صفحات سوريةميشيل كيلو

مرّة أخرى.. عن معركة الساحل!/ ميشال كيلو

 

عندما دخل الجيش الحر إلى كسب وتقدم نحو مناطق تقع جنوبها وغربها، ولاح أنه قد يكون في طريقه إلى المنطقة الساحلية ذات الأغلبية العلوية، كتبت محذرا من القيام بهذه الخطوة الخطيرة، واعلنت معارضتي لها، لاعتقادي انها ستكون بداية حرب اهلية واسعة ومديدة من النمط الصومالي، خطط النظام لها لكن الثورة افشلتها، فمن غير المعقول أو المقبول سقوطها في حبائلها لأي سبب كان، لأن ذلك سيكون نهاية وطننا وشعبنا تحت وطأة عنف النظام ومجانين الإرهاب حولوا ثورة من اجل الحرية إلى اقتتال عبثي هدفه الوحيد إبادة الآخر، لن ينتج عنه غير القضاء التام على الكيان الرائع الذي نسميه سوريا.

يومها لم يبق «شبيح « وجاهل إلا وشتمني وخونني وجعلني نصرانيا يدافع عن اولاد عمومته النصيرية. غير أنه كان للشتائم نتيجة إيجابية هي أنها أثارت نقاشا واسعا بين السوريين، تبين خلاله أن العلاقات بين مكونات الجماعة الوطنية السورية لم تعالج إطلاقا بأي قدر من الجدية السياسية والوطنية، رغم أهميتها بالنسبة إلى مسارات ومآلات الصراع الدائر في بلادنا، ورغم أنها انقلبت إلى مسألة محض طائفية فتكت فتكا ذريعا بالوحدة المجتمعية والشعبية،غاب عنها أي إطار وطني يمكن ان يحتوي أو يلغي جوانبها السلطوية وتلك الما قبل مجتمعية / ما قبل وطنيه، التي بدا وكأنه هويتها الوحيدة، التي حالت بدورها دون إدراجها في حاضنة جامعة تكون فيها جزءا تكوينيا من النضال العام في سبيل الحرية والمساواة والعدالة، الذي انخرط الشعب السوري فيه، وأسهم في تعطيله بقاء مكون مهم كالعلويين خارجه، بل وفي تناقض معه، لم يثلم دوره حدة التمزق العميق الذي حل بجميع فئات مجتمعنا، كما لم يرأب الصدوع والتهتكات الشديدة، التي ظهرت في نسيجنا الوطني، المهدد بالعنف السلطوي وتناقضات الوعي المعارض والمسلح.

واليوم، يطرح بعض أتباع النزعات الانتقامية والتقديرات الخاطئة من جديد فكرة الدخول المسلح إلى الساحل، باعتباره النتيجة المنطقية والحتمية لتحرير إدلب وجسر الشغور، الذي فتح ابوابه على مصراعيها أمام عمل عسكري حاسم ضد النظام، بحجة أن الساحل هو الخزان البشري الذي يمد السلطة بالمقاتلين، وانه حامل الأسدية الذي يجب كسره، إن كنا نريد حقا كسرها، فالسلطة في نظر هؤلاء علوية والعلويون كلهم في السلطة ومن اتباعها المخلصين، حتى إن كانوا في السجون والمعتقلات، ومهما كانت اوضاعهم الاجتماعية والسياسية وخياراتهم الشخصية والعامة متباينة مع سياساتها وممارساتها، وقتل العلوي مهما كان فقيرا ومعزولا في قراه الريفية البائسة، ومحروما من كل شيء، يضعف السلطة. وبالمقابل، فإن أي اجراء تتخذه السلطة مهما كان مجحفا وظالما يحظي حتما بموافقة العلويين فردا فردا، فالسلطة الأسدية والطائفة العلوية جسد واحد، يؤدي ضربه في الساحل إلى سقوط الأسد ونظامه في دمشق، والحقيقة أنه بقي ونظامه في السلطة طيلة اربعة اعوام ونيف من الثورة ضدهما لسبب واحد هو أن الساحل لم يضرب ولم يسقط !.

في قتال يغطي الأرض السورية، ليس اسقاط الساحل بالقوة ضروريا لاسقاط النظام، ولو كانت المعارضة ثورية حقا، وكان عندها مشروع وطني، لنجحت في كسبه ولجعلته ركنا رئيسا من اركانه، ولكان لعب دورا مهما في اسقاط النظام: بالتخلي عن الأسد وطغمته، والانفكاك عن سلطته. إلا أن الوطنية لم تتسع للعلويين لان فهم المعارضة لها مفعم بأحكام مسبقة وضعتهم في سلة السلطة، بينما فك النظام المنتسبين منهم إلى أجهزته عن قراهم وذويهم، وربطهم به وبمصالح اوهمهم أنها حولتهم إلى شريك في مصير واحد رهن وجودهم بوجوده، وجعل قتالهم إلى جانبه دفاعا عن انفسهم قبل ان يكون دفاعا عنه. بافتقار العلويين إلى حاضنة سياسية تضمن لهم دورا فاعلا في الشراكة الوطنية، وبتحول أبنائهم إلى حامل رئيس لنظام قمعي لصوصي اعدهم للدفاع عنه بالسلاح، وزجهم في صراع مسلح ليس اهلوهم من قرره، وبصعود تهديد اصولي / إبادي يضعهم جميعهم في رصيد النظام ولا يستثني احدا منهم، ازدادت امورهم تعقيدا، وتفاقمت ورطتهم، وارتبط مصيرهم بثلة أفاقين يكرهون شعبهم، ويكرهونهم هم ايضا ويتلاعبون بمصيرهم ووجودهم.

بدل ان تمد الثورة لهم يد الوطنية وتحاول انتزاعهم من وساوسهم ومخاوفهم، المصطنعة والمبالغ كثيرا فيها، اطلق مسلحون محسوبون على الثورة سيلا من التهديدات ضدهم، جعلت احتلال منطقتهم شرطا لاسقاط نظام مجرم ليسوا في نظره غير مجرد طعام للمدافع، ولو كانوا غير ذلك لما زجهم في حرب ضد مجتمعهم لن يخرجوا منها غير مهشمين وضعفاء، وعاجزين عن حكم قرية واحدة من قرى سورية.

ليس احتلال الساحل شرط اسقاط الحكم. إنه شرط نشوب حرب اهلية لا تبقي ولا تذر، وشرط صوملة صراع شبه ملبنن، يفرض تجنبه علينا التفكير ببدائله، لأن تكلفتها الوطنية ستكون في جميع الأحوال أقل من الكارثة التي ستنزل بنا في حال استجبنا لدعوات الراغبين في الذهاب بالمعركة إلى العلويين، علما بأن اخراج النظام من بقية مناطق سوريا سيفضي إلى انهياره دون الغوص في بحار من دماء مواطنين لن تكون لديهم القدرة على الدفاع عن انفسهم، ناهيك عن الدفاع عنه.

من الضروري ان يفكر عقلاء الثورة بخطة تضع حدا لحرب النظام والإرهابيين ضد الشعب، وتفوت الفرص على من يفكرون بنشر الإبادة في جميع أرجاء وطننا المنكوب، مع ما سيصحب ذلك من اوضاع ذات طابع مغاير للطابع الذي اوصل الاقتتال السوري إلى مشارف حرب أهلية محدودة، قد يكون مطلوبا اليوم تخطيها.

نعم للمعركة في كل مكان من بلادنا إلا الساحل. ونعم للدخول سلميا إلى جميع المناطق، وخاصة منها تلك التي يجب ان نرتب علاقاتنا معها بحيث يدخلها الثوار بدعم من مواطنيها، أكانوا من العلويين ام غيرهم!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى