صفحات الناس

قطوف فيسبوكية!/ زكريا تامر

 

 

أبانا الذي في السموات..خذ حكامنا

منحنا الله حكاماً يشبهون النار وماء الطوفان.

منحنا الله حكاماً أغبياء وأذكياء.. أغبياء في حماية الوطن، وأذكياء في حماية كراسيهم وأموالهم وقصورهم.. أغبياء في ركوعهم للعدو مستجدين شفقته، وأذكياء في إرغامهم شعوبهم على الركوع وطلب رحمتهم.

منحنا الله حكاماً خبراء تحسدنا عليهم الأمم.. خبراء في صفقات تزيد ما يملكون، وخبراء في إفقار الناس والبحار والمحيطات، وخبراء في إطفاء الحرائق بالنفط، وخبراء في نشر الجهل وتحويل الربيع شحاذاً أعمى لا يفرق بين هراوة وشجرة، وخبراء في اغتيال الغضب والسير في جنازته، وخبراء في ابتكار الأساليب لخنق الحريات من غير أن يصدر عنها نأمة واحدة تنبه لمصيرها الفاجع.

منحنا الله حكاماً يرون ولا يرون.. لا يرون الشمس، ويرون إصبع رضيع إذا ارتفع ارتفاعاً لا يرضون عنه.

منحنا الله حكاماً بنائين.. يبنون القصور لنزواتهم، ويبنون السجون لأوطانهم.

منحنا الله حكاماً عشاقاً للضحك والغضب.. يضحكون حين تهان الأمة، ويغضبون حين تهينهم الأمة.

منحنا الله حكاماً متواضعين متعجرفين.. متواضعين أمام زوجاتهم وأعداء شعوبهم، ومتعجرفين أمام شعوبهم.

منحنا الله حكاماً قساة رحماء.. رحماء مع أعدائهم إذا كانوا من الأجانب، وقساة مع معارضيهم إذا كانوا بضاعة محلية.

منحنا الله حكاماً يسمعون ولا يسمعون.. يسمعون دبيب النمل في آخر الدنيا، ولا يسمعون هدير بحر اسمه المظلومون.. يسمعون همس كلمة سوداء لكلمة بيضاء، ولا يسمعون جلبة معاول تحفر لهم القبور، ويظنون أنها ضجيج أزاميل تصنع لهم التماثيل.

منحنا الله حكاماً يعرفون ولا يعرفون.. يعرفون أنهم باقون، ولا يعرفون أنهم ليسوا بالباقين.

منحنا الله حكاماً أكثر من حاجتنا، فليأخذ الله ما منح، فالحكام هم جهنم، والخلاص منهم هو الجنة.

مجانين دمشق

دمشق الحالية ملأى بمجانين سمجين غلاظ تافهين يتظاهرون بأنهم حكماء عصرهم، ولكن دمشق في الخمسينيات كانت تزخر بالمجانين اللطفاء الذين يتصف كل واحد منهم بشخصيته الخاصة المتميزة التي تنشر المرح حيثما حلت.

أحد هؤلاء المجانين اسمه (عباس سراق المئذنة)، وكان قصير القامة ذا عينين واسعتين يقيم بهما رعب دائم لا يفارقهما، وكان سبب رعبه يرجع إلى اعتقاده أنه متهم بسرقة إحدى المآذن، وينبغي له إثبات براءته، فكان يرفع يديه إلى أعلى ويقول لكل من يتهمه بسرقة المئذنة : هيا نبش جيوبي، ولن تجد فيها أية مئذنة.

ولو كان عباس سراق المئذنة لا يزال حياً حتى اليوم ويعيش في هذا الزمن المقيت الذي ساد فيه القفز من أسفل إلى أعلى، وساد فيه صغار التجار المتنكرون في ثياب الشيوخ، وسادت فيه سرقة مآذن المساجد وسرقة عقول المترددين إلى المساجد.. لو كان عباس سراق المئذنة حياً اليوم لما تردد لحظة ولبادر إلى ترشيح نفسه لرئاسة سوريا بحجة أنه أعقل من غيره وتليق به الرئاسة أكثر من المرشحين الآخرين، وهي حجة غير قابلة للدحض ولا سيما وأن صاحبها كان يرحب بتفتيش جيوبه في كل الأوقات.

سأنتخبه رئيساً

لو كنت كارهاً للشعب السوري كرهاً لا حدود له متمنياً له أبشع هوان وشرّ عذاب لما انتخبت غير بشار الأسد رئيساً.

ولو كنت عاشقاً للخرائب والأنقاض والأطلال لما انتخبت غير بشار الأسد رئيساً واثقاً بأنه سيمحو المدن والقرى لتحل الصحارى محلها وتستعيد الخيام أمجادها الآفلة.

ولو كنت حاقداً على البشر والحجر والشجر لما انتخبت غير بشار الأسد رئيساً، فهو سيهلك البشر ويطحن الحجر ويحرق الشجر ويرغم الغيوم على الفرار إلى سماء أخرى.

دمشق النهار والليل

دمشق ليست مدينة واحدة بل هي مدينتان : المدينة الأولى هي تلك التي سار ع رجالها إلى ميسلون حاملين ما تيسر لهم من أسلحة معظمها بدائي، وقاتلوا الجيش الفرنسي المزود بأحدث الأسلحة محاولين منعه من احتلال بلادهم، أما المدينة الثانية، فهي تلك التي زار الجنرال غورو المزهو بانتصاره القليل من أحيائها، فهرع بعض أكابرها وزعرانهم إلى جر عربته بدلاً من البغال تكريماً له وترحيباً به ومؤازرة لاحتلاله.

ودمشق اليوم لم تتغير، ولا تزال مدينتين.

نحن

لم نكن نمتطي جيادنا المتخيلة عندما قُتلت جيادنا ومُزقت قططنا وطيورنا ووئدت أشجارنا، ولم نكن نائمين في سررنا عندما أحرقت سررنا وقُصفت بيوتنا غرفة غرفة، ولم نكن غير جثث زرقاء محفوظة في برادات المستشفيات متلهفة على الإختفاء تحت التراب متخلصة من عالم كريه لا يمنح اللحم البشري إلا ما يشبه الكفن.

همومي الشخصية

أبي لم تقتله البراميل المتفجرة، فأبي مات عام 1966، وأمي لم تقتلها البراميل المتفجرة، فقد ماتت عام 1990، ولم أعلم بنبأ وفاتها إلا بعد سنوات، وأنا الطفل البالغ من العمر 83 سنة لم تقتله البراميل المتفجرة، ولا يزال مسدساً يطلق الكلمات، ولكن كل السوريين الذين قتلتهم البراميل المتفجرة هم أبي وأمي وإخوتي ويدي المبتورة، وهم أسرتي الكبيرة التي ستظل أرواحها هائمة في الأرض السورية والليل السوري تطلب العقاب الصارم لقاتلها.

سؤال واحد طويل

هل ينبغي للثورة السورية أن تفتتح على عجل مدارس لتعليم مقاتليها كيف يقتلون أعداءهم بأساليب حضارية راقية لا تجعلهم أهدافاً سهلة لحملات إعلامية منظمة تتهم الثورة والثوار بالوحشية والهمجية والبربرية كأن النظام السوري يستورد من هوليوود أجمل النساء لتكليفهن بذبح الثوار بنظرات عيونهن التي تجمد الدم في العروق وتغري القلوب بالتوقف عن الخفقان؟

الله كريم

ضربتنا الطائرات الحربية ببراميلها المتفجرة، فازدرينا مرسلها، وبادرنا إلى الرد عليها الصاع صاعين، وضربناها بأحذيتنا العتيقة، وأسقطنا الكثير منها، ومشــينا إلى لحودنا مرفوعي الرؤوس حفاة.

صهيل الناس

تصهل الجياد لتقول إنها حرة، فتعامل معاملة العبيد لأن لا أحد من البشر يعرف لغتها.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى