صفحات الحوار

ندوة الجزيرة نت: اتفاق تركيا وروسيا يكرس نفوذهما بسوريا  

 

 

محمد عيادي-الدوحة

في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي توصلت روسيا وتركيا لوقف إطلاق النار بسوريا والإعلان عن مؤتمر مرتقب عقده هذا الشهر في العاصمة الكزاخية أستانا لبدء مفاوضات سياسية بين الأطراف السورية.

ولتسليط الضوء أكثر على هذا الاتفاق واستشراف آفاق مؤتمر أستانا في كزاخستان، نظم موقع الجزيرة نت ندوة شارك فيها كل من مدير وحدة تحليل السياسات بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور مروان قبلان، والدكتورة فاطمة الصمادي باحثة أولى في مركز الجزيرة للدراسات، وعماد قدورة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وباحث دكتوراه في جامعة سكاريا التركية، وأدارها الصحفي في الجزيرة نت محمد عيادي.

وأجمع المشاركون في الندوة على أن اتفاق أنقرة كرّس النفوذ الروسي التركي في سوريا بوصفهما ضامني تطبيق الاتفاق، وأن موسكو لا تتفق مع الأجندة الطائفية لطهران في سوريا، ولأجل ذلك أرسلت الشرطة العسكرية إلى حلب بعد مغادرة فصائل المعارضة منها.

وفي الوقت نفسه، أكد المشاركون أن إيران عامل مهم لإيجاد حل سياسي في سوريا، وكذلك الدعم الأميركي للاتفاق الروسي التركي المذكور، لكن موقف واشنطن لن يتضح إلا بعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب منصبه رسميا في العشرين من الشهر الجاري.

وشدد المشاركون في الندوة على أهمية مشاركة العرب في مؤتمر أستانا لدعم موقف المعارضة، وغيابهم يعني عدم تأثيرهم في الملف السوري لصالح تأثير إيراني كبير.

لماذا جاء الاتفاق التركي الروسي بشأن وقف إطلاق النار في سوريا سريعا بينما كان النظام السوري يتحدث عن معارك مقبلة، وتحدث مسؤولون إيرانيون عن أن معركة حلب كان معركة الدفاع عن الثورة الإسلامية؟

مروان قبلان: لا أعتقد بأن الاتفاق جاء سريعا لأن المفاوضات بين فصائل المعارضة المسلحة وروسيا بدأت قبل ثمانية أسابيع من الخروج من حلب بأنقرة، لأن فكرة المبادرة التركية كانت تسعى لمنع معركة حلب والتوصل لاتفاق خروج فصائل المعارضة المسلحة وعلى الأقل خروج “جبهة النصرة” من حلب.

وقبل المعركة كانت الفكرة الرئيسية التي يطرحها الروس ويصرون عليها هي خروج “جبهة النصرة” من الجزء الشرقي من حلب، ويبدو أن الأتراك كانوا مستعدين لمناقشتها، ولهذا السبب حصلت لقاءات روسية مع فصائل المعارضة الكبرى الموجودة في المدينة لكن لم يتم التوصل لذلك الاتفاق لأسباب مختلفة، مما أدى عمليا إلى أن يتخذ الروس قرارهم بإخراج المعارضة السورية من حلب بالقوة لأسباب عديدة، منها الضغط الإيراني وضغط النظام السوري.

وأعتقد بأن ذلك راجع لوجود خلاف في الأجندات بين روسيا والنظام في ما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار، لأن الإيرانيين تحديدا كانوا يريدون القضاء على المعارضة السورية بالمعنى المادي للكلمة، أي إفناءها وإبادتها، حيث هي محاصرة في مربع خمسة كليومترات تقريبا.

لأن الإيرانيين يعتقدون بأنه إذا خرج المعارضون من حلب فسيقاتلونهم في مكان آخر في إدلب وغيرها، فلماذا لا يتم التخلص منهم في حلب ما دامت كفة موازين القوى تميل لمصلحة الإيرانيين، ولماذا نعطيهم ونمنحهم فرصة للخروج، وأعتقد بأن اتفاق أنقرة جاء نتيجة مجموعة من المقدمات مكنت من الوصول إليه.

ومن كان متابعا الاتصالات التركية الروسية، ثم المفاوضات التي أجريت في أنقرة بين فصائل المعارضة وبين الروس، ثم اتفاق حلب لإخراج فصائل المعارضة من حلب يخلص إلى أن الاتفاق لم يأت سريعا.

ويمكن القول إذا تجاوزنا مسألة السرعة في الاتفاق، إن هناك فعلا خلاف أجندات بين روسيا وإيران، ولهذا السبب لاحظنا أن الإيرانيين عارضوا الاتفاق وحاولوا عرقلته من خلال المليشيات الموجودة على الأرض، وتحديدا مليشيات حزب الله والنجباء العراقية عبر منع اتفاق إخلاء فصائل المعارضة من حلب، ومحاولة فرض أو إدخال موضوع كفريا والفوعة (البلدتان الشيعيتان في إدلب اللتان تحاصرهما المعارضة منذ نحو 18 شهرا) في هذا الاتفاق، والمعارضة وافقت على ذلك لأنها كانت محاولة إيرانية لعرقلة التوصل للاتفاق والمضي في تحقيق الهدف الإيراني بالإجهاز على المعارضة السورية.

لماذا سعت إيران لعرقلة الاتفاق التركي الروسي؟ وهل يمكن القول إنها فوجئت به؟

فاطمة الصمادي: بالتأكيد لأن إيران لم تشارك بصورة كبيرة في إنجاز الاتفاق وفوجئت بإبرامه، وردة فعلها السياسية تعكس هذه المفاجأة، ولذلك نجد أحد المواقع يتحدث بشكل واضح عن أن إيران جلست في صفوف المتفرجين أثناء عقد وبلورة الاتفاق.

وإقصاء إيران راجع للاختلاف التام في الأجندات، فليس في أجندة طهران إنجاز اتفاق سياسي في هذه الفترة، لأنها تعتقد بأن في هذه اللحظة هناك فرصة للقضاء على المعارضة بشكل كامل لأنها لا تضع فروقا وحدودا بين معارضة معتدلة ومعارضة مشددة، بل تسميهم التكفيريين، وتخلط بين الجميع وتنظم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ”داعش”، وبالنسبة إليها التقدم في حلب كان مناسبة للانتقال لمناطق أخرى وإفناء المعارضة.

وهناك مسألة أخرى مهمة تكشف الخلاف في الأجندات تتعلق بالطرح الأيديولوجي في الأجندة الإيرانية، في حين لا يوجد لدى الروس هذا البعد في التدخل، نعم لديهم بعد مصلحي واضح من تدخلهم وهي تتحدث عنه ولا تخفيه، وبالتالي إذا تحققت لروسيا مصلحة -واللحظة التاريخية مناسبة لإنجاز اتفاق سياسي- فستدفع باتجاهه وقد فعلت.

والتقارب التركي الروسي جاء على عكس رغبة إيران وما تشتهيه، لأنها كانت تريد مشاركة تركية لكن ضمن الحدود التي تقبلها وتراها إيران في هذا الاتفاق على وجه التحديد، لكن تم الالتفاف على الدور الإيراني في سوريا، ولذلك أرى أن الإيرانيين لن يدعموا على المدى البعيد اتفاق أنقرة، وهناك مجموعة من الأسباب تجعلهم يعرقلون الاتفاق، وللأمر علاقة أيضا بمؤتمر أستانا القادم.

بعد اتفاق حلب أرسلت روسيا الشرطة العسكرية ووزعتها في المدينة بعد خروج المعارضة، ويقال إن روسيا فعلت ذلك اضطرارا لأنها فوجئت بأن المليشيات الإيرانية والشيعية مهيمنة على الأرض ولا وجود تقريبا للنظام، هل هذا هو المبرر للخطوة الروسية؟

فاطمة الصمادي: أعتقد أن الخطوة الروسية تعود لعدة أسباب، منها البعد الأيديولوجي الواضح في الطرح الإيراني في معركة حلب وبعد اتفاق إخلاء المعارضة في حلب، واستعراض القوة الإيرانية من قبيل ما فعله قاسم سليماني في حلب؛ كانت رسائل لم ترض عنها موسكو.

وهناك استطلاعات للرأي أنجزت في العالم العربي والعالم الإسلامي عكست نوعا من السخط على روسيا، وأن الأخيرة تدعم الشيعة على حساب السنة وتشارك في القضاء عليهم.

وأرى أن الخطوة الروسية بإرسال الشرطة العسكرية فيها رسالة للعالم السني أن موسكو ليست معنية بالبعد الأيديولوجي في المشروع الإيراني، ولذلك دفعت في اتفاق وقف إطلاق النار.

مروان قبلان: نحن متفقون على وجود اختلاف أجندات بين روسيا وإيران، فهدف الأخيرة عمليا في حلب تحديدا هو إحداث تغيير ديمغرافي في المدينة المهمة في إستراتيجية طهران، وكانت فكرتها استقدام أهالي كفريا والفوعة وإسكانهم في شرق حلب.

وليس للروس مصلحة في حصول هذا للأسباب التي تحدثت عنها الدكتورة الصمادي، وحساسيتها من الموضوع الشيعي السني في المنطقة، لذلك قرروا أن يفوتوا على إيران هذه الفرصة ولم يسمحوا لهم بإسكان أهالي البلدتين المذكورتين بشرق حلب، وجلبوا الشرطة العسكرية لأن المليشيات الشيعية هي من قامت بالتجاوزات، سواء إخراج الناس من بيوتهم وتهجيرهم أو نهب ممتلكاتهم.

وجلبت روسيا تلك الشرطة من جمهوريات الشيشان وداغستان وبشكريا وهي جمهوريات سنية، ومن روايات الناس بشرق حلب أن هذه الشرطة تعاملت فعلا مع الناس وكأنهم جزء من الثقافة المحلية.

أعتقد أن هذا ترك نوعا من الارتياح حتى لدى السكان لأن معاناتهم الشديدة من المليشيات الطائفية المتشددة جعلتهم يقبلون بأي كان مقابل إبعاد هؤلاء عنهم وحماية ممتلكاتهم.

وشرق حلب اليوم في عهدة الشرطة العسكرية الروسية ولم يتمكن الإيرانيون من فعل ما يشتهون حتى بعد إخراج المعارضة. من جهة أخرى، الخطوة الروسية فيها رسالة للعالم الإسلامي والسني أن روسيا لا تدعم الأجندة الإيرانية الطائفية وما يتعلق بالتغيير الديمغرافي.

وأعتقد أن هذا لم يبدأ فقط مع الاتفاق أو بعد بل أعتقد أن الروس كانوا من قبل ضد فكرة التبادل السكاني بخلفية طائفية، لذلك لما تدخلوا عام 2015 أول شيء فعلوه أجهضوا الاتفاق الذي جرى في ذلك الوقت بين إيران وأحرار الشام في تركيا وبوساطتها لنقل سكان كفريا والفوعة من إدلب إلى الزبداني ومنعوا حصوله بدليل أنه منذ ذلك الحين وباتفاقية سياسية لم يحصل أي نوع من أنواع التغيير الديمغرافي الطائفي (تبادل الجماعات المختلفة طائفيا) متفق عليه وأنا هنا لا أتحدث عن التهجير وبالعنف فهذا أمر آخر.

ماذا عن الدور التركي في اتفاق وقف إطلاق النار بسوريا؟

عماد قدورة: بداية أؤكد سرعة الاتفاق، وتركيا كانت بحاجة لتسريع عقده في سوريا، خاصة مع ظهور الدور الروسي بشكل مكثف داخل سوريا، لأن الخسائر تسارعت داخل المعارضة وداخل تركيا من حيث مشاكل الأمن القومي التي باتت تصيبها في العمق.

وأقصد هنا التفجيرات الكبرى التي حصلت في مدن تركية كبيرة، ودخول الحرب مع حزب العمال الكردستاني إلى طريق اللاعودة، خاصة أن للحزب امتدادات داخل سوريا وما يعنيه ذلك من تهديد للكيان التركي، وبات الرئيس رجب طيب أردوغان يتحدث عن معاهدة سيفر بدلا من نتائج اتفاق لوزان وحرب التحرير.

فتركيا معنية جدا بإنجاز اتفاق بعيدا عن التدخلات الكبيرة لإيران كما أشارت لذلك الأستاذة الصمادي، ولها مكسب في إبرام اتفاق مع طرف قوي جدا في سوريا أقوى من النفوذ الإيراني، ولذلك أؤكد أن الاتفاق كان سريعا بالنسبة لتركيا لكنه غير سريع بالنسبة للنظام السوري.

ما الضمانات التي لدى تركيا لالتزام فصائل المعارضة السورية المسلحة بالاتفاق خاصة بعد خروق النظام المتكررة؟

عماد قدورة: ترتبط رهانات تركيا بالأطراف الأخرى، وهي تستطيع الضغط على المعارضة للالتزام بالاتفاق، لكن رهانها الأكبر على روسيا وتعتمد عليها للضغط على الأطراف الأخرى، النظام والمليشيات، وتركيا باتت متورطة في سوريا وتحتاج لاتفاق.

في السياق نفسه، العلاقة التركية الإيرانية كانت جيدة، ألا تعتقدون أنها قد تنهار بسبب سوريا لاختلاف رهانات وأجندات الطرفين؟

عماد قدورة: لن تنهار العلاقة بين تركيا وإيران سواء بسبب سوريا أو غيرها، لأنها ترتبط بما هو أهم، أولها العلاقات التاريخية بين البلدين التي وصلت لمرحلة التعايش الثنائي الإجباري، وإدراكهما بأنهما دولتان إقليميتان كبيرتان، ولهما مصالح، وجاء هذا بعد صراعات من القرن الـ16 إلى وقت قريب.

وهناك أيضا علاقات اقتصادية بين الدولتين لا يمكن لأي منهما التفريط فيها والاستغناء عنها أو حتى التفريط بجزء منها لأن تركيا أصبحت شريانا حيويا بالنسبة لإيران وكانت إحدى القنوات التي تتنفس بها أيام العقوبات الغربية.

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 14 مليار دولار في 2014، وفي اجتماع خلال زيارة أردوغان لإيران عام 2015 تم الاتفاق على زيادة حجم التبادل لثلاثين مليارا في أقرب وقت ممكن.

ويضاف لذلك أن سوريا تمثل علاقة صفرية بين تركيا وإيران لأن نفوذ إحداهما يعني إقصاء الأخرى، ومع ذلك العلاقات الاقتصادية تبقى أكبر.

ألا يمكن القول إن إيران تعطي الأولوية للجانب الأيديولوجي أكثر من الجانب الاقتصادي، خاصة مع رغبتها في التمدد بالعالم العربي؟

عماد قدورة: إيران أيديولوجية لكنها تتعامل بواقعية، ولها في هذا باع طويل من قبيل تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية رغم أنها كانت تصفها بالشيطان الأكبر، وتفاوضت معها في قضية “كونترا غيت” أو “إيران كونترا”.

فلا مشكلة لدى إيران في التعامل مع تركيا كما تفعل روسيا التي تتعامل مع أنقرة في أوج الأزمة بواقعية بينهما، بحيث لم تقطع العلاقات التجارية ولم تفرض عقوبات كبيرة لأنها ستضر بروسيا نفسها قبل تركيا، وإيران تدرك أن تركيا دولة كبيرة لا يمكن التفريط في العلاقة معها.

فاطمة الصمادي: يشكل ملف الطاقة معطى مهما وكبيرا في موضوع العلاقة بين تركيا وإيران وضاغط على أنقرة لأنه ملف حيوي ومرتبط بكل مناحي حياة تركيا، لأنها بحاجة لمزود بالطاقة بأسعار، وإيران تزودها بأسعار تفضيلية، وتعول أنقرة على مشروع مستقبلي تكون فيه ناقلة للطاقة إلى أوروبا، وهذا رهين بطبيعة العلاقة مع إيران.

وللإيرانيين والأتراك قراءة فيها نوع من الوعي لدور كل دول منهم في المنطقة، ولا يحاول أي منهم إنكار هذا الدور على الآخر.

هل يمكن أن نقول نفس الكلام عن العلاقة الإيرانية الروسية من أنها قد تنهار على أرض سوريا أو بسبب الملف السوري؟

فاطمة الصمادي: لا لا، العلاقة الروسية الإيرانية مختلفة، فهناك إرث تاريخي من العداء منذ اتفاقية تركمان تشاي عام 1828 و1907عام عندما أنجزت روسيا وبريطانيا ما سميت اتفاقية القرن، احتلت على إثرها إيران، ثم الملف النووي وصفقة S800 التي حصلت عليها إيران بعد تأجيل وتسويف روسي طويل.

الإرث في العلاقة الروسية الإيرانية إرث عداء وحروب وغياب ثقة، فضلا عن أن روسيا لا تنظر لإيران كحليف إستراتيجي، ولكن لديها معها مصالح وشراكات إستراتيجية، من ضمنها الملف السوري.

وإذا أردنا أن نفهم كيف تنظر روسيا إلى العلاقة مع إيران علينا رصد سلوك روسيا في مناطق الجوار، في آسيا الوسطى بالقوقاز وبحر قزوين، فهو ملف خلافي كبير بينهما، وكذلك ملف الطاقة والوجود في آسيا الوسطى، وأيضا وثيقة الأمن التي وقعها بوتين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وأقرها الكرملين.

وتضع الوثيقة خمس أولويات في علاقات روسيا الخارجية، تأتي في مقدمتها الدول ذات المنافع المشتركة الناطقة بالروسية، دول آسيا الوسطى والقوقاز، وفي المرتبة الثانية الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الثالثة، وشرق آسيا والصين في المرتبة الرابعة، وفي المرتبة الخامسة هناك حديث عن دول الخليج وعلاقات إستراتيجية معها.

وفي التفصيل تجد أن روسيا لا تستعمل كلمة إستراتيجية في العلاقة مع إيران، وتتحدث عن تمتين العلاقات معها في تطبيق الاتفاق النووي، وهذا يوضح كيف تنظر روسيا لإيران.

مروان قبلان: العلاقة بين تركيا وروسيا وإيران معقدة جدا، فيها نوع من التنافس والتعاون في ملفات مختلفة، وتحدثنا عن تعاون تركي إيراني لوجود منافع مشتركة بينهما ورغبة تركية لتتحول لمعبر رئيس للطاقة من إيران وروسيا إلى أوروبا، وهناك بالتأكيد علاقات تجارية كبيرة.

وما أشار إليه الأستاذ عماد بخصوص الميزان التجاري بين تركيا وإيران أكبر من الميزان التجاري بين تركيا ودول الخليج مجتمعة، وهذا أمر ملفت للانتباه لأن دول الخليج لم تتمكن من تطوير علاقاتها مع تركيا.

إن العلاقات الاقتصادية التركية الإيرانية مهمة جدا، لكن هذا لم يمنع البلدين من أن يدخلا في حرب وكالة ضد بعضهما البعض في سوريا، وهي حرب مكشوفة ومفتوحة بكل المعايير، تركيا تدعم بكل قوة فصائل المعارضة السورية المسلحة مقابل دعم إيراني غير محدود للنظام، فهما عمليا تقاتلتا في سوريا.

لكن تركيا تعلمت من إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ألا تدخل في صدام مباشر سواء مع روسيا أو إيران، والصراع مع روسيا أصبح من الماضي، لكنه مستمر مع إيران بدليل ما حصل في اتفاق موسكو، فاجتماع وزراء خارجية ودفاع الثلاثي (روسيا وتركيا وإيران) أظهر أن هناك خلافا واضحا بين مولود جاويش أوغلو وجواد ظريف عندما طلب الأول أن يعامل حزب الله معاملة باقي الفصائل وأن يخرج من سوريا فردت إيران بأنها والحزب باقيان.

وبغض النظر عن المبررات التي قدمها الإيرانيون من الواضح أن هناك خلافا بين أنقرة وطهران لكنه لم يؤثر بشكل من الأشكال على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهنا لا يجب أن ننسى أن تركيا لعبت دور الوساطة في الملف النووي الإيراني عام 2010 وصوتت ضد قرار 1929 في مجلس الأمن إلى جانب البرازيل في الوقت الذي أيدته روسيا ووقفت إلى جانب الولايات المتحدة في فرض عقوبات على طهران بخصوص ملفها النووي.

بخصوص العلاقة الروسية الإيرانية هناك مصالح مشتركة كما أكد الإخوة المتدخلون، لكن هناك شكوك ومخاوف بينهما، فالإيرانيون لا ينسون أن روسيا صوتت لصالح خمس حزم من العقوبات ضدهم في مجلس الأمن منذ أن بدأ الحديث عن الملف النووي الإيراني عام 2002، وهناك تنافس بينهما كذلك في مناطق مختلفة.

وباختصار العلاقات بين الثلاثي المذكور معقدة جدا، لكن عندما نتحدث عن علاقة روسيا بإيران وعلاقة تركيا بروسيا وعلاقة تركيا بإيران يحتاج هذا الحديث لضلع رابع ناقص يعتمد على العلاقة مع الولايات المتحدة.

وأعتقد أن الخلاف الروسي الإيراني سوف يستمر ويتوسع إذا حصل تقارب روسي أميركي، فالرئيس فلاديمير بوتين لطالما استخدم علاقته بإيران أداة مهمة في علاقته مع الغرب، خاصة مع الولايات المتحدة، سواء في الصراع أو التقارب كذلك، فعندما كان يريد إرسال عربون صداقة للأميركيين كان يستخدم عمليا إيران ولذلك صوتت موسكو في مجلس الأمن لصالح العقوبات ضد طهران، وكانت تستجيب في كل مرة كان الغرب يضغط عليها حتى لا تسلم الإيرانيين أس300 ولا تكمل مفاعل بوشهر.

إن علاقة روسيا بإيران تعتمد بشكل كبير جدا على علاقة روسيا بالولايات المتحدة، وأيضا إذا أخذنا علاقة تركيا بروسيا فسنجد أنها لم تتحسن إلا عندما أحس الأتراك أن الولايات المتحدة تخلت عنهم وبدأت تتبنى أجندة معادية للمصالح التركية وتحديدا تبنيها للأكراد.

ماذا عن الدور الأميركي في الملف السوري، الناس لم يعودوا يفهمون جيدا هل أميركا لاعب في هذا الملف أم منسحب، أم هناك من يقوم بدورها بالوكالة؟

مروان قبلان: من البداية كانت الولايات المتحدة تقول إن سوريا ليست دولة مهمة بالنسبة لها واستخدمت سوريا مرتين، الأولى كعربون صداقة لإيران حتى تساعدها في الانسحاب من العراق عام 2011.

والأجندة الأساسية للرئيس أوباما في الشرق الأوسط الانسحاب من العراق لكن ذلك لا يمكن بدون حصول تعاون من طرف إيران، والانسحاب صعب جدا بدون هدوء تضمنه إيران.

ولا يمكن لطهران أن تتعاون إذا أزعجها الأميركيون في سوريا، ولذلك كان موقف الأميركيين غامضا جدا من الثورة الروسية، حتى إن هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية قالت في شهر مايو/أيار 2011 إن بشار الأسد رجل إصلاحي وله أجندة إصلاحية، في شهادة أمام مجلس الشيوخ.

ولما أتم الأميركيون انسحابهم بدأت مفاوضات ملف النووي، وللمرة الثانية تقدم أميركا عربون صداقة بالتراجع عن ضرب نظام بشار الأسد في سبتمبر/أيلول 2013 لأنه بعد شهر من ذلك أعلن عن الاتفاق المؤقت بين إيران والأميركيين في مفاوضات كانت تجرى سرا في عُمان؟

وفي الواقع الراهن هناك إدارة أميركية تريد استبدال تحالف ضمني بين أوباما مع إيران لمواجهة تنظيم الدولة، وما يطرحه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب الآن استبدال إيران بروسيا.

ويقول ترمب بدل أن يكون توافق مصالح مع الإيرانيين في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة: لماذا لا نقوم باستبدال إيران بروسيا لأن الأخيرة دولة أكبر وأهم لها تأثيرها وهي لاعب عسكري مهم في سوريا، والهدف بالنسبة لموسكو وواشنطن القضاء على تنظيم الدولة.

الأميركيون موجودون بقوة في المشهد السوري، لديهم قاعدة عسكرية في إرميلان ويبنون قاعدة عسكرية أخرى في جنوب عين العرب (كوباني)، بمعنى لهم تواجد عسكري على الأرض.

وعندما قصفت الطائرات التركية بعض القواعد التابعة لحزب العمال الكردستاني قصفتها بالقرب من إرميلان، ووجهت بذلك رسالة للأميركيين بأننا لن نصبر على الملف الكردي في انتظار أن يأتي ترمب.

وأعتقد أن أي اتفاق اليوم في سوريا لا بد من مشاركة القوى الفاعلة، وبوتين كان واضحا فهو يدعو كل الأطراف بمن فيهم الأميركيون للانضمام للمسار السياسي الذي فتح في سوريا اليوم، وأعتقد أن الجميع بانتظار عودة اللاعب الأميركي لأننا جميعا متفقون على أنه لن يكون هناك اتفاق سياسي قابل للتطبيق في سوريا بدون الولايات المتحدة على الأقل في الجبهة الجنوبية، حيث تتعامل جميع الفصائل مع غرفة الموك الموجودة في الأردن.

ومعروف أن المخابرات الأميركية هي التي تشرف عليها، فتأثير الأميركيين بالجبهة المذكورة على الأقل بالإضافة لبعض التأثير في الشمال من خلال الأكراد الذين باتوا اليوم قوة مهمة في شمال سوريا؛ وأبرزها وحدات حماية الشعب الكردية، فالجميع بانتظار عودة اللاعب الأميركي للطاولة ليأخذ دوره في دعم المسيرة السياسية التي بدأها الأتراك والروس من خلال اتفاق وقف إطلاق النار بسوريا أواخر الشهر الماضي.

بالنسبة للأتراك أخذوا قرارا وتدخلوا في سوريا خاصة على حدودها في شمال حلب بجرابلس والباب، ما هي رهاناتهم؟ هل يتعلق الأمر فقط بالأكراد أم لإثبات الحضور وعدم ترك الروس والإيرانيين والأميركيين وحدهم في الميدان؟

عماد قدورة: التدخل التركي في الشمال الروسي تم بناء على تقارير استخبارية تركية بضرورة التدخل المبكر لمنع تقدم القوات الكردية، خاصة قوات الحماية الشعبية غرب جرابلس.

ولتركيا حسابات دقيقة وأغلبها حسابات عملياتية لأنه إذا دخلت الإمدادات إلى سوريا يصعب استمرارها، وإذا دخلت قوات تركية يصعب التواصل معها باستمرار، وبوجود إيران وروسيا يصعب الدخول للأراضي السورية إلا باتفاق ضمني مع أحد الطرفين، وفيما يستحيل ذلك بالنسبة لإيران فقد تم الاتفاق مع روسيا وتم التدخل، لأنه ما كان ليحصل بدون بغطاء روسي.

ومشكلة الأكراد هي المشكلة الأساسية بالنسبة لتركيا في الشمال السوري بالإضافة لـ”داعش” بعد التفجيرات التي حصلت منذ منتصف 2015 حتى الآن، وبالتالي باتت أولوية بالإضافة لمنع قيام كيان كردي والتواصل بين جرابلس وعفرين في غرب سوريا، ويتم التركيز على مدينة الباب لقطع الطريق غرب الفرات والتحكم ومنع أي كيان أو فدرالية كردية، فذلك مضر بالأمن القومي التركي بشكل عميق.

وبالمناسبة حزب العمال الكردستاني لا يمثل كل الأكراد، لكن من لم يكن مقتنعا من الأكراد بقيام كيان شبه مستقل أو مستقل بدرجة كبيرة سيقتنع بعد قيام ذلك الكيان في شمال سوريا، وهو ما تحاول أنقرة أن تمنعه.

أظن أن هناك اتفاقا مع الأميركيين أو ضوءا أخضر منهم للتدخل التركي في شمال سوريا؟

عماد قدورة: بالنسبة للولايات المتحدة هناك توتر بينها وبين تركيا حول التدخل، والقيادة التركية أكثرت من الحديث خلال الأسبوع الماضي عن خذلان إدارة أوباما للأتراك، ووصل الأمر لاتهام مباشر ليس بدعم القوات الكردية فقط بل بدعم “داعش” أيضا، وهو تصريح لأردوغان أو إحدى القيادات التركية.

وهذا بطبيعة الحال له أسباب، والولايات المتحدة تسمح لتركيا بدخول الشمال السوري لضرب “داعش” لكنها لا تسمح لها بضرب الأكراد، لذلك فانقطاع الدعم الأميركي عن تركيا كان رسالة لها بأن حدودها في محاربة “داعش”.

وللمفارقة هذا مطلب روسي أيضا لأن علاقتها بالأكراد ليست سيئة بل قد تكون ورقة بيدها تجاه تركيا أو حتى سوريا، فالدعم الروسي أو التركي مشروط بحدود معينة، وأغلبها يتعلق بضرب “داعش”.

ماذا عن غياب الدور العربي في الاتفاق الروسي التركي المذكور وفي كل الملف السوري؟

فاطمة الصمادي: هذا الغياب مرتبط بالخلل الكبير في ميزان القوى بعد احتلال العراق، فمنذ 2003 إلى اليوم ونحن نشهد تراجعا كبيرا لحضور الإقليم العربي وتأثير الدول العربية، ولا يمكن الآن الحديث عن طرف عربي له حضور في المحادثات، ولا يمكن توقع أي ثقل لأي طرف عربي في المحادثات القادمة في أستانا، لأن الأمر مرتبط بالحضور على الأرض، بمعنى ماذا حققت الدول العربية على الأرض؟

تركيا لها حضور في سوريا، ولإيران حضور قوي وكذلك روسيا، وهذه الأطراف تستطيع أن تجلس على طاولة المفاوضات، ولديها أوراق قوة تستطيع المناورة بها لكن الطرف العربي لا يملك للأسف الشديد أوراقا.

كما أن الغياب مرتبط أيضا بضعف الدور المصري بشكل كبير، وأعتقد أن الخلل تزايد منذ الضربة التي وجهت لمشروع التحرر العربي وما حدث في مصر من دعم الانقلاب العسكري الذي كانت له تبعات كبيرة جدا ليس فقط في القضية السورية بل في مجمل الوجود العربي السياسي في المنطقة.

هل يمهد الاتفاق الروسي التركي بشأن وقف إطلاق النار لمفاوضات سياسية نوعية بين الأطراف السورية خاصة بعد المؤتمر المرتقب في أستانا؟

مروان قبلان: أعتقد أن الاتفاق الروسي التركي حتى الآن هو أكثر محاولة جدية للذهاب لتسوية سياسية في القضية السورية، وبصراحة فالاتفاق حصل بين الدولتين المذكورتين وفرض على جميع الأطراف، فتركيا فرضت الاتفاق على المعارضة، وروسيا فرضته على النظام السوري باعتبار أنقرة وموسكو ضامني الاتفاق، وهذا لا يعني عدم وجود عقبات وتحديات وكذلك صعوبات.

ولكل من تركيا وروسيا ما يكفي من الأوراق للضغط على حلفائهما والأطراف المعنية للمضي في العملية السياسية، لكن في الوقت نفسه لا بد من توفر الشروط اللازمة للحل لأن إيران ستحاول العرقلة وحاولت أكثر من مرة.

وحتى النظام يعرقل؟

مروان قبلان: في الحقيقة النظام لا يحسب لأن القادرة على التعطيل هي إيران وأدواتها الموجودة على الأرض وهي حزب الله ومليشياتها المختلفة، وهذا كان واضحا في وادي بردى، ولاحظنا أن ذهاب وزير خارجية النظام ومدير مكتب الأمن القومي إلى طهران ليتوسطا لدى الإيرانيين للضغط على حزب الله للالتزام بالاتفاق نتيجة الضغط الروسي على النظام.

وإذا أراد الأخير -النظام- إلزام حزب الله بشيء يجب أن يذهب لإيران، ولذلك النظام لا يحسب من وجهة نظري، ومن يحسب هو إيران التي اعترضت خلال الأسبوعين الماضين خمس مرات بشكل علني على المواقف الروسية.

اعترضت على اتفاق إجلاء المعارضة الذي تم في ديسمبر/أيلول الماضي، واعترضت في المرة الثانية على شمول المفاوضات الروسية على فصائل تعتبرها إيران إرهابية كجيش الإسلام وأحرار الشام، واعترضت على القرار 2328 الذي سمح بوصول قوات دولية للفصل في سوريا.

وبالمناسبة، هناك دول تعد الآن لإرسال كتائب لسوريا بطلب روسي لتقوم بعملية الفصل وحفظ السلام خلال المرحلة الانتقالية وهو ما لا تريده إيران التي اعترضت مؤخرا على اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار بدليل ما يجري في وادي بردى اليوم.

إذاً هناك عقبات كبيرة سيواجهها الاتفاق الروسي التركي الذي يحتاج برأيي لعامل مهم لنجاحه والوصول لمبتغاه، وهو ألا تقوم أميركا بأي محاولة لعرقلته بل يجب أن يتوفر دعم أميركي للاتفاق، بمعنى أن نجاح الاتفاق بشكل كبير رهين بتحييد العامل الإيراني.

وطالما أن الروس والأتراك ضامنون لحلفائهم الموجودين على الأرض وحصل الدعم الأميركي وتحييد إيران فستتوفر شروط أساسية لنجاح الاتفاق.

صحيح أن الدور العربي تضاءل كثيرا لكني أعتقد أن المرحلة القادمة سيحتاجون العرب على الأقل لأنهم سيمولون أي عملية لإعادة الإعمار في سوريا، وبدون العرب لن يتحقق هذا؟

من هي الأطراف التي ستكون مؤثرة في مؤتمر أستانا المرتقب هذا الشهر؟ وأي طرف سيكون أكثر تأثيرا؟

مروان قبلان: الروس والأتراك سيكونون أكثر تأثيرا لأنهم من أنجزوا اتفاق وقف إطلاق النار، لأنه لم يبق للروس هدف عسكري كبير لتحقيقه بعد حلب ولا يريدون الدخول في تفاصيل المشهد السوري، وكذلك الأتراك ولذلك كان لديهم تحفظ أكثر من مرة عندما أعلن بشار الأسد وكذلك المعارضة.

والروس يرون أن رغبة بشار في استعادة كل سوريا هدف غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور، وهم وصلوا لغاياتهم من العملية العسكرية، كانوا يريدون أخذ حلب -وهو أكبر هدف عسكري كان يمكن تحقيقه في سوريا- وقد فعلوا، أما الأهداف العسكرية الصغيرة فيمكن أن تقوم بها مليشيات وليس دولة بحجم روسيا.

وكأن موسكو تقول بذلك إنها غيرت موازين القوى في سوريا وحققت أهدافها في منع سقوط النظام وحصلت على قواعد عسكرية في سوريا وفرضت نفسها في الساحة الدولية، واستعرضت قوتها لما جاءت بأسطول بحر الشمال قبالة السواحل السورية واستخدمت صواريخ كروز وكاليبر وحاملة الطائرات وغير ذلك، وكل ذلك انتهى تقريبا.

الآن تريد روسيا أن تقدم نفسها كصانع سلام، ولأجل تحقيقه رغم فشل الجميع في تحقيقه بمن فيهم الأمم المتحدة والأميركيون، الروس اليوم اللاعب الأهم في ما يتعلق بالمسار السياسي السوري.

بخصوص مؤتمر أستانا، حضور الروس والأتراك أساسي، هل ستحضر دول عربية وإيران؟ وفي هذه الحالة ما هي الأوراق التي يحملها كل طرف؟

عماد قدورة: من أوراق تركيا علاقتها بروسيا وهي تعول عليها كثيرا، والتأكيد على مرجعيات القرارات الدولية وتطبيقها، خاصة إعلان جنيف 2012، وهذا مهم جدا بالنسبة لتركيا، وقرار مجلس الأمن الذي رحب بالاتفاق التركي الروسي أكد على هذا الأمر.

وأهم ورقة بيد تركيا عدم قبولها بوجود الرئيس بشار السد في منصبه بعد المرحلة الانتقالية، وبالنسبة لروسيا فهي معنية بإنهاء التدخل العسكري وتحويله لاستثمار سياسي، وتركيا تدرك هذا الجانب، وبخصوص الولايات المتحدة فالكل ينتظر حتى الآن ما ستقوم به إدارة ترمب.

ماذا عن إيران ومؤتمر أستانا؟

فاطمة الصمادي: لا يمكن الحديث عن حل في سوريا بدون إيران فقد أصبحت أمرا واقعا، لأننا نتحدث عن أكثر من خمس سنوات من النفوذ الذي بني للإيرانيين داخل سوريا، وباتت إيران ضالعة في مفاصل الحياة السورية بما فيها بناء مليشيات من السوريين أنفسهم.

بمعنى نحن نتحدث عن وجود واقعي ومليشيات عابرة تأتمر بأمر إيران ونفوذها القوي والكبير جدا في العراق، ولذلك لا حل في سوريا بدون حضور إيراني، وهذا برأيي سيجعل من مفاوضات أستانا في غاية الصعوبة.

وعلينا أن نتذكر في هذا السياق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه وصف اتفاق إطلاق النار بأنه هش، لأنه يدرك أبعاد الحالة في سوريا ونفوذ إيران داخلها وما تريده منها، وهي التي دفعت حوالي 175 مليار دولار في سوريا -وهو مبلغ خيالي- لا يمكن أن تسمح بإقصائها بسهولة، وتستطيع إجهاض أي اتفاق سياسي في سوريا.

البعض يقول إن إيران قد تعرقل الوصول للمؤتمر وتجهضه؟

فاطمة الصمادي: لا، هي تعد العدة للمشاركة في المؤتمر لأنها تحتاجه لأجل الاستراحة من جهة ولإقبالها من جهة أخرى على انتخابات رئاسية في مايو/أيار المقبل، بالإضافة لبدء نوع من النقاش الايراني الداخلي حول ملفات الفساد والإنفاق وتراجع الحالة الاقتصادية، خاصة أن الاتفاق النووي لم يأت بالمكاسب التي كانت تريدها إيران.

وأعتقد أن إيران ستدخل المحادثات بأستانا في زاويا صعبة لما لها من خبرة في التفاوض، فالملف النووي وفر لها خبرة طويلة، وأظن أن نفس الفريق الذي فاوض في الملف المذكور سيشارك في مفاوضات أستانا الشهر الجاري مع دخول مفاوضين من الحرس الجمهوري ضمن الفريق والوفد الإيراني.

عماد قدورة: الاتفاق التركي الروسي عبارة عن إحلال للتأثير التركي والروسي محل التأثير الإيراني، وإذا وصل لغايته وتمت مفاوضات سياسية ووصل لغايته أي حصول الانتقال السياسي فهذا يعني أنه سيسفر عن حكومة ديمقراطية وكتلة سكانية غاضبة من التدخلات الإيرانية في سوريا ويكرس النفوذ الروسي التركي، وهذا كله ليس من مصلحة إيران وما قامت به على مدار خمس سنوات، ولذلك فهي تراهن على تعقيدات المحادثات.

هل ستحضر المعارضة السياسية في مؤتمر أستانا أم ستكون تركيا وكيلة عنها؟

مروان قبلان: المعارضة ستحضر وكذلك النظام، لكن قبل ذلك أريد التأكيد على نقطة أساسية، وهي أن معركة تحجيم النفوذ الإيراني ليس في سوريا فحسب بل في كل المنطقة بدأت للتو.

وأرى أن إيران ستجد نفسها في زاوية جد صعبة مع مجيء ترمب، لأنه كلما زاد الضغط الأميركي على إيران في الفترة القادمة سيتوفر للأتراك والروس مزيد من أدوات الضغط على طهران حتى تقبل بحل في سوريا، وهناك في إيران اليوم ندم شديد لعدم توصلهم لاتفاق حول سوريا مع إدارة أوباما لأنه لن يكون الاتفاق الذي يرغبون فيه مع إدارة ترمب بل قد لا يكون هناك اتفاق أصلا حول النفوذ الإيراني في سوريا تحديدا.

الجميع لديهم الإقرار بالنفوذ الإيراني في العراق وليس في كل العراق ولكن الأمر مختلف في سوريا، فمعركة النفوذ الإيراني فيها ستكون قاسية جدا وصعبة على الإيرانيين في ظروف أعتقد أنها تغيرت كثيرا، وسيترحمون على أيام إدارة أوباما لأنه كان معجبا جدا بالثقافة الإيرانية وتغزل بإيران، واليوم الرئيس الأميركي الجديد ليس لديه كل هذه المشاعر تجاه إيران ثقافة وتاريخا وحتى سياستها.

وبخصوص مؤتمر أستانا يجب أن نكون صريحين، فالمعارضة السورية في وضع لا تملك فيه أن تقول لا لتركيا، لأن المعارضة السياسية والعسكرية في تركيا وطرق إمداداها ومساعداتها كذلك من تركيا، ولذلك فهي عمليا وإلى حد كبير مرتبطة بالاتفاق الذي ضمنته تركيا.

ومن جهة أخرى، بقاء النظام واستمراره كان وما زال يعتمد على الدعم الروسي والغطاء الروسي الجوي وما قدمته موسكو من مساعدات، ونحن اليوم أمام معادلة، إذا اتفقت الأطراف الراعية للصراع وليس الحل على حل هذا الصراع في سوريا فستكون خطوة كبيرة باتجاه الحل.

ستكون هناك عقبات أساسية، خاصة الطرف الإيراني، وإذا تم الضغط عليه باتجاه قبول حل سياسي فسيقبل هذا التوجه، أما الأطراف التي ستحضر المؤتمر فقد شاهدنا اعتراضا إيرانيا شديدا على دعوة روسيا لدول عربية في الحضور، لأنها لا تريد حضور العرب ولهذا السبب عليهم أن يسعوا لأن يحضروا لأنه من لم يحضر لن يكون له تأثير ولن يكون له قول، وحضورهم دعم للمعارضة وغيابهم خذلان لها.

وطالما هناك دعوة روسية لانخراط العرب في العملية السياسية فأدعو العرب للمساهمة والانخراط في هذه العملية، وألا يفعلوا كما فعلوا في العراق وتخلوا عنه لإيران.

وستحضر المعارضة في المؤتمر، وهناك اجتماع خبراء روس وأتراك في التاسع والعاشر من الشهر الجاري للاتفاق على بعض الأمور التفصيلية المتعلقة بالمفاوضات والأطراف المشاركة والجهات التي ستتم دعوتها، وفي الأيام القادمة ستبدأ الصورة تتضح أكثر.

وستحضر فصائل المعارضة الموجودة على الأرض والتي وقعت على الاتفاق، أما حضور هيئة التفاوض فهناك بعض الغموض، وأعتقد أن الروس يريدون حضور من فاوض في أنقرة على الاتفاق أي الفصائل الـ13.

وهناك محاولة روسية لاستبعاد الواجهة السياسية للمعارضة، وهذا سيكون صعبا لأسباب عديدة، منها أن هناك قرارات مجلس الأمن في هذا الخصوص، ولا ننسى أن الائتلاف السياسي يحظى بشرعية دول عديدة، وأعتقد أنه من الصعب تجاوز الواجهة السياسية، وحتى لو تم ذلك فالتنسيق سيكون كبيرا بين الفصائل على الأرض وهيئة التفاوض.

ماذا عن الأميركيين؟

مروان قبلان: لن يحضروا في مفاوضات أستانا.

عماد قدورة: بخصوص حضور هيئة التفاوض فالمخرج سيكون من تركيا من أن المؤتمر سيكون مجرد تمهيد وإجراءات بناء ثقة لتهيئة الأجواء للتفاوض فقط، وبالتالي ستحضر الفصائل الموقعة على الاتفاق، وفي مرحلة لاحقة تحضر الواجهة السياسية للمعارضة، خاصة أن قرار مجلس الأمن الذي أقر الاتفاق أكد على المفاوضات بمرجعية جنيف بمعنى إعادة المفاوضات إلى مسارها الأول.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2017

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى