صفحات الثقافة

هذا الربيع… فأين الأدب؟


حسين السكاف

لم تمض شهور قليلة على اشتعال فتيل الربيع العربي، حتى أعلن «المعهد الدنماركي في دمشق» عن مسابقة للقصة القصيرة والشعر، يتنافس عليها الشباب العرب ممن هم دون سن الثلاثين. دعت اللجنة المشرفة على الجائزة، الشباب إلى الكتابة عن التحولات الهائلة التي شهدها العالم العربي منذ إحراق محمد البوعزيزي نفسه. صاحب المبادرة، مدير «المعهد الدنماركي في دمشق» أنديرس هاستروب (1976)، كلّف الروائي السوري خالد خليفة الإشراف على اختيار النصوص المشاركة في المسابقة، ليخلص صاحب «مديح الكراهية» إلى كتاب أنيق عنوانه «صفاء يوم جديد ـــ أصوات عربية شابة» (دار بير كوفود ــ 2012). يضم الكتاب 19 نصاً باللغتين العربية والدنماركية، منها عشر قصص قصيرة، وتسعة نصوص شعرية، حملت تواقيع 15 شاعراً وقاصاً ينتمون إلى ست دول عربية.

من الطبيعي أن يحتفي «المعهد الدنماركي» بالنصوص الفائزة عبر إصدارها مجموعةً في كتاب، وإعلان أسماء الفائزين خلال احتفال خاص داخل بناء المعهد كما جرت العادة، لكن، يبدو أن النصوص المشاركة التي طغت عليها سمة الدعوة إلى مواصلة الثورة والاستهجان الواضح لممارسات أجهزة الأمن السورية، قد دفعت إدارة المعهد إلى اتخاذ قرارها بنقل الاحتفال إلى كوبنهاغن. هكذا، احتضنت الاحتفال إحدى قاعات «المكتبة الملكية» هناك، بحضور أربعة من الكتاب الشباب المشاركين. قد يلتمس قارئُ نصوص العمل أنّ هناك كتّاباً مشاركين يفتقرون إلى المعرفة والخبرة الكتابية، حتى بدا أنّ بعضهم لم يمارس الكتابة قبلاً. هكذا، سنقع على مباشرة في الطرح، وتشنج في سبك النص، وحضور شخصيّ للكاتب داخل نصّه على نحو سافر، إضافة إلى المبالغة ــ أحياناً ــ في خلق الأحداث، مثلما فعل ياسر أبو شقرة في نصّه «بعض من نزيف» العابق برائحة الدم: «بالت الفتاة الصغيرة عندما رأت الجندي… فقتلها لأنه قرف من منظرها»! كاتب آخر، هو الموريتاني الحاج ولد إبراهيم، يختتم قصته «الشرطي الوقح» بعبارة مدرسيّة صريحة: «إنها دروس الربيع العربي يستفيد منها حتى من كانوا يحتكرون إعطاء الدروس».

قد يشير التوزيع غير العادل لجنسيات المشاركين إلى عقلية ما تدير الكتاب على هواها. ثمة كاتب موريتاني واحد، ومثله من مصر، وآخر من الأردن، فيما نجد أسماء 7 مشاركين سوريين، يتقاسمون النفَس التحريضي ذاته على مواصلة الثورة السورية، إذن، هناك هدف مباشر من إطلاق هذه المسابقة وإصدار كتابها، هو المشاركة الفعلية من قبل «المعهد الدنماركي في دمشق» في دعم المنتفضين السوريين المطالبين بتغيير الحكم. يبدو ذلك جلياً في الكتاب وفي غيره من الأنشطة والفعاليات التي يديرها المعهد في دمشق. وربما هذا ما دفع الحكومة السورية قبل حوالى أسبوع، إلى إصدار قرار يمنع هاستروب الموجود حالياً في كوبنهاغن، من دخول سوريا. وبالرجوع إلى مقدمة الكتاب، سنقع على سبب آخر لمنع هاستروب من دخول سوريا، هو الذي كتب عن نص الشاعر السوري أحمد الباشا: «بأناقة، ينذر الشاعر الشاب هنا بالحريق الهائل الذي أشعله بائع الفواكه اليائس الذي صار رمزاً ومؤشراً واضحاً لليأس الجماعي الذي ميّز الثوار الشباب في العالم العربي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى