صفحات الثقافة

هوليود في “باب الحارة”


    سناء الجاك

مشكلة النظام الاسدي انه لا يزال يسفك الدماء لحماية نفسه، مع انه سقط ولن يرحمه لا الله ولا التاريخ ولا الثوار. طبعاً لا يزال يعتقد ان التخطيط للإغتيالات والحرب الأهلية يكفل استرجاع السلطة، لذا لا يزال يستخدم وسائله البائدة مستبعداً قدرة الشعب على إبادتها لإطاحته. 

ولأن النظام الاسدي متأثر الى حد الهوس بهوليود الى درجة لم يعد يفرّق فيها بين الواقع والتمثيل، يحاول الابتكار من خلال إسقاط رؤيته الهوليودوية على سيناريوات لا تتجاوز “باب الحارة” الذي استعار منه عزة وهمية وبطولات خنفشارية للتعويض عن زمانه الهابط. لم يجد افضل من تضخيم حجم المؤامرة في تحليل عملية الاغتيال التي حصدت “خلية الأزمة”، وكأن الثوار يلعبون “الغميضة” مع القتلة. ولأن الاستعارة من أبواب البلاغة، ها هو يستعير لعملية الاغتيال، الطريقة عينها التي طبِّقت لمحاولة اغتيال الزعيم النازي ادولف هتلر في فيلم “فالكيري”. لم يمت هتلر السينما بالمتفجرة، لكنه في الحقيقة لم يتحمل الهزيمة فوضع حداً لحياته بشجاعة. مثل هذه الشجاعة لن نشهدها في سوريا، حيث الانتحار يستوجب من المنتحر مشط رصاص بكامله، ولأن مئات الاميال الضوئية تفصل هذا النظام عن الشجاعة، يكفي ان يبقى الديكتاتور حياً لتفشل المؤامرة، حتى لو استوجب الأمر قتل شعب بكامله، الى ان يكتشفه الثوار في حفرة ما ويلقى مصير من سبقه. ذلك ان نظرية إبادة الشعب لبقاء النظام، لم تصح في مكان آخر ولن تصح مع الاسد واعوانه وحلفائه. فالنظام سقط عندما لم يصمت أهالي درعا لدى اقتلاعه أظفار أطفالهم. اما العنتريات الهزلية لتبرير الانهيار المتواصل، فلن تنفع حتى لو وصلت مواصيلها الى تركيب كذبة عن أن احدى كبريات شركات الانتاج الهوليودية تتآمر على النظام الساقط والممانع، وهو يتخبط ويدّعي أن “اجهزة استخبارات غربية بالتعاون مع جهات عربية تخطط لاختطاف ترددات القنوات الفضائية السورية لبعض الوقت عبر محطات التحكم بالبث الموجودة في دول مجاورة”. او ان “أشخاصاً يرتدون ألبسة عسكرية وأزياء ومصورين يمثلون قنوات سورية وسيارات عامة وخاصة وعسكرية تحمل لوحات سورية لتقديم صور وأفلام مزورة”، وبتمويل ضخم بملايين الدولارات. بالطبع لا غنى عن الخاصرة اللبنانية التي كانت ولا تزال في صلب الرؤية الاخراجية للنظام الساقط.

هنا تندرج النظرة الجدية الى اعلان جنبلاط انه لن يشارك لأسباب أمنية في الحوار المنسوف موعده، فذلك ايضاً من الوسائل المعهودة لهذا النظام، وسوابقه لا تعدّ ولا تحصى، كذلك اعتداءاته وانتهاكاته. ولا تكفي مطالبة رئيس الجمهورية وزير خارجية سوريا في الحكومة اللبنانية باستدعاء السفير السوري وتبليغه اعتراض لبنان على الاعتداءات والانتهاكات. فالوزير حريص على ان لا يسمع السفير “رسمياً”، ومنه تحديداً، اي احتجاج، اذ لا يصح ان تعلو العين الحاجب. وليس مستبعداً ان يقدم الوزير بالانابة شكوى ضد لبنان الى مجلس الامن لحماية الحدود السورية من الخاصرة الرخوة اللبنانية.

ولا عجب، فالحب أعمى لدى جهات كثيرة في حكومة لبنان واجهزته الامنية، لا سيما اذا كان على مستوى العلاقات بين “ابو كلبجة” و”النمس”. والا كيف يمكن تفسير الإفراج عن المخطوفين السوريين ليلاً في بوداي البعلبكية استعداداً لترحيلهم إلى سوريا، من دون ان نسمع عن اعتقال الجهة الخاطفة؟ بالتأكيد لا عاقل يتوقع الجواب. فالمطلوب مزيد من الازدهار للرؤى الهوليودية في تجليات “باب الحارة” الذي فشّ خلق وزير السياحة فهلل واستبشر خيراً وأعلن فخوراً أن “هناك زيادة في قدوم السائح السوري الى ربوعنا اللبنانية، بلغت نحو 150 في المئة مقارنة مع 2011، ولا سيما من سكان دمشق”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى