صفحات المستقبل

نسق عام، ترتيب خاص

 


تُقرّر حدود السّرعة في الشوارع و الطرقات العامّة عن طريق دراسات معمّقة و شاملة. حيث أن الحدود السليمة للسرعة، الدنيا منها و العليا، تساهم، مثلاً، في مكافحة تجعّد الإسفلت و تطيل العمر المجدي للشارع. بالتأكيد هناك أسباب وجيهة أخرى ﻻ يفهمها العوام. هؤﻻء، أي العوام، ﻻ يستحقّون إلا هذه الجزمة على رؤوسهم، و لو استحقوا غيرها، أي الجزمة، وفق دراساتٍ مشابهة لدراسات إقرار حدود السّرعة، لسُحقت رؤوسهم بأدوات أخرى، دولاب، على سبيل المثال.

كلّما دار دولابٌ على رأس عوّام (من عوام) على يد عوّام (من فرخ البط) يرفّ جناح فراشةٍ على شاطئ الكاريبي، و كلّما رفّ جناح فراشةٍ على شاطئ الكاريبي ينشب “إشكال فردي مسلّح” في لبنان*.

على الطبقات الفقيرة (الكادحة، الشعبيّة، العاملة، الجماهيريّة.. حسب اللافتات و من يكتبها) ألا “تتلحلح” كثيراً (و ﻻ قليلاً)، فهي تشكّل القاعدة الصّلبة و الثابتة و المتينة و القويّة و المتماسكة و الواسعة و الشاسعة و السّميكة و العريضة.. و المريحة! التي تجلس عليها “القامات” اﻻقتصاديّة الشامحة، التي ﻻ تنام و ﻻ تتعب و ﻻ تتوقف، أدامهم الله داعسين على رؤوس الشعب الكادح، عن رفع رماحنا و أعلامنا و راياتنا في أصعب و أرقى البورصات و المصارف العاملية، و لها نوجّه التحيات و نسيل دموع، عفواً فيضانات الحبر، المحتفلة بكلّ انتصارٍ اقتصادي جديد، و كأن طارق بن زياد (ليمتد) يعبر من جديد “ضائقة” أعمدة هرقل.. القابضة.

إذاً.. حدود السّرعة لمنع تجعّد الطرقات، و مصابيح ستين واط على الأقل لإسناد الأسقف و منعها من الوقوع فوق رؤوس (قانون) طوارئ الكهرباء. الشجر يجب أن يبتسم، لكن دون قهقهة، عندما ينحني أمام عدسة مصوّر أو منظار قنّاص. على فكرة، ما اسم فرخ القنّاص؟

نسمع و نقرأ مرة و مرتين و عشرة: هكذا شعب ﻻ يليق به إﻻ البسطار و الحزم و القوّة. الخبر و الرأي و التحليل في وسائل الإعلام الوطنية يؤكد، بالدلائل التي ﻻ تقبل نقاشاً، أن هذا الشعب العظيم ﻻ “يمشي” إﻻ بجزمات عظيمة (الرجاء عدم تفسير “يمشي” بشكل مغرض). ﻻ يجدي أن تناقش في المُسببات و النتائج أو حتّى في التراتبيّة المنطقية، أو على الأقل الزمانيّة، للأحداث. ﻻ تتجرأ على أن تطرح أن بعض (أو أغلب) العلل ناتجة عن البسطار و أصحاب البسطار، ﻷنك قد تخرج متعلماً درس تاريخ يؤكد، بالوقائع و الدلائل، أن زنوبيا خسرت تدمر في النهاية لأن أذينة أدمن على سماع أغنية “جمهوريّة قلبي”.

قد تفقد أعصابك و تقول أن العكس ربما هو الأصح.. إن كان هذا الشعب سيئاً لهذه الدرجة فلربما يعود ذلك إلى أن أصحاب الحكم و البسطار ﻻ يستحقون أفضل منه.. لهذا الأمر جواب مقنع و مؤلل بالدلائل التراثيّة. الجزمة مظلومة بهذا الشعب، على رأي الشاعر الديمقراطي: شعبٌ إذا ضُرب الحذاءُ به..

بيت الشعر هذا (المقطوش هنا للضرورة النفسيّة) يُدرّس في أرقى المدارس الخاصة السويسريّة، و رغم أن مناهجها دوماً بالإنكليزيّة أو الفرنسيّة أو الألمانيّة إﻻ أن بيت الشعر هذا يُدرّس بالعربيّة.

(*): يقامُ في لبنان مهرجانٌ سينمائي للأفلام الممنوعة هذه الأيام، و قد قررت المديرية العامة للأمن العام، و التي يديرها المدير العام للمديرية العامة للأمن العام (تكرار كلمة “عام” هنا لضرورة التشديد على “خصوصيّة” لبنان) منع عرض فيلم عن اﻻحتجاجات الشعبية التي عقبت إعادة انتخاب أحمدي نجّاد في إيران عام 2009.

ﻻ أدري لماذا يحتج هؤﻻء المثقفون المتفذلكون المزعجون. المديرية العامة للأمن العام (بإدارة المدير العام للمديرية العامة للأمن العام) فقط أرادت المساهمة في إنجاح المهرجان عبر “حقن” محتوى و حدث يتماشى مع اسمه. هل رأيتم سابقاً مهرجان فجل بدون فجل؟ أو مهرجان شتائم بدون “محلل سياسي”؟ اخرسوا إذاً! من أنتم؟ من أنتم؟!

..

http://networkedblogs.com/jpzLo

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى