع فتحها أمام الاستثمارات الغربية والخليجية».

أول «لغم» في هذا الاقتراح أنه وضع محافظة درعا في حوران ضمن «دولة الجنوب»، ما عرض الباحث الأميركي إلى انتقادات حادة، إذ كتب ناشط على صفحته في «فايسبوك» إن اقتراح لانديس «حلم غير واقعي» لأنه تضمن وضع «درعا مهد الثورة في دولة الجنوب»، فيما قال رجل أعمال «حوراني» يدعم المعارضة لـ «الحياة»: «ما يجمعنا مع النظام على رغم كل شيء أنه لا يزال يريد كل سورية. إنه لا يزال يدفع الرواتب في أرجاء سورية بما فيها مناطق المعارضة ويحاول توفير الكهرباء والخدمات أيضاً».

لكن عند لانديس «الحل اليقين». يقول: «سيكون هناك: دولتان، علمان، حكومتان، جيشان، عاصمتان، جوازا سفر، منطقتا نفوذ بين الغرب وحلفائه في المنطقة وروسيا وإيران وحلفائها». وهو الذي تشرب دراسة التاريخ وسهر بين صفحاته لنيل الدكتوراه والغوص في طبقات سورية الاقتصادية والاجتماعية من الانتداب إلى الاستقلال إلى التاريخ المعاصر، لا ينسى أن كون دمشق «عاصمة للجنوب» وحلب «عاصمة للشمال» سيفتحان المجال لمعسكري رجال الأعمال والنخبة في المدينتين كي يتنافسان في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية والوقوع في معسكري التحالف الإقليمية كما كان عهدهما سابقاً في العقود المنصرمة، بل «الحوافز» في أن رجال الأعمال في «العاصمتين» سينهلون من أموال مخصصة ببلايين الدولارات لإعادة الإعمار لـ «شراء السلام» بدل «بيع الحرب».

اقتراح لانديس أيقظ شعوراً كان مدفوناً في مستنقع الدم لدى سوريين. سمعوا سابقاً بالتقسيم بين «سورية المفيدة» و «سورية المحررة» وبين «القوس من دمشق إلى الساحل» وباقي البلاد. قرأوا سيناريو «الصوملة» و «التشظي» وانهيار المركز وظهور «أمراء الحرب»، لكنها المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن شمال وجنوب، مثل دول أخرى، كان يتناقل سوريون أخبارها بالإعلام كأنها في كوكب آخر.

تأكيدات أميركية – روسية

الخطة – الخريطة «وحدت» خطاب السوريين، موالين ومعارضين. إذ حذر مسؤولون حكوميون من وجود «مخطط إسرائيلي لتقسيم سورية» لتكون هناك «مبررات ليهودية دولة إسرائيل». وكان الرئيس بشار الأسد، قال قبل أشهر: «إذا أردت التقسيم فلتذهب باتجاه التقسيم، لكن لا تخوض معارك في مختلف أنحاء سورية كي تذهب باتجاه زاوية محددة. سير المعارك لا يوحي بأن هناك من يسعى للتقسيم في الدولة السورية. بالعكس تماماً، هذه المعارك هي معارك الحفاظ على وحدة سورية».

من جهته، سعى الرئيس السابق لـ «الائتلاف الوطني السوري» المعارض معاذ الخطيب إلى «طمأنة قلبه» عند نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والمبعوث الأميركي إلى سورية دانيال روبنستين، ثم قال: «أكدا لي أن بلديهما لا يسعيان إلى تقسيم سورية وأن حكومتيهما ترفضان ذلك». ويرى أن «مصالح الدولتين لا تتوافق مع تقسيم سورية».

ولفت الخطيب مع آخرين إلى أن القوات النظامية تركز على»أولويات» في بعض مناطق سورية لكنها لم تتخل عن القتال في مناطق أخرى في البلاد، بل إن النظام الذي لا يزال يقدم الخدمات في «المناطق المحررة» ويمد «شرايين» الاقتصاد في مناطق خارجة عن سيطرته، إضافة إلى رفض موالين اقتراح كان تقدم به دريد ابن رفعت الأسد على صفحته في «فايسبوك» بنشر قوات لـ «الدفاع عن الساحل السوري» بدلاً خوض معارك في شمال شرقي البلاد.

من جهته، قال رئيس «الائتلاف» هادي البحرة إن «الشعب السوري لا يدعم تقسيم سورية بل متمسك بوحدتها»، وأضاف أنه «حتى العلويون الموالون للنظام، هم ضد التقسيم»، فيما أكد المعارض السوري عارف دليلة لـ «الحياة» في بازل: «الدلائل على الأرض تشير إلى أن الناس قادرة وتريد العيش سوية»، مشيراً إلى وجود مليون ونصف المليون شخص نزحوا من مناطق المعارضة (السنية) إلى طرطوس الساحلية (العلوية)، وأسسوا مصانع واستثمارات. وزاد: «كان في مدينة عين العرب (كوباني) ٣٠٠ ألف كردي ثم نزح إليها نحو ٣٠٠ ألف عربي. الأكراد المتهمون بوجود نزعة انفصالية لديهم، تقبلوا العرب ولم نسمع بأي مشكلة أو تناقض. هناك فقط اثنان في المئة من الشعب السوري مسلحون ومتطرفون، لكن باقي الناس يريدون العودة والعيش معاً بمجرد حصول حل سياسي جوهري».

لانديس يرى أن خطته تنقل سورية من «الدمار الدموي إلى الإعمار المالي» وتجنب سورية «المستقبل الرهيب»، لكن ذلك لم يشفع لها وله من الانتقادات الحادة. إذ كتب الصحافي والسينمائي علي الأتاسي، ابن رئيس الجمهورية الراحل نور الدين، على صفحته في «فايسبوك» أنه قبل سنوات تجادل مع لانديس بخصوص «التأييد المتذاكي» للنظام السوري فما كان منه إلا أن استشهد بحماته السورية، قائلاً: «أنت من هؤلاء الذين تقول عنهم حماتي بأنهم رضعوا حليب معاوية» الخليفة الأموي، في إشارة إلى البعد الطائفي في سورية. وتابع: «هذا هو الأكاديمي العبقري الذي يقترح علينا اليوم تقسيم سورية إلى دولتين علوية وسنية وهذه هي حماته السورية. يومها لم يكن هناك (تنظيم) داعش» قد ظهر.

وكان «واحد، واحد، واحد الشعب السوري» بين أول الشعارات التي طرحها متظاهرون في بداية الحراك السلمي في بداية 2011. كما لوحظت في الفترة الأخيرة عودة تأكيدية للمشاعر «الوحدوية» الأولى وتحذير من خطط تقسيمية للبلاد. ونوهت أول من أمس القيادة الجنوبية في «الجيش السوري الحر» أمس بإفشال رجال دين ووجهاء دروز «خطة» لتدبير خطف عشرات من أهالي القنيطرة جنوب دمشق كان يرمي منها لـ «إشعال فتنة» بين الدروز وأهالي جبل الشيخ قرب الجولان المحتل.

وقال نشطاء معارضون إن هذا جاء بعد قيام عناصر من «قوات الدفاع الوطني» الموالية للنظام بالعمل على خطف 40 من سكان محافظة القنيطرة بين دمشق والجولان على خلفية مقتل نحو 30 درزياً بهجوم قامت به فصائل إسلامية في بلدة بيت تيما في جبل الشيخ غرب دمشق. وأفادوا: «رجال الدين الدروز أحبطوا عملية خطف جنوب دمشق ضمن مساعي النظام لتوريط الدروز في أتون الصراع ضد مكونات الشعب السوري».

وتعهد «الجيش الحر» في بيان بمبادئ عدة بينها «الدفاع عن وحدة سورية أرضاً وشعباً» و «دعم جهود السوريين في اختيار نظام الحكم الذي يتطلعون إليه على أساس التشاركية والتمثيل والشفافية».

الحياة

 

 

 

 

 

خطة دي ميتسورا لتصفية القضية السورية/ برهان غليون

أثار المبعوث الدولي، ستيفان دي ميتسورا، بفكرة المناطق المجمدة آمال سوريين كثيرين بإمكانية فتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية، والتقدم، ولو خطوة صغيرة، في اتجاه التهدئة، على طريق إيجاد حل سياسي للمحنة السورية المستعصية. ومن الطبيعي أن يثير هذا العرض خيال أبنائنا الذين يتعرضون في المناطق المحاصرة، أو الخارجة عن سلطة نظام الأسد، بمقدار ما يلوح لهم بالخلاص، على الأقل من حرب الجوع والبراميل المتفجرة والحارقة، ومن القنص والتشبيح من كل الأشكال. لكن، ليس في مخطط وقف إطلاق النار، بدءاً من حلب أي مشروع حل سياسي. بالعكس، هدفه مساعدة النظام من قبل حلفائه، الروس والإيرانيين، على قطف ثمار حرب التجويع والتركيع والقتل العشوائي والتهجير المنهجي للسكان، وقتل أي حياة مدنية طبيعية في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون. ولا يعني، في النهاية، إلا قبول السوريين بوضع حد للصراع، من دون أن يضمنوا أي تغيير، أو تحول في نظام الحكم وفي الحاكمين، بل، فقط، لقاء السماح لهم بعدم الموت تحت البراميل المتفجرة، وبتلقي المعونات الغذائية الدولية، أي الاعتراف في النهاية والإقرار بالأمر الواقع.

يعرف الإيرانيون الذين يقودون العمليات العسكرية والسياسية في سورية أن الاستنزاف أصاب جميع القوى، وفي مقدمها النظام، وأن الأسد ليس في حاجة إلى أكثر من تجميد المواقع، ووقف إطلاق النار، حتى يستمر، ويوقف تدهور موقفه العسكري والسياسي، فوقف إطلاق النار، من دون شروط، سوى تأمين الغذاء للمناطق المحاصرة، يعني، ببساطة، تحرير الأسد من كل الضغوط العسكرية والدولية، وتكريس سلطته من جديد في المناطق التي يسيطر عليها، وهي الأهم سياسياً في سورية، وتركه المناطق الأخرى الخاضعة للمعارضة تكتوي بنار الفوضى والصراعات الداخلية، والتسول على المساعدات الدولية.

مثل هذا الوضع لا يشكل ضماناً لبقاء الأسد، كما يريد الإيرانيون فحسب، وإنما يريح، أيضاً، المجتمع الدولي الذي يريد أن يتخلص من عبء المأساة السورية، ولا يبقي من القضية السورية، أعني قضية تغيير نظام حكم جائر وقاتل، إلا بُعدها الإنساني. سيقدم المجتمع الدولي المساعدات لمناطق المعارضة، حتى تستمر في الحياة، لكنه شيئا فشيئاً سوف يتعامل مع دمشق كعاصمة للدولة السورية المتبقية، في حين سينظر إلى مناطق المعارضة المتفرقة كفراطة وفرق حساب.

من الطبيعي أن يتحمس الأسد لمثل هذا المخطط الذي يأتي ليكمل عمله التدميري، ويؤمن استمراره، بتكريس تقسيم الأمر الواقع للبلاد بينه وبين المعارضة، مع احتفاظه بالجزء الأساسي من الدولة، ومواردها ورموزها، وتركه سائر المناطق هدية مسمومة للمعارضة تتنازع عليها مع داعش والقوى المتطرفة الأخرى، وتأكل بعضها فيها.

وليس من قبيل المصادفة أن يختار دي ميتسورا مدينة حلب، والتركيز عليها، فبتجميد القتال في حلب يسمح لنظام الأسد الإيراني أن يستجمع قواه من أجل القضاء على معاقل الثوار في الغوطة الشامية، وينظف منطقته من المعارضة نهائياً. هذا أفضل تتويج يمكن أن يحلم به الأسد لسياسة عقد الهدن الكثيرة التي وقعها مع مقاتلي الأحياء والقرى، والتي حيد من خلالها آلاف المقاتلين، وخفف العبء عنه، ليعزز مواقعه في دمشق والوسط والساحل، ويجعل منها دولته الخاصة المعترف بها.

مشروع دي ميتسورا هو طوق النجاة لنظام الأسد المتهاوي والمهدد، الذي يأتي في اللحظة المناسبة، وهو الضربة القاضية التي يريدها حلفاؤه للثورة وأهدافها. سيتمترس الأسد والإيرانيون في دمشق وملحقاتها، وهذا يكفيهم، ويتحدوا المعارضة في إقامة النظام التعددي الديمقراطي الذي قامت من أجله الثورة في مناطقها المبعثرة. بعكس ما يشاع تماماً، لا يفتح المشروع أي أفق للحل أو للتسوية أو للمفاوضات، ولا للانتقال السياسي، ولا لحكومة شراكة، حتى من نوع لا وطني، لكنه بتقسيمه سورية بين المعارضة وداعش والنظام، يلغي الحاجة إلى المفاوضات والتسويات والمطالب الديمقراطية من الأساس، ويمكّن كل طرف من تطبيق النظام الذي يريده في منطقته. وفي الحقيقة، ينهي وجود سورية نفسها كدولة.

ولا أعتقد أن الدول ستعارض ذلك، بل ربما وجد كثير منها، بما فيها من يدّعي الصداقة للشعب السوري حتى الآن، أفضل وسيلة للتملص من المسؤولية، كما سيجد في وجود دولة إسلامية متطرفة في شرق سورية أفضل وسيلة لدفع المسلمين السنة، وإغراقهم في شلالات دماء حرب أهلية داخلية.

العربي الجديد

 

 

للكاتب

 

 

 

 

 

دي ميستورا واللعب خارج الملعب/ علي العبدالله

انطلق السيد ستيفان دي ميستورا في مبادرته تجميد القتال في مدينة حلب من تجزئة الحل كآلية لتوفير مناخ لإقلاع مسار باتجاه حل سياسي للصراع من دون تحديد طبيعة هذا الحل.

فهل من فرصة للنجاح؟

يبدو ان دي ميستورا اراد استثمار استحالة الحسم العسكري والاعياء الذي اصاب المواطنين جراء استمرار القتل والتدمير، وما ترتب عليهما من نزوح وتهجير، فبنى تصوره من نقطة اختبارية جد متواضعة: تجميد القتال في مدينة حلب، واختار حلب كمختبر لخطوته لاعتبارات تتعلق بكثافتها السكانية والأخطار التي يمكن ان تنجم عن استمرار القتال فيها على السكان ودول الجوار في آن.

غير ان خطوة التجميد في حلب فقط لن تكون مجدية لاعتبارات تتعلق بالوضع العام وبالوضع العسكري في ريف حلب تحديداً، وبخاصة الوجود القوي لـ «داعش» و «النصرة» فيه. فقوى المعارضة المسلحة التي تتواجه مع جيش النظام ليست واحدة او موحدة بل تختلف من منطقة الى أخرى وتتباين خياراتها وخططها ما يجعل تجميد القتال في حلب خارج حساباتها وتقديراتها للموقف رغم انعكاسه السلبي عليها وعلى المناطق التي تتحرك فيها اذا ما نجح النظام في تحريك قواته الى ريفها او الى مناطق أخرى، وتحرك جيش النظام الى ريفها قد يمكنه من السيطرة عليه وقطع خطوط الامداد على كتائب المعارضة في الجزء الذي تسيطر عليه، والعمل على فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء المواليتين، ما يكرس تغيّراً في الميزان العسكري في المحافظة لصالحه.

وهذا يستدعي ضمانات قوية لمنع تحريك القوات كي يقبل الطرف الثاني الدخول في العملية، عملية جربت سابقاً ولم يلتزم النظام بها، ناهيك عن ضرورة التزام «داعش» و «النصرة» بذلك، فهل في تصور دي ميستورا خطوة كهذه، واذا لم يتم ذلك فلن تنجح الخطوة ولن يتم تعميمها على المناطق الأخرى. كان الدكتور يزيد صايغ لاحظ في مقاله «لمواجهة الدولة الإسلامية، التمسوا هدنة في سورية» (مركز كارنيغي للشرق الاوسط: 18/9/ 2014) هذا الجانب ودعا الى تجميد شامل للقتال والتفرغ لقتال «داعش». وأشار الى احتمال ان تلعب الفترة الزمنية التي سيستغرقها تجميد القتال دوراً في تغيير المزاج الشعبي على جانبي الصراع والذي قد يضغط لمنع العودة الى القتال ثانية. هذا من دون ان ننسى الأثر السلبي الذي تركه السيد دي ميستورا لدى المعارضة والدول المؤيدة لها بإشراكه ايران بالمشاورات حول خطته، وهي المعتبرة جزءاً من المشكلة في ضوء الدور الذي لعبته في دعم النظام سياسياً ومالياً وعسكرياً وزج ميليشيا تابعة لها في القتال الى جانبه، ناهيك انه لم يزر أياً من الدول المؤيدة للمعارضة.

وهذا جعل المعارضة، والدول المؤيدة لها، تنظر الى المبادرة بحذر وتحفظ بخاصة لجهة عدم وضوح سياق العملية ومآلاتها النهائية، بحيث تتضح مواقف طرفي الصراع من هذه المآلات.

تبقى النقطة الجوهرية التي تعترض نجاح المبادرة، وهي اختلاف وجهات نظر طرفي الصراع حول معنى النجاح الذي سيُقرر في ضوئه نقل العملية الى منطقة أخرى حيث يرى النظام النجاح في عودة سيطرته على المدينة، ويعتبر ما حصل في حمص مقياساً لذلك، في حين تنظر المعارضة الى النجاح نظرة مختلفة أساسها عدم استثمار النظام لفترة التجميد وتحريك قواته لإتمام إغلاق طرقها الى الريف ووقف إلقاء البراميل المتفجرة، مستندة الى القرار الدولي الرقم 2165 الذي دعا الى ذلك، وإعادة الخدمات الى المدينة والإفراج عن المعتقلين.

لا يكمن انعدام فرصة نجاح المبادرة في الجوانب الاجرائية وعدم أخذها هواجس ومخاوف المعارضة في الاعتبار فقط بل وفي تباين المواقف الاقليمية والدولية منها. فمع التلويح بدعم جهود المبعوث الدولي من قبل دول كثيرة فإن مواقفها من المبادرة متباينة، ان لم تكن متعارضة، فالولايات المتحدة التي تركز على الحرب ضد «داعش» في العراق نظرت الى المبادرة كفرصة لكسب الوقت لتأجيل تحركها بخصوص الوضع السوري في ضوء تغير ملموس في موقف الرئيس الاميركي وربطه بين هزيمة «داعش» وإطاحة رئيس النظام. وروسيا كانت تحضر لإطلاق موسكو1، رداً على استبعادها من التحالف الدولي واختراق محميتها السورية من قبل طيران التحالف من دون تنسيق مسبق، لذا ارادت الحفاظ على خطتها فدعت دي ميستورا الى العمل وفق اعلان جنيف1 وفي ضوئه. مصر تحفظت لأنها كانت على تواصل وتنسيق مع روسيا في تحركها لعقد موسكو1، ايران لم تقل كلمتها لأنها تقف على العتبة الاخيرة في مفاوضاتها مع مجموعة الـ 5+1 وتخشى من نقلة خاطئة تنعكس سلباً عليها. تركيا رفضت المبادرة ودول الخليج صمتت لأنها لم تتبين نهاية النفق لترى إن كان يناسب توجهها وخياراتها.

على دي ميستورا كي ينجح في اقناع المعارضة وجمهورها والدول المؤيدة لها ان يوضح النهاية التي يسعى اليها وان يربط مبادرته الشاملة بجذر الصراع: ثورة شعبية ضد النظام، وان يصوغ الحل النهائي بحيث يضمن السوريون قيام سورية مستقرة وآمنة، ديموقراطية وعادلة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

أنصاف الحلول هي الحل في سورية/ جمال خاشقجي

السياسة هي فن الممكن، والممكن هو جوهر مبادرة المبعوث الأممي الجديد لسورية ستيفان دي ميستورا. الجيد أن المعارضة السورية المعتدلة تعترف هي الأخرى بهذا «الممكن»، فلم تدخل في سباق مزايدة وتطالب بكل شيء أو لا شيء، فهي محاصرة من العدو والصديق والإنسانية، والشتاء القاسي الذي يدهم ملايين اللاجئين السوريين لم يحرك العالم في الأعوام الثلاثة الماضية، وبالتالي فلن يحركهم هذا العام، بل إن جيران سورية باستثناء لبنان شرعوا في دمج اللاجئين باقتصادياتهم الوطنية، ما يعني أنهم على استعداد للتعود على الحال السورية لأعوام طويلة مقبلة.

فما هو هذا «الممكن»؟ إنه مبادرة أعلنها دي ميستورا قبل أيام تقوم على أن «الحل في المدى القصير ليس مرحلة انتقالية ولا محاصصة سياسية، بل تجميد الحرب كما هي عليه، والاعتراف بأن سورية أصبحت لا مركزية في مناطق على فوهة البندقية»، ذلك أنه باتت في سورية «مجموعات متمردة كثيرة مع أجندات متناقضة محلية ودولية، لا يمكنها التوصل إلى اتفاق كبير» في البلاد، في وقت «يعرف» الرئيس بشار الأسد أنه «لا يستطيع استعادة السيطرة على كامل البلاد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، إذاً المطلوب حالياً «وقف فرامة اللحم» في سورية وتوسيع اتفاقات وقف النار المحلية على أساس ثلاث أولويات تتعلق بـ«خفض مستوى العنف وإيصال المساعدات الإنسانية وزرع بذور الحل السياسي»، ما سبق كان ما نقله حرفياً الزميل إبراهيم حميدي في هذه الصحيفة على لسان المبعوث الأممي، فيما اعتبره المراقبون «انقلاباً» على صيغة «جنيف 1 و2»، التي تقوم على تنحي بشار وتشكيل حكومة انتقالية يفترض أن تكون مسؤولة عن كامل الجمهورية السورية، وهو ما يبدو أنه انتهى لدى دي ميستورا والمجتمع الدولي المتضامن مع خطته، ما قد يرعب المعارضة السورية المعتدلة ودول المنطقة، لولا أن خطته تفضي في النهاية إلى تفاوض بين المعارضة والحكم يؤسس لجمهورية جديدة.

المعارضة السورية من جهتها وكما أخبرني أحد قياداتها، وطلب عدم ذكر اسمه، لأن المسألة لا تزال محل تشاور، تتجه إلى القبول بهذا الممكن، «على رغم أنه مؤلم لكل سوري ويدعو إلى القلق» بحسب قوله، ولكنها تراه أفضل الخيارات السيئة، فتداويه بالمساومة للحصول على عرض أفضل، مستعينة على ذلك بأصدقائها وتحديداً الرئيس التركي أردوغان. انهم مستعدون للقبول باقتراح «تجميد الصراع»، ويقبلون بدوافع الأطراف الدافعة لهذا الاقتراح، المجتمع الدولي الذي يريد أي حل يبرر عجزه عن التدخل، والعرب والجامعة العربية الذين تغير موقفهم بعد التغير الذي حصل في مصر تحديداً وتحولها بعيداً عن معسكر الثورة وأهدافها، والأتراك الذين لا يريدون أن تنساب المشكلات السورية والعراقية إلى جنوبهم الهش، الذي تجلت فيه الصدامات العرقية بين الأتراك والأكراد الشهر الماضي على خلفية أزمة كوباني، وإن حصل ذلك سيدمر كل مكاسب حزب «العدالة والتنمية»، ويهدد دورة النمو الاقتصادي التركي التي يبدو أنها بلغت مداها الأقصى، وأوباما الذي يريد أن يتفرغ السوريون معه لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم بعد ذلك ينظر في أمر بشار ونظامه وبالشكل الذي لا يهدد الإنجاز الخارجي، الذي يريد أن يدخل به التاريخ الأميركي بمصالحة تاريخية مع إيران، حتى بلغ به الأمر أن وعد مرشد الثورة في إيران آية الله خامنئي أنه لن يستهدف عسكرياً نظام بشار الأسد، وذلك في رسائل سرية سربت، وأثارت قلق المعارضة وأشعرتها بالخذلان.

تأمل المعارضة في أن تنجح في دفع مبادرة دي ميستورا بتجميد الصراع إلى قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن تحت البند السابع بوقف إلزامي لإطلاق النار من جميع الأطراف، وهو ما لا يطيقه النظام السوري وعسكره الذين أبدوا تحفظات على المبادرة، بينما وعد وزير خارجية النظام وليد المعلم ومستشارة الرئيس بثينة شعبان بدراستها، ويستحضرون لذلك قراراً مماثلاً صدر بوقف إطلاق النار في كوسوفو عام 1999 انتهى بتدخل «الناتو» ضد القوات الصربية، التي انتهكت القرار فحسمت المعركة لمصلحة استقلال الإقليم عن صربيا.

الأمل الثاني هو استصدار قرار أممي آخر يمنع الطيران شمال خط 36، يحمي حلب وريفها من قصف براميل بشار الغبية، وجنوب خط 32 لتوفير منطقة آمنة في الجنوب بحوران، وهو طلب تضغط من أجله تركيا، ما قد يشجعها لو تحقق على تدخل بري هناك بغطاء أممي، فيعود إلى حلب مئات الآلاف من اللاجئين من لبنان تحديداً، حيث يتعرضون لضغوط من الحكومة هناك، بقدر ما يضغطون هم على استقرار لبنان الهش، وهو ما تحاول السعودية وفرنسا وحتى إيران حمايته من الانهيار، كما يتوقف سيلهم المنساب إلى تركيا ويعود البعض منهم ممن لم يجدوا وظائف هناك ولا يزالون يعيشون في المخيمات، والأمر نفسه يحصل في الجنوب فيرتاح الأردن هو الآخر من ضغط اللاجئين.

في الوقت نفسه تأمل المعارضة بأن يؤدي ذلك إلى حماية مناطقها المحررة من تغول تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«النصرة»، اللذين باتا الأقوى في الشمال، وستدفع فصائلها والمدنيون كلفة حصول حرب بينهما أو كلفة اتحادهما، الذي سيكون على حساب السوريين الذين لم يثوروا ضد استبداد بشار ليستبدلوه باستبداد «داعش» أو حتى «النصرة»، التي وإن لم تكن بقسوة الأولى فإنها تحمل رؤية سلفية منغلقة ونزعة استبدادية إن استقر لها الأمر، إذ أظهرت خلال الأسابيع الأخيرة شهية مفتوحة للتوسع على حساب الفصائل الأخرى، كأنها تستعد لمواجهة مقبلة مع «داعش» أو قوات تركية قادمة. الصورة غير واضحة ولكنها في حال نشاط ملاحظ.

في النهاية، بعد عام أو اثنين أو أكثر، ستفرز الأحداث والتدافع والتدخلات الخارجية وتعب الجميع معسكرين في سورية، ليسا إسلامياً وعلمانياً، ولا سنياً وعلوياً، وإنما المعسكر «المستعد للتفاوض والمشاركة»، والثاني الرافض لهما. المنطق يقول إن المعسكر الثاني هو الذي يجب أن يخسر.

* كاتب وإعلامي سعودي

الحياة

 

 

 

 

مشروع سوريا الجديد: هدنة سنتين/ عبد الرحمن الراشد

عجزت عن فهم خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لحل الأزمة في سوريا، التي نشرت تسريباتها، فهي توحي بمشروعين متناقضين في سلة واحدة؛ نظام يحكمه بشار الأسد، ومناطق تحكمها الجماعات المسلحة المعارضة، وجميعها تقبل بوقف الاقتتال، طوال عامين!

لا أدري إن كانت قراءتي صحيحة لكن يوجد غموض ربما متعمد من أجل أن يرسم الحل لاحقا، وفق قدرات الأطراف على التنازل. تفكيكا للغموض سنفترض أن هناك أربع قراءات لمشروع ميستورا، في ظل الواقع السوري اليوم، فكرته تقول الحل بلد بلا مركزية، نتيجة لتعدد القوى، وانكماش النظام على الأرض، وبناء عليه كل يحكم المنطقة التي يسيطر عليها.

التفسير الأول، يبقى الأسد رئيساً في دمشق، وتشاركه المعارضة في الحكومة، لكن تقتصر سلطته على ما تبقى له من سوريا، والجيش الحر يدير مناطقه، والقوى المقاتلة الأخرى في مناطقها. وبالطبع، سيتم استبعاد «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» الإرهابية من هذه الشراكة، مما يعني أن على النظام والمعارضة أن يتفقا ليس فقط في القبول بالأسد، بل أيضا عليهما التحالف ومقاتلة التنظيمات الإرهابية. إن كان تفسيري صحيحا، هنا أقول لميستورا عليه أن يكمل مشاهدة أفلام هوليوود، فهي أقرب إلى الواقع من تطبيق هذا الطرح الخيالي.

القراءة الثانية، التنازل، والقبول بالحد الأدنى الممكن، فيخرج الأسد من الحكم ويتم تأليف نظام هجين من بقايا النظام مع المعارضة المعتدلة، ويحافظ كل طرف على المناطق التي يمسك بها الآن. هذا التفسير أقرب إلى وثيقة مؤتمر جنيف الأول، لكن دون نظام مركزي واحد. ورغم أنه يحمل بذرات التنازع، يبقى وصفة معقولة نسبيا، لكن الأسد سيرفض الخروج.

القراءة الثالثة، التنازل لكن بلا حكومة مشتركة، ويتوقف الاقتتال لسنتين، فيبقى نظام الأسد دون شخص الأسد الذي عليه أن يتنحى، ويحكم خلفه دمشق. هنا يشعر كل طرف أنه انتصر جزئيا.

أما الاحتمال الأخير، وأخشى أنه أقرب إلى الصحة، مثل الثالث بتجميد الوضع في هدنة لعامين. لكن يبقى النظام نفسه، والرئيس نفسه، وتترك المعارضة كما هي تدير مناطقها، ممنوعة من التسلح، في وقت يصلح النظام جيشه المكسور ويعيد ملء مخازنه بالذخيرة. ميستورا، هنا، كأنه يقترح الصيغة الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية؛ إدارة محلية خاضعة للعدو! وهذا مثل الأول، أمر يستحيل أن يقبل به أكثر المعارضين تفتحا وتسامحا، وإن وجد من يوقع عليه سيقتل على باب داره.

ويبدو لي، أن كل الاحتمالات مستوحاة من الحالة الصومالية. فهذا البلد الأفريقي تفكك نتيجة للاقتتال الداخلي صار بلا نظام واحد، ولا عاصمة مركزية، وبقي الوضع مجمدا كما كان بنحو عشر قوى متنافرة.

إذا أصر ميستورا على ترويج فكرة الهدنة دون تنازلات، فهذا يعني المد في عمر النظام لعامين آخرين. وهنا نشم رائحة الطبيخ الإيراني. فالتأجيل، منذ البداية، دائما كان منهج الأسد وحليفه الإيراني. ففي صيف 2011، أي بعد نحو خمسة أشهر من اشتعال الانتفاضة، تعهد الرئيس السوري بتبني الأفكار التركية، ووعد الأتراك بالإصلاح السياسي، لوقف المظاهرات السلمية التي كانت تدعو لإسقاط الأسد، ثم اكتشف الجميع أنها كانت خدعة لبدء عمليات التصفية الجماعية.

وفي ربيع العام التالي، استدرج الأسد الروس، ووعدهم إن دعموه بالقوة أن يقضي على الثورة في شهرين، فورطهم في الحرب معه، ولم ينجح بل خسر المزيد. وفي العام الماضي، لجأ إلى فكرة الاستعانة بالقوات والميليشيات الخارجية، من إيران وحزب الله وأخرى عراقية، وأنها ستمكنه من الانتصار العددي والنوعي. وهلل لها أنصاره، لكن، مر عام ونصف، ولا تزال تحاصره المعارضة إلى اليوم، وقادرة على قطع طريق المطار في دمشق نفسها. والأعظم دبت الفوضى وظهر معها الغول المسمى بـ«داعش». وبالتالي تمديد الوقت كان دائما عاملا سيئا لسوريا وللعالم. والآن، يطرح ميستورا فكرة هدنة السنتين، التي قد تعني الإبقاء على الأسد، مكررا فكرة الإيرانيين بشراء المزيد من الوقت للنظام، لتقوية النظام، والحيلة ستكون، بدل أن ينتبه المعارضون إلى لعبة الوقت سيلتهون بتفاصيل الخرائط وتقسيم دوائر الحكم، دون مصادر لإدارة مناطقهم ودون سلاح يقاتلون به عدوهم.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” ومدير عام قناة العربيّة

الشرق الأوسط

 

 

 

 

المناطق “المجمدة” في سوريا.. دلالات وسياقات/ عبد الجليل زيد المرهون

ما الذي تعنيه المبادرة الأممية الخاصة “بالمناطق المجمدة” في سوريا؟ وهل سيكون هذا النموذج استكمالا لمسار المصالحات الوطنية، محلية الطابع؟ وكيف تبدو بيئة الحراك الدولي الراهن حول المسألة السورية؟

في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2014، عرض المبعوث الأممي إلى سوريا ستفان دي مستورا على مجلس الأمن الدولي، خطة تحريك للوضع تقوم على إنشاء مناطق “خالية من النزاع”، وصفها “بالمناطق المجمدة”، مشيرا إلى أنها قد تبدأ بمدينة حلب.

وبعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قال دي مستورا في بيان إنه “أحيط علما بعزم السلطات السورية العمل مع الأمم المتحدة لإيجاد أرضية مشتركة لتنفيذ اقتراحه حول تجميد الصراع بشكل تدريجي”.

بداية، يمكن القول إن مصطلح “المناطق المجمدة” ليس له رديف في معجم القانون الدولي، على الرغم من أن بمقدور الباحث العثور عليه في بعض دراسات الجيوسياسة التاريخية، سيما تلك التي صدرت في فرنسا.

في القانون الدولي، هناك مناطق عازلة ورديفتها محايدة، وثمة مناطق منزوعة السلاح وأخرى عسكرية (أو أمنية)، ورابعة ذات حظر جوي، وخامسة محتلة، وسادسة خاضعة للوصاية. وهناك تقسيمات قانونية فرعية لكل نوع من هذه المناطق.

في ما يرتبط بمصطلح “المناطق المجمدة”، يمكن الحديث عن ثلاثة مفاهيم متباينة تتقاطع فيما بينها، دون أن يعبر أحدها عن الآخر. المفهوم الأول عسكري، والثاني مدني، والثالث سياسي.

يدور المفهوم العسكري حول وقف الأعمال الحربية، أو العسكرية عامة. ويشمل ذلك توقف الاشتباكات و/أو/ إخراج الأسلحة الثقيلة، وخروج القوى المسلحة -جزئيا أو كليا- من الأحياء والأماكن المعنية.

هذا المفهوم أشبه بالحاجز الفيزيائي الذي لا يُغيّر شيئا من طبيعة المعطيات السابقة له أو اللاحقة عليه، في حين أن هذه المعطيات (السابقة واللاحقة) قد تتغير في وقت ما استنادا إلى عوامل ذاتية، أو ذات صلة بالمحيط الأوسع.

وبمعنى آخر، إذا افترضنا أن حلب المدينة ستكون “منطقة مجمدة”، فإن هذا التجميد في حال استناده إلى مفهوم عسكري، لن يُغيّر من جوهر المعادلة الأمنية القائمة فيها، حتى بافتراض سحب الأسلحة الثقيلة، وانسحاب قسم من المجموعات المسلحة، فجوهر الأمن لا يتغيّر بمجرد حدوث تحوّل جزئي في موازين القوى، أو في معادلة القوة ذاتها.

من ناحيته، يشير المفهوم المدني للمناطق المجمدة إلى عملية شبيهة بالدفاع السلبي. وهذا المفهوم -أو التجلي- مفيد في بعض نواحيه، لكنه ليس مثاليا.

في جوهره، يشير المفهوم المدني إلى تطبيع الحياة العامة دون المساس بخارطة القوة، والانتشار العسكري لفرقاء الصراع.

وفي ظل هذا المفهوم، يجري وضع الترتيبات اللازمة لضمان الحركة الحرة والآمنة للمدنيين، والتأكد من قدرتهم على مزاولة أنشطتهم الحياتية والاقتصادية، والاطمئنان إلى انسياب السلع والخدمات الأساسية.

هذا المفهوم -رغم جاذبيته وارتباطه بالضمير الوطني- يُمثل في جوهره أو في خواتيمه نوعا من إدارة الأزمة، ولا يُشير بالمدلول الإجرائي إلى ما هو أبعد من ذلك.

وفي الأصل، تمثل حياة المدنيين أولوية تتقدم كل الأولويات، بيد أن استقرارهم الفعلي يصعب تحقيقه استنادا إلى منطق إدارة الأزمة. وهذا المنطق قد يفرض نفسه في هذه الحالة بديلا ضمنيا عن الحلول الأكثر شمولا، أو لنقل الأكثر ارتباطا بالسياق الوطني الكلي.

وبالانتقال إلى المفهوم السياسي للمناطق المجمدة، يشير هذا المفهوم إلى عملية مرحلية تنطوي على إعادة تشكيل متدرّج للبيئتين المدنية والأمنية، على نحو دافع باتجاه تحقيق مرتكزات النظام العام الذي يشعر في ظله السكان بالثقة والطمأنينة على نحو محفز لتطبيع حياتهم وعودتهم إلى سالف عيشهم.

إن المفهوم السياسي للمناطق المجمدة في سياقه المعرفي العام يُمثل الاصطلاح الرديف -الأكثر تدرجا ومرحلية- لما بات متحققا في سوريا باسم المصالحات المحلية.

وعند الأخذ به في الحالة السورية، فإن هذا المفهوم سيعني التأكيد على مقاربة سياسية اجتماعية تتجه أفقيا نحو تعميم نماذج المصالحات المحلية، وتنحو رأسيا باتجاه الحل الوطني الشامل.

من جهة أخرى، ثمة إشكالية تفرض نفسها منهجيا على صعيد تحديد المناطق المجمدة، إذ لا تشير المراجع العلمية المتاحة -وهي في الأصل نادرة- إلى أسس موحدة أو ثابتة.

ومن الواضح لنا أن لا أحد لديه معايير محددة بهذا الشأن، فكل منطقة نزاع تُدرس ظروفها العامة أمنيا وإنسانيا، وبالضرورة عسكريا وسياسيا. كما تجري دراسة جملة حيثيات مرتبطة بالمحيط الجغرافي الداخلي والخارجي. وهذه العناصر مجتمعة يُطلق عليها مصطلح البيئة الجيوسياسية للصراع.

وهناك بُعد آخر يرتبط بما يُعرف بالرمزية الوطنية، ويشير إلى دلالات حضارية أو دينية أو سياسية ذات صلة بالمجتمع المحلي أو الشعب عامة.

وماذا عن مدينة حلب في نموذج المنطقة المجمدة؟ في ما يتعلق بحلب، اندمجت خصوصية البيئة الجيوسياسية للنزاع بالرمزية الوطنية للمدينة، ولا سيما لجهة ثقلها الكبير في الاقتصاد الوطني.

في الشق العسكري من البيئة الجيوسياسية، يمكن ملاحظة أن مسارا طويلا من المعارك العنيفة قد دار في مدينة حلب ومحيطها، كما في الطرق والأرياف المؤدية إليها. وقد انتهى هذا المسار أخيرا بوقوف الجيش على أبواب حلب وكشفها عسكريا بالكامل.

وفي الاشتقاق السياسي لهذا التطوّر، ثمة سؤال فرض نفسه على الجميع، وهو: أي ثمن يمكن أن تقبل به الحكومة السورية مقابل اعتبار المدينة “منطقة مجمدة” بعدما أضحت في متناولها عسكريا؟

وكما يعلم الجميع، ففي السياسة ليس هناك شيء من دون ثمن، أما في الأمن فالثمن عادة ما يكون مضاعفا، وهذه معادلة قديمة ثابتة.

ورغم ذلك، فإن السياسة لا تمثل دوما امتدادا خطيا للأمن، والثابت هو أن دخول الجيش إلى حلب -على شاكلة دخوله مناطق أخرى في البلاد- سيمثل حدثا مدويا، وسيتردد صداه في ما هو أبعد من الساحة الوطنية، إلى حيث أروقة العواصم الإقليمية والدولية المعنية.

وهنا، ننتقل إلى بعد آخر في البيئة الجيوسياسية للصراع.. إنه بُعد المحيط، وهذا البعد لا يرتبط بحلب، أو لا ينحصر فيها.

إن الحكومة السورية تدرك دون ريب، أن المجتمع الدولي يراقب جيشها وهو يقف على أبواب حلب ممسكا بزمام المبادرة. كما تدرك أن بعض هذا المجتمع الدولي -كالإقليمي- قد تحرك داعيا إلى وقف التقدم نحو المدينة.

وكما سبقت الإشارة، فإن السياسية لا تمثل على الدوام امتدادا خطيا للأمن. واستنادا إلى هذه القاعدة، فإنه عوضا عن الإمساك عسكريا بحلب، تقرر “تسييلها” في صورة ربح سياسي مؤكد عنوانُه التجميد.

وبهذا المعنى، تكون دمشق قد كسبت معركة حلب المدينة قبل خوضها، أو حتى دون خوضها أصلا. ولكن ماذا عن الواقع الدولي وإسقاطاته على تفاعلات الوضع السوري الراهن؟

يمكن القول إن خصوصية المرحلة أخذت حيزا مهما في حسابات السياسة -واستتباعًا الأمن- في تطورات الموقف، وانتهت الولايات المتحدة إلى القول بعدم استبعاد فرضية العمل مع دمشق لإنجاز هدف مشترك يتمثل في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقد ورد مضمون هذا الموقف في كلمة لوزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب بالكونغرس الأميركي يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وقال للمرة الأولى إن “الأسد جزء من العملية”.

وبالطبع، هذا يترجم نوعا من التحوّل في الموقف الأميركي من الأزمة. وخطاب هيغل هذا تزامن مع دعوة الرئيس الأميركي بارك أوباما إلى إعادة تقييم السياسة الأميركية تجاه سوريا.

 

وقبل ذلك بأيام، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن أن نظيره الأميركي جون كيري أخبره بأن وجود الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا لا يمثل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الأولوية الراهنة لديها هي مواجهة تنظيم الدولة.

هذا التطور تردد صداه سريعا في تركيا التي أعلنت أنها غير معنية بإرسال جيشها إلى سوريا تحت أي عنوان كان، بما في ذلك مقولة المنطقة العازلة التي جرى اليوم التخلي عنها بشكل نهائي.

وبالطبع، هذا موقف صحيح لأن دخول الجيش التركي إلى أي رقعة في سوريا يعني إدخال المنطقة في نفق لا يعلم أحد مداه.

وبالعودة إلى مقولة التحول الأميركي ذاته، فإنها قد تبدو أكثر وضوحا في الأشهر القادمة، وقد تتعزز -على الأرجح- في اللحظة التي تتوصل فيها الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق نهائي بشأن ملف طهران النووي، ذلك أن الإيرانيين ما زالوا يرفضون مناقشة أي قضايا إقليمية مع واشنطن قبل الانتهاء من هذا الأمر، ورفع العقوبات المفروضة على بلادهم.

والولايات المتحدة مهتمة -على وجه الخصوص- بدخول إيران على خط الحرب على تنظيم الدولة. ولهذا الاهتمام أسباب مختلفة، من بينها طبيعة العلاقة التي تربط إيران بكل من سوريا والعراق.

ولأنه لا شيء في السياسة دون مقابل، فقد يكون هذا المقابل مزيدا من التأكيد الأميركي على المقاربة السياسية للأزمة السورية.

الجزيرة نت

 

 

 

دي ميستورا: مستور طبخة الحصى/ صبحي حديدي

لا يبدأ المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، من حيث فشل سلفه كوفي أنان، ذو الخبرة الدبلوماسية الأكبر والحنكة التفاوضية الأعلى، رغم نجاحه في عقد جنيف ـ1؛ ولا من حيث فشل سلف السلف، الأخضر الإبراهيمي، رغم ولايتين في المهمة، ودراما دولية وإعلامية اكتنفت جنيف ـ2؛ بل يلوح وكأنه يبدأ من تقويض أشغال السلفَين معاً، وربما تسعة أعشار مرجعيات الأمم المتحدة حول الملف السوري. ذلك لأنه لا ينطلق من، أو بالأحرى لا يعلن إحياء، أو العودة إلى اعتماد، نقاط أنان الستّ؛ رغم أنها أرقى صيغة لما أمكن للأمم المتحدة أن تنجزه من «معجزات»، على سبيل ما صنفته المنظمة الدولية تحت بند «خطط السلام» في سوريا.

فإذا جاز القول أنّ النقطة الأولى في مشروع أنان، التي تقول بـ»الالتزام بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري وتهدئة مخاوفه»، تظلّ إشكالية لأنها محلّ اختلاف وتفسيرات متعارضة حول رحيل أو بقاء بشار الأسد؛ فماذا عن النقطة الثانية، التي تقول: «الالتزام بوقف القتال والتوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد»؟ أليست فكرة دي ميستورا عن الهدنة في حلب، أو «حلب أوّلاً» كما يحلو للبعض القول، مطابقة لروحية هذه النقطة تحديداً؟ وماذا عن النقطة الثالثة، المرتبطة بالثانية، والتي تقول: «ضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت الملائم لكل المناطق المتضررة من القتال، ولتحقيق هذه الغاية وكخطوات فورية قبول وتنفيذ وقف يومي للقتال لأسباب إنسانية»؟

والحال أنّ دي ميستورا شاء قلب المعادلة، أو المعادلات جمعاء، رأساً على عقب أحياناً؛ لإنه يبدو كمَن اختار تفسيراً، غير معلَن، للواقع السوري الراهن، يقرّ ضمناً بأنّ انقسام سوريا أمر واقع على الأرض، وهذا ما يجيز له التفاوض مع النظام، والمعارضة المسلحة بأطيافها كافة، والمعارضات السياسية الداخلية والخارجية… كأطراف ذات استقلالية، ضمن الانقسامات، وفي ضوء معطيات الوزن على الأرض وأوراق القوّة التي يمكن أن تُطرح على طاولة المفاوضات. بهذا المعنى، لم يعد من معنى لدى دي ميستورا في الحديث عن رحيل الأسد، وبالتالي ما الجدوى في إحياء أو اعتماد نقاط أنان الستّ، أو مرجعيات جنيف ـ1 وجنيف ـ2، سواء بسواء؟ أكثر من هذا وذاك، ما فائدة الإصرار على أنّ المبعوث الأممي يمثّل جامعة الدول العربية أيضاً، ما دامت المرجعيات انقلبت هكذا، أو بلغت هذه الحال بعد فشل أنان والإبراهيمي، فباتت الجامعة العربية عبئاً يثقل كاهل دي ميستورا بدل أن يزوّده بسلطة تفاوض إضافية؟

بيد أنّ منطلقات دي ميستورا سوف تلقى مصير خطط سلفَيه، أغلب الظنّ؛ ليس لأنّ أزمنة المعجزات قد انطوى، خاصة في عالم السياسة، وحين تكون الملفات مضرجة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء، ومادّتها مئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين والمغيبين، وملايين المشردين في أربع رياح الأرض، وانتفاضة شعب سدّد أبهظ الأثمان، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الانطلاق من بقاء النظام المسؤول عن هذه الأهوال جميعها يضع العربة ـ وبالتالي المدفع والقاذفة وصاروخ الـ»سكود» والبرميل المتفجر… ـ أمام حصان الحلول. وأيّة خطة لا تبدأ من رحيل الأسد وحلقة السلطة الأضيق من حوله، وطيّ صفحة نظام «الحركة التصحيحية»، هي محض طبخ لحصى معجزات زائفة، على نار كاذبة.

وتلك، في ذاتها، جريمة أخرى لا تقلّ شناعة، بحقّ أبناء سوريا، الأطفال والنساء والشيوخ خاصة.

 

 

 

توقعات أمريكية بفشل خطة مبعوث الأمم المتحدة في سوريا.. والخبراء يرونها إذلالا دبلوماسيا آخر/ رائد صالحة

واشنطن – «القدس العربي»: يعتقد محللون أمريكيون بأن الأمم المتحدة تتجه إلى إذلال دبلوماسي آخر في سوريا وهم يلتقطون أكثر من اقتراح لمبعوث المنظمة العالمية ستيفان دي ميستورا بهدف بدء سلسلة من اتفاقات إطلاق النار بين الحكومة السورية وبعض الجماعات المتمردة بدءا من مدينة حلب المحاصرة. أما أفضل سيناريو يمكن الحصول عليه كما يقول الخبراء فهو الاتفاق على إنشاء مناطق هدنة وتجميد للأعمال العدوانية والسماح لجميع الأطراف بالتركيز على المعركة الرئيسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

تلقت الخطة بعض التشجيع الطفيف من النظام السوري وقدرا كبيرا من الانتقادات من المراقبين الأمريكيين، وخلص خبراء إلى ان هنالك أملا ضيئلا في نجاح الخطة لأن كلا من الحكومة السورية والجماعات المتمردة المعتدلة يشعرون نسبيا بأن لديهم الفرصة لكسب المعارك. وهنالك اعتقاد غربي بأن الجيش السوري قد يتقدم في الأشهر القليلة المقبلة لسحق المعارضة في عدة مواقع كبيرة للمعارضة مثل حلب عوضا عن الالتزام باتفاقيات لوقف إطلاق النار.

الإدارة الأمريكية شككت في أكثر من مناسبة بنجاح الخطة مع التأكيد على شكر ودعم الولايات المتحدة لجهود ميستورا للتوصل إلى حل سياسي. وقالت جين بساكي الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية ان واشنطن شاهدت مرارا في السابق فشل محاولات إطلاق النار بين الجهات المحلية وإذا كانت هنالك أي خطوات حقيقية يتجه الأسد نحوها، فإن ذلك بالتأكيد سيكون نهجا مختلفا عن الأشهر الوحشية الماضية ولكن سنرى ما يحدث.

هل ستدعم الولايات المتحدة الخطة رغم توقعاتها المتشائمة وقناعتها بالوصول إلى النتائج السابقة نفسها المخيبة للآمال في سوريا على الأقل عبر تقديم يد المساعدة لميستورا أو الأمم المتحدة؟ الإجابة الوحيدة التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما هي التشكيك مجددا بمواقف الأسد ومحاولات وقف إطلاق النار والقول بأن المجتمع الدولي بحاجة إلى رؤية أكثر بكثير من مجرد الكلمات للبرهنة على وجود اهتمام حقيقي من جانب النظام السوري في المضي قدما في هذا الطريق. زار مفوض الأمم المتحدة القاهرة وعواصم عدة، وعقد الكثير من الاجتماعات واقترحت تقارير إعلامية بأن بعض الدول الإقليمية قد تدعم الخطة بجدية،هل ترى الولايات المتحدة الخطة كخطوة جيدة أو ايجابية بدلا من تقديمها بطريقة تشير إلى معرفة ما يحدث في المستقبل؟ تجيب بساكي على ذلك بالقول ان الولايات المتحدة تدعم بالطبع وقف إطلاق النار الذي من شأنه توفير الإغاثة الحقيقية للمدنيين السوريين بما ينسجم مع المبادئ الإنسانية، ولكنها أكدت في الوقت نفسه على ضرورة ان يفتح الجميع عيونهم بعناية عند الخوض في هذا الأمر.

ويفضل المسؤولون الأمريكيون الذين لديهم خبرة في الشأن السوري والحرب الأهلية المندلعة لأكثر من 3 سنوات رؤية خاتمة أكثر حسما وأقل غموضا من الناحية الأخلاقية، كما يلاحظ الخبراء ان النهج التدريجي لتسوية النزاعات يؤجل دائما الأسئلة الوجودية إلى تاريخ لاحق على أمل انها ستكون أسهل لاتخاذ القرار بعد ذلك. ويلاحظ المحلل جيمس تروب بأن الأمم المتحدة لديها تاريخ طويل في صياغة وقف إطلاق النيران في مناطق الحرب مثل البوسنة ودارفور ولكنها انهارت بفترة أسرع من الوقت الذي بذل للتفاوض.

وليس هنالك أي سبب للاعتقاد بأن الحكومة السورية ستشارك في هذه الخطة الجديدة بحسن نية كما يقول المحلل ريشارد غوان حيث انها وقعت سابقا على وقف إطلاق الأعمال العدائية في اوئل عام 2012 بوساطة من كوفي عنان ولكنها انتهكت الاتفاقية بشكل وحشي أمام قوات حفظ السلام. كما مارس المبعوث السابق للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي هوايته بمحاولات وقف إطلاق النار ولكن دون تأثير يذكر، وقد كان هنالك أمل في ان تمتد الجهود الدولية الرامية إلى تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى محاولة تخفيف التوتر بشكل عام ولكن مرة أخرى شعر الجميع بخيبة أمل.

ويضيف المحلل غوان مدير مركز الأبحاث والدراسات في جامعة نيويورك ان للأمم المتحدة الحق في تعويم خطتها الجديدة بعد خساراتها الديبلوماسية في الحرب السورية وخاصة فشل خطة عنان للسلام الذي اضطر لتكريس وقته تحت ضغط من الولايات المتحدة والقوى الغربية للتوصل إلى اتفاق واسع النطاق عبر جهود رفيعة المستوى للتوصل مع روسيا إلى اتفاق بشأن الصراع. وقد توجت الخطة بتخبط يمكن التنبؤ به تماما في مؤتمر جنيف للسلام في كانون الثاني/يناير الماضي.

الديبلوماسية الدولية الكلاسيكية كانت ترى في موسكو القدرة على فرض نهاية للحرب ولكن الخبراء كانوا يرون ان العملية برمتها أصبحت بعيدة عن الجهود الديبلوماسية مع وحشية الصراع على الأرض وفوضى الاقتتال. ويتفق معظم المحللين على ان السلام يجب ان يبنى من الألف إلى الياء في الصراعات الفوضوية، وفي دورهم لم يكن قادة بعثات الأمم المتحدة على غفلة عن هذه الحقيقة وخاصة الإبراهيمي الذي رأى عمله مع الروس كمقدمة لعملية أكثر تعقيدا من المحادثات مع اللاعبين داخل سوريا مثل التجربة الأفغانية بعد سقوط طالبان ولكنه كان يعتقد بانه لا يمكن التعامل بمصداقية مع الفصائل السورية لوحدها بدون مشاركة الجهات الإقليمية الفعالة مثل السعودية وإيران ودعم كامل من واشنطن وموسكو، وقد شلت هذه القيود بالفعل جهوده بشكل دائم.

ويرى المحللون الأمريكيون ان الاستراتيجية الديبلوماسية للأمم المتحدة تجاه سوريا أصبحت بعيدة تماما عن الأحداث على الأرض وهي تركز على تخفيف التوترات بين القوى الكبرى بدلا من الحرب نفسها، حيث حافظت الأمم المتحدة على اتصالات مع المؤيدين والمناهضين للحكومة وتوسطت بالفعل لإنجاز بعض صفقات وقف إطلاق النار على المستوى المحلي هذا العام بما في ذلك هدنة إنسانية تسمح باجلاء المدنيين من مدينة حمص المحاصرة، ولكن المبادرة الجديدة المهمة من الناحية السياسية تشير إلى ان الأمم المتحدة ملتزمة الآن في التوصل إلى حل من الأسفل إلى الأعلى بدلا من انتظار روسيا للموافقة على صفقة من أعلى الى أسفل.

وهكذا سنصل الى نتيجة من مبادرة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا هي انه يمكن للأمم المتحدة على الأقل ان تلعب دورا أكثر مرونة في الصراع من الآن فصاعدا بحيث تنتهز الفرص للوساطة عند ظهورها بدلا من البحث عن صفقة ديبلوماسية كبيرة غير قابلة للتحقيق وهي استراتيجية تعطي الأولوية لتخفيف النزاع عوضا عن بناء سلام مستدام وبذلك تتجنب الأمم المتحدة عمدا الأسئلة الصعبة حول مستقبل سوريا على المدى الطويل.

ويعتقد المحللون الأمريكيون هنا بأن الأمم المتحدة يجب ان تكون متواضعة فقد حاولت بالفعل في الماضي إيجاد حلول ولكنها فشلت، وبالنظر إلى الحالة الراهنة في سوريا فهناك احتمالية صفرية لمجلس الأمن في محاولة فرض اتفاق سلام شامل في سوريا وإذا تحقق ذلك بمعجزة فان هنالك توقعات سريعة بانهيار الاتفاق حيث يلح جناح الصقور في الوسط السياسي الأمريكي على عمل عسكري ضد دمشق، كما ان علاقة روسيا الحالية مع الغرب لا تؤهل للتوصل إلى اتفاق حول مستقبل سوريا وإنهاء النزاع لذا فإن الخيار الوحيد للأمم المتحدة هو اعتماد استراتيجية تهدف إلى التخفيف من القتل وإنقاذ بعض الأرواح. وبالتأكيد ستتعرض ديبلوماسية الأمم المتحدة إلى بعض الإهانات ومن الممكن ان تذهب عمليات وقف إطلاق النار إلى نتائج خاطئة ولكن الأمم المتحدة قادرة على تجاوز ذلك لأنها عانت أسوأ من ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

آفاق مبادرة دي ميستورا لحل الأزمة السورية/ محمد زاهد غول

جاءت المبادرة الأممية التي يقودها ستيفان دي ميستورا بعد انقطاع طويل من المتابعة الأممية المباشرة لإيجاد حل للأزمة السورية. فمنذ فشل الأخضر الإبراهيمي واستقالته المشينة من تولي الملف السوري في نهاية عام 2013 لم ترسل الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون أي مبعوث أممي لمعالجة أخطر صراع وقع في العالم في هذا القرن، ودون أن ننسى فشل المبعوث الأسبق كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والذي بذل جهودا أكبر من جهود الأخضر الإبراهيمي، فقد كان أكثر حظوظاً وقدرة سياسية وعدم انحياز لأحد الأطراف، ولم يكن مبعوثاً مشتركاً عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشكل رسمي مثل الأخضر الإبراهيمي، ومع ذلك لم تكلل جهوده بالنجاح. ولكن جهود السيد كوفي عنان أدت إلى ظهور اتفاق مؤتمر جنيف الأول إلى العلن بحدود حزيران/يونيو 2012، والذي أعلن فيه اتفاق أطراف الصراع الأساسية عليه باسم اتفاق جنيف، والذي أصبح يوصف بالأول بعد دخول مراحل التحضير للثاني وقد خرج الاختلاف على تفسير بنود اتفاق جنيف 1 بين أهم الموقعين عليه بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي، الذي كان ولا يزال يتولى الدفاع عن النظام السوري لبشار الأسد في المحافل الدولية ومجلس الأمن، فضلا عن الدعم العسكري الكامل، ودون قيود وبلا حدود.

كانت نقطة الاختلاف الأساسية هي المادة التي تشير إلى إقامة سوريا انتقالية تتولى إدارة شؤون البلاد بعد وقف القتال، والتحضير إلى انتخابات تؤدي إلى رحيل الأسد سلميا ودون متابعة قانونية له، فوقع الاختلاف على تفسير صلاحيات هذه الحكومة الانتقالية ودور بشار الأسد فيها، فبشار وروسيا يريدان أن تعمل الحكومة السورية الانتقالية في ظل الصلاحيات الرئاسية لبشار الأسد، وإجراء الانتخابات الرئاسية التالية دون منعه من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وهو ما اعترضت عليه الولايات المتحدة والدول المؤيدة لها من الأوروبية والعربية، ولذلك ذهبت الجهود مرة أخرى إلى اتفاق جنيف 2 من أجل تحديد هذه النقطة، وقد وافق بشار الأسد على حضور مؤتمر جنيف 2 ومتابعة الجولات التفاوضية الملحقة به بين الحكومة السورية والائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية برئاسة أحمد الجربا، وقد استطاع بشار الأسد إفشال مؤتمر جنيف 2 وهم يحضرونه وفق شروطهم، لأنه وحكومته يدركون ويحسنون إفراغ أي جهود دولية من مضمونها، دون التورط في معارضتها علنيا أو صدامياً، وهذا يعني أن العقلية التي يتعامل بها بشار الأسد مع أي جهود دولية هي، الترحيب بها مع مماطلة زمنية شديدة وطويلة ووضع الشروط التي تمكنه من الإفلات من أي التزام، وهذا ما أفشل مؤتمري جنيف 1 و2 .

هذه المرجعية التاريخية ضرورية لمعرفة إمكانية نجاح مبادرة دي ميستورا من فشله، الذي لم يأت إلا ممثلا للأمم المتحدة فقط، وليس لجامعة الدول العربية كما كان المبعوث الأخضر الإبراهيمي، وجاء دي ميستورا وهو يعترف بالواقع السياسي والعسكري والأمني أيضاً، وكأن مهمته إنسانية أولاً وقد تكون إنسانية آخراً أيضاً، ولكن لإعطائها أهمية دولية أممية، فقد اتت على بنود أخرى مثل المطالبة بوقف إطلاق النار في مناطق محدودة ، ثم العمل على توسيعها بعد الاتفاق بين الأطراف المعنية، أي بين حكومة الأسد والمعارضة السورية على تثبيت وقف إطلاق النار أولاً، ثم إمدادها بالمساعدات الإنسانية الغذائية والطبية ومعالجة الجرحى وتبادل الأسرى وغيرها من الإجراءات الإنسانية التي تخفف من معاناة السوريين جراء هذه الحرب التي طال عمرها عن ثلاث سنوات دون ان تجد حلاً عسكريا ولا سياسياً.

والنقطة المهمة في مبادرة دي ميستورا لم تأت على ذكر اتفاقيتي جنيف 1و2، وكأن الأمم المتحدة أدركت انها أصبحت من الماضي الميت، أو عدم الإعلان عنها على الأقل، بمعنى انها لم تأت على فكرة رحيل نظام بشار الأسد، وكأن الوضع السياسي الوطني والإقليمي والدولي لم يعد يطالب برحيل الأسد، بل إن موافقة المعارضة السورية عليها سيعني انها توافق على الجلوس إلى مائدة مباحثات مع حكومة بشار الأسد، ولو بهدف إنشاء مناطق خالية من الصراع العسكري، وبالتالي موافقة على وقف القتال ضد نظام الأسد، وكأن إقناع الثورة بعدم قدرتها على إسقاط النظام قد أسقطت الثورة نفسها، أو أُسقطت بضغوط إقليمية ودولية، بعدم تمكينها عسكريا من القضاء على النظام الأسدي، وبالتالي لم يعد أمامها إلا الرضا بالأمر الواقع، أي ان المهمة الأساسية لمبادرة دي ميستورا هي إقناع المعارضة السورية بهذه الحقيقة، كأمر واقع لا مفر منه ولا يمكن إنكاره، أي بخضوعها إلى التفاعل السياسي والسلمي مع الأمر الواقع وعدم مواصلة القتال ضد نظام بشار الأسد، مع ذكر دي ميستورا بضرورة محاربة «الجماعات الإرهابية»، على أن يترافق ذلك البحث عن «حلول سياسية جامعة» للأزمة السورية، ولكن دون التعرض لرحيل الأسد.

هذه الرؤية التي انطلق منها دي ميستورا من الطبيعي ان ترضي بشار الأسد، الذي كتب على صفحته الرئاسية الرسمية على الفيسبوك: «ان مبادرة ميستورا جديرة بالدراسة، ومحاولة العمل عليها، ومن أجل بلوغ أهدافها التي تصب في عودة الأمن إلى مدينة حلب»، ولذلك استقبل الأسد دي ميستورا مرتين في قصره إحداهما في شهر أيلول/سبتمبر والثانية بتاريخ 8/11/2014.

فالمبادرة تجد الترحيب الإيجابي من بشار الأسد، لأنها تلغي في نظره ما توصل إليه مؤتمر جنيف 1، ومؤتمر جنيف 2، بضرورة رحيله وبضرورة إقامة حكومة سورية انتقالية كاملة الصلاحيات، ونزع صلاحيات الرئاسة منه في ظل هذه الحكومة الانتقالية، وكون مبادرة دي ميستورا تنطلق من تجربة أولية تخص مدينة حلب، فإنها قابلة للتعميم على باقي المدن السورية في حال نجاحها على مستوى مدينة حلب.

واختيار مدينة حلب هو أحد أسرار هذه المبادرة الأممية، وهي ان المبعوثين الأمميين يلتزمون بتوجيهات وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة أو عبر مندوب أمريكا في الأمم المتحدة بغض النظر عن اسمه إن كان بان كي مون أو غيره، فقد أعترف بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة الأسبق بإن وظيفة الأمين العام هي تلبية المطالب الأمريكية فقط، وإلا يتم طرده، وهو ما حصل معه، فإذا كان ذلك على مستوى الأمين العام للأمم المتحدة، فمن باب أولى ان يكون ذلك مع المبعوثين الدوليين من أمثال كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، الذي بدا أكثر انحيازا للمحور السوري الروسي بسبب خلفيته الأيديولوجية، فاستثمرته أمريكا لأكثر من عام لترسيخ الصراع في سوريا حتى تصل الاستراتيجية الأمريكية إلى ما وصلت إليه من خلق الفوضى الخلاقة التي لا تحسن العمل السياسي إلا في ظلها، فهي ان لم تنجح فيها، فإنها تبقيها موجودة في الساحة الدولية أولاً، ولا تعطي الأطراف المتصارعة قدرة على حسم نزاعاتها دون الوساطة الأمريكية ثانياً، أي ان دميستورا هو في حقيقته مبعوث أمريكي وإن حضر إلى المنطقة باسم المبعوث الأممي، لأن المهم هو المهمة التي أتى بها، والوظيفة التي كلف بها، وليس من المهم التفكير في المبادرة ذاتها لأنها مجرد بنود إنسانية ترضي الأطراف المتصارعة والمراقبة لدور الأمم المتحدة أيضاً وفقط.

الأزمة القائمة في المنطقة الآن في سوريا والعراق تحديدا هي الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش» وأمريكا تريد استثمار هذه الأزمة وهذا الظهور لدولة الخلافة الإسلامية لإشعال المنطقة بالحروب لثلاث سنوات أو خمس سنوات أو تسع سنوات أو خمس عشرة سنة قادمة، وكل هذه الأرقام ذكرتها الدول المتحالفة في الحرب على «داعش» فالرئيس الأمريكي اوباما بدأ بثلاث سنوات، ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون بخمس سنوات، ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بتسع سنوات، والملك الأردني عبدالله الثاني قدرها بخمس عشرة سنة، أي أن المنطقة بحسب هذا التخطيط مقبلة على دمار كامل، وكأن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة، فهل هذه الحروب من أجل مقاتلة بضعة آلاف من مقاتلي تنظيم «داعش» فقط، أم ان المخطط الاستراتيجي الأمريكي يستخدم أو يستثمر أو يستغل وجود دولة «داعش» فقط، بغض النظر عن الدور الأمريكي في إيجادها أو المساعدة على ذلك، بغض النظر عن ذلك.

وبالنظر إلى الاستراتيجية الأمريكية المستدامة لثلاث سنوات أو أكثر فإن السياسة الأمريكية حتى الآن لا تزال تفتح أبواب الحرب ولم تدخلها حتى الآن، فرئيس هيئة الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي يصرح بتاريخ 10/11/2014، ان الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية بدأت في المسار المؤثر لها، وكأنها كانت في المرحلة السابقة في عمليات تحضير وتحمية لإشعال الحرب، وكان الغارات الجوية الأمريكية والتحالفية كانت أشبه بأبواق الحرب وليست هي الحرب ذاتها، والسبب في هذا التصريح الأمريكي لرئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية، ان أمريكا حتى الآن لم تنجح في توريط جيوش دولية في هذه الحرب، أي لم تنجح في إشعال الحرب بين دول المنطقة مباشرة، كما تتطلب الاستراتيجية الأمريكية، التي اعتادت على الاستفادة من حروب السنوات الطويلة في هذه المنطقة منذ الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات.

وسبب الفشل الأمريكي في توريط جيوش هذه الدول في الحرب العالمية التي يمكن وصفها بالحروب الإسلامية البينية، أي بين الدول الإسلامية وشعوبها وقومياتها العربية والإيرانية والكردية والتركية، هو عدم وجود جيوش تحشد قواتها ضد «داعش»، فالجيش العراقي مني بهزيمة مستعجلة قبل نشوء الحرب، فقد سقط الجيش العراقي الهزيل الذي بناه الأمريكان والإيرانيون بعد تدمير الجيش العراقي العربي بعد احتلالهم للعراق 2003، الجيش الذي بناه الأمريكان والمالكي وصرفوا عليه مئات المليارات من الدولارات هزم أمام قوات «داعش» في الموصل وغيرها خلال ساعات، أو أن الحكومة العراقية في عهد المالكي لم تكن مستعدة لدخول هذه الحرب باسم الجيش العراقي، فجاءت الأوامر بالانسحاب وليس المواجهة العسكرية، لأن المواجهة العسكرية لو وقعت لما توقفت حتى الآن، والقيادة العسكرية العراقية وقيادتها في طهران وبغداد عند الجنرال قاسم سليماني لا تخوض حرباً دون ثمن مقابل، وربما من حقها أن تعتبر حرب «داعش» هي حرب غيرها، فإذا وافق التحالف الدولي على مشاركتها العسكرية فإن ذلك يعني الاحتلال الرسمي والعلني للجيش الإيراني للجمهورية العراقية، وبتأييد وموافقة أممية، وهو ما لا توافق عليه الدول العربية ولا تركيا، وتوجد مخاوف من ذلك أن تقوى شوكة الدولة الإيرانية إقليميا ودولياً وتذهب بشكل أكبر نحو تطوير مشروعها النووي دون إمكانية منعها عن ذلك، ولذلك فلا إمكانية لمشاركة الجيش الإيراني في الحرب على «داعش» أو مشاركتها في الحرب العالمية الإسلامية البينية ضمن هذه الشروط إلا أن تكون أمريكا مضطرة لاحقاً إلى ذلك، وقد تؤول مبادرة دي ميستورا إلى هذه النهاية، مهما بلغت المعارضة العربية والتركية والمخاوف المترتبة على ذلك.

وأما تقوية الجيش العراقي للقيام بهذه المهمة، وهي محاربة «داعش» فالأمر ممكن ولكنه أمام صعاب بالغة ومكلفة، وأمريكا تسير في ذلك بحكم أن أرض المعركة الأساسية هي العراق، ولذلك تعمل أمريكا على إرسال الخبراء والمستشارين العسكريين لتقوية الجيش العراقي لهذا الاحتمال، وزيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى العراق في الأيام الماضية يسير في هذا الاتجاه، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انها سترسل نحو 1500 مستشار عسكري أمريكي إلى العراق لهذه المهمة، دون ان تتورط أمريكا بأي حرب برية، فأمريكا تعلمت من حرب أفغانستان 2001 والعراق 2003 ان لا تدخل الحروب بجنودها، الذين لا يزالون يعانون في الولايات المتحدة من آثار اليورانيوم المنضب وآثار الأسلحة الكيميائية التي استعملوها في افغانستان والعراق من قبل، فضلا عن الخسائر الهائلة التي تكبدها الجيش الأمريكي ومعه الاقتصاد الأمريكي منذ عام 2008، مما أطمع روسيا ان ترفع رأسها وتطالب بالعلاقات الندية مع أمريكا، ومما أطمع إيران ان تماطل في المباحثات السياسية حول ملفها النووي، طالما ان أمريكا تستبعد الحرب العسكرية معها.

أما الجيش التركي فهو جيش قوي ويعد الجيش الرابع في العالم من حيث قوته العسكرية واستعداده الحربي، ولكنه وكما قال رئيس هيئة الأركان التركية عصمت يلماز: «إن الجيش التركي لن يشارك في أعمال عسكرية إلا دفاعاً عن الشعب التركي» أي ان الجيش التركي لن يشارك في حرب ضد «داعش» طالما ان «داعش» لم يعتد على الحدود التركية أو على الأتراك خارج تركيا، وهذه سياسة معلنة من وزارة الدفاع التركية والحكومة والرئاسة أيضاً، ولذلك كان من مصلحة «داعش» ان يطلق سراح المختطفين الدبلوماسيين الأتراك قبل ان تنطلق الأعمال العسكرية ضده بحدود منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2014. والجيش التركي لديه تحدياته الخاصة وغير معني بالدخول في حروب دولية ضد «داعش» في سوريا أو غيرها دون شروط وضمانات بأن حربه سوف تؤدي إلى نجاح، فالجيش التركي لا يقبل أن يدخل حربا وهو لا يمسك بزمام أمورها، أو غير مطلع على خطتها الاستراتيجية، وبغير توفير شروط عسكرية يعمل من خلالها، ومن أهمها أن لا يوقع من القتل والتشريد والمآسي الإنسانية أكثر مما يمكن أن يحققه من مكاسب في هذه الحروب.

إن الجيش التركي يرى إن الحرب على «داعش» في سوريا قد سببت نزوح مئتي ألف سوري إلى المخيمات على الحدود التركية، ومعظمهم من الأكراد وبالأخص من منطقة عين العرب (كوباني) ودخول الجيش التركي في هذه المعارك يعني اشتعال الحدود التركية الجنوبية المحاذية لسوريا والتي تشمل مخيمات اللجوء ويقدر عدد ساكنيها بحوالي مليون ونصف مليون سوري وعراقي وغيرهم، فهذه الحدود ستكون مناطق حرب عسكرية ومستهدفة، وبالتالي سوف تضطر هذه المخيمات إلى الانسحاب إلى الداخل التركي، وسوف يتعرضون إلى الهلاك والقتل والمصائب، فليس بمستبعد أن يعتبر بشار الأسد ان التدخل العسكري التركي لإنقاذ عين العرب (كوباني) هو اعتداء على الأراضي السورية، فيقوم بأعمال انتقامية ومهاجمة الأراضي التركية، وبالتالي فإن تركيا سوف تدخل في حرب مع سوريا وحليفها الإيراني، والتحذيرات التي صدرت عن بشار الأسد بهذا الخصوص معروفة، والأخطر منها التهديدات الإيرانية للحكومة التركية بانها تعمل على توتير الوضع في المنطقة، وسبق لها أي إيران وعلى لسان مرشدها خامنئي شخصياً التهديد بتوجيه ضربات صاروخية للقواعد الأمريكية في تركيا إذا قامت بأعمال عسكرية عدوانية ضد النظام السوري في بداية مرحلة الثورة السورية، فهذه المعادلات الأمنية والعسكرية لا بد أن تؤخذ بعين الإعتبار. ولذلك وضعت السياسة التركية شروطها على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن على المشاركة العسكرية ضد «داعش» ومنها إقرار منطقة آمنة وليست عازلة على الحدود التركية السورية وداخل الأراضي السورية حتى تكون ملاذاً آمنا لكل نازح محتمل، واشترطت تركيا أن تكون هذه المنطقة محظورة الطيران، حتى لا يتخطاها طيران الأسد العسكري إلى الحدود التركية، كردة فعل على المشاركة الدولية في أعمال عسكرية على الأراضي السورية، وكذلك اشترطت تركيا تدريب المعارضة السورية لتولي حماية هذه المناطق التي يتم تطهيرها من قوات «داعش» حتى لا تنشأ فيها «دواعش» أخرى، واخيراً اشترطت تركيا ضرورة معالجة الأزمة السورية من أصلها، فلا يمكن صنع تحالف دولي لحماية مناطق معينة في سوريا من «داعش» بينما تترك باقي المناطق تحت القتل والدمار والمجازر والإبادات البشرية بالأسلحة الكيميائية من نظام بشار الأسد دون محاسبة دولية، ودون مساعدة من دول الجوار.

إن الشرط الأخير لا يعني ان تركيا تشترط رحيل الأسد حتى تشارك في هذا التحالف كما يحلو للإعلام تكراره، وإنما تريد تركيا ان تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بحل أزمة الشعب السوري، وأن تعلن موقفها من هذا النظام القاتل لأكثر من نصف مليون مواطن من شعبه، والمشرد لأكثر من عشرة ملايين مواطن، والذي دمر كل البلاد من أجل ان يبقى في السلطة السياسية بغير حق، أي ان تركيا لا تشترط شيئاً لنفسها وإنما تشترط شيئاً يوفر النجاح لهذه المعارك، وان تحقق نتائج صحيحة منها، وعدم استجابة أمريكا لهذه الشروط التركية يؤكد ان أمريكا لا تسعى لحل مشاكل المنطقة، وإنما تسعى للاستفادة منها بحسب المصالح الأمريكية فقط، فلماذا تدخل تركيا حربا دولية من أجل مصالح غيرها، وفي الوقت نفسه ترى ان مصير أخوتها السوريين من العرب والأكراد ما هم إلا ضحايا هذه الحروب الأمريكية وحطبها فقط؟ فالمشكلة ليست بإرسال المساعدات العسكرية ولا المقاتلين لدفعهم إلى حتفهم وموتهم، وإنما تحقيق نتائج صحيحة من هذه الحروب والمعارك.

ودور دي ميستورا الآن وبعد تمسك الأتراك بموقفهم المبدئي بعدم توريط جيشهم في حروب لا تخدم مصالح الشعب التركي، أصبحت المساعي الأمريكية في البحث عن متورطين آخرين في هذه الحرب، سواء كانت من الميليشيات السنية ورجال الصحوات العراقية من جديد، أو الميليشيات الشيعية أو قوات البيشمركة الكردية، المهم من وجهة نظر أمريكية توفير وقود هذه الحرب من المسلمين، أو بتعبير وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل بقوات محلية، فالميليشيات أحد الحلول إذا لم تعثر أمريكا على جيوش تركية أو عربية يتم تكوينها بحجة الحرب على الإرهاب.

فالميليشيات العراقية التي يمكن أن تستخدمها فيها سواء كانت عشائر عراقية سنية أو شيعية أو كردية أو غيرها يتم الآن اعدادها، ولذلك فإن وقف القتال في سوريا بين قوات المعارضة السورية من الجيش السوري الحر والكتائب المقاتلة، والقوات المقاتلة ضدها من قوات الأسد والميليشيات الشيعية اللبنانية والإيرانية، سوف يوفر مزيداً من الميليشيات التي تقاتل «داعش» من وجهة نظر عسكرية أمريكية، ولجعلها كلها تصطف في قتال «داعش»، فأمريكا تريد تحويل القتال الداخلي في سوريا بين الأسد والمعارضة إلى قتال موحد ضد «داعش» وهذا لا بد ان يبدأ بفكرة تقوم على وقف القتال بين هذه الجبهات الداخلية بحجج إنسانية، وبحجة ان المعركة العسكرية لن تؤدي إلى نتيجة نهائية في سوريا، فالعمل المجدي الآخر بعد وقف القتال على الجبهات السورية الداخلية ونقطة البداية من مدينة حلب، وبعد تقديم المساعدات الإنسانية لكل الأطراف، أن تتوحد الجهود بين المعارضة والنظام السوري على حماية مدينة حلب أولاً من السقوط بيد «داعش» وهذا يعني تقاسم السيطرة العسكرية والأمنية على مدينة حلب بين الجيش السوري الحر وجيش بشار الأسد، والمشاركة في صد العدوان الداعشي على حلب.

وهكذا فإن الخطة الأمريكية من المهمة والمبادرة الأممية لميستورا إدخال قوات الجيش السوري في حرب مباشرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ولذلك فإن موافقة بشار الأسد على المبادرة يعني أن ثمنها سيكون إنهاء الثورة السورية على مستوى إسقاط النظام وبشار الأسد، مقابل أن يوافق الأسد على إقامة دولة ديمقراطية، يعطي فيها للمعارضة السورية بعض الحقوق والصلاحيات السياسية الداخلية فقط، وليس أي هيمنة على القرار السوري السياسي والسيادي، أي ان يكون للمعارضة السورية الداخلية والخارجية والعسكرية مشاركة في اتخاذ القرار داخل المجتمع السوري، وهو ما أطلق عليه دي ميستورا «بالحل السياسي الجامع»، والذي يقوم أساساً على محاربة السوريين للجماعات الإرهابية في بلادهم، وبذلك تكون المعارضة السورية قد حققت بعض مطالبها السياسية: الدولة المدنية والديمقراطية ولكن بصلاحيات منقوصة، يمكن ان تؤدي لاحقاً إلى عدم بقاء بشار في الرئاسة ولكن مع بقاء سلطته قائمة كما هو الحال بالنسبة للحل اليمني وبقاء علي عبدالله صالح خارج قصر الرئاسة الرسمي، ولكن في قصر رئاسي آخر يتخذ فيه القرارات المصيرية لسوريا وحلفها مع إيران وروسيا، وإلا فإنه يستطيع تدمير الدولة باستقبال كتائب مشابهة للكتائب الحوثية لتحافظ له على سلطته.

فهل يرفض بشار الأسد هذه المبادرة التي تبقيه في السلطة ولو كان خارج القصر الرئاسي، ولذلك صح ان توصف المبادرة بأنها إنسانية لتجميد القتال بين الأطراف المتصارعة ونقل القوات المتقاتلة إلى حروب أخرى، تخدم نظام الأسد، الذي ليس من مصلحته توسيع هيمنة «داعش» على باقي سوريا، وكذلك تنقذ المعارضة السورية التي بهيئاتها السياسية والعسكرية الحالية وصلت إلى طريق مسدود في تغيير الوضع السياسي والعسكري على كل سوريا، وبالتالي فلا مصلحة ولا مستقبل لها ان تسلم أراضيها إلى «داعش، فإذا تقدم جيش الأسد ليقاتل «داعش»، فهو في النهاية ليحميها ويحمي المدن الأخرى من «داعش»، وهي أمام طريق مسدود في حربها مع بشار من بداية هذه السنة 2014، بل هي أمام طريق مسدود منذ استقالة أحمد الخطيب من رئاسة الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، لأنه اكتشف الحقيقة وأعلنها على الملأ ورفض أن ينافق على السوريين، فأمريكا والدول الغربية والعربية غير جادة في تغيير النظام السوري، وهي عاجزة عن إيجاد بديل عن الأسد حتى الآن. ولذلك تريد أمريكا استخدامه في الحرب على «داعش» وبعد ذلك تعمل على تغييره، وهو ما تعد المعارضة به وبتوافق مع السعودية وروسيا وايران، ولذلك أول ما جاء دي ميستورا إلى لبنان طلب لقاء حسن نصرالله أمين عام حزب الله اللبناني، لأنه المكلف بالملف السوري من قبل إيران، فلماذا تعذر الاجتماع به؟ اجتمع مع نائبه نعيم قاسم، وهذه الخطة عبر عنها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جوشوا بيكر :»بأن لا مستقبل لبشار الأسد في الحل السياسي القادم في سوريا».

فالنتيجة متفق عليها، ولكن يبقى إقناع المعارضة السورية بها، وهذه الخطة لا تمانعها إيران ولا روسيا، لأنهما متورطتان بحرب خاسرة ومخجلة، بل روسيا مشاركة في تنفيذها فدعت المعارضة السورية والنظام السوري إلى عقد جلسات ومباحثات في موسكو بدل جنيف، والمعارضة السورية أبدت موافقتها على الدعوة الروسية، وهي تعلم لماذا تذهب إلى روسيا، فروسيا تريد ان تضمن مسار الخطة الأمريكية التي بدأ دي ميستورا خطواتها الأولى، وبالتالي فالخطوة الروسية متوافقة معها في هذه المهمة، ضمن الخطة المتفق عليها بين روسيا وأمريكا، وبصورة أخرى بين السعودية وإيران.

فالطرف السعودي والخليجي عموماً مهم جداً في نجاح هذه الخطة لأن له السيطرة والهيمنة الأكبر على قوى المعارضة السورية، ولذلك يمكن تفسير المصالحة الخليجية التي اعلن عنها في الرياض بتاريخ 18/11/2014 ، والتي تضمنت عودة السفراء فوراً في هذا السياق، لأن قطر متهمة وتركيا بدعم أطراف غير الأطراف المدعومة من السعودية، فالتقارب القطري السعودي والإماراتي يذهب بدعم خطة دي ميستورا في النهاية. وقد طلب الملك السعودي عبدالله مساعدة مصر في تحقيق المصالحة الخليجية، أي بفتح صفحة جديدة مع قطر، وهو الأمر الذي لقي موافقة سريعة من السيسي لأنه يسير في هذا الاتجاه، بل كان السيسي من عرابي المصالحة السورية وفق الخطة الأمريكية التي بدأ دي ميستورا خطوتها الأولى، فالسيسي عرض خطة مشابهة للخطة الأمريكية، ولكنه كان خجولا من ذكر بقاء الأسد في السلطة أمام السعودية ودول الخليج، ولكن تطورات الأحداث بقيام الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق غير بعض المواقف لكل الأطراف.

لذلك وضمن هذه الرؤية فإن خطة دي ميستورا سوف تلقى الموافقة من المعارضة السورية، لأن من يعارض الآن سوف يغير موقفه لصالحها ولو بشروط إعلامية، فهادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني السوري يقول: «إن المبادرة غير واضحة»، ويريد:» أن يكون الحل شاملاً»، أي أن يكون تغيير النظام شاملاً وليس مجزءا، بينما وضع رئيس المجلس العسكري في حلب التابع للجيش السوري الحر العميد زاهر الساكت أربعة شروط للتهدئة في المدينة، تشترط في بدايتها خروج الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام، ووقف القصف الجوي والقاء البراميل على أحيائها، واطلاق سرح المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي ضد السكان المدنيين في غوطة دمشق 20 أب/ أغسطس 2013.

هذه المواقف والشروط من المعارضة السورية صادرة فقط عن موقف تجميد القتال والتهدئة، فكيف إذا تم السير في الخطوات التالية التي لا يعرفها دي ميستورا نفسه في الغالب، فهو مكلف في المرحلة الأولى فقط، ويقول في حالة نجاح المرحلة الأولى يمكن لها أن تتحول إلى حل سياسي جامع أو شامل للأزمة في سوريا، ولكن لا يصرح أكثر من ذلك.

إذن التطورات في المنطقة وبالأخص بعد ظهور «داعش» وسعي الاستراتيجية الأمريكية للاستفادة من هذه الأزمات والفوضى الخلاقة، تسعى لاستثمار كامل علاقاتها مع دول المنطقة بما فيها إيران، لصناعة واقع جديد في المنطقة، يسميه البعض سايكس بيكو جديدة، أو خارطة سياسية جديدة، فأمريكا لا تسعى لحل مشاكل المنطقة، ولا رفع معاناة مآسيها الإنسانية عن أحد، وإنما ستستثمر هذا الواقع في خدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بما فيها تحسين مستوى عمل شركات التصنيع العسكري في أمريكا وأوروبا وروسيا، فالأفاق المرحلية لمبادرة دي ميستورا مضمونة النجاح في المدى القريب، ولكنها ستواجه صعاباً وتأكل وقتاً غير قصير في إقناع المعارضة السورية المسلحة بالعمل العسكري المشترك ضد «داعش» مع قوات جيش الأسد، على فرض انها سوف تنجح في الهدنة المؤقتة وتجميد القتال بحجة المساعدات الإنسانية.

والأمر بنجاح هذه المبادرة يحتاج إلى موافقة الحكومة التركية عليها، أو السكوت عنها وعدم عرقلتها على الأقل، فالحكومة التركية منعت توريط الأكراد أكثر في الحرب الطاحنة ضد “داعش” لأن هناك بدائل أقل خسارة ترفضها أمريكا، ولذلك تعتبر الحكومة التركية كل الأحزاب التي تدعو إلى التورط في الحرب ضد “داعش” لمجرد القتال دون التفكير بتحقيق المصالح الكردية هي أحزاب أو قيادات خائنة ومخادعة لشعبها، وكذلك سوف تفعل ضد الكتائب العربية السنية أو الشيعية التي تقاتل لمجرد القتال والموت دون تحقيق مصالح شعوبها وشعوب هذه المنطقة، فإذا رفضت تركيا إدخال جيشها في حروب مجهولة المصير، فإنها لن توافق أن تنخرط جيوش أو قوات من أهل المنطقة في حروب خاسرة أيضاً.

 

 

آفاق مبادرة دي ميستورا بخصوص حلب الواقعة بين فكي كماشة النظام و«داعش/ محمد اقبال بلو

انطاكيا – «القدس العربي»: أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بعد التشاور مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تعيين ستيفان دي ميستورا، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا كانت أولى مهامه وأهمها متابعة الجهود السياسية لتنفيذ مشروع النقاط الست والانتقال إلى عملية سياسية لنقل السلطة في سوريا بينما رأى كثيرون أن مهمة دي ميستورا هي إدارة الأزمة وليس حلها إلى أن تتبلور الأمور على الأرض وتحسم في اتجاه ما أو أن يحسم الانقسام في مجلس الأمن ويتوصل إلى حل توافقي جديد يكلف دي ميستورا بتنفيذه.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال مؤتمر صحافي قام خلاله بتكليف ستيفان دي ميستورا بمهمة المبعوث الدولي إلى سوريا إن «المبعوث الخاص سيستخدم القوة الناعمة للتوصل إلى نهاية للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والدفع باتجاه إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا».

لكن دي ميستورا أصر على متابعة رحلته في طريق إيقاف مأساة السوريين وطرح مبادرته الجريئة بتجميد القتال في بعض المناطق السورية وقد قدم دي ميستورا مبادرته إلى مجلس الأمن في 31 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وتقوم على فكرة إنشاء «منطقة خالية من الصراع» أو ما عرف لاحقاً بتجميد القتال. وقال إنه يمكن أن يبدأ تطبيق مبادرته من خلال تجميد القتال في مدينة حلب، وبقاء كل طرف في موقعه الحالي بهدف إيجاد شكل من أشكال الاستقرار في المدينة المنكوبة.

ويرى محللون أنه في حال نجاح عملية التجميد فإنها ستشكل حجر الأساس للمزيد من العمليات والخطط المماثلة، على أن يتم خلال فترة التجميد السماح بنقل مساعدات إنسانية وغذائية للمناطق المحاصرة والتمهيد لمفاوضات بين نظام الأسد والمعارضة.

وفي الجانب الآخر يطرح كل من كتائب الثوار وقوى المعارضة والثورة مخاوفهم حول المبادرة التي رأى بعضهم أنها قد تكون بداية لإعادة تأهيل الأسد من خلال إعادة الاعتراف به كنظام شرعي حاكم في سوريا رغم كل التطمينات التي طرحتها الولايات المتحدة بعدم وجود أي نية لإعادة الثقة للأسد أو التنسيق معه للقضاء على تنظيم «داعش».

ورفضت بعض الفصائل العسكرية لكتائب الثوار مبادرة دي ميستورا جملةً وتفصيلاً بينما طرح المجلس العسكري في حلب بعض الشروط للموافقة على المبادرة. من جانبه أعتبر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هادي البحرة أن المبادرة «غير واضحة»، وأن «الحل لا بد أن يكون شاملاً» وشكك في مصداقية المبادرة قائلاً إنها لن تفيد سوى نظام الأسد إلا إذا ترافقت مع حل سياسي شامل.

وقال العميد زاهر الساكت رئيس المجلس العسكري في حلب أن هناك أربعة شروط للموافقة على مبادرة المبعوث الدولي إلى سوريا وهي «خروج الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام، ووقف القصف الجوي وإلقاء البراميل على أحياء حلب، وإطلاق سراح المعتقلين، ومحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي ضد السكان المدنيين في غوطة دمشق وغيرها».

ناشطو وإعلاميو الثورة السورية عبروا عن سخطهم من هذه المبادرة التي وجدوا فيها استمراراً وقوة لنظام بشار الأسد، وقال الإعلامي عمار أبو شاهين مدير تحرير صحيفة «حماة» الإخبارية: «إن ما طرحه دي ميستورا لا يتعدى كونه فرصة جديدة لبشار الأسد الذي أنهك قواته في الجنوب ثوار درعا وكادوا يكسرون حصار الغوطة، كما سيطروا على مساحات واسعة من المحافظة الجنوبية التي انطلقت منها شعلة الثورة، حيث أن إيقاف القتال في حلب سيسمح للنظام بتجميع قواته والتوجه نحو درعا ليستعيد ما فقده خلال الأسابيع الماضية».

وأضاف: «إن هذه طريقة واضحة بالانفراد بكل محافظة على حدة، والقيام بتحييدها عن القتال بحيث تسهل السيطرة والضغط في مكان آخر مشتعل لإجباره على إيقاف القتال، وفي هذه الحالة فإن ما يقوم به النظام من مصالحات أفضل من تجميد القتال هذا، لأن النظام سينقض في الوقت الذي يراه مناسباً ويحتج بأي طريقة ويقول ان الثوار أطلقوا ولو رصاصة على قواته ما استدعاه إلى إلغاء وقف إطلاق النار».

وحول حلب بالتحديد والتي يرى المبعوث الدولي أن بدء تنفيذ وقف إطلاق النار سيكون منها، أكد ناشطون أن معظم جبهات حلب تعتبر في حالة خمول حالياً منذ أكثر من شهر ونصف، فلماذا لم يوقف النظام قصفه وبراميله التي يلقيها على المدنيين؟ وقالوا ان المعارك التي تحدث ليست سوى مناوشات بسيطة تبدأ وتنتهي خلال ساعات، واعتبر اتحاد ثوار حلب أن ما طرحه دي ميستورا مرفوض رفضاً قاطعاً من قبلهم ومن قبل الأهالي، وقالوا إنهم مستمرون في معاركهم ضد النظام الذي لم يعد يؤمن جانبه، بعد أن نقض العديد من الاتفاقات وخرق الكثير من القوانين الدولية والنقاط والخطوط الحمراء التي حذرته منها الإدارة الأمريكية.

ونقلت وسائل إعلام مقربة من رئيس النظام السوري بشار الأسد قوله إن اقتراح وسيط السلام الدولي ستيفان دي ميستورا لتنفيذ اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار تبدأ من مدينة حلب شمال البلاد يستحق الدراسة في إشارة إلى موافقة مبدئية على المبادرة، ما زاد من موقف الثوار صلابة واعتبروا أن النظام لم يكن ليوافق على هذه المبادرة لو لم تصب في مصلحته تماماً وبشكل كامل.

ويرى مراقبون أن للنظام مصلحة في هكذا اتفاق يؤدي لتخلصه من أزمة حقيقية يعاني منها ويدل عليها طلبه لعدد كبير من قوات الاحتياط ومحاولة تجنيده لأكبر عدد ممكن من الشباب السوري، وعلى الرغم من ذلك فإنها ضرورية بالنسبة لقوات المعارضة التي أصبحت في موقف ضعيف بعد تمدد «داعش» وسيطرته على مساحات واسعة من البلاد، وخاصة مناطق ريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي حيث يتمادى في قمعه للأهالي ويحاول التقدم لإستعادة ما فقده في الشمال.

ويقع ثوار حلب بين فكي كماشة في الوقت الراهن، إذ أن تقدم قوات النظام باتجاه بلدات حندرات وسيفات والسيطرة على مواقع متعددة هناك بات تهديداً كبيراً لباقي بلدات ريف حلب الشمالي القريبة من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين وهنا مربط الفرس، حيث يسعى النظام للتقدم نحو البلدتين وفك الحصار الذي تفرضه فصائل الحر عليهما منذ شهور طويلة.

بينما يتقدم تنظيم «داعش» من الجهة المقابلة في أرياف مدينة اعزاز القريبة من معبر باب السلامة ليقع الثوار بين قوتين تتقدمان ببطء أحياناً إلا أنهما تصران على التقدم في ظل انعدام الدعم العسكري لفصائل الحر، ما يجعل تجميد القتال مع النظام فرصة لثوار الشمال بالتوجه نحو جبهاتهم مع «داعش» وهذا ما سيخدم من جهة أخرى النظام والقوات الدولية التي خططت منذ بداية ضربات التحالف أن تكون القوة الضاربة على الأرض مكونة من فصائل الحر التي سمتها بالمعتدلة.

 

 

 

 

معارضة الداخل تتغزّل بخطة دي ميستورا والحكومة ليست مستعجلة/ كامل صقر

دمشق – «القدس العربي»: كما تشتبك وتتلبد الأجواء الميدانية في الجغرافيا السورية، تشتبك وتختلط الأوراق السياسية المتصلة بالملف السوري ولا تبدو واضحة بأي شكل من الأشكال. خطة دي ميستورا أو مبادرته أرّقت المتابعين ودفعت الكثيرين منهم للاجتهاد في تفسيرها وتلمّس بنودها وأهدافها. يصفها البعض بالسوريالية فيما يراها آخرون واقعية ولا يصلح سواها لوقف نزيف الدم السوري.

مقولة الشاعر المتنبي «حلب قصدنا وأنت السبيل» تسيطر على العقل السياسي الإقليمي والدولي المتعامل والمرتبط مع المشهد السوري، وهي عبارة تشكل أيضاً لسان حال السلطة والمعارضة السوريتين بعد مبادرة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا التي تقوم على خطة تجميد النزاع في المناطق السورية وتنطلق من محافظة حلب.

عندما يسأل المرء عن مصير مدينة حلب خلال الأسابيع القليلة المقبلة قد يجد تفاؤلاً مشتركاً لدى طرفي الصراع في سوريا، السلطة والمعارضة، كلاهما تشير أوساطهما إلى إمكانية تحقيق أمرٍ ما «يجمّد النزاع المسلح» فيها. لكن على الأرض، لا شيء حتى الآن يدعم هذا التفاؤل بشكل واقعي. بل على العكس تبدو وتيرة الاشتباكات المسلحة وكأنها أخذت جرعة إضافية في الاشتعال لتتوسع رقعتها. معلومات «القدس العربي» تؤكد أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي تحارب الجيش السوري في أطراف حلب وعلى تخوم مدينتها تسعى لكسر التفوق الميداني الذي حققه الجيش السوري خلال الأسابيع الأخيرة الماضية.

 

خطة دي ميستورا الحلبية.. لماذا الآن؟

 

لا تبدو الأوساط العسكرية السورية لاسيما في جبهة محافظة حلب متحمسة لمبادرة دي ميستورا بخصوص تجميد النزاع في المدينة. فوحدات النظامي هناك تنظر إلى تلك المبادرة على أنها قد تنسف مكاسب ميدانية كبيرة تحققت لصالح القوات الحكومية خلال الشهرين الماضيين وهما إطباق حصار عسكري كامل على الميليشيات المسلحة في مدينة حلب وقطع كل خطوط الإمداد والدعم عنها من جهة أخرى. وكذلك انطلاق القوات الحكومية ميدانياً نحو ريف حلب الشمالي من جهة أخرى. قوات الجيش السوري وصلت مؤخراً إلى أطراف بلدتي عندان وحريتان ودخولهما عسكرياً سيعني أن طريق الجيش السوري سالك نحو بلدات تل رفعت ومارع وعزاز مروراً بقك الحصار الذي تفرضه الجبهة الإسلامية على بلدتي نبل والزهراء. إذن لماذا جاء دي ميستورا في هذا الموقف والظرف الميداني بالذات ليُلقي بخطته لتجميد النزاع في مدينة حلب؟ تجميد النزاع قد يسمح للميليشيات المسلحة المتشددة منها وغير المتشددة بإعادة تجميع قواتها وقد يُعطيها فرصاً لوجستية للحصول على الإمداد والدعم، وبالتالي يعود الجيش السوري إلى المربع والوضع الميداني الذي كان فيه قبل أكثر من شهرين، هكذا يفكر بعض العسكريين في الجيش السوري.

 

وثيقة مسربة.. خطة أوسع

 

في هذه الأجواء المختلطة غير الواضحة سياسياً وميدانياً جرى تسريب وثيقة سرية أنجزتها منظمة «مركز الحوار الإنساني» التي تتخذ من مدينة جنيف مقراً لها تتضمن مقترحا أو خطة استراتيجية لإيقاف إطلاق النار على كامل الأرض السورية ما بين الجيش السوري والمسلحين غير الجهاديين، كبداية لإطلاق عمليتي إعادة الإعمار والإصلاح السياسي في سوريا. تقضي الخطة بوقف إطلاق النار والتخفيف التدريجي للمعارك للوصول إلى الدولة اللامركزية المنشودة في سوريا. وترى هذه الخطة أنّ الحل على المدى القصير ليس بإنشاء حكومة انتقالية ولا إقامة قوات مشتركة من النظام ومعارضيه، بل بتجميد الحرب على أن يتبع وقف إطلاق النار عقد انتخابات محلية تليها انتخابات وطنية نهائية. وتقول الخطة إن وقف إطلاق النار سيُتيح السير قدماً نحو حل سياسي وانتقال سياسي تفاوضي وكذلك تقوية المعارضة المعتدلة المأزومة، ولا بد أن يوافق النظام السوري على المقترحات لاسيما أنّه من غير الممكن- وفقاً للوضع الحالي- استعادة كامل الأراضي السورية أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. تسريب تلك الوثيقة السرية جاء متزامناً مع إطلاق ستيفان دي ميستورا لخطته بخصوص تجميد النزاع في مناطق سورية وعرضها على الأسد خلال زيارته لدمشق مؤخراً والتي حظيت بردّ إيجابي من الأسد الذي أكد أهميتها وأنها جديرة بالدراسة.

تقول مصادر سياسية سورية أنه ربما يكون ثمة رابط بين تسريب تلك الوثيقة وبين خطة دي ميستورا، لا سيما أن هناك قاسما مشتركا رئيسيا بين الخطتين وهو مسألة تجميد النزاع ووقف تدريجي لإطلاق النار. لكن هذه المصادر تكشف أن دمشق تتعامل فقط مع خطة دي ميستورا الذي لم يطرح سوى خطة لتجميد النزاع في حلب كنموذج قد ينتقل لمناطق أخرى من الجغرافيا السورية التي تشهد نزاعاً مسلحاً، وأن دي ميستورا لم يطرح خطة سياسية للتحول المقبل في سوريا ولم يطرح أفكاراً من قبيل الدولة اللامـــــركزية وأن القيادة السورية لم تناقش معه هكذا موضوعات سياسية.

 

معارضة الداخل متفائلة جداً

 

المعارض السوري حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية المعارضة يعتقد أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية مواتية لتطبيق خطة دي ميستورا، وأن جميع السوريين باتوا الآن ينشدون الحل السياسي. ويرى أيضاً أن خطة دي ميستورا واضحة في ملامحها وواقعية وعملية وتحظى بدعم عربي وإقليمي ودولي. يبدو حسن عبدالعظيم متحمسا جداً لتلك الخطة ويظن أنها قاب قوسين أو أدنى من البدء بتنفيذها لدرجة أن الرجل يُشير إلى أن دي ميستورا بدأ ببلورة آليات لمراقبة وقف وتجميد إطلاق النار. ويقول عبدالعظيم لـ «القدس العربي»: «إذا جرى تجميد إطلاق النار في مدينة حلب فإن ذلك سيتحول إلى حالة سلم دائمة وسيتبعه إطلاق سراح المعتقلين لدى الحكومة السورية والإفراج عن مخطوفين وأسرى لدى المعارضة المسلحة».

يُظهِّرعبدالعظيم مزيداً من تفاؤله عندما يقول إن «المشجع في المسألة توفر الاقتناع بخطة دي ميستورا سواء من قبل السلطات السورية ومن قبل المعارضة المسلحة التي باتت مستعدة للحل السياسي ووقف إطلاق النار»، مبيناً أن تنظيم «داعش» وجبهة النصرة والجماعات الجهادية هي خارج هذه الخطة وأن الخطة موجهة للحكومة وللمسلحين السوريين المندرجين تحت مصطلح المعارضة المسلحة.

يشير عبدالعظيم إلى أن خطة دي ميستورا لتجميد إطلاق النار في حلب ستقطع الطريق على تركيا التي تسعى نحو فرض منطقة عازلة شمالي حلب، وأن تجميد النزاع بين الحكومة والمعارضة المسلحة في حلب وانتقال هذا التجميد لمدن ومحافظات سورية أخرى، سيقطع الطريق على كل الجماعات المتشددة والمتطرفة كـ «داعش» والنصرة وغيرها الساعية لتحقيق دولة الخلافة أو إنشاء الإمارة الإسلامية.

 

 

 

 

من «جنيف2» إلى «حلب أولا» عبثية الحل في سوريا/ إبراهيم درويش

بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الانتفاضة السورية والتي خلفت وراءها أكثر من 200.000 قتيل سوري وأكثر من 10 ملايين لاجئ وجرت إليها الولايات المتحدة وروسيا وعددا من دول المنطقة، وبعد فشل كل المبادرات السياسية لجمع أطراف الأزمة والتوافق على حل سياسي، استقال خلالها مبعوثان دوليان لتحول المهمة الخاصة التي أوكلت لهما للمهمة المستحيلة، تخرج علينا الأمم المتحدة أخيرا بخطة عمل وليس مشروع حل. ونعني بها مبادرة «حلب أولا» التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا دي ميستورا في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وتقوم خطة العمل على فكرة التوصل لاتفاقيات وقف إطلاق النار، محلية الطابع تهدف أولا لتحسين الأوضاع الإنسانية في المناطق المحاصرة و«تجميد» الحرب بشكل تدريجي في أماكن أخرى. وفي شكلها المتواضع تؤكد خطة دي ميستورا استعصاء الحرب الأهلية السورية التي تعتبر من أكثر النزاعات دموية يشهدها القرن الحالي على الحل.

وسيجد من تبقى من سكان مدينة حلب التي كانت جوهرة البلاد وعاصمتها التجارية ويعيش فيها 3 ملايين نسمة، في الخطة مساحة للتنفس بعد سنوات من الحرب التي لم يعد يهمهم من سيكون المنتصر فيها.

وبالتأكيد ففي الحرب الحالية تبدو الأطراف كلها خاسرة وعاجزة عن تحقيق ما تريد. ورغم طابع الخطة الإنساني ورؤيتها المتدرجة للحل في سوريا إلا أن هناك العديد من العوامل تقف أمام تنفيذ خطة دي ميستورا.

فحكومة بشار الأسد وإن رحبت بالخطة وستقوم بدراستها لكن مجرد طرح الخطة وعودة المبعوث الدولي إلى دمشق وعرضه الخطة فإنه يعطي النظام أهمية. وبحسب إميل هوكاييم، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الدولية «طبعا لن يقولوا لا»، فـ «الأسد يحب كل شيء يعزز من شرعيته» كما نقلت عنه مجلة «إيكونوميست».

وترى المعارضة السورية في خطة دي ميستورا تطويرا لما تقول عنها الحكومة السورية «المصالحة الوطنية»، والتي ترى فيها استسلاما. فاتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية حدثت ضمن سياقين: الأول حصار القوات الحكومية لمناطق المعارضة ولم يعد أمامها سوى واحد من خيارين الجوع أو الإستسلام. أما السياق الثاني الذي تحدث فيه اتفاقيات الهدنة فعندما تعتقد الحكومة أن هناك مصلحة يمكن تحقيقها لشراء الوقت مثلا، أي إعادة نشر قواتها في مكان آخر. ويمكن النظر إلى سلسلة من «المصالحات» التي حققتها الحكومة في المناطق المحيطة في دمشق، المعضمية وحمص حيث اضطر المقاتلون للمصالحة حماية لأرواح المواطنين ولإنهاء حالة الحصار والتجويع. واستخدمها النظام للتوسع أو الحفاظ على الوضع القائم. ومشكلة وقف إطلاق النار المحلي أنه ليس حلا دائما ويعتمد على نوايا كل طرف ومن السهل خرقه.

وما يدعو نظام الأسد لتقبل إن لم يكن الحماس لخطة دي ميستورا، هي الحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» حيث حررت النظام من الضغوط التي كان يتعرض لها، وسمحت له بتكثيف عملياته ضد المعارضة، وحقق بعض التقدم في مناطق حول مدينة حلب بعد عام أو أكثر من حالة الجمود التي اعترت الجبهة.

وهنا نشير للرؤية التي دفعت دي ميستورا ليطرح «خطة العمل» ويحاول تسويقها أولا في دمشق ومن ثم في القاهرة والدوحة واسطنبول، وهي افتراض عدو مشترك للنظام والمعارضة أي تنظيم الدولة الإسلامية. وقال دي ميستورا في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن «داعش» «يهدد استقرار الجميع». وقال إن «هناك عاملا واحدا أساسيا. ما هو؟ إنه «داعش» الدولة الإسلامية في العراق والشام. الإرهاب». وأضاف دي ميستورا: «ثانيا.. ما من منتصر، أتعتقدون أن طرفا قد يفوز (بهذه الحرب)؟ الحقيقة هي لا أحد، ولهذا السبب نطرح فكرة البدء بنموذج واحد أساسي على الأقل هو حلب». وحاول خفض سقف التوقعات وحذر من «الحديث بأننا نملك خطة للسلام وأنه ما هو إلا طموح ومضلل. لكن لدي ولدينا خطة للعمل. وتبدأ خطة العمل من الميدان: أوقفوا القتال وقلصوا العنف».

وذكرت بعض التعليقات في الصحف البريطانية على الخطة أن اختيار دي ميستورا لحلب نابع من قلقه من أن تلقى مصيرا مثل مصير حمص التي دمرت مدينتها القديمة، ولأن المعارضة لا تزال تحتفظ بحضور متماسك في داخلها، مع أنها الآن محاصرة وتتحدث عن «معركة المصير» لأن خسارة مواقعها في المدينة تعني نهاية لحضور المعارضة في الشمال. وتعاني المعارضة هنا من أزمة نابعة من تشرذمها بسبب الحملة الأمريكية التي استهدفت جبهة النصرة أولا قبل استهدافها «داعش» وهو ما أدى حسب تقارير لانشقاق الكثير من مقاتلي المعارضة للجماعات المتشددة بما فيها جبهة النصرة، خاصة أن الأخيرة تحظى على خلاف «داعش» باحترام بين فصائل الجيش السوري الحر.

ويسود اعتقاد واسع بين المقاتلين في الشمال أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يعمل لخدمة النظام السوري. وعزز هذا الإعتقاد الرسائل السرية التي تبادلها الرئيس الأمريكي أوباما مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران ووعد فيها بعدم استهداف النظام السوري الذي يلقى دعما قويا من طهران.

ومن هنا رفضت المعارضة السورية المقترح الذي قدمه دي ميستورا. ونقلت صحيفة « الغارديان» عن هادي البحرة، رئيس الإئتلاف الوطني السوري قوله أن الحديث عن اتفاقيات وقف النار محلية الطابع لن تفيد سوى النظام السوري إلا إذا أرفقت بحل سياسي شامل. وقال البحرة في تصريحات لصحيفة «الغارديان» إن «التحالف يقاتل ظاهر المشكلة الذي هو الدولة الإسلامية من دون التصدي لأصل المشكلة الذي هو نظام بشار الأسد». وأضاف: «التحالف يضرب أهداف الدولة الإسلامية ويغض النظر عندما يستخدم طيران الأسد البراميل المتفجرة والصواريخ ضد أهداف مدنية في حلب أو في أماكن أخرى». وتعبر تصريحات البحرة عن موقف عدد من قادة الفصائل سواء في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي الذين رفضوا خطة «تجميد» القتال.

ووضع عدد آخر من القيادات عددا من الشروط للقبول بخطة دي ميستورا. ونقلت مجلة «إيكونوميست» عن قيادي في المعارضة داخل حلب مطالبته بوقف الغارات الجوية ورمي البراميل المتفجرة، وإطلاق سراح المعتقلين الذين يقدر عددهم بحوالي 85.000 معتقل، وخروج «الميليشيات الإرهابية الإجرامية» الموالية للحكومة، (ويعني المقاتلين الذين تدعمهم إيران من العراق ولبنان ومناطق أخرى)، وتسليم المسؤولين عن جريمة استخدام السلاح الكيميائي. وهي مطالب قد تبدو مستحيلة وتبجحا لكنها لم توقف الدول الداعمة لهم في الغرب ودول الخليج من محاولة دفعهم على مواصلة حرب النظام، خاصة في الجنوب حيث حققت الجبهة الجنوبية سلسلة من التقدم ضد قوات النظام.

تقترب خطة دي ميستورا في جوهرها من المطالب التركية لإنشاء «مناطق آمنة» في شمال سوريا خالية من الغارات الجوية وتسمح بتدريب المعارضة وتحضيرها وإدارة المناطق الخاضعة لها. وهو ثمن طلبه الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، مقابل مشاركته في الحرب ضد «داعش». لكن دي ميستورا يهدف في النهاية من خيار «حلب أولا» التركيز على أولوية الحرب على الإرهاب، بدلا من «خيار الأسد أولا» الذي تطالب به المعارضة السورية.

ويقول داعمو المبادرة إن الهدنة المحلية أنقذت حياة الناس، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة عمل مدني سورية بمشاركة مع مدرسة للندن للاقتصاد ودرست 35 اتفاقا محليا بين النظام والمعارضة.

ورغم ذلك تذكر مبادرة دي ميستورا بجنيف2 وإن كانت على قاعدة مصغرة، ومتواضعة في طموحها، ونجاح فكرة التجميد رهن في النهاية بطريقة تفكير النظام الذي يسوق الفكرة باعتبارها فكرته، وهو وإن وافق عليها مبدئيا إلا أنها ستضيع في التفاصيل الذي يتقن النظام إدارتها.

 

 

 

 

مهمة دي ميستورا بين المماطلات الإيرانية والسورية والتعقيدات على الأرض/ محمد المذحجي

لندن – «القدس العربي»: في النظرة الأولى، يبدو تحالف النظام العلماني القومي العربي في سوريا مع الحكومة الدينية القومية الفارسية في إيران تحالفا غير معقول، لكن تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية بإحدى التحالفات الأكثر استقراراً في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الواضحة. وتسببت الحرب الإيرانية العراقية وأحداث لبنان وملف حزب الله بالتقارب بين إيران وسوريا بشكل كبير، وأصبحت سوريا بوابة تصدير ثورة الخميني إلى لبنان والعالم العربي كله. وكان حافظ الأسد أول رئيس عربي هنأ آية الله الخميني بانتصار ثورته واعترف رسمياً بالتغيير السياسي في إيران، وأرسل للخميني مصحفاً مرصعا بالذهب.

وفي عام 2011، وصف آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، احتجاجات الربيع العربي بـ «الصحوة الإسلامية» التي استلهمت روحها وقوتها من الثورة الإسلامية في إيران. لكن فور وصول موجة الاحتجاجات إلى سوريا، اعتبر كبار المسؤولين الإيرانيين ومنهم آية الله علي خامنئي الثورة السورية مؤامرة أمريكية – صهيونية ووصف الثوار بالإرهابيين وعملاء الاستكبار.

ودعمت إيران النظام السوري بشكل كبير من خلال إرسال آلاف المقاتلين الشيعة من إيران والعراق وأفغاستان وباكستان وقوات الحرس الثوري. وحاولت عبر الطرق الديبلوماسية أن تعرقل أي حل سياسي لصالح المعارضة السورية ونجحت في كثير من هذه المحاولات.

وفي تموز/يوليو الماضي، رحبت الجمهورية الإسلامية بتعيين ستيفان دي ميستورا لمنصب المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية، وأكدت مرضية أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن استعداد إيران للتعاون معه لنجاح مهمته في سوريا نظراً «للواقع على الأرض في سوريا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة»، وأعربت عن أملها في نجاح مهمة دي ميستورا نظراً لإنجازاته في العراق وأفغانستان وإعادة السلام والاستقرار لسوريا.

وقبل إعلان المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة بشأن الأزمة السورية بشكل رسمي عن اقتراحه الجديد حول إنشاء مناطق خالية من العنف لإرسال المساعدات الإنسانية إلى بعض المدن السورية وعلى وجه التحديد مدينة حلب، صرح أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني في شؤون الدول العربية والأفريقية، في لقائه مع دي ميستورا، أن إنشاء مناطق عازلة داخل سوريا تعتبر انتهاكاً لسيادة الحكومة السورية وستعقد الأوضاع أكثر.

هذه التصريحات لنائب وزير الخارجية الإيراني وتصريحات مشابهة أخرى، تظهر المعارضة الضمنية الإيرانية لهذا الاقتراح الجديد. ويعتقد المحللون الإيرانيون أن دي ميستورا جاء باقتراح إنشاء مناطق خالية من العنف في بعض المدن السورية، بعد الانتصارت الأخيرة لجيش النظام في أطراف مدينة حلب وتضييق الحصار عليها، وأن الحكومة التركية والدول الغربية وبعض دول الخليج العربي تقف خلف هذا الاقتراح لمنع تقدم جيش النظام في ضواحي المدينة. ويرى المحللون المقربون من الجهاز الديبلوماسي الإيراني أن الهدف الرئيسي من الاقتراح الجديد للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية، هو اعطاء الفرصة لقوات المعارضة السورية أن تستعيد مواقع استقرارها وحصولها على الدعم اللازم. ويقول هؤلاء المحللون إن جميع المعطيات تظهر ليس فقط فشل الاستراتيجية العسكرية ضد النظام السوري، بل الانتصارات الأخيرة والمقبلة للجيش في مدينة حلب ستقلب الكثير من المعادلات على الساحة السورية. ولهذا السبب يعتقد الإيرانيون أن طرح فكرة «الحل السياسي تبدأ من حلب» من قبل أعداء النظام السوري هي مجرد خطوة مؤقتة لتفادي تقدم قوات الجيش في هذه المدينة.

وفي السياق نفسه، صرح علي حيدر، وزير المصالحة الوطنية في النظام السوري، أنه يوجد فرق بين مقترح دي ميستورا ومشروع تركيا وفرنسا لإنشاء مناطق آمنة وعازلة، وأن خطة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية غير واضحة، بسبب عدم تبين التفاصيل. وأشار علي حيدر إلى لقاءات دي ميستورا مع مسؤولي النظام وأكد أن هناك فرقا كبيرا بين «مناطق خالية من العنف» و»المناطق التي يتم وقف إطلاق النار فيها» في اللغة الديبلوماسية والسياسية، وأن التفاصيل تحتاج لدراسة دقيقة، وقال «إذا يكون هذا المقترح الجديد خطوة أولى للمصالحة الوطنية، يمكن أن يتطابق مع سياسات سوريا».

ونظراً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين والسوريين، يبدو أن إيران وسوريا تحاولان عبر التركيز على تفاصيل كيفية تطبيق المقترح الجديد، اخراج مشروع تركيا وفرنسا لإنشاء مناطق عازلة من مجموعة الحلول المطروحة على الساحة، وتحويل مقترح دي ميستورا إلى «خطوة أولى لتطبيق سياسات النظام في حلب».

 

 

 

مسارات الأزمة السورية في الأمم المتحدة… دي ميستورا إدارة الأزمة أم حلها؟/ عبد الحميد صيام

نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: يتفق الجميع على أن الأزمة السورية بدأت بتاريخ 15 آذار/مارس 2011 في مدينة درعا على إثر قيام مجموعة أطفال بالخربشة على الجدران بشعارات تدعو لإسقاط النظام حيث تم إعتقالهم وتعذيبهم وقتل بعضهم، فقام الأهالي بأول مظاهرة إحتجاجا على ما جرى لأبنائهم فتطورت المظاهرات وانتقلت من مدينة لأخرى محافظة في البداية على سلميتها. وكان أول تدخل لمجلس الأمن في الأزمة السورية بتاريخ 3 آب/أغسطس 2011 حيث أصدر أول بيان رئاسي حول إقتحام مدينة حماة أدان فيه العنف المفرط واستهداف المدنيين وطالب بوقف العنف والقتل فورا. بعد ذلك غرقت الأمم المتحدة في وحل الأزمة السورية لأذنيها وتعاملت مع أربعة مسارات أساسية في الأزمة وبطرق مختلفة تدل على إزدواجية المعايير أحيانا وعلى الفشل أو التهرب من المسؤولية أو صعوبة التنفيذ أحيانا أخرى. والمسارات الأربعة التي ولجتها الأمم المتحدة هي:

– المسار السياسي – تعثرت فيه الأمم المتحدة كثيرا وسقطت أكثر من مرة بسبب الخلاف داخل مجلس الأمن أساسا وعوامل إقليمية أخرى. حاولت النهوض أكثر من مرة لكنها ما زالت عاجزة. إستخدم الفيتو الروسي- الصيني المزدوج أربع مرات وحاولت الجمعية العامة أن تلتقط بعض الأوراق بتعيين مندوب مشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة إلا أن الأزمة تفاقمت أكثر وانقسم مجلس الأمن وما زال حول سبل التعاطي مع الأزمة لحلها سياسيا بطريقة تحظى بإجماع الأعضاء.

– المسار الإنساني- كان هناك توافق في الآراء داخل مجلس الأمن حول ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للمهجرين والمحاصرين والمجوعين داخل سوريا – إعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرارين 2139 (شباط/فبراير 2014) و2165 (14 تموز/يوليو 2014) لإدخال المساعدات الإنسانية للداخل السوري حتى لو لم يوافق النظام. نجحت تلك الجهود أحيانا وفشلت في كثير من الحالات بسبب الواقع على الأرض وأحزمة القوى والميليشيات المختلفة.

– مسار تدمير الأسلحة الكيميائية – أقر مجلس الأمن بالإجماع 2118 بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر2013 الخاص بنزع الأسلحة الكيميائية ومعدات إنتاجها. وكان تأييد روسيا والصين لهذا القرار من أجل تجنب العمل العسكري ضد سوريا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وكان من أنجح وأسرع المسارات: كان هناك توافق دولي وانصياع سوري وإنجاز شامل في الموعد المحدد. وأعلنت سيغرد كاخ، المبعوثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن مهمتها أنجزت بحلول 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.

– مسار توثيق انتهاكات حقوق الإنسان – ما فتئت اللجنة المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية برئاسة البرازيلي باولو بنيرو وعضوية كارن أبو زيد وكارلا ديل بونتي توثق كل ما يتعلق بالحرب الداخلية في سوريا سواء إرتكبها النظام أو الجبهات الإرهابية مثل «داعش» والنصرة وفصائل المعارضة الأخرى. تجري اللجنة المقابلات مع الفارين والجرحى والسجناء المحررين وتجمع الأدلة وتنزل الفيديوهات والبيانات الشبكية وتجري المقابلات عن طريق سكايب أو الراديو أو الهاتف المحمول وتضع هذه الوثائق التي تضم كبار أسماء المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مغلفات مغلقة إلى أن يأتي يوم تتناول فيه المحكمة الجنائية الدولية الملف السوري.

 

المسار السياسي للأزمة السورية وحظوظ دي ميستورا في النجاح

 

كلف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ستيفان دي ميستورا بداية من أيلول/سبتمبر 2014 بعد استقالة المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي في 31 أيار/مايو الماضي، والذي كان قد عين في أيلول/سبتمبر 2012 ليخلف المبعوث الأسبق كوفي عنان الذي أستقال في 31 آب/ أغسطس 2012.

قام دي ميستورا منذ تعيينه بجولتين إستكشافيتن في سوريا ودول المنطقة وقدم تقريره الأولي لمجلس الأمن والجمعية العامة في دورتها التاسعة والستين.

ودي ميستورا سويدي /إيطالي يعمل مع الأمم المتحدة منذ أكثر من عشرين سنة. وكان قد شغل مناصب عديدة كمبعوث خاص للأمين العام شملت لبنان والعراق وأفغانستان. كما عمل في برنامج الغذاء العالمي ومديرا لمكتب إعلام الأمم المتحدة في روما. ويتقن دي ميستورا اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والسويدية بالإضافة إلى إلمام باللغة العربية.

وقد حدد الأمين العام إطار ولاية دي ميستورا في البحث عن حل سياسي للأزمة السورية على ضوء تجارب المبعوثين السابقين عنان والإبراهيمي وبيان جنيف في 30 حزيران/يونيو 2012 وجولتي التفاوض اللتين عقدتا في جنيف في كانون الثاني/يناير وشباط/ فبراير من العام الحالي والنتائج المتواضعة التي تحققت قي الجولتين وأدت إلى إستقالة الإبراهيمي. لكننا نعتقد أن الأمين العام قد هبط بمستوى التمثيل من أمين عام سابق كان رئيسا للمبعوثين اللاحقين، إلى ديبلوماسي عربي مخضرم يعرف المنطقة جيدا وثقافتها ولغتها وأحزابها وتراثها ونزاعاتها وتعقيداتها ليصل إلى موظف مجتهد من الصعب أن يحقق ما عجز سلفاه عن تحقيقه إلا إذا تغيرت الظروف والإمكانيات ووصل الطرفان الأساسيان، إن كان هناك طرفان أصلا، إلى قناعة تؤدي بهما إلى المفاوضات وتقديم التنازلات والقبول بمبدأ المساومة وهو ما نراه صعبا في هذا المرحلة.

يقول الأمين العام في كتاب تكليف دي ميستورا «المبعوث الخاص سيستخدم القوة الناعمة لمكتبه للوصول إلى نهاية للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والدفع باتجاه حل سياسي للصراع في سوريا». إننا نعتقد أن حل الأزمة السورية لم يعد متوقفا على مهارات المبعوث الخاص أو على جهود الأمم المتحدة لأسباب عديدة سنتحدث عن بعضها.

 

مبادرة دي ميستورا المتواضعة

 

قدم ستيفان دي ميستورا أثناء زيارته الأخيرة لسوريا إقتراحا لجميع الأطراف بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد. تقوم الخطة، والتي عرض فكرتها أولا على أعضاء مجلس الأمن يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر، على تجميد القتال في مناطق صغيرة ثم يتم نقل تجميد القتال إلى منطقة محاذية ثم تستمر عمليات التجميد إلى أن تكون هناك منطقة خالية من أي عمليات قتالية ولتكن أولا منطقة حلب مع الاتفاق مع كافة الأطراف أن يبقى كل في مكانه كي يشعر المواطنون بشيء من الاستقرار ويتم تأمين المساعدات الإنسانية لهم بغض النظر عن الفئة المهيمنة في تلك المنطقة. عندما يتم إيجاد هذه البيئة الإيجابية والمستقرة يتم الانتقال إلى الجزء الثاني وهو المفاوضات بين النظام والمعارضة. ويعتقد دي ميستورا أن وجود عدو مشترك للنظام والمعارضة وهو «داعش» قد يساهم في خلق الظروف المواتية لنجاح المفاوضات.

واضح أن دي ميستورا حذر جدا في مبادرته بحيث أبقى السقف منخفضا كي لا يلحق به من الإحباط الذي أصاب سلفيه وأدا بهما إلى الاستقالة. إن اختياره لمدينة حلب لا بد إلا أن يكون مقصودا، فلا أحد يسيطر عليها تماما كما أن أعداد المدنيين المحاصرين فيها كبيرة. ثم إن هناك تخوفات حقيقية من قيام «داعش» بالاندفاع الخاطف نحو حلب وخاصة إذا ما خسر مواقعه في عين العرب. وهذا التخوف قد يكون الجسر الذي يعبر من طرفيه كل من النظام والمعارضة للالتقاء في التصدي لـ»داعش».

إن فرص نجاح المبادرة ضئيلة جدا إذا إعتبرت أصلا بأنها مبادرة. فجوهر خطة دي ميستورا «وقف الاقتتال أولا وبعد ذلك نتحدث عن المبادرات السياسية».   لقد فهمت أطراف المعارضة أنها تتضمن إعادة تأهيل النظام ليصبح شريكا دوليا في محاربة «داعش». وهو ما قد يلتقي مع الرؤية الروسية التي تنتقد دول التحالف بسبب عدم تنسيق الجهود مع الدولة السورية حيث تصر روسيا أن لا هزيمة لـ»داعش» دون تنسيق مع سوريا مماثل للتنسيق مع العراق الجاري الآن. فلا يجوز محاربة الإرهاب في منطقة والسماح له بالانزلاق إلى المناطق المجاورة. ويرى الروس أن دول التحالف منافقة فقد رأت «داعش» تقوى وتتمدد وتتسع في سوريا في السنتين الأخيرتين دون أن تحرك ساكنا ولكنها سارعت للتدخل عندما تعلق الأمر بالعراق والمناطق الغنية بالنفط.

 

شروط حل الأزمة السورية

 

في بداية الأزمة السورية قلت، على قناة «الجزيرة» ردا على سؤال حول إمكانية إسقاط النظام السوري ، «إن بقاء النظام السوري مرهون بشروط ثلاثة: تماسك الاقتصاد وتماسك الجيش وتماسك الموقف الروسي». وما كان صحيحا آنذاك ما زال صحيحا الآن.   لقد تصلب موقف النظام السوري أكثر من ذي قبل بعد دخول حزب الله المعركة إلى جانب النظام ليسد ثغرات كبيرة لم يستطع الجيش السوري سدها وخاصة ما يتعلق بحرب المدن والشوارع.

كما أن الدعم اللامحدود للنظام الإيراني، وإلى حد أقل نظام المالكي في العراق، سياسيا وعسكريا واقتصاديا أبقى على الاقتصاد السوري متماسكا. وأما الموقف الروسي المدعوم من الخلف بموقف صيني ظل متماسكا يمنع أي محاولة للمساس بإسقاط النظام من الخارج إلا إذا كان بالتراضي بين الأطراف السورية أنفسهم. الشيء الرابع الذي عمل لصالح النظام هو تفكك المعارضة وضعفها واختلاف آرائها وارتهان بعضها لمواقف دول في المنطقة أو الخارج لا تمثل النموذج الأفضل للديمـــقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان مما أفقدها كثيرا من مصداقيتها وفسح المجال لتنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم :»داعش».

وقد خدم توسع هذه التنظيمات الإسلامية المتطرفة النظام حيث عاد الكثيرون من منتصف الدرب وسألوا السؤال الصعب: «إذا كان هؤلاء هم البديل لنظام الأسد فلا كانوا ولا كان البديل».

وبانتظار موقف دولي يحظى بالإجماع لدعم مبادرة دي ميستورا يبقى أكثر من 10.8 مليون سوري الذين تقطعت بهم السبل بين مشرد ولاجئ ومحاصر بانتظار قليل من الغذاء والدواء والماء والكساء لعل برد الشتاء الواقف على الأبواب لا يأتي على من كانوا محظوظين ممن لم تتصيدهم السيارات المفخخة أو البراميل المتفجرة أو القناصة أو الطائرات العمودية.

 

 

خطة «دي ميستورا» طوق نجاة للنظام وحصار حلب هدف الأسد لتحقيق مكاسب سياسية/إسماعيل جمال

إسطنبول – «القدس العربي»: أجمعت قيادات سياسية وعسكرية من المعارضة والائتلاف السوري في مقابلات خاصة مع «القدس العربي» على أن خطة المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال تخدم النظام السوري وتعتبر بمثالبة «طوق النجاة» له، محذرين من أن الأسد يهدف إلى حصار مدينة حلب من أجل تحقيق مكاسب سياسية في أي مساع دبلوماسية مقبلة.

أحمد كامل عضو المكتب الإعلامي للمجلس الوطني السوري‎ اعتبر أن خطة «دي ميستورا» تقدم خدمة مباشرة للنظام السوري وتعتبر «تراجعا عن الحد الأدنى الذي من الممكن أن تقبل به المعارضة السورية والشعب السوري» معتبراً أنها تقدم عرضاً أدنى بكثير مما عرض في مؤتمر جنيف.

وقال كامل: «الخطة تقوم على تجميد القتال وتحييد كل شيء وخاصة تجميد عمليات مقاومة النظام من أجل التفرغ لمحاربة «داعش» من قبل النظام والمعارضة في آن واحد» معتبراً أن هذا الطرح «مرفوض تماماً من قبل الشعب السوري الذي يعتبر أن مقاتلة النظام هي الأولوية الأولى له».

وأضاف: «لن نتفرغ لمقاتلة «داعش» ونترك النظام، فالجيش الحر يخوض منذ أشهر طويلة معارك على جبهتي النظام و»داعش» في الوقت نفسه»، شارحا أن محاربة الإرهاب عملية طويلة ومعقدة وتحتاج إلى سنوات طويلة «والشعب السوري لن يصبر كل هذه المدة على نظام الأسد».

وشدد كامل على أن ضربات التحالف الدولي سمحت للنظام السوري بـ»التقاط أنفاسه» وساعدته بشكل كبير جداً وهي بذلك تعتبر (ضربات التحالف) أكبر حماقة ارتكبت في حق الشعب السوري من قبل المجتمع الدولي، فاعتبار أن «داعش» الخطر الأساسي وترك النظام هو تصرف أحمق».

وقال: «النظام السوري قبل بالخطة فوراً كونها تحقق كل ما يتمناه، والشعب السوري أخذ موقفاً من دي ميستورا الذي بكى على كوباني وطالب بالتدخل الأجنبي فيها وسمح بإدخال منظمات إرهابية إليها وكأنها عاصمة العالم وصمت عن جرائم بشار الأسد».

من جهته، أعتبر نصر الحريري الأمين العام للائتلاف السوري المعارض، أن خطة «دي ميستورا» لم تتضح تفاصيلها بعد، وهي مجرد إعلام لفكرة وخطوط عريضة تحتاج إلى توضيح، متوقعاً أن يقدم المبعوث الأممي تفاصيل أكبر حول الخطة بعد اجتماع أصدقاء سوريا المقرر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

وقال الحريري: «نحن كممثلين للشعب السوري مع أي مبادرة تؤدي لإنهاء المأساة التي يتعرض لها الشعب ولكن ليس على حساب المطالب التي خرج وضحى من أجلها» مطالباً بخطة شاملة تحتوي على جدول زمني واضح. واعتبر الحريري أن الخطة بشكلها الحالي تظهر وكأنها «طوق نجاة» للنظام الذي «يعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية كبيرة في ظل انشغال روسيا بالأزمة الأوكرانية وطلبه قرضا بفوائد عالية تصل قيمته إلى مليار دولار من روسيا، بالإضافة إلى انشغال إيران بالأزمة العراقية والمشاكل العالمية ولا سيما انخفاض أسعار النفط، كما أن النظام يعاني من نقص في المجندين».

وأضاف الحريري: «النظام يخسر كثيراً حيث يوجد تقدم واضح للجيش الحر في درعا وكتائبه أصبحت على أبواب دمشق وتستعد للالتحام مع ثوار ريف دمشق في الجبهة الجنوبية»، وتابع: «لذلك فإن مقترح تجميد القتال فقط يخدم النظام وجيشه».

وحول مساعي النظام لإطباق الحصار على مدينة حلب، قال الحريري: «النظام يحاول استثمار أي تقدم يحرزه في مدينة حلب لدفع المعارضة للقبول بالحلول السياسية غير المقبولة والتي لا تلبي طموحات الشعب السوري، وهو يحاول من خلال ذلك الهروب من احتمال تطبيق مشروع المنطقة العازلة في المدينة الذي تطالب به المعارضة وتصر تركيا عليه».

في السياق ذاته، رفض رامي الدالاتي عضو المجلس الأعلى للجيش السوري الحر وصف طرح «دي ميستورا» بالخطة، معتبراً أن ما طرحه هو فكرة أقرب لأن تكون طرحا إنسانيا منه للطرح السياسي، مشدداً على الرفض المطلق لأي مبادرة لوقف القتال في مدينة حلب لوحدها، دون خطة سياسية شاملة، معتبراً ذلك بمثابة «طوق نجاة» وخدمة مجانية للنظام السوري.

وقال الدالاتي: «جلسنا مع دي ميستورا، وطلبنا منه تفاصيل وتوضيحا لما طرحه ولكنه رفض الدخول في التفاصيل أو أن ليست لديه تفاصيل»، مضيفاً: «لن نوافق عليها إلا ضمن مبادرة شاملة وشروط وضمانات، ورعاية واضحة من دول ذات وزن».

واعتبر الدالاتي أن النظام يحاول تحقيق مكاسب سياسية وميدانية من وراء موافقته على الخطة، قائلاً: «النظام يحاول تخفيف الضغط الذي تتعرض له قواته في العديد من المناطق، واستغلال قواته في حلب للقتال في محاور أخرى وتعزيز قواته في الجبهات التي يعاني فيها من نقص بالأفراد والسلاح».

وأضاف: «النظام يحاول فك الحصار عن مناطقه في ريف حلب وخاصة منطقة وادي الضيف الذي يعاني فيها من وضع سيىء للغاية» نافياً أن تكون قوات النظام تقترب من حصار حلب، وقال: «عسكرياً تتوسع الدائرة حول حلب ويوجد تراجع لقوات النظام في بعض المحاور، وفقد طريق الامداد من إدلب باتجاه حلب».

 

 

 

 

 

سورية وفرصة الحل السياسي/ أكرم البني

اقتراح المبعوث الدولي، دي ميستورا، إنجاز مصالحات ميدانية في سورية تبدأ بتجميد الوضع في مدينة حلب تمهيداً للتفاوض ولفك الحصار عن مناطق باتت تفتقد أبسط مقومات الحياة، والزيارة المثيرة للجدل التي قام بها الرئيس السابق لائتلاف المعارضة، معاذ الخطيب، إلى موسكو وما أسفرت عنها من ردود فعل، بعضها كان غاضباً ورافضاً، وبعضها وجد فيها بارقة أمل في طريق الخلاص، وعودة الدور الروسي إلى الواجهة وما يثار من أحاديث حول “جنيف “3 أو “موسكو 1” ثم التسريبات عن وجود مساعٍ أو مشروع مبادرة يحركها النظام المصري لاختراق الاستعصاء السوري المزمن…

كل ما سبق وقائع تشير إلى عودة الاهتمام العالمي والعربي بوضع حد للصراع الدائر في سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتثير تالياً السؤال: هل ثمة فرصة حقيقية لتقدم حل سياسي يوقف العنف المتمادي وينقذ المجتمع والدولة من براثن التفكك والضياع؟!

ثمة من يجيب بنعم، مستنداً إلى متغيرات حصلت في المشهد السوري وجعلته أكثر استعداداً للتسويات السياسية عما كان عليه عشية انعقاد مؤتمر “جنيف 2”. أول المتغيرات الدخول الصريح لتحالف عسكري، غربي وعربي، في الصراع بغرض التصدي لتمدد “دولة الخلافة الإسلامية”، الأمر الذي يفضي بالضرورة إلى دور سياسي أكثر تأثيراً لدول التحالف في تقرير المصير السوري، بما في ذلك الضغط على الأطراف المتصارعة وتطويع مواقفها.

ثاني المتغيرات تنامي الحاجة لدى حلفاء النظام لتمرير حل سياسي يخرجهم من حالة الاستنزاف المنهكة. فموسكو التي تتحمل المسؤولية الأكبر في إدارة الملف السوري، تبدو اليوم أقل قدرة على تحمل مزيد من أعباء استمرار الصراع وأكثر ميلاً لمعالجته سياسياً، خصوصاً مع انشغالها بالحدث الأوكراني وبتخفيف الأضرار الناجمة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ربطاً بخشيتها من انفلات الخيوط من أيديها بعد أن شرّع العالم حق التدخل العسكري لمواجهة “داعش” على الأرض السورية… في حين تزداد معاناة طهران الاقتصادية مع تراجع عائداتها المالية جراء الانخفاض المتواتر في أسعار النفط، ومع استنزافها المتعدد الوجوه في العراق وسورية واليمن. وقد لا يكفي لخداع أحد التقدم الميداني الذي حققه الحوثيون هناك، طالما سيرثون دولة مفككة واقتصاداً منهاراً، وما يترتب على ذلك من عبءٍ كبير ومرهق على الحليفة إيران.

ثالث المتغيرات، تزايد الضغط الإقليمي لإطفاء بؤرة التوتر السورية. فالتخوف صار على أشده مما تخلفه هذه البؤرة من استقطابات حادة واحتقانات مذهبية وطائفية، ومن أخطار اجتماعية واقتصادية على بلدان الجوار نتيجة الازدياد المتواتر لأعداد اللاجئين السوريين على أراضيها.

ورابع المتغيرات تنامي استعداد الأطراف الداخلية لقبول حل سياسي، إن لجهة شيوع رغبة عارمة لدى الناس بضرورة الخلاص أمام التدهور المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، وإن لجهة حالة التعب والإنهاك التي أصابت القوى المتصارعة ووصولها كلها إلى اقتناع بعجز أي منها عن تحقيق الحسم، وبأنها باتت، وبدرجات مختلفة، مرتهنة لإرادة داعميها وحساباتهم، وأبعد من رفض أي تسوية سياسية يقررونها.

في المقابل، ثمة من يجيبون بلا، ويعتقدون بأن ما يثار عن مبادرات سياسية ليس أكثر من ذرٍّ للرماد في العيون، مرة لأنهم لا يرون مصلحة دولية عموماً وأميركية تحديداً، في إنهاء الصراع السوري طالما يحقق لأصحاب هذه المصلحة أكبر فائدة في تاريخ مواجهة الإرهاب، وهو كشف واستجرار أهم قادته وكوادره إلى المحرقة، وطالما لا يزال صالحاً للاستثمار في استنزاف خصومهم. ولا يغير هذه الحقيقة بل يؤكدها الإصرار الأميركي على إدارة المعارك من بُعد، عبر الضربات الجوية والحرص على عدم زج قوات برية، ثم وضع زمن افتراضي شبه مفتوح يصل إلى سنوات للنيل من “دولة الخلافة الإسلامية”.

ومرة ثانية، لأنهم يعتقدون بأن المجتمع الدولي وإن كان راغباً في وضع حد لما يجري في سورية فهو غير قادر بسبب خصوصية الصراع وتشابكاته الإقليمية. فخارجياً يعترف هؤلاء بالمرونة والميل المستجدين لدى روسيا وإيران للإسراع في المعالجة السياسية، إلا أنهما لن تقبلا بتسوية لا تضمن لهما استمرار جوهر السلطة ونفوذهما المشرقي، يزيد الأمر تعقيداً زجهما الوضع السوري في لعبة المقايضة والابتزاز، بحيث يغدو واحدة من الأوراق التي يمكن أن توظفها موسكو لمقارعة الغرب وتخفيف حدة العقوبات الاقتصادية، أو تلوح بها طهران لتقوية موقعها التفاوضي حول ملفها النووي. وداخلياً يعتقد أصحاب هذا الرأي بأن السلطة ليست على استعداد لتقديم تنازلات سياسية، خصوصاً مع نجاحها في استعادة بعض مناطق ريف دمشق وحمص، وتالياً ليست في وارد التراجع عن خيار الحسم العسكري وتصعيد وتيرة العنف لسحق ما تعتبره مجموعات مسلحة متآمرة ولإعادة المجتمع إلى بيت الطاعة، في حين يصعب على المعارضة السياسية قبول أي حل أو مبادرة لا تتفق مع مطلبها في إحداث تغيير جذري… خصوصاً أنها محكومة برفض أشد يرجح أن يأتي من الجماعات العسكرية المتواجدة على الأرض، وهي الأكثر تأثيراً على مجريات الصراع.

ويبدو أن فرصة السير في طريق المعالجة السياسية للصراع السوري لم تعد مُلكاً لجهة واحدة، بل تحكمها ارتباطات ومصالح متداخلة، زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرسه من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، وقد يقود تفاقمها إلى مسار خطير يصل إلى إطاحة أبسط الحقوق الإنسانية، وتدمير مقومات الحياة المشتركة والمعايير الوطنية الجامعة.

وإذ يلف الغموض مصير السوريين على اختلاف اصطفافاتهم ومعاناتهم، يتعزز إحساسهم بالخسارة والضياع، ربما من خطورة استمرار العنف وما يخلفه من خراب ودمار وأعداد تتزايد من الضحايا والمعتقلين والمشردين، وربما من استباحة بلادهم وتحوّلها ساحة صراع على النفوذ بين الأطراف الإقليمية والعالمية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى