إحسان طالبصفحات سورية

بخصوص العهد والميثاق الذي قدمه الإخوان المسلمون السوريون

احسان طالب
من بين العديد من العهود والمواثيق التي ضاق بها الفضاء السياسي والحقوقي والفكري السوري خلال الثورة السورية أعتقد أن هذا الميثاق والعهد هو الأفضل والأهم
اشتمل عل مقدمة وخاتمة وعشرة بنود
جاءت مختصرة ومفيدة وعالية التركيز يمكن اعتمادها كمبادئ دستورية لصياغة عهد دستوري بعد عدة اضافات طفيفية وتوضيحات
منذ بداية الثورة كانت وجهة نظري البدء بالمسألة الدستورية وكتبت لذلك ملاحظات دستورية ، المقصود هو البدء باعلان دستوري يشمل على مبادىء دستورية جامعة توافقية تبتعد بانحناءة ذكية عن نقاط خلافية أو تفصيلية وهذا ما تحقق بهذه الوثيقة
جاءت الوثيقة في توقيت مناسب ودقيق لما تعانية المعارضة من حرج وضعف في تبيين رؤيتها ومبادىء عقدها الاجتماعي الجديد بعدما أطاح النظام بأول مبادىء العهد الاجتماعي إلا وهي حماية السلطة للشعب ، لم تشأ الجماعة أن تعرض كامل مشروعها السياسي في تلك الوثيقة وكان هذا عملا حكيما للبدء بتحقيق التوافق الوطني للمرحلة الانتقالية ثم مرحلة مابعد حكم آل الأسد، من بين الميزات الدقيقة التي كان للوثيقة أهمية إضافية فيها ، ما جاء في البند التاسع :
9 – (دولة العدالة وسيادة القانون، لا مكانَ فيها للأحقاد، ولا مجالَ فيها لثأر أو انتقام.. حتى أولئك الذين تلوثت أيديهم بدماء الشعب، من أيّ فئة كانوا، فإنّ من حقهم الحصولَ على محاكمات عادلة، أمامَ القضاء النزيه الحرّ المستقل.)هذا النص على مبدأ التسامح ذو أهمية فائقة في ظل انتشار اعلام الحقد والسعير الطائفي الذي تروج له الممارسات الرسمية للسلطة وينحاز له بصفاقة الحليف الروسي البغيض
، تحدث البند الثامن عن العلاقات الدولية ونبذ الإرهاب وهي نقاط مهمة ينبغي اشتمال المبادىء الدستورية عليها . واقرت الجماعة في البند السادس على سيادة الشعب وفي ذلك تطور مهم لما جاء به مشروعها السياسي في ميثاقها ( 2001 ميثاق الشرف الوطني وكذلك ما جاء في مشروعها السياسي 2004 والذي نصت فيه على المرجعية الدينية للدولة في حين أنها لم تتوقف عند تلك المسألة في هذا الميثاق بل أقرت بسيادة الشعب . تحدث البند الخامس عن قواعد السلم الأهلي والتعايش المشترك لمكونات المجتمع السوري وتنوعها وربط بين التعايش والتسامح وهذا ربط حيوي يفترض البناء عليه وتوسيعه . في خاتمة العهد أرجعت الجماعة جذورها إلى منطقة تأسيسها وقواعدها الوطنية السورية على يد الشيخ مصطفى السباعي عام 1945 معيدة إلى الأذهان انخراطها في العمل الوطني وانسجامها مع ذلك العهد ، وهنا ألحظ تقدما عما عرضته المشاريع والوثائق السابق للجماعة من حيث البعد عن الأممية التنظيمية وفكرة عالمية الحركة السياسية التي تعارض مفهوم العمل الوطني. تحدث البند الثالث (استناداً إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجالُ والنساء، في الكرامة الإنسانية، والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة ) إن الاقرار بحقوق المرأة وتجاوز النصوص التي قد تدل في ظاهرها بحرمان المرأة من القيادة موقف تجديدي وإصلاحي ذو دلالة بالغة لفتح الأفق نحو قرا ءة عصرية حديثة للنصوص المؤسسة ، ولقد جاء النص على مبدأ الكفاءة باعتباره مواز لمبدأ الانتخاب ، وفي هاتين الملاحظتين رقي وتقدم يتجاوز جملة من الانتقادات التي تساق عادة في سياق الخشية من سيطرة الأكثرية الدينية المحافظة على الحكم القادم في سوريا المستقبل خاصة عندما يشتمل العهد النص على الحريات الدينية ، جاء في البند الرابع (وحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد والعبادة، وحرية الإعلام، والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص،).
ملاحظتان رئيسيتان يستحسن الوقوف عندهما الأولى : جاء في البند الأول التركيز على الانتخابات (جمعية تأسيسية منتخَبة انتخاباً حراً نزيها،) يفترض هنا بيان ضوابط وآلية انتخاب الهيئة التأسيسية لكي لا تستأثر بها الأكثرية على اعتبار أن قضية الدستور قضية وطنية جامعة وليست قضية سياسية تقررها الأكثرية ، أي لابد من توافق وطني لانتخابات الجمعية التأسيسية التي ستصيغ الدستور . ثاني النقاط تتعلق بما جاء في البند الثاني : ( حكم جمهوريّ نيابيّ ) من أجل الحفاظ على روح الديمقراطية والتغلب على ما يطلق عليه في علم السياسة دكتاتورية الأغلبية أو الأكثرية ، أفضل الحكم الجمهوري النيابي الرئاسي المختلط ، وليس الحكم الجمهوري النيابي
بعد هذا التأسيس النظري المهم قد يتبقى للبعض مخاوف من وجود تباين بين النظرية والتطبيق ويستمر ذلك الهاجس قائما لوجود تباين بين الحديث انطلاقا من صفوف المعارضة والحديث من فوق منصة الحكم، أمين عام الجماعة رياض الشقفة اجاب على مثل ذلك التخوف بتواضع قائلا( جربونا،) إن الوقوف عند قواعد تأسيسية متينة وتوافق وطني متماسك ونية مخلصة صادقة في تجنب تكرار تجارب الاستبداد المقيت وظلاله الخبيثة جدير بتبديد كل المخاوف وإزالة اللبس وتفادي اللغط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى