صفحات العالم

النظام السوري دخل مرحلة النهايات


بول سالم *

ثمة مؤشرات عدة على أن نظام الأسد بدأ مسيرة انحدارية سحيقة نحو التدهور وربما السقوط. يخرج المزيد من البلدات والمناطق عن سيطرة النظام، وتظهر القوات الحكومية دلائل الارتباك من خلال ارتكاب مجازر متكررة، فيما المعارضة تتسلّح وتنسّق قواها في شكل مطرد. وعلى الصعيد الدولي، تقترب خطة أنان، التي منحت النظام السوري فرصاً عدة، من نهايتها، وسط دعوات متزايدة في الغرب إلى رفع مستوى التدخل في سورية. وفي هذه الأثناء، تتدفق الأموال والأسلحة والمعلومات الاستخبارية على الثوار السوريين. وهكذا، يبدو النظام السوري الذي رفض الحلول السياسية وفشل في فرض حلوله الأمنية – العسكرية، على شفير الانهيار تحت وطأة عنفه العاري وتناقضاته الحادة.

يمكن ملاحظة ارتباك النظام من خلال معاينة تطورات عدة. فتشير مجزرتا الحولة ومزرعة القبير وإطلاق العنان لإرهاب الشبيحة إلى أن النظام لم يعد قادراً على فرض سيطرته وهيمنته كما في السابق، ولذا يلجأ إلى أعمال وحشية لإرهاب المواطنين ومحاولة ردع الثوار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تفسير التقارير الدولية عن استخدام الأطفال كدروع بشرية خلال المجابهات بين قوات النظام وقوى المعارضة المسلحة.

ثم أن النظام بدأ يستخدم الحوامات العسكرية، وهو أمر تجنّبه في الماضي لأنه يعزز وجهة نظر الداعين إلى فرض مناطق حظر جوي. وهذا، مرة أخرى، يعكس فقدان النظام القدرة على السيطرة على الأرض في مناطق عدة من سورية، ووصول أسلحة مضادة للدبابات والمدرعات، علاوة على أسلحة وأجهزة اتصال أخرى إلى أيدي قوات المعارضة.

لكن، ثمة ما هو أخطر: إذ أن الهجمات على بلدة الحفة وبلدات أخرى، فضلاً عن المعارك حول مدينة حماة الاستراتيجية، ربما تدل على أن النظام بدأ يستعد لمرحلة ما بعد السقوط من خلال القيام بعمليات «تنظيف» مذهبية في المناطق الشمالية الغربية من سورية، تمهيداً لإقامة «كانتون» علوي هناك.

لقد أشعلت المذابح المتكررة الرأي العام في الداخل السوري، حتى في صفوف رجال الأعمال والطبقات الوسطى التي بقيت على الحياد طيلة الفترة السابقة. وثمة أيضاً تقارير عن بروز امتعاض عميق داخل الطائفة العلوية نفسها، ذلك أنّ الرئيس الأسد وعد الطائفة بحل عسكري أمني سريع للأزمة لكنه بدلاً من ذلك يقودها إلى حرب أهلية لا تستطيع أن تربحها.

وفيما يبدو النظام في حالة تضعضع، بدأت المعارضة تُظهر المزيد من التنسيق والفعالية. إذ تشير المعلومات إلى أن هذه القوى تتلقى أموالاً وأسلحة خفيفة من السعودية وقطر، وأسلحة مضادة للدبابات من تركيا، ودعماً استخبارياً وتقنياً من الاستخبارات الأميركية (سي أي آي) والبريطانية (أم آي 6). وقد تكبّدت القوات الحكومية في المعارك التي نشبت الأسبوع الماضي مع قوات الثوار خسائر بشرية كبيرة وفقدت 20 دبابة وعربة مدرعة. كما تُظهر قوات المعارضة دلائل متزايدة على أنها باتت قادرة على التنسيق وعلى تنفيذ هجمات بشكل أكثر فعالية في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك ضواحي دمشق.

وعلى الصعيد الخارجي، ثمة تحوّل ايضاً. فمبادرة كوفي انان تُعتبر الآن في عدد من عواصم المنطقة وفي الغرب أنها قد فشلت. ويتمحور النقاش حالياً حول ما إذا كان يتعيّن الانتظار حتى ينتهي تفويض مهمة المراقبين الدوليين في أواسط تموز (يوليو)، أو أن يُعلن عن وفاة هذه المبادرة قبل ذلك. وقد أعرب أنان نفسه عن إحباطه الشديد من أفعال النظام السوري، وحذّر من أن البلاد باتت على شفا «كارثة الحرب الأهلية». لكن هيرفي لادسوس، رئيس عمليات قوات حفظ السلام الدولية، ذهب أبعد من ذلك حين أعلن أن سورية دخلت بالفعل في «حرب أهلية واسعة النطاق».

والآن، وبعد أن فشل أنان في حمل نظام الأسد على الامتثال إلى مبادرته، تكمن الطلقة الأخيرة في استراتيجيته في الانخراط مع كلٍ من روسيا وإيران في سيناريو «مجموعة اتصال سورية»، بأمل إقناع حلفاء الأسد بحمله على قبول التفاوض والبحث عن حل سياسي.

لكن يبدو أن الوقت بدأ ينفد داخلياً وخارجياً. إذ لم يعد واضحاً كم من الوقت يستطيع نظام الأسد أن يصمد بعد، فيما تتعالى أصوات في الغرب تطالب بإعلان موت مبادرة أنان وتدعو إلى عدم الاعتماد على الرئيس الروسي بوتين لإنقاذ سورية من المجازر والحرب الأهلية.

في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة وروسيا التفاوض، فعُقد اجتماع الجمعة الماضي ضم المبعوث الأميركي الخاص إلى المعارضة السورية فريد هوف ونائبين لوزير الخارجية الروسي هما ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف. لكن بدا ان مواقف الطرفين لا تزال متباعدة. فروسيا تواصل دعم نظام الأسد عسكرياً وسياسياً، وحتى مالياً، فيما تقدّم الولايات المتحدة الدعم الاستخباري والتقني للثوار السوريين، وتوافق على تدفق الأسلحة وعمليات التدريب إليهم والتي يقوم بها حلفاؤها وأصدقاؤها في المنطقة. والواقع، وفيما تنهار مبادرة أنان ويكسب الثوار المزيد من الصدقية، يحتمل أن تزيد الولايات المتحدة بالتدريج مداخل دعمها المباشر وغير المباشر للثوار. يتطور الموقف الأميركي بسرعة، بخاصة لأن المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني يدعو إلى موقف أميركي أكثر حزماً إزاء الأزمة السورية. وهذا ما قد يدفع أوباما إلى تصعيد مواقفه من الأزمة. ولا يغفل أيضاً أن القيادات الاسرائيلية، من نتانياهو إلى شاوول موفاز وشيمون بيريز، باتت تطالب اميركا والغرب بالتدخل في سورية، وسيكون للموقف الاسرائيلي صداه القوي عند اللوبي اليهودي في واشنطن.

أما على الصعيد الأوروبي، فصرّح كلٌّ من وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرز فوغ راسموسن، بأن الأزمة السورية بدأت تشبه الأزمة البوسنية في بداية التسعينيات. آنذاك، وقف العالم في موقف المتفرّج بينما كان جيش نظام ميلوسوفيتش يرتكب المجازر والتطهير العرقي. ولم تنتهِ الأزمة إلا بعد أن شنّ حلف شمال الأطلسي عملية قصف جوي مكثّف. إذاً، تظهر التصريحات الأوروبية أن الحكومات الغربية، وإن كانت تبدي تردّداً الآن، قد ترى أنه من الضروري التدخّل في سورية في المستقبل القريب. هذه الخطوة بدأت تُتَرجَم من خلال تقديم الدعم العسكري غير المباشر للثوّار، لكن قد يُنظَر في نهاية المطاف في إمكانية إقامة منطقة حظر جوي أو ممرّات أو مدن آمنة داخل سورية.

تشير التطورات في الأسابيع الاخيرة أن الأزمة السورية بدأت تدخل مرحلتها النهائية. وفيما من غير المؤكّد ما إذا كان نظام الأسد قادراً على الصمود لما تبقّى من العام الجاري، من الواضح أنه اختار السبيل الأكثر دموية، آخذاً سورية إلى مرحلة من الدمار والحرب الأهلية، ومعرّضاً الطائفة العلوية، التي يدعي حمايتها، إلى خطر وجودي كبير. لا يمكننا إلا أن نأمل أن تخرج سورية سريعاً من محنتها، وألا تشمل تكاليفُ سقوط النظام وإرساء نظام سياسي جديد مزيداً من عشرات آلاف الضحايا.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى