صفحات سوريةفايز ساره

أزمة سوريا ومحنة الإعلام


فايز سارة

فتحت قضية الصحافيين الأجانب في حي بابا عمرو بحمص الباب مجددا على محنة الإعلام في ظل الأزمة المستمرة في سوريا؛ ذلك أن مقتل صحافية أميركية ومصور صحافي فرنسي، ثم إصابة صحافيين آخرين بجراح في الحي المحاصر، أثارا ردود فعل دولية، سواء من جانب الدول التي يحمل الصحافيون جنسياتها أو من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية والمهنية، وقد تشارك الجميع في الحديث عما أصاب الصحافيين، وهذا عزز حضور الأزمة السورية لدى أوساط في الرأي العام العالمي وهيئاته، وعكس معاناة الإعلام ومحنته في ظل الأزمة التي تلقي بظلالها على سوريا والسوريين منذ نحو 12 شهرا.

منذ بداية الأزمة، أعادت السلطات السورية تأكيد منهجها في التعامل مع الإعلام. وإذا كان الإعلام الداخلي في شقيه، سواء التابع للدولة أو العائد للقطاع الخاص، تحت السيطرة الحكومية، وهو ملتزم بتبني مواقفها والدفاع عن سياساتها بشكل عام، فإن توجه السلطات نحو الإعلام الخارجي ركز على أمرين؛ أولهما: التركيز على ضرورة التزام مندوبي الإعلام الخارجي ومراسلي الوسائل الإعلامية بتغطيات تتوافق أو تتقارب مع الموقف الرسمي، والثاني التدقيق في تدفق الإعلاميين لتغطية الأحداث من خارج الجهات المعتمدة، وحصر التدفق بإعلاميين متوافقين مع السياسة الرسمية، أو بمن يقومون بخدمتها.

وبطبيعة الحال، فإن التغطية الإعلامية لما يحصل في سوريا ما كان لها أن تقتصر على الرواية الرسمية أو البقاء في رحابها. وتوالت الخروقات الأولى من تغطيات وشهادات صحافيين سوريين من خارج الصف الرسمي والقريبين منه، ومن ناشطين سياسيين وآخرين في وسط الحراك من المحتجين والمتظاهرين، وقد استغل الجميع وسائل الاتصال والتواصل في تصوير المظاهرات، وفي فضح ما تقوم به السلطات وأجهزتها الأمنية والعسكرية، والتعليق على ما يجري، وإرساله للفضائيات والوكالات ومواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من الأذى الذي لحق بمن قاموا بتغطية الأحداث في بدايتها؛ حيث قُتل واعتُقل وسُجن البعض وتمت ملاحقة آخرين، فإن ذلك لم يمنع من تزايد التغطيات الإعلامية للأحداث في هذا النسق من التغطيات، الأمر الذي جسدته ظاهرة الإعلاميين المواطنين ممن أدركوا أهمية تغطية الأحداث ودورها المزدوج من الناحيتين الداخلية والخارجية.

لكن هذا النوع من تغطية الأحداث الميدانية لم يفِ بالاحتياجات المهنية للمؤسسات الإعلامية، ولم يشبع جوع الصحافيين لمعرفة وفهم ما يجري بصورة مباشرة، الأمر الذي عبرت عنه المطالب المتواصلة بضرورة فتح السلطات السورية الباب أمام الإعلام للدخول إلى سوريا وتغطية الأحداث، وهو أمر استجابت له السلطات بصورة محدودة وسط شكاوى عدم موضوعية التغطيات وانخراط الوسائل الإعلامية في خدمة أجندات خارجية، تخدم ما تصفه السلطات بالعصابات المسلحة والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.

غير أنه وخارج السياقات السابقة، فقد تسلل صحافيون من وسائل إعلام مقروءة ومسموعة ومرئية إلى مناطق سورية، منها درعا وريف دمشق وحمص ومناطق إدلب، التي تعتبر من أكثر المناطق التهابا، والأكثر تأثرا بالعمليات العسكرية – الأمنية التي تشنها السلطات ضد المتظاهرين وحواضنهم الاجتماعية، وعلى الرغم من أنه تم كشف بعض هؤلاء من قبل السلطات وجرى احتجازهم قبل تسفيرهم خارجا، فإن بعضا آخر نجح في التسلل خارجا، كاشفا عن دخوله وخروجه من خلال ما قام به من تحقيقات ومقابلات وأخبار حملها من أماكن الأحداث، بينما تأثر صحافيون بمجريات الأحداث، فقتل بعضهم وجرح آخرون كما حصل مع صحافيين من الولايات المتحدة وفرنسا.

وإن كان من خلاصات حول محنة الإعلام في الأزمة السورية، فإنه يمكن القول: إن الوقائع والمعاناة، التي أحاطت بالسوريين في ظل الأزمة، دفعت أشخاصا من الإعلام غير الرسمي وناشطين سوريين إلى القيام بدور في تغطية الأحداث وتقديمها للرأي العام للاطلاع ومعرفة ما يجري من أحداث وتطورات في مواجهة تقصير الإعلام المحلي، سواء المملوك للدولة أو الخاص، وغياب الإعلام الخارجي أو محدودية حضوره في التغطيات، وقد ولدت الأزمة السورية ظاهرة الإعلاميين المواطنين، التي قد يكون المثال السوري الأهم في تجسيداتها العالمية، كما أن وقائع الأزمة وعملية منع الدخول الحر للصحافيين إلى سوريا دفعت بعضهم للعبور غير الشرعي والقيام بتغطيات وإن كانت مهنية في طابعها العام، فإنها شديدة الإنسانية في محتواها؛ إذ كشفت عن كثير من تفاصيل خفية في معاناة السوريين أزمةً أوقعت فيهم خسائر بشرية ومادية من الصعب الكشف عن تفاصيلها قبل أن يسكت صوت الرصاص، وتتوافر شفافية كاملة تبين حقيقة ما حدث في سوريا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى