صفحات مميزة

مقالات مختارة تناولت حال وأزمة المعارضة السورية

 

 

 

 

على ماذا ستتفاوض المعارضة مع النظام السوري؟/ سميرة المسالمة

تتزايد حاجة المعارضة السورية للإسراع في عقد اجتماع عاجل في مدينة ما، يضم من لم تستطع موسكو جمعهم على طاولة واحدة، من منصّات المعارضة المختلفة، في الداخل والخارج، للوصول إلى تفاهمات بينهم، قبل الوصول إلى طاولة التفاوض في جنيف مع النظام.

والسؤال الملح المطروح اليوم على «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تضم أوسع أطياف المعارضة، هو: هل تملك هذه الهيئة رؤى مرنة للتعامل مع ما هو مطلوب منها، وفق تصريحات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في 31 الشهر الماضي، حيث طلب تشكيل وفد واحد للمعارضة، مهدداً باستخدام صلاحياته في تشكيل الوفد بعد نفاد المدة التي حددها، وهي الثامن من هذا الشهر؟

ولعل ما جاء في خطاب دي ميستورا يتطابق مع البيان الذي صدر من موسكو موقعاً من المشاركين الثمانية الذين لبوا الدعوة الروسية، ومنهم من يعتبر أحد مكوناتها، أي «هيئة التنسيق»، في حين رفض كل من المنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب، ومن دعي من «الائتلاف» المعارض، الدعوة الشفهية التي وجهت لهم. حيث يقر الموقعون على بيان موسكو، الذي صدر في 27 الشهر الماضي، بأن اجتماعات آستانة التي ثبّتت اتفاق وقف إطلاق النار، ستنعكس إيجاباً على المسار السياسي المأمول وتنفيذ القرار 2254. ولعل المتفحّص جيداً لمواد هذا القرار يعرف أن المجتمع الدولي مهّد به لتمثيل منصّات عديدة إلى جانب «الهيئة العليا للمفاوضات»، وبناء على ذلك « توافق المجتمعون على توجيه نداء إلى تشكيل وفد واحد عادل التمثيل ووازن ومقبول، ومن دون إقصاء أحد أو هيمنة أحد»، للتفاوض مع وفد النظام في اجتماع جنيف المقترح هذا الشهر.

وفي عودة لمخرجات اجتماع آستانة، الذي جمع «القوى المسلحة»، يمكننا ملاحظة أن كل طرف (أي النظام والمعارضة) يعتبر أنها جاءت متوافقة مع ما يعزّز موقعه في معركة التفاوض، ويضعه أمام جمهوره منتصراً. إلا أن الحقيقة تفيد أيضاً بأن النظام السوري مني بهزيمة موجعة في المؤتمر، تمثلت بانهيار خطابه الإعلامي، المرتكز على أنه خلال السنوات الست الماضية كان يواجه فصائل وجماعات إرهابية ثابر ليضعها على قائمة الإرهاب الدولية، فإذا به يجلس معها في قاعة واحدة، ويبدو في ذلك كمن هو مضطر للموافقة على البيان الصادر، أو السكوت عنه، على رغم أنه يقضي على كل ما تبقى من سيادته على جيشه، حيث روسيا وإيران معاً هما الضامنتان لتنفيذ بنود الاتفاق، تبدوان كدولتين تتحكمان بمصير سورية ونظامها.

على الجهة المقابلة، تضمنت وثيقة آستانة خسائر بالجملة للمعارضة السورية أيضاً، بشقيها السياسي والمسلح، حيث اضطرت الفصائل للقبول في شكل أو آخر بتحديد طبيعة الدولة السورية، «دولة ديموقراطية، متعددة الإثنيات، متعددة الأديان، غير طائفية» وهو الأمر الذي كان يجب تركه لمحادثات جنيف، وليس التعامل معه بشكلياته من دون إسقاطاته السياسية، التي يجب أن تكون مبنية على التوافقات السياسية بين المكونات السورية جميعها، وليس بين المتصارعين عسكرياً.

واضح أن روسيا على ما يبدو في البيان – حاولت التشويش على المرجعيات الدولية للقضية السورية مختصرة النضالات الديبلوماسية للمعارضة السياسية بالقرار 2254 فقط، وهو الأمر الذي استدركته في بيان موسكو الأخير في محاولة لاسترضاء المجتمع الدولي من جهة، والتقرب من «الهيئة العليا» من جهة ثانية. وربما بالموافقة على الحضور بداية، والتوقيع ختاماً، فقد وضعت الفصائل العسكرية المعارضة كلا من روسيا وإيران في موضع متساو مع تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة، مسقطة بذلك الدور القتالي والتدميري للدولتين المذكورتين في سورية، وقابلة بوجودهما من خلال عملهما كضامنتين ومراقبتين على تنفيذ الاتفاق.

ما تريده موسكو والنظام وإيران فعلياً من الفصائل هو انضمامها للحرب على الإرهاب، وقد تحقق لها ذلك، بل بدأت علاماته في الميدان بالشروع بمحاولة تصفية مباشرة لجبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً)، وفي حال تحقق ما يتم الحديث عنه، بخصوص انعقاد مؤتمر جديد في مدينة يمكنها أن تجمع كل أطياف المعارضة من دون تحفظ، قبل اجتماع جنيف المقترح في 20 هذا الشهر، والذي تم تأجيله بناء على توافقات أميركية روسية أممية، والذي كان قد أعلن عن تأجيل موعده المقترح في 8 الشهر، من جانب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي لا ينطق عن هوى، ما يضعنا أمام انقلاب على مستويين:

– عسكري، حيث تتجمع الفصائل كنواة صلبة مع بعضها بعضاً، لاغتنام فرصة انزياح الحل حسب رغباتها وبشروطها، التي تفرضها على الطرف الذي تجلس إلى جانبه (أي المعارضة) وليس فقط على الطرف المقابل لها (أي النظام). مما يجعلنا نتوقع مجلساً عسكرياً مشتركاً قريباً.

– سياسي، توحي به عبارة مررت عن قصد في بيان آستانة تقول: «أن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية»، بمعنى أنه ليست هناك عملية انتقال سياسي تستند إلى بنود إعلان جنيف1 و2، وهنا أمام المعارضة السياسية خياران أحلاهما مر، ليس لأنها ستقبل بتوسيع وفدها ليضم ممثلين عن الإدارة الذاتية (الكردية)، أو معارضة موسكو ورندة قسيس، إضافة الى منصة القاهرة وتيار «بناء الدولة»، اللذين كانا موجودين على قائمة اجتماع الرياض الذي أنتج «الهيئة العليا للمفاوضات»، بل لأن على المعارضة السياسية متابعة ما بدأه العسكر، بدل أن يكون العكس هو ما يتم تنفيذه الآن، وفق خطة الانتقال السياسي التي عملت عليها خلال سنوات، وحققت لها مرجعيات دولية، تعتبر موسكو أنها أسقطتها عنوة، ولكن بديبلوماسيتها الناعمة في مؤتمر آستانة في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي.

وإذا كان المطلوب من «الهيئة العليا» المرونة في أقسى حالاتها، فعلى هذه المنصات أيضاً أن تعلن مبادرتها للانطلاق نحو تفاهمات مشتركة ليس فقط على أسماء من سيفاوض النظام، (وفد المعارضة الواحد)، بل على ماذا سيكون التفاوض مع النظام، ولعل هذا هو البند الأهم الذي يوجب الاجتماع المشترك، والذي لن تفصلنا عنه سوى أيام إن لم تكن ساعات.

بين مؤتمر آستانة ومن ثم موسكو وقد مضيا، وعاصمة جديدة تطرحها عناوين الأخبار، ثمة صمت في العواصم العربية طال فهل ينتهي، لتكون إحداها مكاناً يمكن من خلاله الحديث بلغة أقرب إلى واقعنا، وأكثر تفهماً لآلام شعب تشرد نصفه، ومنع من دخول بلاد الله الواسعة، وقتل منه نحو نصف مليون، وعدد معتقليه يناهز مئات الآلاف، و85 في المئة منه ضمن خط الفقر، وخمسة ملايين بحاجة للإيواء؟

* كاتبة وإعلامية سورية

الحياة

 

 

 

 

 

سورية.. تحديات الهيئة العليا للمفاوضات/ سميرة المسالمة

تضع الأحداث الدولية المتسارعة الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية التي يترأسها رياض حجاب، والتي تضم ممثلين من معظم كيانات المعارضة، السياسية والعسكرية، في الداخل والخارج، أمام منعطفٍ كبير، وتحدياتٍ كثيرة، إذ من شأن ذلك أن يعيد هيكلة تمثيل الكيانات السياسية المعارضة، بل وحتى إنتاج مرجعية تفاوضية جديدة، لا تأخذ في الحسبان شكل (ونسب) التمثيل التي جرى اعتمادها في أثناء تشكيل تلك الهيئة في الرياض (ديسمبر/ كانون الأول 2015).

على ذلك، أضحت هذه الهيئة التي كانت تشكلت في الرياض، قبل أكثر من عام، في مواجهة أوضاع أو تحديات جديدة، لا بد من التعامل أو التكيّف معها، أو مقاومتها، لعل أهمها يتمثل في الآتي:

أولاً، الإبقاء على الروابط القوية التي تجمعها مع فصائل المعارضة المسلحة، والتي تعتبر موسكو أنها حقّقت خرقاً كبيراً في مواقفها، من خلال العلاقة الوطيدة التي أضحت تربطها مع تركيا من جهة، ومن خلال التزام هذه الفصائل ببيان أستانة، الموقع من الحليفة والضامنة لهم تركيا من جهة أخرى.

ثانياً، التساؤل بخصوص موقع المعارضة المسلحة في إطار تحوّلها إلى قوة للمعارضة السياسية لتحقيق الانتقال السياسي، وليس الانقلاب العسكري، أو الاندماج العسكري، الذي تطمح له روسيا، بالطريقة التي تضمن لها بقاء سيطرتها على سورية، بوصفها دولة تحت الوصاية.

ثالثا، تحقيق ما صرح به المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، حول تشكيل وفد واحد للمعارضة، والمقصود وفد يضم ممثلي المنصات التي اجتمعت في موسكو، مع وفد “الهيئة العليا”، وهو الأمر المتطابق مع بيان اجتماع موسكو (27 يناير). وهنا، يبرز التحدّي في آلية العمل التي ستتبعها للوصول إلى تفاهماتٍ لتشكيل الوفد المطلوب دولياً.

رابعاً، وقبل الوصول إلى تشكيل الوفد، لا بد من الوصول إلى ما هو أهم من الوفد الواحد، وهو الرؤية للعملية التفاوضية بكاملها، وما هو الهدف المبتغى منها؟ أي بصراحةٍ مطلقة: على ماذا سيتم التفاوض، وما هو السقف الأعلى، قبل الوصول إلى أخفض درجات السقف الأدنى الجامع الذي يتوافق عليه المتفاوضون على تباين مواقفهم، ومواقعهم؟

خامساً، كيف وما نسبة التمثيل المفترضة وآليات تنفيذها لكل التكوينات السياسية؟ وهل ستستطيع الهيئة العليا للمفاوضات أن ترمم خلافاتها مع مكوّناتها التي صارت أطرافاً في هذه المنصّات، بعد أن كانت جزءاً من الهيئة نفسها، كتيار بناء الدولة ورئيس تيار الغد ورئيس مجموعة سورية الوطن؟ وماذا عن كيانات سياسية كحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ومنصة حميميم وغيرهما؟

كل هذه التساؤلات، أو المعطيات، تضع الهيئة العليا للمفاوضات أمام مسؤولياتٍ كبيرة وكثيرة لكي ترتب صفوفها، وتوضح مواقفها، ولكي تعزّز من دور السوريين ككل في تقرير مستقبلهم، بدل أن تقرّره عنهم الدول الكبرى، أو الدول الفاعلة في الصراع السوري، بحسب أجندتها وأولوياتها.

ولعل هذه الهيئة مطالبة بإدراك الوضع الحرج الذي باتت فيه، لا سيما على ضوء متغيرات عديدة، أهمها: أولاً، تحوّل الموقف التركي نحو التنسيق مع روسيا في الملف السوري، وهو موقفٌ نجمت عنه مضاعفاتٌ أو تداعيات عديدة سياسية وميدانية، خفضت سقف المعارضة. ثانياً، انحسار مكانة فصائل المعارضة العسكرية، بعد خسارة مواقع نفوذها في مناطق عديدة، ولا سيما في حلب، وهو ما اضطرها إلى المشاركة في مؤتمر أستانة. ثالثاً، دخول فصائل المعارضة العسكرية على خط المفاوضات، بعد أن كان الأمر في يد الهيئة وحدها، من جهة المعارضة. رابعاً، افتقاد الهيئة العليا للمفاوضات، والمعارضة السورية إجمالا، أية أوراق ضغط لفرض نفسها ممثلاً وحيداً، أو ممثلاً أساسياً في المفاوضات.

على ضوء هذا الوضع، يفترض بالهيئة أن تشتغل بعقلية وطنية، مسؤولة ومرنة، بحيث تستطيع لملمة كل الكيانات والإرادات المبعثرة للمعارضة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، الداخلي والخارجي، للمضي إلى المفاوضات نواة صلبة لمواجهة استحقاقات جنيف التفاوضية، وتحصيل ما يمكن لتجاوز أزمة المعارضة والثورة. كما مطلوب منها العمل بعقليةٍ منفتحة، تتمكّن بها من العمل مع أطراف المعارضة الأخرى التي تتفق معها بالهدف الأساسي، وهو الانتهاء من نظام الاستبداد، وإقامة دولة مواطنين أحرار ومتساوين، دولة مدنية وديمقراطية، بحيث تتجاوز، في ذلك، الخلافات الحالية والمصالح الحزبية أو الكيانية، من أجل المستقبل المشترك، ومن أجل مصلحة شعبنا السوري كله.

العربي الجديد

 

 

 

نحو جنيف 4/ د. رياض نعسان أغا

فاجأنا ديمستورا بتصريح يطالب فيه المعارضة بتشكيل وفد موحد إلى الجولة الرابعة من المفاوضات في جنيف، وقد حدد موعدها الجديد في 20 فبراير الحالي، وحمل تصريحه وعيداً بأن يقوم هو بتشكيل وفد التفاوض إن لم تقم المعارضة بذلك.

ولا نعرف ما الذي دعا ديمستورا إلى هذا التصريح الجاف، ولكننا سمعنا رغبة لافروف قبله بتشكيل وفد موحد، يضم كل أطياف المعارضة بما فيها تلك المنصات التي تطلق على نفسها لقب معارضة مع أنها تعلن أن هدفها الإبقاء على النظام، وعلى بشار الأسد رئيساً للأبد. ولا يعرف أحد ما الفارق بين مطالب هؤلاء وبين مطالب من يسمون الموالاة، وهؤلاء صنعهم النظام وبعضهم سمتهم روسيا، ومثلهم آخرون من حلفاء النظام وممن حاربوا معه، ولديهم مطالب عرقية وإثنية وبعضها انفصالية، ومع ذلك يرون أنفسهم معارضة وطنية! وهدف ذلك التناقض هو التشويش على مطالب المعارضة الجادة، وإبراز صفة التشتت على المعارضين على رغم أنهم أعلنوا وحدة أهدافهم في مؤتمر الرياض الذي جمع قوى المعارضة الكبرى (الائتلاف، وهيئة التنسيق، والفصائل الثورية، والمستقلين) ووقعوا جميعاً على بيان الرياض الذي تمسك ببيان جنيف لعام 2012 ومتنت مطالبه قرارات الأمم المتحدة وأهمها القرار 2254. ولم يخرج أحد من أعضاء مؤتمر الرياض أو هيئته العليا عن ثوابت بيانه، وتبدو منصة القاهرة أقرب تشكيلات المعارضة إليه، لأن غالبية مؤتمر القاهرة باتوا أعضاء في مؤتمر الرياض، ومن أبرزهم أعضاء الائتلاف وهيئة التنسيق والمستقلون.

وقد حرصت الهيئة العليا على التنسيق والتفاهم مع كل أطياف المعارضة عبر حوارات متصلة، وأصر بعض المعارضين في المنصات الأخرى على رؤيتهم بضرورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وترشحه للانتخابات وهؤلاء لا يمانعون بالطبع في بقائه رئيساً إلى الأبد، وذروة الحل السياسي عند بعضهم هي المشاركة في حكومة وحدة وطنية بقيادة الأسد نفسه.

واعتبر الروس الحديث عن مستقبل الأسد شرطاً مسبقاً لا يقبلون الخوض فيه، متجاهلين أن الثورة قامت ضد الديكتاتورية المطلقة، وسيكون من العبث المراهنة على تغيير سلوك النظام، ولا سيما أنه سيحتفظ بسلطته على الجيش وقوى الأمن، وسيكون بوسعه الانتقام البطيء أو السريع من كل من تمردوا على سلطته. ولن تنفع السوريين أوراق الدستور أو القوانين، ولن يطمئن المهجرون ولن يعود أحد من النازحين وستبقى القضية السورية مفتوحة الجراح، لأن بقاء النظام واستسلام المعارضة على الطريقة التي تريدها موسكو ستجعل سوريا القادمة مسرحاً لاستبداد من نوع أخطر، وسيمارس المنتصرون أبشع أنواع الانتقام وستغرق سوريا في مستنقع دم جديد.

ويبدو واضحاً أن روسيا أرادت أن تجعل منصة الآستانة بديلاً عن مرجعية جنيف 1، وكان لافتاً أن يتجاهل ديمستورا الإشارة إلى هذه المرجعية في تصريحه الأخير، وهو لم يشر إلى مضمون المفاوضات القادمة وإلى جدول عملها، وهل سيعود المتفاوضون إلى مناقشة وقف إطلاق النار، وإلى الحديث عن فك الحصار وإدخال المساعدات، وعن إطلاق سراح المعتقلين، ودون جدوى؟

أما كان حريّاً أن يناقش مؤتمر آستانة هذه القضايا التي اعتبرها القرار 2254 مرحلة بناء ثقة هي فوق التفاوض وقبله؟ ومؤتمر آستانة الذي جعل عنوانه تثبيت وقف إطلاق النار فاجأنا في بيانه بالحديث عن تخفيف العنف، ولكن العنف اشتد بعده حتى تمكن النظام من إجلاء المقاتلين من وادي بردى، ومن تهجير المئات إلى إدلب.

وليس مستبعداً أن يبدأ الهولوكست السوري الذي يتوقع المراقبون حدوثه في إدلب مع بدء الجولة القادمة، كما كان يحدث في حلب مع بدء كل جولة من جولات التفاوض في جنيف، مما يجبر وفد المعارضة على التوقف وربما الانسحاب أمام سيل الدماء، على رغم أن القرار الدولي ينص على وقف إطلاق النار وبناء مرحلة ثقة قبل التفاوض.

ولا يخفى على ديمستورا أن أي حديث في جنيف لا يباشر قضية الانتقال السياسي هو مزيد من إضاعة الفرص للوصول إلى نهاية، ولا يخفى على أعضاء مجلس الأمن أن المراوغات التي يقوم بها النظام للتهرب من مواجهة مضمون قرار مجلس الأمن تهدف إلى فرض الأمر الواقع وإجراء تغيرات ميدانية لصالحه، ولكنها ستجعل القضية السورية جمراً يتقد، وسيبقى العالم في حالة ترقب واضطراب مهدداً بغياب الاستقرار عن المنطقة كلها، لأن إيران وميليشياتها الإرهابية ستكون إذَّاك سيدة الشرق الأوسط كله.

لقد مدت المعارضة المسلحة يداً لروسيا، وقبلت دعوتها لمؤتمر آستانة، وبقي أن يكون الروس جادين في إيجاد حل يقبله الشعب السوري دون أن يفرض عليه بالقوة والعنف، فقد تمرس هذا الشعب على استقبال القوة والعنف بالصبر والإصرار على مطالبه المشروعة.

الاتحاد

 

 

 

 

صراع منصات المعارضة السورية وآخر صفعات دي ميستورا/ د. زارا صالح

المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا، الذي نفد صبره تجاه الواقع التشرذمي للمعارضة السورية، اضطر أخيراً إلى التشمير عن ساعديه ولوح مشيراً إلى أنه سوف يشكل وفد المعارضة بنفسه، الذي من المفترض أن يكون جاهزا لمحادثات جنيف 3 التي اضطر إلى تأجيلها من جديد، بعد أن كانت مقررة بتاريخ الثامن من فبراير، إلا أن الخلافات وتجاذبات أطراف المعارضة أفشلت ذلك، ما دعا دي ميستورا إلى التأجيل لغاية العشرين من هذا الشهر.

كانت روسيا قبلها قد وجهت صفعتها القوية لتلك المعارضة وجسمها الرئيسي المتمثل بالهيئة العليا والائتلاف الوطني السوري، حسب تصورهم، عندما كتبت دستوراً لسوريا وقدمت نسخا منه لمنصة استانة في كازاخستان، وكذلك للأطراف الأخرى، بما فيها النظام السوري.

هذا بكل تأكيد مؤشر على تهميش كلي لدور المعارضة، خاصة الخارجية منها، التي تعتبر مدعومة من قبل “مجموعة أصدقاء سوريا” وطبعاً النظام تنازل عن حصته لروسيا وإيران في التمثيل، ولم تكن مستغربة من الدستور المقترح لروسيا، فقد اكتفت ببعض الملاحظات التي لن تغير من القرار الروسي.

محطة استانة التحضيرية كانت تمهيداً تدريجياً لتقلص دور الائتلاف السوري والهيئة العليا للمفاوضات من خلال اعطاء الدور الفعلي لممثلي المجموعات المسلحة، ثم جاء بعدها الحديث عن ضرورة حضور ممثلي كافة فصائل المعارضة، التي باتت تعرف باسماء المنصات لكثرة عددها. فهناك منصة استانة، منصة القاهرة، منصة موسكو، منصة إسبانيا، منصة حميميم، وطبعاً هناك الائتلاف والهيئة العليا، ولا ننسى “مجموعة نساء دي ميستورا” ايضاً وكذلك ممثلي الكرد بشقيه، إذ أن المجلس الوطني الكردي موجود داخل الائتلاف السوري، وحزب الاتحاد الديمقراطي يعتبر “خطا ثالثا” ليس مع الطرفين.

دي ميستورا كما صرح سيقوم بتشكيل وفد يشمل الغالبية عبر توافقات الدول الداعمة لكل طرف، اي لن تبقى جهة وحيدة تحتكر التمثيل، كما كان الائتلاف سابقا، وهذا بحد ذاته خطوة اجرائية لإيجاد بديل “توافقي معتدل” يناسب الرؤية والتوافقات السياسية الدولية والإقليمية، خاصة ما حدث مؤخراً بين روسيا وتركيا وايران ورؤيتها للحل حول بقاء الأسد في الفترة الحالية، أو حتى إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة. بالتوازي تجري عملية فرز وفصل بين الفصائل المسلحة واصطفافاتها وفق المطلب الدولي، تحديداً الروسي والامريكي، في تعريف الارهاب، بعد محاولة ناجحة في تجميع الفصائل، وبيان موقفها من تنظيم “داعش” وجبهة النصرة وضمها إلى حلف محاربة تلك الجماعات التكفيرية، بعد سريان قرار الهدنة في بقية المناطق.

تصريحات دي ميستورا أشعلت من جديد فتيل الصراع المزمن بين جماعات المعارضة السورية، عبر تفاعلهم مع تلك التصريحات في تحديد من “يمثل” المعارضة، ومن ثم العودة إلى تعريف المعارضة، وكيل الاتهامات من جديد، خاصة ان التوافقات الأخيرة تميل نحو تمثيل معتدل هو الأقرب للنظام، وما كان يطلق عليه اسم «المعارضة الناعمة» تلك التي لا تطالب برحيل الأسد وتبقيه في الرئاسة حتى بعد المرحلة الانتقالية، أي أنها تراجعت عن شروطها الأولية حول مصير الأسد.

هذه الرؤية للحل تتقاطع مع القادم الجديد إلى الإدارة الامريكية الرئيس ترامب الذي اختصر الوضع في سوريا بمحاربة «داعش» والارهاب وستكون، كما يبدو، بالتنسيق مع بوتين وأردوغان والاعتماد على القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، إذا تمكنت من إيجاد مخرج لارضاء الطرف التركي ومخاوفه تجاه «خطر الدولة الكردية»، وقد يواجه ذلك تحديات صعبة، لاسيما اذا فكرت امريكا عمليا في إقامة مناطق امنة في سوريا وفي الشمال تحديداً، سيكون هناك تحدي

الموقف التركي لجهة المناطق الكردية، وإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي لها عبر قوات حماية الشعب الكردية. رغم اتفاقية الهدنة الموقعة بين الاطراف الدولية الراعية لها في كازاخستان، الا أن النظام وميليشيات حزب الله لم تلتزم بها في العديد من المناطق، خاصة في منطقة وادي بردى، التي سيطرت عليها بالكامل بعد ترحيل اهلها إلى مناطق ادلب عبر منهج التغيير الديموغرافي لسوريا.

ليس خافيا على أحد أن مصير السوريين وقرارات الحل بشأنهم هما بيد اجندات واطراف خارجية، وتتخذ القرارات وفق مصالحها، وبات من المعروف أن الكثير من المؤتمرات تعقد حول الازمة السورية من دون حضور السوريين انفسهم، ولعل التصريحات الأخيرة لدي ميستورا وكلامه الواضح بقيامه بتشكيل وفد المعارضة بنفسه، أي بمعنى من قبل مجلس الأمن، إنما هو تأكيد على خروج الملف السوري لجهة الاطراف الدولية والإقليمية ذات المصالح المتقاطعة وتوافقاتها. هذا يعني أن

الحديث عن حوار سوري – سوري هو كلام غير دقيق وتسويق اعلامي فقط وليس هناك حل يلوح في الافق، إلا اذا اتفقت الأطراف الدولية الفاعلة وفق اجندتها الخاصة، وليس كما يريده السوريون الذين اصبحوا في حكم الحاضر الغائب، وبات حضورهم شكليا، كما نراه اليوم، فيما المنصات تتصارع على  طواحين الهواء بعد أن ضمن النظام وفرض شروط بقائه على الاقل في حدوده الدنيا إن لم يكن اكثر.

كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

الهزيمة الاستراتيجية للمعارضة السورية ومشروع المنطقة الآمنة لـ«ترامب»/ سمير التقي وعصام عزيز

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

في حين تلقي عوامل إضافية بظلالها على المشهد السوري والهزيمة الاستراتيجية للمعارضة السورية، سنبدأ بالحديث أولًا عن 4 تطورّات على الأرض تستحق الملاحظة. الأول، الاقتتال الداخلي بين معسكرين من معسكرات المعارضة، واحد تقوده أحرار الشام والجيش السوري الحر، والآخر تقوده جبهة فتح الشام. والتطور الثاني هو تقدّم قوّات «الأسد» باتّجاه معقل تنظيم الدولة في مدينة الباب، في حين فشلت القوّات المدعومة من تركيا التي يقودها درع الفرات في تحقيق أي اختراق في تقدّمها نحو المدينة. والثالث هو موقف دير الزور حيث تستمر القوّات الجوّية الأمريكية في قصف مقاتلي تنظيم الدولة في المدينة وحولها. والرابع هو نجاح «الأسد» في استعادة وادي بردى، وبالتالي استئناف إمدادات المياه إلى دمشق.

ومع ذلك، سنركّز فقط على تطوّرين اثنين، الاقتتال الداخلي بين جماعات المعارضة والتطوّرات التي تحدث، ليس فقط على الأرض، ولكن على المسار الدبلوماسي، لاسيما اقتراح إدارة «ترامب» إعلان منطقة آمنة في شمال سوريا. والسبب أنّ هذه التطوّرات، أولًا مرتبطة بالداخل، وثانيًا، خطيرة نوعيًا على المسار العام للأزمة السورية.

تخلّى كل حلفاء المعارضة عنها. وفي طريقها نحو الهزيمة، شاهدنا كل مظاهر الانحدار. شكّلت جبهة فتح الشام هيئة تحرير الشام، والتي شملت عددًا من جماعات المعارضة للقتال ضدّ «بيع الثورة السورية للأسد والروس». وكان السبب الرئيسي لانقسام الكيان العام للمعارضة هو التقدّم في المجهود الدبلوماسي الجاد برعاية الأتراك والروس. وقد توقّعنا كثيرًا في (ميدل إيست بريفينغ) أنّ أي دبلوماسية حقيقية من هذا النوع ستقود مباشرةً إلى انقسام المعارضة.

وتملك هيئة تحرير الشام قوّةً لا يستهان بها. ولا ينبغي الاستخفاف بها. وفي حين يضع الاقتتال الداخلي ضغطًا على الأتراك والروس من أجل تسريع الجهود الدبلوماسية لتشكيل نتائج الصراع، فإنّ المعارضة تنزلق باطّرادٍ من سيءٍ إلى أسوأ. وفي الواقع، ستنحصر المعارضة جميعها في نهاية المطاف إلى هذه الجبهة التي تقودها القاعدة، لذا فإنّنا نؤمن بأنّ هيئة تحرير الشام ستشهد انقسامات عديدة في المستقبل كلّما حدثت تقدّمات في العملية.

ومن الواضح أنّه إذا استمرّ البحث عن حل لأشهر، فمن الممكن أن تتمكّن هيئة تحرير الشام في النهاية من توسيع سيطرتها. وإذا حدث ذلك، فإنّ فرص نجاح هذا الحلّ ستكون أقلّ ممّا هي عليه الآن.

وعلى الجانب الآخر، فإنّ أحرار الشام والجيش السوري الحر وحلفاءهما ينبغي عليهم الإسراع في التأهب لجنيف. ومن الواضح أنّه كان خطأً فادحًا في العلاقات العامة من الروس عندما نشروا اقتراحهم لمشروع الدستور السوري الجديد. فقد أساءت تلك الخطوة العديد من السوريين المعتزّين بقوميتهم. لكنّ الروس تراجعوا خطوة للوراء لتصحيح الخطأ وأعلنوا أنّ المشروع كان مجرّد اقتراح. وقالت المعارضة في الأستانة أنّه سينظرون في المشروع لكنّهم سيعملون على نسخة خاصة بهم.

ولا يختلف الحلّ الأخير عمّا طرحناه قبل عامين، سوريا لامركزية تتمتع المناطق بها بدرجة أكبر من الحرية في إدارة شؤونها الداخلية على أن تضمن تلك المناطق خلوّها من الإرهابيين والجماعات المسلّحة المنظّمة غير الشرعية. وبغض النظر عن الاسم الذي سيطلق على ذلك، كونفدرالية أو فيدرالية أو بدون اسم، إلاّ أنّ المهم هو المضمون.

ومع ذلك، يقع المحلّلون في افتراضين خاطئين، الأول أنّهم يفترضون أنّ روسيا وإيران قد يصبحان في طرفين متعارضين في وقت ما من الأزمة السورية. والثاني أنّهم ما زالوا يعتقدون «الأسد» لديه دورٌ مستقل عن طهران. وكلا الافتراضين خاطئ بحكم الواقع على الأرض. تسيطر إيران على الوضع في أراضي النظام بإحكام. والتقليل من سيطرة إيران على سوريا هو خطأ شائع. لقد كان في الحقيقة درسًا في كيف توسّع قوّة أجنبية من قبضتها على دولة ما إلى هذا الحدّ.

المنطقة الآمنة

وعلى الجانب الآخر، قد ينبني الهدف النهائي على الجهود المشتركة لقتال هؤلاء الذين يرفضون السلام. ولكن من أجل أن يعمل ذلك، ينبغي أن يكون تعريف السلام واضحًا للغاية لجميع السوريين. إذا كانت سوريا ستعود إلى ما قبل عام 2011، سيجلب ذلك عنفًا أكبر ممّا حدث في العراق عندما هزمت القاعدة هناك بين عامي 2006 و2010.

ولا تزال المنطقة الآمنة اقتراحًا غير واضحٍ من قبل الرئيس «ترامب». هل سيكون «الأسد» جزءًا منها؟ هل سيكون الروس؟ كيف ستتم حماية تلك المناطق ضدّ الجماعات المسلّحة في كلا الجانبين؟ هل سيتعيّن على الولايات المتّحدة إرسال قوّات للدفاع عن تلك المناطق؟ في كل الحالات، ستؤثّر هذه الأمور على الديناميكيات داخل مجموعة المعارضة كما ستلقي بتأثيرها على التقدّم نحو الحل الروسي التركي الإيراني.

وقد يكون النهج السليم هو البدء بمنطقة آمنة محدودة شمال سوريا، بالإضافة إلى الاعتماد على تركيا وروسيا كشركاء في الدفاع عنها. وإذا نجح الأمر هناك، سينجح في أي مكانٍ آخر في سوريا. وقد قالت أنقرة أنّها توافق على الفكرة. وقالت موسكو أنّها ستوافق في حالة إشراك «الأسد» (ونظن أنّها تعني إيران).

لكن على أي حال، يقول الواقع أنّ روسيا لن تشعر براحة في وجود القوّات الأمريكية رسميًا على الأراضي السورية. وسترفض إيران الفكرة بكل قوّتها، إلّا إذا حصلت على ضمانات كافية من روسيا بأنّ العملية ستكون محدودة. وحتّى الآن، تظهر سوريا كراعية للبلاد، في حين أنّ إيران هي المسيطر الحقيقي على البلاد. وستستغرق معالجة الفوضى التي تركها «أوباما» في سوريا والشرق الأوسط وقتًا وتحتاج إلى التعقّل.

ويتطلب المفهوم الكامل لإعلان منطقة آمنة في سوريا أولًا وجود إطار عمل استراتيجي مشترك يوضّح ما هي سوريا الجديدة التي تسعى إليها كل الأطراف، وكيفية الوصول إليها. ونأمل أنّ وزير الخارجية «جيمس ماتيس» سيدرس كل الخيارات بحذر ويركّز على منطقة آمنة في الشمال، حيث خرجت المأساة الإنسانية هناك عن السيطرة. وسيضرّ الأمر أكثر ممّا ينفع إذا ما اتّبعت الولايات المتّحدة نهجًا ينتهي بالفشل مبكرًا. وإن لم يرتكز مفهوم المنطقة الآمنة على إطار عمل استراتيجي متعدّد الأطراف من قبل كل المعنيين، سيقود بالطبع إلى نتائج غير مرغوبة.

ويرتبط مفهوم المناطق الآمنة بشكلٍ خفي بالمسار الدبلوماسي المتّبع منذ محادثات الأستانة. عندما يحقّق هذا المسار تقدّمًا، فإنّه يغيّر أيضًا جوانبًا محدّدة في مشروع بناء منطقة آمنة. وبعبارةٍ أخرى، يتشكّل مشروع المنطقة الآمنة، بين أشياءٍ أخرى، بمدى نجاح المسار الدبلوماسي. ولأنّ هذه العملية لا تزال عائمة، فإنّ الاندفاع لافتراض أي ثوابت على الأرض سيكون من الخطأ. وإذا كان هناك ما ينبغي فعله، وفق الاعتبارات السياسية في واشنطن، فسيكون الإعلان عن منطقة آمنة محدودة شمال سوريا بالتنسيق مع الأتراك والروس.

وفي كل الجوانب، نبدأ مرحلة جديدة من الأزمة السورية. ونأمل أنّ الخاسرين الرئيسيين في تلك القصّة، الشعب السوري، سينجون من هذا الكابوس الذي يعانون منه لأكثر من 6 سنوات لأنّهم فقط في يومٍ من أيام عام 2011 خرجوا للشوارع يهتفون «حرية». وفي المقابل، فقدوا أحباءهم ومنازلهم، ناهيك عن بلادهم.

ميدل إيست بريفينغ

 

 

 

استنهاضاً للتيار الوطني الديموقراطي في سورية/ ماجد كيالي

تزايدت في الآونة الأخيرة، في أوساط سياسيين ومثقفين سوريين، الدعوات والتفاعلات لاستنهاض تيار وطني ديموقراطي، انطلاقاً من فرضيات أساسية مفادها: أولاً، إن هذا التيار موجود بالقوة، والمطلوب إيجاده بالفعل، بحكم وجود وطنيين ديموقراطيين كثيرين، إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا التحول إلى كتلة أو إلى كتل وازنة، ولم يبلوروا بينهم أي شكل أو كيان سياسي، حزباً أو تياراً أو منبراً، للتعبير عن رأيهم وعن وجودهم، أو إنهم لم يبذلوا الجهود المناسبة لذلك، أو لم يفعلوا ذلك بالطريقة الصحيحة. ثانياً، افتقاد الثورة السورية لوجود هذا التيار، الذي كان يمكن أن يشكل إضافة نوعية فيها، وتعزيز صدقية مقاصدها إزاء شعبها وإزاء العالم، حتى لو كانت الظروف الخارجية ومعطيات الصراع لا تسمح بتغير موازين القوى. ثالثاً، إن المآلات التي وصلت إليها هذه الثورة، على صعيد انسداد الطريقين العسكري والتفاوضي، تتطلب اجراء مراجعة نقدية لمسارات الثورة، واستعادة أهدافها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، وبناء كياناتها السياسية، على أسس صحيحة، وانتهاج طرق عمل تتلاءم مع الإمكانيات والمعطيات المحيطة، وتضع مصالح شعبها على رأس أجندتها، بدل الارتهان لهذه الدولة أو تلك.

وكان مركز «حرمون» عقد ورشة نقاشية (إسطنبول 20ـ21/1)، شاركت فيها مجموعة من السياسيين والمثقفين، خصصها لهذا الموضوع، ولمطالعة المبادرات التي قدمت، اسهاماً منه في تعزيز هذا الحوار، وتحويله من مجرد نقاش نظري إلى خطوات عملية. هكذا تضمنت مداخلتي في تلك الورشة عديد النقاط، وكان أهمها:

أولاً، إن المشاريع السياسية الكبرى، وضمنها الوطني الديموقراطي، لا تتحدّد بناء على ما تعتزم القيام ضده أو بهدمه، أي بدلالة موقفها من النظام القائم فحسب، على أهمية ذلك، بقدر ما تتحدد، أيضاً، بناء على ما تنوي إقامته، أي بدلالة رؤيتها لحقوق شعبها، والمستقبل الذي تعده به.

ثانياً، لا تنبثق المشاريع السياسية من رؤى رغبوية أو ادعاءات أيديولوجية، وإنما من الواقع الموضوعي لمجتمع ونظام سياسي متعيّنين، في مرحلة تاريخية، أي نسبة إلى مستوى التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلد.

ثالثاً، في المشاريع السياسية لا يجوز لطرف إقصاء أطراف أخرى تجد نفسها معنيّة بالمشروع المطروح، مع تفهّم أن قوة معينة قد تفرض ذاتها، كطرف مهيمن، بحكم صدقيتها الفكرية والسياسية ومكانتها في المجتمع ودورها في عملية التغيير.

رابعاً، في الواقع السوري، وبالنظر إلى تجربة السنوات الماضية، يبدو أن الأمر يتطلب الاشتغال على جانبين: أولهما، بناء كيان سياسي جمعي – جبهوي، تعترف الكيانات المشكّلة له ببعضها، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على الهدف الأساسي، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيدًا من العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية. والمعنى أن على هذه الكيانات أن تشتغل في الإطار الجمعي كجبهة، على أساس تكاملي وتعاضدي، لا على أساس تنافسي أو ضدي، على ما جرى في تجربة كيانات المعارضة، من «المجلس الوطني» إلى «الائتلاف الوطني».

وثانيهما، بلورة «تيار وطني ديموقراطي»، وفق طبيعة الثورة، بخاصة أن هذا التيار يكاد يكون غائبًا أو مفتقدًا، إذ على رغم وجوده كحالة، إلا أنه لم يستطع العمل بوصفه كتلة، أو بوصفه تياراً، بمعنى الكلمة، باستثناء وجود شخصيات ديموقراطية مؤثّرة، لها تاريخها ومكانتها، عبّرت عن مواقفها النقدية بصراحة في وسائل الإعلام، وحتى في بعض هيئات المعارضة.

خامساً، أخيراً، وفي ما يخصّ انشغال السياسيين والمثقفين السوريين باستنهاض وبلورة تيار وطني ديموقراطي، يجدر لفت الانتباه هنا إلى ملاحظات خمس: الأولى، إن مجرد وجود ديموقراطيين لا يكفي، لأن المسألة ليست هوياتية، إذ على هذا التيار، أن يؤكد طابعه من خلال أطروحاته ورؤاه ونمط علاقاته، بحيث يفرض ذاته من خلالها، التي تحوله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، أي من حيّز النظرية إلى حيّز الممارسة. الثانية، كي يتمكّن هذا التيار من تعزيز وجوده، يفترض أن يتمثّل الديموقراطية في علاقاته الداخلية، ومع مجمل الكيانات السياسية القائمة، ومع مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإيلائه حقوقهم ومصالحهم الأولوية قبل أي شيء أخر. الثالثة، إدراك أن هذا التيار لا يقوم على أساس أيديولوجي، وإنما على أساس الأفكار التي تجيب عن أسئلة الواقع، وتأخذ في اعتبارها طابع الثورة الوطنية الديموقراطية والمعطيات الدولية والإقليمية المحيطة. الرابعة، حقيقة أن هذا التيار يقوم على الاعتراف بأن المنتمين إليه لديهم مشتركاتهم وأيضاً لديهم اختلافاتهم، التي تفرضها تعقيدات القضية والثورة والمعطيات المحيطة، مع اجتماعهم على الهدف الرئيس المشترك. الخامسة، أن عملية إقامة التيار الوطني الديموقراطي لا تتأسس على الاحتكار، أو الوصاية، أو ادعاء القيادة، أو الطليعية، إذ هي تحتاج إلى كل الجهود، والإخلاص للفكرة، بعيداً من الحسابات الفصائلية والشخصية والآنية، كما تحتاج إلى التدرّج وتوليد الديناميات التي من شأنها بلورة هذا الاتجاه وتعزيز مكانته في مجتمع السوريين وثورتهم.

* كاتب فلسطيني/سوري

الحياة

 

 

 

 

تحولات دراماتيكية في المشهد السوري/ ماجد كيالي

ثمة العديد من المؤشّرات التي تفيد باحتمال حصول تغيّرات نوعية، مفاجئة وكبيرة، في المشهد السوري، على الصعيدين السياسي والميداني، كما في تجاذبات أو صراعات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في هذا المشهد.

على الصعيد الداخلي، يمكن رصد أهم هذه التحولات بعاملين، أولهما تحوّل معظم فصائل المعارضة المسلحة نحو القبول بخيار المفاوضات، أو خيار الحل السياسي، بعد أن كانت تمتنع عن ذلك، بدعوى أن لا حل سوى بإسقاط النظام عسكرياً، أو لأن لا ثقة لها بالحلول السياسية، تبعاً للأطراف الراعية للمفاوضات، والمقصود هنا تحديداً الطرف الروسي.

يلفت الانتباه أن تلك الفصائل ذهبت إلى خيار المفاوضات، في العاصمة الكازاخية آستانة، متناسية كل الادعاءات التي كانت تطرحها، ومتجاهلة أنها اتجهت نحو هذا الخيار بعد الانهيار العسكري الحاصل في حلب، وبعد اتضاح انسداد أفق الحل العسكري، وأن هذا الأمر تم بناء على رأي الحليفة تركيا. وطبعاً لا يدور النقاش هنا حول صحة هذا الخيار من عدم ذلك، مع التأكيد أنه الأنسب، وإنما النقاش يدور حول المواقف السابقة لهذه الفصائل، التي كانت تكابر في شأن قواها وقدراتها، وتترفّع عن دراسة المعطيات السياسية (كما العسكرية)، والتي ظلت تشتغل بعقلية قدرية، ومزاجية، إلى جانب استمرائها الارتهان للقوى الخارجية. وهذا الموقف ينطلق أيضاً، من الاعتقاد بأن الموقف الأصوب، ربما كان يتمثل بالتأكيد على وحدانية تمثيل المعارضة، وإحالة الأمر الى «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تتمثل فيها هذه الفصائل، إذ كان من شأن ذلك أن يضفي نوعاً من الصدقية على المعارضة إزاء نفسها، وإزاء شعبها، وإزاء العالم.

طبعاً، يلفت الانتباه في هذا الأمر أن لا «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، وهو الكيان الرئيس للمعارضة السياسية، ولا «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تتمثل فيها أوسع تشكيلة من الكيانات السياسية والعسكرية، أبديا أي تبرَم مما حصل، أو من هذا الانتقاص من مكانتهما في تمثيل المعارضة، إذا استثنينا بعض المواقف الفردية، التي أبدت استنكارها ومخاوفها من تلاعب روسيا بتمثيل المعارضة، ومن النيل من مكانة وشرعية الإطارين المذكورين.

العامل الثاني، يتمثّل في انقلاب معظم كيانات المعارضة، السياسية والعسكرية، على جبهة «فتح الشام» (جبهة «النصرة» سابقاً)، وهو موقف مفاجئ، وقد ماطلت معظم فصائل المعارضة في الإفصاح عنه لأسباب عقائدية، حيث ثمة فصائل لا تبتعد في طروحاتها عن هذه الجبهة، وميدانية، بحكم قوة هذه الجبهة، وإقليمية بواقع علاقات الجبهة الخارجية. ومعلوم أن تلك الجبهة، التي لم تحسب نفسها يوماً على الثورة السورية، وناهضت مقاصدها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، ظلت تشكل خطراً على فصائل المعارضة العسكرية في كافة أماكن تواجدها، وهي أصلاً كانت عملت على إزاحة جماعات «الجيش الحر» من المشهد، فضلاً عن أنها حاولت فرض أنماط متعصّبة ومتطرّفة من الإسلام على السوريين، بواسطة القوة، في المناطق التي خضعت لسيطرتها، ناهيك عن تبعيتها لتنظيم «القاعدة»، وهو ما أضر بإجماعات السوريين، وبصدقية ثورتهم في العالم.

في هذا الجانب أيضاً، لم يأتِ هذا التغيّر نتاج تطور في القناعات السياسية، أو نتاج مراجعة للتجربة، بما لها وما عليها، من قبل المعارضة، وإنما أتى نتيجة ضغوط خارجية، وضمن ذلك التحوّل في الموقف التركي.

هكذا نحن في الحالتين المذكورتين آنفاً إزاء معارضة (سياسية وعسكرية) مترددة، ولا تأخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولا تصدر مواقفها بناء على ادراكاتها لمصلحة شعبها، أو متطلبات ثورتها، ولا بناء على مراجعة نقدية للمسارات والخطابات التي انتهجتها، الأمر الذي يضعف صدقيتها، ويثير الشبهات حول حقيقة أو صلابة الخيارات التي اشتغلت على أساسها.

على أية حال يمكن الجزم بأن التحولين المذكورين لن يمرا بسهولة، إذ إن التحول الأول قد يفضي، على الأرجح، إلى إعادة ترسيم خريطة الكيانات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية، وضمنها للوفد المفاوض، مع كل ما يستتبع ذلك من تغير في المرجعيات والأولويات والمواضيع. في حين أن التحول الثاني قد يفضي إلى إعادة هيكلة الفصائل العسكرية، والعمل على تحجيم «جبهة النصرة»، وربما تصفيتها، إضافة إلى حصول تغيرات ميدانية، تبعاً لذلك، في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وفي شكل إدارة المناطق «المحررة».

أيضاً، على الصعيد الخارجي ثمة تحولات نوعية مهمة، وكبيرة، قد يتوقف بناء عليها مصير النظام والثورة السوريَين، أو مصير الصراع السوري برمته، وهو ما يتمثل، أولاً، في ظهور التباين بين الأجندتين الروسية والإيرانية، معطوفاً على تضاؤل نفوذ إيران في الصراع السوري لمصلحة روسيا. وثانياً، بتزايد التوافق والتنسيق الروسي – التركي، على حساب إيران، أيضاً، مع ما يعنيه ذلك من وضع حد للتدخل العسكري الروسي لمصلحة النظام، أو على الأقل التخفيف منه. وثالثاً، دخول الولايات المتحدة الأميركية في عهد الإدارة الجديدة على خط الصراع السوري، على خلاف عهد الإدارة المنصرفة، سواء بتهديدها إيران، وتصريحها عن اعتزامها تحجيم نفوذ طهران في المنطقة، وفي شأن تصريحاتها العلنية بخصوص عدم التوافق أو عدم الرضا عن سياسة روسيا في سورية، كما بتلويحها بإمكان تنظيم مناطق آمنة في سورية (وفق تصريحات الرئيس الجديد دونالد ترامب)، ما يعني عودة التقارب بينها وبين تركيا.

في كل الأحوال، فإن هذه التحولات تفيد بإمكان تغير المعادلات الدولية والإقليمية المتعلقة بالصراع السوري، أو بالصراع على سورية، ولعل هذا ما يمكن ملاحظته من تغير الأجندة الروسية بتخفيف ضغطها العسكري (الجوي) على فصائل المعارضة العسكرية، ووضع ثقلها وراء الحل السياسي التفاوضي، وطرحها مشروع دستور، واستعجالها توليف تشكيلة جديدة للوفد المفاوض، وهي المحاولة التي لم تنجح، على ما تبين من فشل اجتماع موسكو، الذي عقد بعد مؤتمر آستانة.

كما يتجلى ذلك بقبول معظم فصائل المعارضة الدور الروسي الجديد توخياً منها للاستثمار في التغير الحاصل لمصلحتها، ولمصلحة تركيا، وأيضاً من أجل تحجيم نفوذ إيران في سورية.

بيد أن كل التحولات المذكورة ستظل رهناً بعوامل أخرى لم يجر بعد تبين مداها، أو مفاعيلها، وهذه تتمثل أولاً في مدى حسم الإدارة الأميركية الجديدة مواقفها إن في شأن مناطق آمنة، أو بخصوص علاقتها بالمعارضة السورية، كما في شأن التدخل بالطريقة المناسبة، بوسائل الضغط السياسي أو العسكري، لإنهاء الصراع السوري. ثانياً، هذا سيتعلق بطبيعة رد الفعل الإيراني على التحولات في الموقفين الأميركي والروسي، لا سيما أن لهذه الدولة وجوداً ميدانياً، أي عسكرياً، في سورية، كما في العراق ولبنان. ثالثاً، يبقى السؤال هنا مشرعاً في شأن حقيقة توجهات روسيا، وما إذا كانت تعتزم حقاً طرح استراتيجية خروج من الصراع السوري قبل التورط في مواجهات غير محسوبة مع الإدارة الأميركية الجديدة، أو إنها لا تبالي بذلك، سعياً منها لإجراء مساومات مع هذه الإدارة في ملفات أخرى عالقة (أوكرانيا، الدرع الصاروخي، الحظر التكنولوجي، أسعار النفط). ورابعها، يتعلق بالمعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية، إذ من غير المعقول بقاؤها على النحو الذي هي عليه، ببناها وخطاباتها وأشكال عملها، وبتشتتها، وارتهان ارادتها، وبالفجوة بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل والخارج.

الفكرة هنا أن المعارضة معنية بإعادة تنظيم أحوالها وترشيد خطاباتها، والارتقاء بأشكال عملها لمواجهة الاستحقاقات والتحديات المقبلة، لأنه من دون ذلك لن يستطيع السوريون الاستثمار في التحولات المرتقبة، والبناء عليها، وبخاصة أن النظام يبدو كجبهة موحدة، وينتهج استراتيجية واضحة وخطابات متماسكة، في حين تبدو المعارضة على خلاف ذلك.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

 

نحو قراءة جديدة لقوى المعارضة السورية/ باسل أبو حمدة

جاءت السنوات الست الأولى من عمر الثورة السورية المعاصرة حافلة بالمبادرات والمؤتمرات والائتلافات، في مخاض عسير كان ينقصه ولا يزال شيء من الانفتاح والحوار، بين مجموعة الشخصيات والقوى السياسية المكونة لهذا الحراك الثوري السياسي، التي راحت تتبارز في تشكيل كيانات سياسية قد تكون غير ناضجة، أو تفتقر للخبرة السياسية النضالية المطلوبة في مواجهة النظام الفاشي الحاكم في سوريا وحلفائه.

بل إن بعضها نشأ على أساس المبادرة الفردية، حيث وجدت بعض الشخصيات المتلفحة بعباءة البراغماتية، في التطور الدراماتيكي للأحداث في سوريا ومحيطها والعالم، أرضا خصبة لتحرك بات يشكل في بعض جوانبه حجر عثرة، أمام التوصل إلى صيغة واحدة وموحدة للعمل السياسي الوطني المشترك، الذي لا يختلف عاقلان على أنه الرافعة الوحيدة الكفيلة باستمرار هذه الثورة، بما هي عليه من زخم وصولا إلى غاياتها النهائية، التي لا يشكل إسقاط النظام فيها سوى حلقة واحدة فقط في سلسلة المهام والواجبات المترتبة على عاتق قوى الثورة والمعارضة مجتمعة، وكل قوة وشخصية سياسية وطنية فيها على حدة.

في هذا المشهد الملبد بغيوم الافتقار للرصيد السياسي اللازم، شكلت ضرورات العمل السري أحيانا، ومراوغات البعض وارتباطاتهم الخارجية والداخلية أحيانا أخرى الذريعة السهلة المتاحة للتماهي مع حالة التفرد والإقصاء والتقليل من شأن الآخرين وازدرائهم، حتى لو كان ذلك على حساب بعض مرتكزات الثورة وأهدافها، وتجاوزا لتضحيات السوريين المنخرطين في الثورة بشهدائهم وجراحهم ومعتقليهم ولاجئيهم والملاحقين منهم، بعد أن تراجعت شعارات الثورة الأساسية المطالبة بالحرية والكرامة والتغيير السياسي إلى الخلف، مفسحة الطريق أمام ظهور تكتيكات وآليات عمل مجتزأة من سياقها الوطني العام، لتوضع في بوتقة تكتلات ضيقة لا ترى أبعد من أنف القائمين عليها.

خلف جدار هذه الفوضى الكيانية والتكوينية، راحت تتوارى القوى الفاعلة تاريخيا على الأرض وصاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير، التي تعتبر وقود ثورة كان يصعب حتى وقت قريب تصديق إمكانية اندلاعها بهذا العنفوان، في ظل القبضة الحديدية للنظام الفاشي الحاكم في سوريا، بينما بدأت تظهر كيانات سياسية فتية لا تخلو من المراهقة السياسية، هنا وهناك، كان من شأنها تمييع الخريطة السياسية للقوى الثورية في سوريا، وخلط حابل ضرورات العملية الثورية بنابل المصالح الفردية والفئوية والدينية الضيقة، بحيث بات المواطن السوري أو المراقب للوضع السوري، بحاجة إلى عدسة مكبرة حتى يتبين حقيقية ما يراه من توالد متسارع لتلك الكيانات، التي بات ملحا رفع شعار غربلتها وتقنينها في مجرى العمل الوطني الأصيل، من خلال فتح الباب على مصراعيه للحوار في جو لا وجود للغة الإقصاء فيه.

كما حكمت هذا الحراك الثوري على المستويين السياسي والعسكري وحتى المدني مجموعة من التجاذبات والاستقطابات السياسية المرتبطة بمنظومة المصالح الاقليمية والدولية، وهذا أمر طبيعي لو بقي في حدود روح الوطنية السورية، بينما يكمن الجانب المثير للجدل منه في مدى استجابة القوى المشكلة له للعامل الخارجي في معادلة الصراع الدائر على الأرض السورية والتماهي مع شروطه ومتطلباته، إلى درجة إلغاء الذات الوطنية في بعض الحالات أو ربما الكثير منها.

ثمة محطتان رئيسيتان شكلتا انعطافتين خطيرتين في مسيرة هذا الحراك، الأولى تمثلت في التسليم بمبدأ تصنيف القوى الثورية من منظور أعدائها على قاعدة محاربة ما يسمى بالإرهاب، ما يشكل حالة اصطفاف موازية يتخندق فيها بشكل موضوعي طرفا الصراع، أي النظام والمعارضة، ويعزز سردية الأول على حساب سردية الثاني في هذا الميدان، أما الانعطافة الثانية، فهي حديثة الولادة ونشهد فصولها في عملية فرز واختيار ممثلي الحراك الثوري، في مؤتمرات تعالج الشأن السوري مثل مؤتمر أستانة الذي استبعدت من المشاركة فيه التشكيلات السياسية الثورية والمعارضة لصالح التشكيلات العسكرية حصريا، وبذلك يكون المستوى السياسي من الصراع قد تراجع، في هذه المحطة، خطوات إلى الوراء ومن المرجح أن يترتب على ذلك تخل تدريجي عن حصيلة قرارات المجتمع الدولي المتعلقة بالشأن السوري ومعها مخرجات مؤتمر جنيف بنسختيه.

علاوة على ذلك وفي سياق رجحان كفة الصراع لصالح النظام وحلفائه الاقليميين والدوليين في الوقت الراهن، اثر التدخل الروسي الساحق منذ نهاية عام 2015 بالتناغم مع المجهود الحربي الايراني غير المسبوق الرامي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية السورية الداخلية، بما يتجاوز مسألة بقاء رأس النظام أو رحيله، نجحت الترويكا الروسية التركية الايرانية في سحب الملف السوري من أروقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وحشرته في إطار مفاوضات ثنائية أو ثلاثية، على غرار إصرار القيادة الاسرائيلية ونجاحها في إبقاء مسألة معالجة الملف الفلسطيني حكرا على طرفي الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني برعاية أمريكية، ما ينزع عن كلا الملفين طابعهما الانساني الكوني الشامل والعادل ويترك الشعبين الفلسطيني والسوري حبيسي صيغة إدارة الأزمات البعيدة بطبيعتها عن عناء البحث عن حلول سياسية جذرية وعادلة لها.

انطلاقا من هذه الفرضية، تكاثرت الدعوات في الآونة الأخيرة، وهذا أمر طبيعي أيضا، إلى التصدي لعملية مراجعة شاملة لأوضاع قوى الثورة والمعارضة السورية، وإلى إعادة قراءة المشهد السياسي السوري برمته من جديد، وموقع هذه القوى ودور كل منها فيه، فضلا عن الدعوة إلى رسم خريطة تحالفاتها على كافة الصعد والمستويات الداخلية والخارجية، على حد سواء، ما يشكل فرصة ذهبية أمام القوى العلمانية والديمقراطية الوطنية المعارضة، المغيبة عن هذا المشهد طوال سنوات وصاحبة الحق التاريخي في مقارعة النظام، لإحداث ثغرة في جدار خريطة القوى الاسلامية والجهوية المهيمنة عليه منذ سنوات، لكن دون أن يعنى ذلك الدخول في حالة صراع حادة معها، وإنما على قاعدة المشاركة وفتح قنوات اتصال وحوار معها بغية توسيع دائرة القوى المناهضة للنظام، وترسيخ موقفها المعارض له، وإغلاق الطريق أمام إمكانية التحاق فصائل عسكرية وربما قوى وشخصيات سياسية في ركب مصالحات وتسويات النظام، الذي يبدو مؤتمر أستانة شكلا موسعا منها وفقا لرؤية هذا النظام لحل نزاع لا يرى فيه سوى الجانب العسكري والأمني.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

 

تغيّر خارطة الفصائل في الشمال السوري: مخاوف وتحديات/ محمد أمين

شهدت خارطة فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال وشمال غربي سورية تغيراً كبيراً إثر عمليات اندماج وانصهار جرت على عجل، أفرزت كيانين كبيرين لهما ثقلان عسكري وشعبي، هما حركة “أحرار الشام”، و”هيئة تحرير الشام”، واللتان تتداخل مناطق سيطرتهما، وهو ما ولّد خشية من اقتتال داخلي، لتأكيد وترسيخ مناطق السيطرة بينهما، الأمر الذي تعمل جهاتٌ لتفاديه.

وظهرت مساء السبت “هيئة تحرير الشام” باندماج فصائل عدة في جسم واحد، ما يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل المعارضة المسلحة، التي وجدت نفسها منقادة بفعل تطور الأحداث إلى هذا المصير. فقد أعلن كلٌ من: “جبهة فتح الشام”، و”حركة نور الدين زنكي”، و”لواء الحق”، و”جبهة أنصار الدين” و”جيش السنّة”، تشكيل “هيئة تحرير الشام”، مشيرة في بيانٍ مشترك، إلى أن “المؤامرات التي تعصف بالثورة السورية، والاحتراب الداخلي الذي يهدد وجودها”، هو ما دفعها إلى ذلك، موضحة في بيانها أنها تحرص على “جمع الكلمة، ورص الصف”.

ودعت الهيئة الوليدة “جميع الفصائل العاملة في الساحة” إلى ما سمته بـ”إتمام هذا العقد، والالتحاق بهذا الكيان جمعاً للكلمة، وحفاظاً على مكتسبات الثورة، والجهاد”، وفق البيان. ويترأس الهيئة أبو جابر الشيخ الذي كان قائد حركة “أحرار الشام” منذ سبتمبر/أيلول عام 2014، وحتى سبتمبر/أيلول 2015، ورفض تجديد ولايته، مكتفياً بالبقاء عضواً في مجلس شورى الحركة، قبل أن يعلن استقالته منها، ليترأس الآن “هيئة تحرير الشام”.

” وسبق تشكيل هذه الهيئة اندماج فصائل فاعلة في ريفي حلب وإدلب في حركة “أحرار الشام”، أبرزها: فصائل “ألوية صقور الشام”، و”جيش الإسلام” (قطاع إدلب)، و”جيش المجاهدين”، و”تجمع فاستقم كما أمرت”، و”الجبهة الشامية” (قطاع ريف حلب الغربي)”، على خلفية نزاعات تطورت إلى اشتباكات دامية مع “جبهة فتح الشام”. وبدأت كل تلك الوقائع، بالتزامن مع مؤتمر أستانة، والذي عُقد قبل أيام وشاركت فيه أغلب فصائل المعارضة السورية.

وأعلن أبو جابر الشيخ فور تشكيل الهيئة الجديدة، وقف إطلاق النار بين “جبهة فتح الشام” وبين “الفصائل الأخرى”، وفق بيان من الهيئة، والتي أكدت انضمام عدد ممن سمتهم بـ”المشايخ” إليها، ومنهم عبد الله المحيسني (سعودي الجنسية)، وسواه من العلماء الذين أشاروا في بيان إلى أن هذه الهيئة “هي قصار ما أمكن الوصول إليه”، لمواجهة “المخاطر”.

كذلك أعلنت الهيئة عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أمس الأحد، انضمام فصائل أخرى إليها، منها فصائل كانت منضوية تحت راية حركة “أحرار الشام”، ولكن المتحدث باسم الحركة أحمد قره علي، أوضح في تصريحات لـ”العربي الجديد” عدم انضمام “أي من تشكيلاتنا العسكرية إلى هيئة تحرير الشام”، معلناً أن “الاستقالات التي حدثت في الحركة، هي لأشخاص عملهم معلّق في الحركة أصلاً”.

وعلم “العربي الجديد” من مصادره، أن بعض قيادات “حركة نور الدين الزنكي”، لم تكن “موافقة على الانضمام إلى هيئة تحرير الشام، وهو ما قد يؤدي إلى استقالات في الحركة”.

وبدّل تشكيل الهيئة الجديدة، كل معطيات المشهد الميداني في شمال وشمال غربي سورية، ما قد يفتح أبواب جدل وخلاف كبيرة، في ظل حراك سياسي إقليمي ودولي محموم، للدفع مجدداً نحو تسوية سياسية، من المرجح أن الهيئة الجديدة لن تكون جزءاً منها.

ورأى الكاتب والباحث السياسي خليل المقداد، أن التشكيل الجديد “يعزز الفرز، ويضع الجميع على مفرق طرق وأمام استحقاقات لا يمكن الهروب منها”، متوقعاً في حديث مع “العربي الجديد” أن يتوسع هذا التشكيل أكثر في الأيام المقبلة، خصوصاً “بعد تخلي أبو محمد الجولاني، عن القيادة لصالح أبو جابر الشيخ”.

وكانت جبهة “فتح الشام” (النصرة سابقا)، قد بدأت تفقد بعضاً من رصيدها الشعبي، والذي اكتسبته من خلال تصديها لقوات النظام والمليشيات الموالية له في الكثير من الجبهات، بسبب ممارسات أفضت إلى احتراب داخلي خلال الشهر الحال مع “أحرار الشام” وفصائل أخرى منها “صقور الشام” و”جيش المجاهدين”، وبسبب محاولات حثيثة لبسط نفوذ على كامل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في محافظة إدلب.

وفي هذا الصدد، رأى المقداد أن إقدام “فتح الشام” على تشكيل “هيئة تحرير الشام”، يُعدّ “خطوة ذكية، تمنحها شرعية، وتكسبها شعبية”، متوقعاً مواجهة عسكرية مع حركة “أحرار الشام”، مضيفاً: “الأمر معقد جداً، وكل شيء وارد، والخارطة قد تتغير بفعل أي حدث كبير”.

وتوقف مراقبون للمشهد السوري عند تراجع الجولاني عن القيادة، وهو الذي شكّل “جبهة النصرة” بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية، في أواخر عام 2011، وظل مع حركته منذ ذلك الحين محل جدل واسع لدى السوريين، خصوصاً أنه لم يتبنَ شعارات ومبادئ وراية الثورة، محاولاً تعزيز وتكريس فكر وخطاب تنظيم “القاعدة” الذي يرفضه عموم السوريين.

وأعرب المقداد عن قناعته بأن الجولاني يهدف من وراء تقديم أبو جابر الشيخ إلى القيادة “لإبعاد جبهة النصرة عن الاستهداف والعزل، وتطمين الناس إلى أنه لا يسعى خلف الإمارة”، مشيراً إلى أن الجولاني “يسعى إلى تشكيل كيان لا يمكن تجاوزه في أي معادلات مستقبلية تتعلق بمستقبل سورية”. ورأى المقداد أن تشكيل الجسم الجديد، هو استعداد لمراحل مقبلة في مسار الصراع على سورية، مضيفاً: “نحن ما زلنا في الفصل الأول الذي سينتهي بسقوط بشار الأسد، لكننا أمام فصول جديدة”.

وقدّرت مصادر في المعارضة السورية أن يصل عديد مقاتلي “هيئة تحرير الشام” إلى نحو عشرة آلاف، والعدد مرشح للزيادة في ظل انضمام فصائل أخرى إليها. وتتداخل مناطق سيطرة “أحرار الشام”، و”هيئة تحرير الشام” داخل محافظة إدلب الخارجة برمتها عن سيطرة قوات النظام، وتُعد أهم معقل للمعارضة السورية، إضافة إلى ريف حلب الغربي، لذا يبدي متابعون مخاوف من اقتتال بين الطرفين لفصل مناطق النفوذ، أو توسعتها على حساب الطرف الآخر.

وأكدت مصادر محلية في مدينة إدلب لـ”العربي الجديد” أن الشارع منقسم ما بين “أحرار الشام”، و”هيئة تحرير الشام”، مشيرة إلى أن كفة “الأحرار” ترجح، بسبب خطابها المعتدل وقربها من مبادئ الثورة السورية.

وقال أيمن هاروش، وهو داعية سوري مستقل، وناشط ثوري، إن تشكيل “هيئة تحرير الشام” يمكن “أن يُقرأ من زوايا عدة، منها أنها كانت الطريقة الفضلى لإيقاف بغي الجولاني على فصائل الثورة السورية من خلال إدخاله في هذا الكيان الجديد”. وأضاف هاروش في حديث مع “العربي الجديد”: “هناك دوافع أخرى وراء تشكيل هيئة تحرير الشام، منها التخوف من ضرب جبهة فتح الشام من قبل الطيران الروسي، والتحالف الدولي”، معتبراً هذا الأمر “محاولة لنزع الذرائع من يد الآخرين لضرب فصائل معينة”.

” وكشف هاروش عن أنه كان هناك مسعى لدمج كل فصائل الثورة في كيان واحد “بشكل لا يتقدم أحد على آخر”، مضيفاً أن “الجولاني كان يصر على أن يكون رأس حربة في أي اندماج، وعندما رفضنا ذلك، حاول فرضه من خلال السلاح”. وأشار هاروش إلى محاولات تجرى من أجل إرسال “رسائل تطمين” من قبل “هيئة تحرير الشام” لباقي الفصائل، خصوصاً “أحرار الشام” من أجل “عودة العافية إلى الساحة”، مضيفاً: “أما إذا بقي البغي مستمراً، ولم تُعطَ الحقوق فكل شيء وارد”، مبدياً خشيته من تصادم مقبل.

وحاولت “جبهة النصرة” منتصف العام الماضي، النجاة من تصنيفها ضمن “التنظيمات الإرهابية” من خلال إعلان فك الارتباط بتنظيم “القاعدة”، ووقف العمل باسم “جبهة النصرة”، وتشكيل جماعة جديدة باسم “جبهة فتح الشام”، ولكن التحالف الدولي والطيران الروسي استمرا في استهداف قادتها ومقاتليها. وتحاول الجبهة مجدداً الهروب إلى الأمام، من خلال الاندماج مع فصائل أخرى في “هيئة تحرير الشام”، ولكن مراقبين يستبعدون إيقاف التحالف الدولي ضرباته لها، وهو ما قد يؤدي إلى استهداف الفصائل التي شكلت معها الكيان الجديد.

العربي الجديد

 

 

 

 

انتبهوا إلى الريف الشمالي السوري/ د. محمد سليمان أبورمان

مخاض كبير تمر به الفصائل السورية المسلحة، حاليا، في مناطق الشمال والشمال الغربي (إدلب وريفها وريفي حلب وحماة) مع بروز نذر المواجهة والصدام بين كل من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) والفصائل الإسلامية الأخرى، خصوصا في الجبهة الشامية، مع انحياز الحليف الاستراتيجي لها، حركة أحرار الشام، إلى الطرف الأول، أي الفصائل الإسلامية الأخرى، ضدها (فتح الشام).

بدأت شروط “الفرز” الراهن وديناميكيته منذ فترة طويلة، مع شعور فصائل عديدة بعبء حمل أجندة “النصرة” معهم في ظل الموقف الدولي من الجبهة، المرتبطة حينها بتنظيم القاعدة. لكن العامل الحاسم والمتغير الرئيس الذي قلب معادلة جبهة النصرة تمثل في الانقلاب في الموقف التركي تجاه الحالة السورية، وهو الذي أخذت تداعياته تتدحرج من تنظيم الدولة الإسلامية، والدخول في مواجهة معها، بعدما كان هنالك “هدنة” غير معلنة، ثم “صفقة حلب- الباب” مع الروس، وأخيرا محادثات أستانة التي بعثت رسالة إلى جبهة النصرة (فتح الشام) أن العلاقة مع الأتراك باتت منقلبة معهم أيضا.

تتمثل المفارقة الكبيرة في أن أنقرة كانت حليفا استراتيجيا لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام، وساعدت لوجستيا على تشكيل جيش الفتح (جمع الفصيلين)، وكانت أنقرة تقوم بجهود كبيرة لإقناع قيادة “النصرة” بالانفصال عن القاعدة، في محاولة تأهيلها دوليا وإقليميا، وهو الأمر الذي حدث، لكن متأخرا جدا، بعدما تخلى الأتراك عن ورقة “النصرة”، ودخلوا في خلافات عميقة معها، بداية فيما يخص حملة “درع الفرات” (عارضتها جبهة فتح الشام)، ثم مع التفاهمات التركية – الروسية وأستانة التي تنظر إليها جبهة فتح الشام مؤامرة كبرى عليها.

ستظهر مخرجات التحول التركي في عملية عزل فتح الشام ومحاصرتها من خلال تشكيل تحالف كبير من الفصائل المسلحة السورية التي كانت سابقا حليفا للجبهة، وكانت المفاجأة أخيرا في إعلان حركة أحرار الشام النفير للدفاع عن جيش المجاهدين الذي تعرض لهجوم من جبهة النصرة، بعد أن كفر شرعيون فيها كل الفصائل التي ذهبت إلى أستانة.

على الرغم من أن “أحرار الشام” لم تذهب إلى أستانة، إلا أنها حاولت إمساك العصا من المنتصف، عبر بيان تعذر فيه من ذهبوا وترفض تخوينهم وتكفيرهم، وهو موقف يختلف جوهريا، بالنتائج والتداعيات، عن موقف جبهة فتح الشام التي لم تكتف بالتكفير، بل بدأت شن عملية واسعة للسيطرة على المناطق الشمالية الغربية، والقضاء على الفصائل الإسلامية الأخرى، قبل أن يفاجئها موقف “أحرار الشام”، ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة عنيفة في تلك المنطقة.

حتى لو تم احتواء الخلافات الراهنة، وتأجيل المواجهات المسلحة، فإن ديناميكية التحولات الجارية تخدم بقوة عملية العزل والفرز التي تحدث بين الفصائل وجبهة النصرة، لكن المخاض لا يقف عند تخوم هذه العلاقات بين الفصائل، إذ يتجاوزه إلى داخلها أيضا، فحركة أحرار الشام تشهد انقسامات وتجاذبات داخلية كبيرة بين تيارين؛ الأول براغماتي مع القيادة الحالية، ويهندسه لبيب النحاس، والثاني أيديولوجي بقيادة أبو جابر الشيخ (الزعيم السابق للحركة) الذي أسس جيش الأحرار، وهو قريب في خطه من السلفية الجهادية.

حتى في داخل “فتح الشام”، هنالك خلافات في كيفية التعامل مع الفرز الحالي، فهنالك جناح شامي ونخبة مؤيدة له، مثل ميسرة الجبوري (أبو مارية القحطاني) الذي رفض حملة الجبهة ضد جيش المجاهدين يوم الثلاثاء الماضي، لكن الجهاز الفاعل في “فتح الشام”، والجناح الخارجي، يشعران بأنها معركة مصيرية (حياة أو موت) ولا مجال فيها للتهاون، ويستشرف أن هذه الفصائل ستنقلب عاجلا أم آجلا عليها، بدعم تركي وعربي، لذلك من الأفضل أن تتغدى الجبهة بهم، قبل أن يتعشوا بها.

انتبهوا، إذا، إلى ما يحدث في الأرياف الشمالية الغربية، فهو مخاض كبير ونقطة تحول خطيرة في مسار المشهد السوري، فما هو أهم من المواجهات العسكرية هي حالة الفرز والقناعات المتبادلة بين الطرفين (فتح الشام والفصائل الإسلامية) بأن الشراكة بينهما انتهت، وبصعود خلاصات رئيسة بأن الطرف الآخر عدو، وليس صديقا.

* د. محمد سليمان أبورمان – باحث بـ”مركز الدراسات الاستراتيجية” بالجامعة الأردنية مهتم بالحركات الاجتماعية والإصلاح والتحول الديمقراطي

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى