صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت داعش وجبهة النصرة

“داعش” والعشائر: في أصل الظاهرة/ حسام عيتاني

تصطدم محاولات تفسير الصعود والتمدد السريعين لـ”الدولة الاسلامية في العراق والشام- داعش” بجدار من النقص في المعطيات الاجتماعية والسكانية للواقع السوري في الأعوام العشرين الماضية، فيرجع الباحث عن الأجوبة إلى اعتماد نظريات المؤامرة على الثورة السورية.

والحال أن غموض التركيبة العسكرية والقيادية لـ”داعش” لا تعوض عنه جملة طويلة من القراءات في الخلفيات الفقهية والأيديولوجية للتنظيم. الشخصيات الغامضة التي تحرك “داعش” مثل أبو عمر البغدادي وأمراء المناطق التي وقعت تحت سيطرة حلفاء “القاعدة” في سوريا، تساهم بإضفاء المزيد من الإرباك عند محاولة تصنيف الحركة واستشراف أهدافها ضمن مسارات الثورة.

القراءة الأبسط يقدمها النظام السوري الذي بات يختزل معارضيه بـ”داعش” و”جبهة النصرة”. ويفرط في استخدام الصور النمطية عن إسلام جهادي مغرق في الظلامية والعدمية يضع نصب عينيه تصفية الاقليات وتدمير ما تبقى من معالم الدولة في البلاد. وتخدم القراءة هذه النظام خير خدمة ووجدت من يروج لها على أوسع نطاق في وسائل الإعلام حول العالم.

القراءة الثانية تلجأ إلى الفكر التآمري لتفسير النجاحات الكبيرة التي حققها تنظيم مسلح لم يكن أحد ليسمع به قبل عام. ولئن اتفقت الخطوط العامة لممارسات “داعش” وسلوكها وشبقها الذي لا تحده حدود إلى السلطة والهيمنة مع الصور التي رسمها النظام للإمارات السلفية التي راح يتحدث عنها منذ الأسابيع الأولى للثورة، فإن ذلك لا يحسم الجدال حول الخلفيات التي جاءت “داعش” منها.

ثمة اختراقات واسعة للأجهزة الأمنية السورية لكل تشكيلات المعارضة، المسلحة والمدنية، ما في ذلك شك. وثمة استغلال للاختراقات هذه لتوجيه ضربات عسكرية وإعلامية إلى الثوار، وتكلل بنجاح لا يمكن نكرانه. يضاف إلى ذلك نشاط واسع لأجهزة استخبارات إيرانية وروسية في المناطق المحررة تتخذ أشكالاً شتى، منها إرسال “مجاهدين” للقتال إلى جانب الثوار في الظاهر. هذا كله معروف. لكن ما ينبغي التساؤل في شأنه هو عن قدرة الاختراقات هذه على اللقاء في تنظيم يضم آلااف العناصر ويسيطر على موارد كبيرة ويمتد على مناطق شاسعة في الشمال السوري مع نفوذ جدي في العديد من المناطق الأخرى.

في زعمنا أن التجمعات التي تدعو “داعش” إليها وتشارك فيها أعداد كبيرة من زعماء العشائر ومن المواطنين السوريين تنطوي على بذرة الجواب عن الخلفية التي جاء التنظيم منها.

فمن المجافاة للمنطق أن تتسع دائرة نفوذ “داعش” وأن تنحصر مقاومتها بأفراد معدودين وأن تخسر كتائب الجيش الحر كل المواجهات مع التنظيم الذي تكاد لا تذكر له معركة واحدة ضد قوات النظام، من دون أن تكون “داعش” تخاطب حساسية ما عند السوريين الذين تنتشر بينهم. دعونا من مقولة أن الناس مغلوبين على أمرهم ومرهقين بعد عامين من الحرب مع بشار الأسد وقدموا تنازلات لـ”داعش” من أجل سلامتهم الشخصية أو طمعا بالمساعدات التي يحملها أشخاص حسنو الإعداد والتسليح. رغم صحة كل ذلك، إلا انه يظل قاصراً عن الإحاطة بسعة نجاح “داعش”.

قبل شهور قليلة صدر كتاب للباحث الباكستاني أكبر أحمد “زهرة الشوك والطائرة من دون طيار” الذي يوضح فيه كيف انقلبت “الحرب الأمريكية على الإرهاب” إلى حرب عالمية ضد “الإسلام القبلي” وردود الفعل القبلية في مناطق باكستان وأفغانستان واليمن على الهجمات الأمريكية على المدنيين والمسلحين سواء بسواء.

يحتوي الكتاب على تحليل اجتماعي انتروبولوجي للمناطق القبلية في هذه البلدان وغيرها حيث تشعر العشائر والقبائل في تلك الأنحاء بخطر شديد على وجودها وقيمها وثقافتها تمثله الدولة المركزية التي غالباً ما تكون متحالفة مع الولايات المتحدة. العلاقة بين القبائل وبين الإسلام “الجهادي” تنتج غالباً تنظيمات من نوع طالبان- باكستان والقاعدة في جزيرة العرب، وفي ما يعنينا هنا، تنظيم “داعش”.

نظرة إلى مناطق نشاط القوى المرتبطة “بالقاعدة” في المشرق العربي تفيد أن الأنبار في العراق وشبه جزيرة سيناء وجنوب اليمن خصوصاً حضرموت، تتشارك في الحضور القوى لكل من “القاعدة” والقبائل التي تشعر بالتهميش والخطر الوجودي. توسيع زاوية النظر لتشمل سوريا، يقود إلى ملاحظة مشتركات كثيرة بين سكان شمال وشرق البلاد وبين الانبار في العراق.

وفي ظرف تندر فيه الدراسات الاجتماعية الدقيقة لكل التركيبة الأهلية السورية، وليس فقط للبنية العشائرية فيها، وفي ظل موجات عاتية من الاتهامات الطائفية المتبادلة وصعود الانتماءات والهويات الجزئية (“الدامغة” بحسب مصطلح أحد الباحثين اللبنانيين)، يبدو من الملح التفكير خارج صندوق الأفكار التقليدية ونظريات المؤامرة عند البحث عن أسباب الاستعصاء السوري.

الحياة

محاولة في تفسير صعود «النصرة» و “داعش”/ ماجد كيالي

ثمة من لا يحبذ تفسير ظهور جماعات «القاعدة» كـ «جبهة النصرة» و «داعش» وغيرها من الجماعات العسكرية المتطرفة، في المشهد السوري، بناء على تفسيرات تآمرية، أو باعتبارها مجرد حالة خارجية طارئة ودخيلة عليه. ويعتقد أصحاب وجهة النظر هذه أن البيئة المجتمعية السورية قابلة أو محمّلة أصلاً بجينات تولّد حالات كهذه، وأن قراءة صعود هذه الجماعات ينبغي أن ينطلق من دراسة هذه البيئة بالذات.

ومع أنني في العادة أميل إلى وجهات نظر كهذه، لاعتقادي أن المعطى الداخلي هو العامل المقرّر في تطور الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلا أن الوضع في سورية يلفت الانتباه إلى تشكّل نوع من حالة استثنائية، لم يعد من المفيد معها قراءة التحوّلات بناء على الأوضاع الداخلية فقط، لأن ذلك قد لا يغطّي، بقدر ما يحجب، الظاهرة المدروسة، بنشوئها واستمرارها وصعودها.

هكذا، فتفسير صعود جماعات القاعدة، والجماعات «الإسلامية» المسلحة والمتشدّدة، بالعامل الداخلي، أو بالحاضنة المحليّة، لا يفسّر غيابها قبل اندلاع الثورة، بل يقصر عن تفسير غيابها حتى بعد عام من اندلاع هذه الثورة، كما عن تفسير غيابها في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

معلوم أن جماعات «القاعدة» (النصرة ثم داعش)، ومعها كل الظاهرة المسلحة، ظهرت بعد بطش النظام بالمتظاهرين، وتآكل الطابع الشعبي للثورة، وبعد تحوّلها إلى العمل المسلح، بتبعاته وارتهاناته وتداعياته. أي أنها نشأت وفقاً لشروط خارجية، ضمنها عنف النظام، واستشراسه في استخدام الجيش في قمع المتظاهرين السلميين وتدمير البيئات الحاضنة للثورة، من جهة، ومداخلات القوى الخارجية «الداعمة» للثورة، وفقاً لسياساتها وأولوياتها، من الجهة الأخرى.

وقد يكون أبلغ دليل على ذلك ضمور ظاهرة «الجيش الحر»، التي كانت برزت في البدايات كنتيجة لانشقاق ضباط وجنود سوريين رفضوا أوامر استخدامهم في قمع شعبهم. إذ أن هذه الظاهرة، التي جاءت بمثابة ردة فعل أخلاقية، فردية وعفوية وطبيعية، ما لبثت أن أفرغت من معناها، بإخراج هؤلاء المنشقين من سورية، ووضع اكثريتهم في معسكرات، بدل استثمار طاقاتهم وخبراتهم في المجال العسكري، كما يفترض، وهو أمر يثير التساؤل حقاً. وإضافة إلى تشكيلات المنشقين عن الجيش، كانت ثمة ظاهرة أخرى ذات طابع عفوي، ساهمت أيضاً بالتحول نحو العسكرة، وتتمثل بلجوء بعض المناطق إلى تشكيل جماعات أهلية مسلحة لمواجهة الجيش النظامي دفاعاً عن النفس.

ومن متابعة الوضع السوري يمكن ملاحظة أن هاتين الظاهرتين العفويتين، والطبيعيتين، تم تهميشهما، وإضعافهما، لمصلحة تشكيلات عسكرية ظهرت فجأة ومن دون أي وجود سياسي سابق لها. والأهم أن هذه التشكيلات، بدت منذ الإعلان عنها، ذات أجندة سياسية، ورؤى ايديولوجية معينة، وكانت لها مصادر دعم منتظمة، على كل المستويات، أي على مستوى الدعم المادي والتسليحي والإعلامي والسياسي. وهذا ينطبق على جماعات «القاعدة»، من «جبهة النصرة» إلى «داعش»، والجماعات المتماثلة معها، فهذه كانت لها موازنات ومرتبات، وخطوط إمداد وتسليح، ومنابر فضائيات، وحرية الحركة على الحدود، وهو ما لم يتوافر للتشكيلات العسكرية الأخرى، سواء تلك التي انشق افرادها من الجيش النظامي أو التي أقيمت بجهود قوى محلية، سياسية أو أهلية. ومعلوم أن هذه الجماعات كانت نمت في المناطق «المحررة» بالذات، التي باتت تحت سيطرة جماعات «الجيش الحر»، وفي مناطق الحدود الشمالية والشرقية (مع تركيا والعراق) دوناً عن المناطق الأخرى، ودوناً عن المناطق الخاضعة للنظام.

على ذلك، فإذا كان يصحّ القول إن جزءاً كبيراً من الظاهرة العسكرية في الثورة السورية نجم عن مداخلات خارجية، فإن جماعات «القاعدة»، وأخواتها، تدين بصعودها بالكامل إلى تلك المداخلات، ما يفسّر أن معظم قادة هذه الجماعات من غير السوريين، كما يفسّر ذلك الفجوة والتوتر والاغتراب بينها وبين مجتمع السوريين.

ليس القصد من هذا الكلام الإيحاء بأن المجتمع السوري عصيّ على هكذا جماعات، أو انه محصّن إزاءها، ولكنه يعني أن هذه الجماعات ما كان يمكن لها الاستحواذ على كل هذه القدرات، وتلك المكانة، في فترة زمنية وجيزة، لولا الدعم الخارجي لها، ولولا استنادها إلى عصبة من المقاتلين المتعصّبين الوافدين من الخارج. وبالخصوص لولا ذلك التدمير الذي أحاق بالمجتمع السوري، واضطره إلى الاختفاء، أو الخروج من معادلات الصراع مع النظام، سواء بسبب تعمّد تدمير النظام تدمير البيئات الشعبية الموالية للثورة، أو بسبب الطريقة المتهورة، والمضرة، التي خاضت فيها الجماعات المسلحة صراعها ضد النظام.

والحال، فإنه يمكن الجزم بأن «اختفاء» المجتمع السوري، والذي يتمثل بتشرّد حوالى نصف السوريين، وافتقادهم لأملاكهم ومورد رزقهم، وخروجهم من معادلات الصراع ضد النظام، هو أحد أهم عوامل صعود جماعات «القاعدة» وأخواتها، وبالتالي فإن حضور هذا المجتمع، أو استعادة حضوره، لا بد سيؤدّي إلى أفولها. فما من شك أن تصدر هكذا جماعات أضر كثيراً، وأفاد النظام، الذي تحرّر من عبء المناطق الحاضنة للثورة، وسهل عليه محاصرتها وقصفها، كما أن هذا الأمر حمّل الثورة عبئاً كبيراً، فضلاً عن انه حرمها من حواضنها الشعبية، وحولها الى مجرد جماعات مسلحة.

قد يرى البعض أن هذه ثورة الأكثرية السورية، وأن الأكثرية هذه «سنّية»، بالمعايير الطائفية والمذهبية، وهذا صحيح، لكنه كلام لا معنى له سوى في تغطية الواقع القائم على الظلم، وتبرير الاستبداد، والترويج لنظام حول البلد إلى مزرعة خاصة يتوارثها الأبناء من الآباء. فضلاً عن ذلك فإن كلاماً كهذا يتناسى أن هؤلاء «السنّة» لا يعرّفون أنفسهم باعتبارهم كذلك، وأنهم بالذات الذين شكلوا، لعقود سابقة، حواضن للتيارات العلمانية، القومية والوطنية واليسارية والليبرالية، وأن التيارات الدينية الغالبة عندهم تتّسم بالاعتدال والانفتاح، وهو ما يبيّنه تاريخ سورية قبل نظام الاسد وبعده.

ومثلاً، هذا الشيخ احمد الصياصنة، إمام الجامع العمري في درعا، أدلى أخيراً بتصريحات أكد فيها غربة جماعات «القاعدة» وأخواتها عن سورية، بقوله: «نحن حاربنا الاستبداد ليس كي نكون تحت استبداد «داعش»… حاربنا الاستبداد لأننا نريد الحرية… الاسلام بريء من «داعش»… الاسلام دين الوسطية والاعتدال… «داعش» هي ايران… ليس لـ «داعش» ارضية في درعا… ربما في الشمال ثمة ظروف اخرى».

الحياة

هكذا أسّس بشار “جبهة النصرة” و”فتح الإسلام” من سجونه

                                                                 “لو نوفيل أوبسيرفاتور” تفضح خبايا أقبية النظام

هو سجن صيدنايا… الذي يمثّل الوجه الحقيقي للديكتاتورية في سوريا… داخل أقبيته المظلمة يفقد نزلاؤه حقوقهم الإنسانية. لا بل يتحوّل السجناء في زنازينه المرعبة إلى حقل تجارب، يبتكر سجّانوهم فنون التعذيب والإهانة والإذلال… لا بل إنّ النظام الفاشي حوّلهم إلى فئران مختبرات.

طبعاً هذا السجن ليس الوحيد الذي يتمتّع بخصوصيّة الظلم والقهر والتعذيب حتى الموت في كثير من الحالات.. لا بل انّ باقي السجون والمعتقلات لا تقل عنه قسوة وبربرية، لا سيما معتقلات الاستخبارات الجوية، لكن الصورة المرعبة لسجن صيدنايا التي نقلتها مجلة “لو نوفيل أوبسيرفاتور” الفرنسية، تفيد بأنّ هذا السجن كانت له خصائصه المميّزة… فيه كان بشار الأسد يزجّ أعداءه السياسيين من استقلاليين أكراد ومسيحيين لبنانيين وإسلاميين، أو جنود عراقيين، واللافت في الأمر أنّ النظام الديكتاتوري استطاع بعد سنوات من سجن الإسلاميين وخصوصاً عناصر “القاعدة” أن يروّضهم ويدرّبهم على “العقيدة الجهادية” التي تتلاءم وأجندته السياسية والأمنية في المنطقة، ويرسل المئات منهم إلى العراق لمحاربة القوّات الأميركية، بعد سقوط نظام صدام حسين، ويوجّه البعض الآخر إلى البلدان المجاورة ومنها لبنان لإثارة الفتن، ونشر الفوضى وضرب الأمن الوطني لهذه الدول.

الغريب في الأمر أنّ هؤلاء “الجهاديين” الذين يمضون أشهراً طويلة في محاربة “الكفّار الأميركيين” في العراق، أو ينفّذون المهمات الأمنية الموكلة إليهم في دول الجوار، ما إن يعودوا إلى سوريا، حتى تتلقفهم المخابرات السورية وتعيدهم إلى السجن وإلى حفلات التعذيب من جديد. وإذا أرادوا الخروج مجدّداً أمامهم شرط واحد أن يلتحقوا بجماعة “فتح الإسلام” في لبنان، كعقاب لهذا البلد على طرد الجيش السوري من أراضيه، أو تأسيس ما يسمّى “جبهة النصرة” التي أنشأها بعضهم بعد شهور من خروجهم من سجن النظام.

لا ترى المجلة الفرنسية من داعٍ للحديث عن الزنازين الإفرادية التي تشبه القبور، يمكث فيها الموقوفون لثمانية أشهر، يتعرّضون لشتّى أنواع التعذيب، يعانون الجوع الدائم، يكتسبون شتّى أنواع الأمراض، يحرمهم السجّانون من الغطاء في عزّ أيام البرد وتحت سقف سجن تكسوه الثلوج، العشرات يموتون بنوبات قلبية بفعل الصدمات الكهربائية. حكايات يرويها سجناء مُفرج عنهم عن الموت بالمفرّق، أمّا المجزرة التي ارتكبها نظام الأسد في سجن صيدنايا فحدّث ولا حرج.

وفي ما يلي النص الحرفي لمقال “لونوفيل أوبسيرفاتور” لكاتبه كريستوف بولتانسكي:

“ما أن يسمعوا قرقعة المفتاح، عليهم أن يستديروا، واقفين، وجوههم الى الحائط، رافعين أيديهم، وخصوصاً من دون تحريك الرأس. وإذا التقت عيونهم عيني الحارس، فقد يتعرضون لحفلة مرتبة من الضرب. غذاؤهم يحضر في طنجرة كبيرة، تفرّغ على أكياس نايلون، وأحياناً على الأرض المليئة بالشحم والقذارة. شيء من البرغل ممزوج بصلصة بنية، كسرات خبز أرق من ورق السيجارة، تكفي للغذاء والعشاء، تقدم مرة احدة في الساعة 14. يقفل الباب ويبدأ تقاسم الطعام الذي لا يكفي، لكن السجين دياب كان يتلقى أقل من الآخرين.

في الساعة الثالثة بعد الظهر، يطفأ المصباح، وعدا ممر مسيّج يؤدي الى البهو، فليس في الزنزانة أي نافذة أو كوة. وبسبب ضيق المكان، من المستحيل التمدد على الظهر. قرابة ثلاثين معتقلاً يعيشون مكدسين في مساحة 25 متراً مربعاً. وهذا يُجبر المعتقلون على النوم على جوانبهم، أو أن يتناوبوا على النوم. بعضهم يحتل الزوايا أو على مقربة من الباب حيث يتسرب قليل من الهواء. المعتقل دياب ورث أسوأ مكان. فهو ينام قرب المراحيض المسدودة وعنده غطاءان بدلاً من ثلاثة، على الرغم من البرد القارس الذي يستمر ستة أشهر في السنة. “كل السجناء كانوا سلفيين، ما عدايي”. قال ليشرح الفارق المتمثل بهذه المعاملة التي تلقاها. فهذا الشاب الناشط اعتقل عام 2006 الى 2011 في صيدنايا، أحد أفظع المعتقلات في الأرياف، يقع ثلاثين كيلومتراً شمالي دمشق.

عش نسور معلق على رأس جبل، ارتفاعه 1300 متر. فدياب بنظارتيه المستديرتين، وبداية نبت لحيته، يبدو كأنه طالب، ها هو يعيش منذ إطلاق سراحه في اسطنبول. جالساً في فندق، قرب شارع تقسيم المشهور، يشغل حاسوبه ويشير الى الصورة المأخوذة بالأقمار الصناعية، للمبنى الرئيسي للسجن، وحوله الجدران الثلاثة، وحقول الألغام، والمسلحون المختبئون خلف المتاريس: “من المستحيل الهروب”.

وللسجن خصائص أخرى منها: هنا يرمي بشار الأسد أعداءه السياسيين: من استقلاليين أكراد، ومن مقاتلين مسيحيين سابقين من القوات اللبنانية، وخصوصاً من الإسلاميين، أعضاء القاعدة، أو جنود قدامى من العراق، أو الشيشان، أو أفغانستان.

حتى عام 2011 كان الجهاديون يشكلون ثلثي المعتقلين. خلال عقد، استخدمتهم السلطات السورية ليحاربوا القوات الأميركية في العراق أو إثارة الفتن والقلاقل في لبنان المجاور. ومنذ بداية الثورة، أطلق النظام أعداداً كبيرة من المساجين. وقادتهم يديرون حالياً المتمردين المتطرفين.

فسجن صيدنايا هو خير مثال للدكتاتورية السورية، ولا في أي مكان آخر، يمكن أن تظهر ممارسته القمعية، أو مؤامراته، وعلاقاته المضطربة بالإسلاميين. “كانوا يمارسون معنا لعبة فئران المختبرت” يقول السجين السابق ماهر أسبر (33 عاماً)، سجين قديم لجأ الى بيروت. فهذا المناضل الليبرالي من الطائفة الإسماعيلية، هو أيضاً فُصل عن رفاقه، ووضع على امتداد خمس سنوات في زنزانة “مجانين الله”: “أظن أن السلطات وضعتني مع هؤلاء لترى إن كانوا سيقتلونني”.

فماهر ودياب، وهما طالبان شابان دخلا المعترك “مع انطلاق الربيع العربي في دمشق”، في هذه المدة القصيرة التي أبدى فيها الأسد الانفتاح والتي واكبت صعوده الى السلطة، كانا يترددان الى المنتديات الفكرية النقاشية، والى الصالونات التي يتبادل فيها الحاضرون آراءهم، وأحلامهم التي لم تدم طويلاً، بعدما منعت. وأقاما موقعهما باسم “اخوة” (Fraternite)، للدعوة الى سوريا حرة ومدنية، وأسسا حزباً وتجرأا على التظاهر في دمشق. “كنا نظن أن النظام سيسقط”، كما يقول دياب. وتقرير التحقيق الدولي ألم يتهم مقربين من بشار الأسد بقتل الرئيس الحريري؟ والقوات السورية ألم تخرج من بلاد الأرز تحت ضغط الأمم المتحدة؟ إنهم يمثلون تهديداً كبيراً خصوصاً عندما ينظمون شباباً من كل الطوائف، مسيحيين، سنة، وعلويين، هذا الفرع المنشق عن الإسلام، والذي ينتمي اليه الأسد، واليه يستندون.

اعتقلا معاً، ماهر في 23 شباط 2006، دياب، بعد شهر. وتعرضا للتعذيب والوحشية، والاستجوابات في مركز المخابرات العسكرية الجوية، إحدى المخابرات الأكثر بربرية وقسوة وقدما الى الأمن القومي. اثنتا عشرة سنة سجناً لماهر، وخمس سنوات لصديقه.

وفي صيدنايا ومن باب الترحيب بالسجناء، تعمد الشرطة العسكرية على إرغام الوافدين الجدد على نزع ملابسهم، وأن يسطفوا ومن ثم يركضوا بـ”السليب”، معصوبي العيون، تحت سيل من الضرب والركل. يسمون هذا الاستقبال قطار الفرح.. كما يقول دياب. والويل لمن يتأرجح، فقد يجر الجميع الى السقوط معه، وعندها يغضب الحرس. فيضربوننا بكل ما يؤتون، بالأقدام، والقبضات، بالهوارات، بالأسلاك الكهربائية…”. وهذه الحفلة من الضرب تستمر حتى المساء ومن وسائل التعذيب “الدولاب”، أو المشنقة، حيث يُعلق سجين بشريط، متأرجحاً في الهواء تحت الصدمات، أما وسيلة “الدولاب”، فيوضع السجين داخل دولاب الشاحنة المستدير. الجسد مطوي الى نصفين، وقفا قدميه موثوقة لضرب الكرابيح الذي يمارسه الجلاد.. وعند كل إغماءة، كانوا يرشون علي الماء (كما يقول ماهر)، “يقيس طبيب نبضات قلبي ثم يستأنفون الضرب”.

يمضون ثمانية أشهر في الانفراد. في القبو، في نسيان كبير “كقبر”، بحسب دياب. إذا وقف يصطدم رأسه بالسقف، وكتفاه تلامسان الجدران. إذا تمدد تصل قدماه الى الباب. والفجوة التي تُستخدم في المرحاض تفيض “الرائحة رهيبة، كنت أنام وسط البراز”. الحراس يخبطون على الأبواب في أي مناسبة ليبقوا المعتقلين مستيقظين. فقدوا الإحساس بالليل والنهار، ثمانية أشهر تقريباً بلا نوم، من دون رؤية السماء، من دون خروج، إلا للذهاب الى المحكمة. ثمانية شهور من الشتائم والإهانات والضرب قبل أن يتم نقلهم الى زنزانة جماعية.

في سجن صيدنايا نجد كل أنواع الناس (إخوان مسلمون، عرب، إسرائيليون). أحد السجناء القدامى عدنان قصار، كان يدير في الماضي الفريق السوري للسباحة. وكان ضمن الفريق ابن الرئيس الراحل حافظ الأسد باسل والذي كان من المفترض أن يخلف والده لولا مقتله في حادث سير. في بطولة المتوسط عام 1992 راكم أخطاء. لكن عدنان قصار تجنب الخوض في الموضوع وتحديد الأخطاء. لكن بعد ستة أشهر، استدعي ومتفجرات مخبأة في حقيبته. والعمل وراؤه عسكري. أقصي عدنان قصار وتسلم باسل قيادة رياضة الفروسية. في عام 1994، وبعد الحادث القاتل لباسل أخرج كابتن الفريق السابق، وتعرض للضرب، من قبل الجلادين وسجن وكأنه كان مسؤولاً عن الحادث، الذي كان يجهل عنه كل شيء. ولم يعرف غياب مضطهده إلا بعد ذلك. ومنذ ذلك الحين، وفي كل ذكرى رحيل لباسل، يُمارس عليه العنف ذاته.

بيئة أخرى تنتظر الشابين ماهر ودياب. فخلف القضبان يكتشفان الجهاديين: زملاؤهما في الزنزانة كانا يدعيان ابرهيم الضاهر كما قال أبو حفيظة، الأمير السابق عند أبو مصعب الزرقاوي، القائد السابق للقاعدة في بلاد الرافدين، محمد عياد الزمر، الحارس السابق لحرس بن لادن، أبو طلحة، أحد المسؤولين عن اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوغ وآخرين. فهم ينتمون الى شبكة القاعدة أو الى أحد التابعين لها مثل “جند الشام”. وكانوا يشتبهون بهؤلاء الليبراليين باعتبارهم مخبرين بل اسوأ كفاراً. وقبل ستة أشهر ذبحوا ستة من الذين يشاركونهم السجن من مسيحيين، بعدما عمدت سلطات السجن الى وضعهم معهم. وضعوني في جحر ولا أحد منهم كان يكلمني”. يقول دياب “معظمهم يريد تصفيتي” (يضيف ماهر). و”طالبت عدة مرات بأن أعاد الى السجن الانفرادي، إذ كنت أفضل أن أكون انفرادياً. ورفض المدير طلبي”.

كان يُعتقل هؤلاء الجهاديون، غالباً، عند عودتهم من العراق، بعد حربهم على الكفار الأميركيين “أنتم أرسلتمونا الى هناك، فلماذا تعيدوننا الى السجن، صرخ أحدهم في وجه الحارس. الآخرون سلموا عبر المخابرات الأميركية في إطار برنامج “إعادة التسليم”، وهو عنوان لمحاربة الإرهاب عند مختلف الدكتاتوريات العربية. بشار الأسد يستخدم معتقله كنوع من الاحتضان، فبين 2005 و2006، عشرات السجناء، وفي طليعتهم الفلسطينيون، وشاكر العبسي، أفرج عنهم بشرط أن يذهبوا ويكونوا جماعة مسلحة هي “فتح الإسلام”، في لبنان كعقاب له على طرد الجيش السوري من أراضيه. أما الذين يرفضون بحجة أن لبنان ليس ضمن أراضي الجهاد، فكانوا يعادون الى السجن. معظم هؤلاء المقاتلين قتلوا عام 2007 في نهر البارد، في المخيم الفلسطيني في طرابلس. الأوضاع الحياتية في معتقل صيدنايا تستمر في التدهور. يشكوا السجناء الجوع، وتصيبهم الأمراض، وأشكال العنف المتواصلة. فالماء لا يأتي سوى 10 دقائق يومياً. والسجن تغطيه الثلوح حتى منتصف أيار، وهو ليس مجهزاً بالتدفئة. فمديره يفضل بيع مخزونات المازوت في السوق السوداء. والأدوية شبه مفقودة “في زنزانتنا مات لبناني بأزمة قلبية (يتذكر دياب)، وعندما بدأت نوبته أخذنا نصرخ مستنجدين للمساعدة، لكنهم أهملوا نداءاتنا. والحارس لم يفتح الباب سوى في اليوم التالي لتوزيع الطعام، وكان يعرف أن هناك شخصاً بيننا ينازع”.

في السابع والعشرين من آذار انفجر عصيان في جناح B، الطابق الثالث وهو الأكثر تعرضاً لريح الشمال وروائح المراحيض. وهذا الجناح مخصص للسجناء الذين لم يحاكموا: سلفيين في معظمهم… وهؤلاء محاربون حقيقيون خاضوا معارك في العراق وأفغانستان. كما يقول دياب.

وقد جاءت التعزيزات، وعقدت مفاوضات، السجناء يطالبون بطعام أفضل، بحق الزيارات، وإعادة بحث ملفاتهم. وقد تلقوا وعوداً، وعادوا الى زنزاناتهم. انفجار كبير آخر في 5 تموز، حطم فيه السجناء جدران زنزاناتهم، وشهروا سيوفاً، وسواطير صنعوها من الأنابيب الحديدية، وحاصروا بها قوات النظام، واتخذوا هذه المرة مئات الرهائن. حاصر الجيش السجن، وأطلق نيرانه عليهم، وقتل منهم أكثر من ستين سجيناً وخمسين جندياً.. مجزرة.

كان يومها بشار الأسد ضيف نيقولا ساركوزي كضيف شرف في احتفالات 14 تموز (…) “أنا – يقول دياب – كنت مستعداً لمقاتلة النظام حتى آخر رمق، وكذلك الجهاديين” (…).

قبل اندلاع الانتفاضة في سوريا في الخامس عشر من آذار، شاهد السجين دياب خروج طلائع الجهاديين، تُعاد محاكمتهم شكلياً وبسرعة ويُفرج عنهم بالمئات. سيغادرون معتقل صيدنايا حتى أخطرهم”. ويضيف ماهر “النظام ليس غبياً. فقد رأى ما يدور حوله وبدأ يستعد. أطلق هؤلاء الجهاديين ليفعلوا ما يفعلونه اليوم”. بعد عشرة أشهر قدامى سجناء صيدنايا أمثال أبو محمد الجولاني وأبو طلحة، وجميل زينه الملقب بـ”أبو حسين”، ينشئون “جبهة النصرة”. آخروون أمثال أبو حذيفة انضموا الى دولة العراق الإسلامية في العراق وفي المشرق”.

المجموعتان المرتبطان بالقاعدة تسيطران اليوم على مجمل شمالي سوريا. فأحمد عيسى الشيخ وحسان عبود، وهما مسجونان سابقان، يقودان “صقور الشام” و”أحرار الشام”. زهران علوش، الذي كان أثناء سجنه متهماً بالعمالة، ويقود “جيش الإسلام”. ووسائل إعلام النظام تجري معه مقابلات مستمرة في “يوتيوب”، الذي يهدد قبل عام، باستخدام السلاح الكيماوي.

أطلق سراح دياب في 3 نيسان، وصديقه ماهر، في 5 حزيران 2011. وبدلاً من أن يعملا كمخبرين في النظام، كما طلب منهما هذا الأخير، اختارا المنفى.

أما مدير معتقل صيدنايا طلعت محفوظ فقد قبض عليه الثوار في أيار الماضي وأعدموه. وعدنان قصار، المدير السابق للفريق الوطني، فهو ما زال حتى اليوم خلف القضبان”.

ترجمة: صلاح تقي الدين

المستقبل

“داعش”.. تدريب إيراني وتسليح سوري/ علي الحسيني

                                            كثرت في الآونة الأخيرة الأسئلة والتفسيرات حول الطريقة السياسيّة الجديدة التي يتبعها “حزب الله” تجاه العديد من الأحداث والمستجدات التي تطرأ على الساحتين المحليّة والإقليمية بدءاً بسياسة قطع الأيدي والرؤوس التي عادت وانقلبت بين ليلة و”ضاحيتها” وبفعل ساحر إلى دعوات للحوار مروراً بالصمت المريب المتعلّق بإلقاء شعبة المعلومات القبض على أحد المتهمين بتفجير الرويس وصولاً إلى الاكتفاء بإصدار بيان إستنكار لمقتل الشيخ سعد الدين غيّة.

المُلاحظ أن وضع “حزب الله” السياسي هذه الأيام ليس على ما يُرام خصوصاً مع وردود معلومات إلى قيادته تُبرز حجم التقدم الحاصل على صعيد المفاوضات بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الإيرانية الراعي الرسمي للحزب الذي يبدو انه قرّر التعاطي مع كل ملف على حدة كالملف السوري ومراقبة الدور السعودي الفاعل وما ينتج عنه من مشاورات ولقاءات لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين إضافة إلى الوضع الحكومي الذي يُهدد الحزب بنسفه وبمئة “7 أيار” جديد في حال عدم حصوله على طلباته.

يبدو أنه خلال ثلاثين عاماً أمضاها متنقلاً على المحاور الدولية مرّة بالسياسة وأخرى بالسلاح، فقد تمكّن “حزب الله” من تعلّم سياسة العصا والجزرة ولذلك هو يرى اليوم أنه الوقت قد حان لإتباعها في الداخل اللبناني ممهداً من خلالها للحصول على مكاسب جديدة بأقل الأضرار الممكنة، تارة بالتهديد والوعيد وطوراً بالإنسحاب خطوة إلى الوراء إفساحاً منه في المجال لتمرير بعض الإستحقاقات الهامة والتي تعنيه وحده مثل عاشوراء قبل اللجوء إلى “قدس أقداسه”، أي السلاح، الذي يبدو أنه أصبح جاهزاً للرد في أي وقت وزمان، وهذا ما يؤكد جملة قالها احد نواب الحزب منذ يومين خلال مجلس عاشورائي مُغلق “سلاحنا جاهز ومزيّت وإصبعنا على الزناد، وكل ما ننتظره هو الاوامر فقط”.

“حزب الله” في أزمة حقيقية”. كلمة صادقة خرجت ذات يوم من فم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد إكتشاف الحزب لمجموعة من كوادره وعناصره لها علاقة ببيع مخازن أسلحة للثوّار في سوريا، واليوم يؤكد قيادي بارز سابق في “حزب الله” أن الحزب لم يزل أسير أزماته المتلاحقة سواء في السياسة او العسكر وبالتالي فهو لن يخرج من أزماته هذه إلا بخروجه من سوريا، فلغاية اليوم هناك أكثر من ثلاثمئة قتيل في صفوفه وأكثر منهم من الجرحى من دون تحقيق أي تقدّم يُذكر واليوم يُلاحق الموت بيئة الحزب والطائفة التي يُمعن بسرقة قرارها، فهل يقول لنا الحزب ماذا بعد؟

ووفقاً لمعلومات تؤكد أن النظامين السوري والإيراني هما من يقفان خلف تسليح وتدريب ما يُسمّى تنظيم “دولة الإسلام في العراق والشام” المعروف بـ”داعش” وأن ضابطاً ايرانياً كبيراً يعمل تحت إمرة قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الايراني” قاسم سليماني يُدعى “مختار” هو من يقوم بالتنسيق بين نظامه وبين عناصر هذا التنظيم ويُشرف على تدريبهم في العراق قبل أن يتوجهوا إلى سوريا وأن عدداً من هؤلاء يقفون أيضاً وراء العمليّات الإنتحارية التي تستهدف التجمعات ودور العبادة، يكشف القيادي السابق في “حزب الله” أن جيش بشار الأسد ومن خلال أوامر عُليا يعمد بين الحين والآخر إلى الإنكفاء والتراجع عن بعض مخازن الاسلحة لمصلحة تنظيم “داعش” لكي يُقاتل بها الجيش السوري الحر خصوصاً أننا لم نسمع في يوم ما عن سيطرة للجيش الأسدي أو “حزب الله” على مواقع تعود للمنظمة المذكورة”.

ويعود القيادي نفسه بذاكرته ثلاث سنوات إلى الوراء يوم اكتشف رئيس الوزراء العراقي نور المالكي مجموعات أصولية يُرسلها النظام السوري بمباركة إيرانية إلى العراق لتفجّر المساجد والحُسينيّات ويومها علت صرخة المالكي مهدداً بشار الأسد قبل أن يعود الإيراني ويتدخل منعاً لازدياد التوتر بين البلدين، وهذه حقائق يجب أن يُدركها “حزب الله” قبل فوات الأوان وقبل ان يجد نفسه غارقاً حتّى أذنيه في دم الاطفال والنساء وبدماء العناصر التي يُرسلها للقتال في سوريا تحت حجج متعددة لتسويق فكرة الجهاد هناك، ومنها ما يحصل بين الحين والآخر في مقام السيدة خولة في بعلبك حيث يعمد البعض إلى رشّ عطر باللون الأحمر فيُقال بعدها ان السيدة خولة تبكي عمتها زينب فيهرع الشُبّان للذهاب إلى سوريا للدفاع عن المرقد”.

وفي معرض ردّه على عدد كبير من قيادات “حزب الله” الذين لا يتوانون عن التعبير عن العلاقات المميزة والعضويّة التي تجمع ايران بالحزب عموماً وبشيعة لبنان خصوصاً، سوى دعوته العناصر التي تذهب إلى دمشق تحت مُسمّى “الواجب الشرعي” الى الإتعاظ من تجارب الماضي مع القيادات الإيرانية لا سيّما بعد رحيل الخميني، وهنا يروي حادثة حصلت معه شخصيّاً ومع أحد الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني لم يذكر إسمه وبوجود عدد من قياديّي الحزب الحاليين، بعد أقل من ثلاثة أشهر على تأسيس “حزب الله”، يومها قال له الضابط الإيراني “نحن قمنا بتأسيس الحزب وزرعه في لبنان ليكون شوكة في خاصرة إسرائيل وعين الدول العربية، وإذا تمكّنا من إبقائه حيّاً لفترة تزيد عن عشر سنوات نكون قد حققنا إنجازاً هاماً يمكننا قطف المزيد من ثمراته في كل سنة تُضاف إلى عمره المفترض”.

جبهة النصرة .. هل يعرفها احد ؟/ عبد العزيز آل محمود

هناك الكثير الذي قيل عن جبهة النصرة في سوريا ، عن تشيكلاتها و دورها و اهميتها و خطورتها ، حتى ان احد المسؤولين العراقيين قال : اننا لو لم نقاتل جبهة النصرة في سوريا فإنها قد تقاتلنا في بغداد .

فهل جبهة النصرة فعلا بهذه القوة ؟ ولماذا وضعتها الامم المتحدة و امريكا واستراليا و بريطانيا وكثير من دول الاتحاد الاوروبي على قوائم المنظمات الارهابية ؟ في حين ان كثير من المنظمات المقاتلة الشيعية بقيت في مأمن من هذه القوائم ؟.

سارت على ركب العداء ايضا الكثير من الدول العربية التي بدأت تحارب هذه الجبهة بدون اي اعتبارات اخرى و بدون اي دراسة او تبرير معتبر لهذا العداء ، حتى انها بدأت في سجن من يفكر في الذهاب الى سوريا للمشاركة في الحرب الدائرة هناك ، وكأن الجميع يخاف من تكرار التجربة الافغانية مرة اخرى ، ولكن هل هذا الخوف مبرر اصلا ؟.

في وضع عدائي مستحكم مثل هذا سيصعب الحصول على معلومات صحيحة ، وحتى الصحفي الذي يعمل في مؤسسات اعلامية يفترض ان تكون محايدة لن يكون موضوعيا عند تغطية هذه المنظمة خوفا من ان يحاسب على ذلك .

بدأت بحثي عن جبهة النصرة في محرك البحث غوغل باللغة الانجليزية ، فظهرت لي قوائم طويلة من المقالات والدراسات والاخبار ، فحاولت ان استثني المواقع الروسية والايرانية او تلك المدعومة من ايران مثل برس تي في والمنار وغيرها ، باختصار تلك المواقع المؤيدة للنظام السوري بشكل واضح ، وحاولت ان ابحث عن مراكز الدراسات وفي المقالات التي بها نوع من الموضوعية الشكلية فخرجت بالتالي :

أعلن رسيما عن تشكيل جبهة النصرة في 23 يناير عام 2012 ، اي ان الجبهة لم تكمل عامها الثاني بعد ، فهي جبهة صغير السن نسبيا ، ولكنها حازت على متابعات كثيرة خلال هذه الفترة ، فوصفتها الكثير من المواقع الاخبارية على انها من اشرس وانجح فصائل المعارضة السورية ، وبعد الاعلان عنها ببضعة اشهر وضعتها الامم المتحدة وامريكا في ديسمبر من عام 2012 على قوائم الارهاب ثم تبعتهم استراليا في يونيو 2013 و بعدها بشهر بريطانيا في يوليو 2013 .

ومع بداية 2013 اي بعد سنة من الاعلان عنها كان للجبهة حوالي 6000 مقاتل ومازالت منذ ذلك الحين تستقبل الكثير من المتطوعين الذين يدخلون لمدة عشرة ايام في دورة دينية مكثفة قبل ان يلتحقوا بدورة عسكرية تمتد لمدة ثلاثة اسابيع .

ولدى الجبهة جهاز استخباري فعال متغلغل في بعض وحدات الجيش السوري الموالي لبشار ، ونجح في كثير من الاحيان في تهريب ضباط وجنود ناقمين على النظام الى مناطق اكثر أمنا ، ومازالت بيانات الجبهة تصور مثل هذه العمليات وتنشرها على اليوتيوب من حين الى اخر .

للجبهة وحدات مقاتلة في المحافظات السورية الثمان ، وهي تقوى وتضعف بناء على الدعم الذي تحصل عليه من الاهالي ، فوجودها ضعيف في مناطق الساحل وفي المناطق العلوية والشيعية وفي مناطق الدروز ، ولكن وجودها يكاد يكون كاسحا في المناطق السنية ، وللجبهة تشكيلات عسكرية تشابه الجيوش ، مثل السرايا و الوحدات و الالوية ولكنها تملك خلايا سرية عنقودية في منطقة دمشق وريفها .

حددت جامعة ستانفورد الامريكية اهداف جبهة النصرة بالتالي :

* توحيد الالوية و الوحدات المقاتلة في جبهة واحدة

* أسلمة الثورة السورية تحت مسمى الجهاد .

* تقوية نفسها بالحصول على اسلحة ومجندين و تحسين اساليب التدريب .

* تحويل سوريا لدولة اسلامية .

* إحياء الخلافة .

أما اسباب نجاح الجبهة كما ذكرت ستانفورد فهو دورها في اثخان جيش بشار بالعمليات الانتحارية ، وهم قوة موحدة و منضبطة و يملكون قيادة فعالة ، وروحهم المعنوية عالية ، ولهم القدرة على تحمل الضحايا .

و قد كتب المراسل الحربي لصحيفية الغارديان البريطانية غيث عبد الاحد يوم 10 يوليو 2013 مقالا مطولا عن جبهة النصرة في شرق سوريا ، قال ان بها مقاتلين من العراق وتونس و مصر واخرين ، ولمن لايعرف غيث ، فهو مسيحي عراقي برز اسمه خلال احداث فلوجة العراق و سافر الى افغانستان و الصومال و سوريا ، وكتاباته عن الصراعات في هذه الدول بها شيء من الموضوعية التي تفتقدها الكثير من التقارير الغربية .

أما صحيفة جيراسيلم بوست الاسرائيلية فقد نقلت مقتطفات من تقرير نشره مركز مائير عاميت للاستخبارات وشؤون الارهاب يقع في 150 صفحة و عنوانه هو Terrorism-info.org.il

وقامت بعمل لقاء مع مدير المركز الدكتور ريوفين ارلنتس عن هذا التقرير قال فيه : ان ما قامت به القاعدة في افغانتسان خلال عشر سنين انجزته جبهة النصرة في سنتين ، واذا قارناهم بالطاعون فهم الان في مرحلة الحضانة ، ولكن بعد هذه المرحلة فان المرض سينتشر في المنطقة والعالم ( واعتقد ان هذا سبب وضع الجبهة على قوائم الارهاب )

ثم اضاف بان موقع سوريا الجغرافي أهم بكثير من موقع افغانستان ، فهي على ابواب اوروبا و جارة لاسرائيل ، ولكن الخبر الجميل هو ان احتمال نجاحهم في اعادة الخلافة الاسلامية قليل جدا ، اما الخبر السيء هو ان قوة انتشارهم يهدد المنطقة برمتها .

لم يستطيع التقرير معرفة من هو قائد جبهة النصرة المسمى الجولاني ، فتوقع ان يكون معارضا سوريا غادر الى العراق للانضمام للقاعدة هناك ثم عاد الى سوريا بعد الثورة برفقة احد قيادات القاعدة ليؤسسوا جبهة النصرة في بلاد الشام ، و يشارك في القتال مابين 500 الى 600 مقاتل من دول اروبية كما اورد التقرير . انتهى

خلال الصراعات القاسية والحروب التي تنسف كل مباديء الانسانية كالتي يشنها نظام بشار على شعبه فان المنظمات الدينية تجد لها مكانا على جبهات القتال ، حتى روسيا الشيوعية سمحت للكهنة الاورثوذكس باحياء الصلوات وتبخير الجنود الذين يقاتلون تحت قيادات ملحدة لاتحمل للدين اي اعتبار ، ولهذا فان اعتبار الحركات الجهادية حركات ارهابية بدون مبررات معتبرة قصر في النظر وخصوصا في مثل الصراع السوري .

ولكن الخوف كل الخوف هو ان تنجر جبهة النصرة لصراعات داخلية تحيد بها عن هدفها المعلن في اسقاط نظام بشار ، مع ان رأيي الشخصي هو ان الاهداف تتغير بعد ان يزول الخطر المتمثل في النظام السوري وانصاره من متطرفي الحركات الشيعية ، فالحرية تفتح افاقا جديدة غير تلك التي تمليها ظروف القتال .

الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى