إياد الجعفريصفحات المستقبل

في سوريا،لا نتعلم من التاريخ/ إياد الجعفري

 

 

 

وكأننا في سوريا، نكرر اليوم عراق نهاية العقد الفائت، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مريراً: كيف تنجح قوى خارجية في دفعنا إلى سيناريوهات معدة مسبقاً، أو أخرى تحبذها لبلدنا؟، الجواب ببساطة: لأن ردود أفعالنا متوقعة، ولأننا نكرر أنفسنا، ونكرر أخطاءنا أيضاً، ولا نتعلم، حتى من التجارب القريبة زمنياً، أو التي سبق أن عشناها نحن أنفسنا.

بعض الأسماء التي تشارك اليوم في تأسيس تكتل “جهادي” بنكهة “القاعدة”، بإسم جديد، في إدلب، عاشت تجربة العراق نهاية العقد الفائت، وربما لم تتعلم من تلك التجربة، أو ربما وجدت أن المشكلة لم تكن في الاستراتيجية نفسها، بل في التكتيكات. وها هي تجرّب في سوريا تكتيكات جديدة، للاستراتيجية نفسها التي أدت إلى إجهاض تجربتها في العراق قريباً، وفي أفغانستان، قبل ذلك.

في العراق، سيطر النفس الجهادي على الحركة العراقية المقاومة للوجود الأمريكي منذ منتصف العقد السابق. وحتى نهاية ذلك العقد، انقلب شركاء الصف من الإسلاميين على بعضهم، ليتقاتلوا، بسبب رغبة طرف في التغلّب والتمكين، وفرض منهجه على البقية. ذلك الطرف، كان تنظيم الدولة في العراق، الذي هو سليل التنظيم الذي مثّل “القاعدة” في العراق. لاحقاً، حتى شركاء المنهج من الإسلاميين، على اختلاف تلاوينهم، اصطفوا ضد ذلك التنظيم الجهادي، وتحولوا في نهاية المطاف إلى “صحوات”، أصبح جُلّ غايتها القضاء على تنظيم الدولة في العراق، الذي يريد أن يبغي عليها، ويفرض منهجه، بالتغلب والتمكين. وتحولت الحاضنة الشعبية السُنية التي كانت أساس الحراك المناوئ للأمريكيين والحكم الشيعي الجديد في بغداد، إلى مصدر رئيس لتلك “الصحوات” التي اندفعت لمحاربة شركاء الصف سابقاً، من الجهاديين السلفيين، في ظلال وعود أمريكية – شيعية في بغداد، بإشراكهم في عملية سياسية تحفظ لهم مكانة في مستقبل العراق.

وفي نهاية المطاف، أُجهضت التجربة الجهادية في العراق، بأيدي أبنائها أنفسهم، ولم يتمكن أنصار فقه التغلب والتمكين من المحتسبين على تنظيم القاعدة، من تحقيق مشروعهم، فاتخذ بعضهم خطاً أكثر تشدداً لاحقاً، ليؤسسوا لما بات يعرف اليوم، بـ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. أما من إلتحق بمشروع “الصحوات” فكان نصيبه الخيبة جراء تخلي الأمريكيين وحلفائهم الشيعة في بغداد، عن وعودهم بإشراكهم بصورة حقيقية في حكم البلاد. بل أكثر من ذلك، تعرضت بعض تشكيلاتهم المسلحة للتصفية بعد انتفاء الحاجة إليهم، وانزوى الأمريكيون نسبياً عن إدارة الملف العراقي، تاركين الهامش متاحاً لإيران، ورجلها الأبرز في العراق يومها، نوري المالكي، لتنفيذ مهمة تهميش السُنة عن إدارة العراق، وربما التنكيل ببعض حواضنهم الاجتماعية.

هكذا كان العراق عام 2010. فمشروع محاربة الأمريكيين وحلفائهم الشيعة في بغداد، أُجهض بأيدي أبنائه السُنة، الذين لم ينالوا شيئاً من الوعود التي وعدوا بها. وكانت المقاعد التي نالها بعض رجالهم في السلطة التنفيذية في بغداد، لا تمنحهم سلطة حقيقية فاعلة في ذلك البلد، الأمر الذي وصل ذروته مع ملاحقة نائب الرئيس السابق، طارق الهاشمي، قضائياً، كنموذج عن تهميش أي دور فاعل للسُنة في إدارة العراق.

بطبيعة الحال، لا يتحمل أولئك الذين انخرطوا في مشروع “الصحوات” العراقي، وحدهم، مسؤولية إجهاض الحراك المناوئ للاحتلال الأمريكي وحليفه الشيعي في بغداد. فالمسؤولية تقع بدايةً على من دفعهم دفعاً للوصول إلى هذه النتيجة، ونقصد تحديداً أولئك الذين أصروا على فرض منهجهم “الجهادي”، حتى لو كان ذلك يخالف قناعات الحاضنة الشعبية.

الانقسام الذي شهده العراق، في حركة مقاومة الاحتلال الأمريكي وحليفه الشيعي في بغداد، بعد منتصف العقد الفائت، بين إسلاميين جهاديين متمسكين بنهج القاعدة، الذي تطور لاحقاً ليصبح أكثر تشدداً وتطرفاً، حتى أن بن لادن نفسه دعاهم إلى نبذ التعصب وتحكيم الشرع، وبين إسلاميين محتسبين على الخط الأخواني، الذي ارتضى، مضطراً، إلى الالتحاق بمشروع شراكة سياسية – قتالية، يجمعه مع الحكومة في بغداد، التي كان قد خرج عليها في بداية الأمر، محارباً. ذلك الانقسام الذي شهده العراق منذ عقدٍ من اليوم، يتكرر اليوم في سوريا، بالتفاصيل نفسها تقريباً.

وكانت آخر التطورات التي تعكس ذلك الانقسام، إعلان تأسيس “هيئة تحرير الشام”، أمس السبت، التي اجتمع فيها جميع المتمسكين بخط “القاعدة” الجهادي، بمن فيهم بعض رموز “أحرار الشام” سابقاً.

وكأن التاريخ لا يُعلّم. فتجاربه القريبة جداً، وحتى تلك الأبعد قليلاً، كما حدث سابقاً في أفغانستان، والتي تؤكد بأن تأسيس مشروع “جهادي” لا أفق سياسياً أو قتالياً واضحاً له، يمكن أن يجمع العالم بأكمله على محاربته، بدعوى الحرب على الإرهاب، كفيل بإجهاض التجربة الجهادية بأكملها في أي بلد.

ما يحدث في سوريا اليوم، تم التأسيس له بشكل حثيث خلال الأشهر القليلة السابقة، وكان الجميع من المتابعين بدقة للساحة السورية، -فما بالك بالموجودين داخلها!-، يعلمون أن الغاية من الحرب في حلب تحديداً، دفع الفصائل المناوئة لنظام الأسد إلى الانقسام، ومن ثم، الاقتتال في ما بينها.

في مشروع أستانة، الذي ترعاه تركيا وروسيا، وعد الروس فصائل معارضة بمكان في مستقبل سوريا، بالشراكة مع نظام الأسد، في إطار تسوية سياسية مرتقبة. وبذلك، وقعت الفصائل المختلفة في الفخ المنصوب لها بامتياز، سواء تلك التي انحازت إلى خط التسوية، أو تلك التي نبذتها وانحازت إلى الخط “الجهادي”. وهكذا تتكرر تجربة عراق ما قبل نهاية العقد الفائت، في سوريا، باتجاه تصفية الساحة المناوئة لنظام الأسد نهائياً، وبأيدي أبناء تلك الساحة أنفسهم.

من المسؤول عن الوصول إلى هذه النقطة في أوساط تلك الساحة؟.. الجواب ببساطة، ذلك الطرف الذي يظن أن أخطاء الماضي ناتجة عن خطأ في التطبيق، وليس في المنهجية ذاتها. أولئك الذين يستنسخون اليوم، تجربتي أفغانستان والعراق، والذين لم يتعلموا من فشل مشاريعهم “الجهادية” فيهما. ها هم اليوم يُنشئون تكتلاً “جهادياً” جديداً، ليقولوا للقوى الخارجية التي تترقب بحماس، “ها هو الإرهاب تكتل في جسم واضح، وانفصل عن باقي فصائل المعارضة السورية.. يمكن لكم الإجهاز بكل أريحية، على الجميع”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى