سعيد لحدوصفحات سورية

نظرية المقاومة

سعيد لحدو

دويلة حزب الله داخل الكيان اللبناني الذي لم يتطور بعد ليصبح دولة، قامت وترعرعت على نظرية المقاومة. وهذه تذكرنا بنظرية المؤامرة التي اخترعها حكام الأنظمة الأيديولوجية وديكتاتوريات الزمن الحديث ليسوغوا قمعهم لشعوبهم ويزينوا لهم الفظائع على أنها مقارعة للاستعمار والإمبريالية العالمية التي مافتئت تتآمر عليهم وهم – أي الحكام إياهم- يتصدون لتلك المؤامرة العالمية ويفشلونها من خلال تجويع شعوبهم وقتل كل طموح في الحياة لديهم إلا طموح تأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم. حيث بات ذاك الأمل البعيد المنال أكبر طموح يحلم في تحقيقه كل مواطن. وهكذا استمر هؤلاء الحكام في تبرير هزائمهم على كل صعيد وإخفاقاتهم الصريحة في تحقيق أي هدف أو شعار طرحوه لتزيين استيلائهم غير المشروع على السلطة، واستمرارهم ما أمكن بامتلاك الكرسي ومن خلاله كل البلاد، وحتى التوريث لأبنائهم، رغم محدودية النجاح في هذا الجانب، إذا استثنينا كوريا الشمالية وسوريا… وبشكل ما القيصر الجديد بوتين ولعبة الكراسي التي طابت له مع صنيعته مدفيديف.

نظرية المقاومة التي جاء بها حزب الله بعد أن طرد المقاومين الآخرين من غير ملته، جاء بها تسويغاً لحروبه بالوكالة وتبريراً لوجوده واحتلاله جزءاً من لبنان، وهيمنته على نظامه السياسي. ووضع ذلك كله برسم المصالح الإيرانية وطموحات طبقتها الحاكمة في الهيمنة والنفوذ السياسي والديني في المنطقة، وربما إلى ماهو أبعد منها.

حزب الله (المقاوم) هذا لم ينسَ أن يقدم قطعة من كعكة مقاومتة هذه للنظام الأسدي بعد أن طبخها بعناية على نار التمذهب الطائفي لهذا النظام المتنعم بمروحتي تبريد وتهوية، إحداها إيرانية والأخرى إسرائيلية وهما تعملان جاهدتين على تخفيف حرارة الثورة السورية وتأثيراتها المهددة للنظام كلما شعر بازدياد قوة لسعاتها الموجعة.

عندما اطمأن حسن نصر الله وحزبه الإلهي أن المقاومة بخير ولا خوف عليها ولا هم يحزنون، طالما أنها تحفظ أمن إسرائيل من جانبها، كما فعل النظام الأسدي (المقاوم) طوال أربعين عاماً، التفت حسن نصر الله إياه وحزبه إلى الاتجاه الآخر وقد أدرك أن عليه واجب مقاومة الشعب السوري وثورته، نصرة لتوأمه المقاوم الآخر. ولم ينتظر حتى الأوامر الإيرانية بذلك لأنه بهذا يدافع عن نظام ارتبط مقاوماتياً معه حتى العظم ولقد جربا بعضهما بعضاً في مغامرات مقاوماتية عديدة لكل ماقد يعيق التمدد الإيراني وأنفاس تشيعه المقاوم في المنطقة على حساب الشعوب التي استبيحت كراماتها مراراً وتكراراً حيناً على يد العدو وأحياناً عديدة على يد حكامها المقاومين حتى العظم وأدواتهم من أبواق وأحزاب وتنظيمات دأبت على تأليه المعتوهين وتمجيد الأرذال الأذلاء. وتصوير الغباء حكمة والجهل عبقرية والعته رجولة كاملة.

ولقد تذكر النظام الأسدي والآن فقط بعد الصفعة الإسرائيلية الأخيرة له، أن لسورية أرضاً محتلة. وعوضاً عن أن يفتح الجبهة لمقاومة حقيقية من الشعب السوري، و(للمقاومين) من مجاهدي حزب الله الذين نعرف أنهم لن يأتوا، أو أي عمل جدي على مستوى الدولة سواءً كان سياسياً أو عسكرياً لتحرير الجولان، نراه يغرر بالفلسطينيين مرة أخرى ويدفع بهم في هذا الاتجاه وقوداً رخيصاً في حساباته خدمة لسياسة خلط الآوراق التي هدد بها المجتمع الدولي مراراً. وفي الوقت الذي يتزاحم (مقاوموا) حزب الله لواجبهم (الجهادي) في الدفاع عن النظام في دمشق وحمص لقتل أبناء الشعب السوري الذي طالما قدم لهم مخدوعاً بحسن نية كل دعم ممكن، نرى النظام من جهته يوجه طائراته وصواريخه وأسلحته الكيماوية ليقصف بها دمشق وحمص وحلب وإدلب ودير الزور ودرعا وكل قرية ومدينة سورية، وذلك عوضاً عن توجيهها لصد الطائرات الإسرائيلية التي هاجمت مواقع لاتبعد سوى مئات الأمتار عن حدائق القصر الجمهوري بعد أن بدا لها أن بشار الأسد بدأ يتهيأ كولد مشاغب لتجاوز اتفاقاتهم الضمنية معه عندما استشعر قادة إسرائيل وأمريكا أنه وإيران يزمعون على تزويد حزب الله بأسلحة وصواريخ ليست ضمن اتفاقاتهم المعمول بها حتى الآن. ولذا فقد أرادوا أن يوجهوا له ركلة في قفاه كمن يريد تأديب ولد مشاكس لجعله يعود إلى رشده. وبالطبع فإن النظام ورئيسه المقاوم والممانع والمتصدي المتحدي حتى آخر القائمة، توجه بالسلاح الذي اشتراه بدم الشعب السوري إلى صدور هذا الشعب ليشفي غليله منه. واعتبر العدوان الإسرائيلي الذي تكرر مرات ومرات مجرد نكتة بايخة لاتضحك حتى أكثر المعتوهين سخافة ولا حتى رئيس النظام الذي، وعلى شاشة التلفزيون جهاراً نهاراً علت قهقهاته 44 مرة ولم تكن قد جفت بعد دماء مائة شهيد قتلوا بيد كتائبه في اليوم السابق على إطلالته الميمونة في خطابه الأول بعد اندلاع الثورة السورية. وحتى عبارته الشهيرة تلك التي احتفظ فيها لنفسه بالرد في المكان والزمان المناسبين، غابت عن الخطاب الرسمي للنظام المقاوم هذه المرة وعن حليفه المقاوم الآخر حزب الله واعتبر الجنود والمواطنين السوريين الذين سقطوا في هذا الهجوم الإسرائيلي دجاجات في مزرعة أرادت إسرائيل أن تؤدبها لسبب لايعلمه إلا الله.

لقد أكد هذا النظام أن هناك طيف واسع من المقاومات المتنوعة. ولقد اختار هو وحلفاؤه أن المقاومة الأنسب لهم هي التفرغ تماماً للخلاص من الشعب السوري. وحتى انجلاء غبار هذه المعركة المصيرية، لن يشغل نفسه بمعارك جانبيه في الرد على العدوان الإسرائيلي حتى لو قامت غولدا مائير من القبر و (عملتها) على سرير نوم بشار الأسد، لأن هذه المناوشات الإسرائيلية ستحرفه ومقاومته عن الهدف الرئيسي ولم يكن ليغيب حتى عن بال سكان كهوف العصر الحجري، لوقيض لهم أن يعودوا، ليروا  أية مؤامرة جهنمية هي هذه المقاومة!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى