صفحات سورية

أنا معارض

 


مؤيد اسكيف

بالرغم من شبهة التأييد المشتقة من صيغة اسم المفعول التي يشير إليها اسمي (مؤيد)، إلا أني أجد نفسي مضطرا للتبرؤ من كل ما تحمله مدلولات هذا الاسم.

نازعا عني إرث طلائع البعث، وشبيبة الثورة، دون أن أتخلى عن أصدقائي الطليعيين اللذين غابوا خلف طفولة حافلة بالتصفيق الببغائي لمن أطلق علينا الأسماء فكنا على شبهه، وجَعلَنا خلفاء له في الوطن، المدن، الأحياء، المنازل، وغرف النوم، فهو الأب القائد الذي لم نكن نعرف كيف صرنا أبناءه..، أبناءه الذين بدأوا يصبحون أوديبيين، وسيقتلون أبيهم، ويتزوجون بأمهم الوطن..

منذ أن أعلن طائر الفينيق ولادته من تحت الرماد مجددا ربيعه المجبول بصلابة بازلت حوران وصبرها على الغيم ‘البخيل’، ومنذ قرر طائر السمندل** – بعد أن شعر بثقل شيب ريشه في حقبة من الخنوع ‘- أن يلقي بجناحيه في نار الثورة ليصعد منها طائرا يتحدى الريح، عرفت أننا من يشرب الدم الأحمر كؤوسا بصحة الوطن، وقربانا لتحرير الحرية من زنازين الخوف الذي طالما رأيناه أكثر كثافة من الحب .. والحلم..

وفي سياق آخر فإن الجلاد … هو من يظن – مخطئا – أنه يشرب تلك الدماء بجماجم أعلنت الحرية بصحة مجده .. المتحطم فوق البازلت الحوراني المفعم بصرخة الريح التي يمتطي عليها الجنوب الثائر دوما …

إنها لعبة الجهات … فحيث تسمع صرخة تتردد في جنبات الوطن تواقة للحرية يكون هو الجنوب ..’

جنوب الملح .. القمح .. الجوع .. التراب ..’

جنوب صرخة هابيل .. ”

‘إنه اختلاط الجهات .. لإعادة تحديد بوصلة الوطن

أنا معارض .. ولأسباب كثيرة يصعب حصرها أعلن معارضتي ‘خارجاً من كهوف الخوف إلى فوهة مدرعة يتحداها الحورانيون، وليس من بين هذه الأسباب أي علاقة بسنفور غضبان أو سنفور معارض..

أمام ‘كثافة الحب يصغر الموت وتتبدد الأشياء و تنحسر .. والحرب كلها تصبح لعبة مواربة خلف جنبات ذلك الحب الملتف على خاصرة الحلم ..

في غمرة الاندساس الفيسبوكي اللعين على وقع الثورات المتتالية، ونقل المعلومات والأخبار التي نتوسلها من هنا وهناك نرى أنفسنا في قلب المعركة ..’

رأيت أولئك الشباب وهم يصيحون ملء حناجرهم لأخيهم في الوطن معلنين أن هذا الوطن البائس يتسع لرؤوسنا كلها .. يتسع لأحلامنا جميعا، ويفيض علينا ..

رأيت حالما منهم وهو في أعلى تجليات طائر الفينيق: ‘كان يحمل حريته الحمراء على كفيه صارخا:’

(مافي خوف بعد اليوم .. مافي خوف)

نافضا عن آبائنا رداء الذل، مقبلا على الموت برصاص سدنة الوطن .. ليصبح سنديانا للوطن’..

هكذا نتعلم الحب قبل الشجاعة …’

دون أن نتوسل إلى الرصاصات لتمهلنا بعض الدقائق قبل أن تخترق نبض القلب… ‘القلب الذي يلقن الجلاد دروسا في الحب .. وفي صمود الصوان، وتصدي أشجار الغارِ، وفي لذة طرطقة كأس النبيذ المعتق من عنب جبل حوران الذاهب في انتشاء التجلي ..

الحب هنا حالة واضحة جدا .. تستلزم ثورة فقط ….. واحتفظ ‘بفراشتها – فراشة ‘من تحب – ‘لترفرف قرب أحلامك .. و امض بعدها في طريقك الأمين..

كنت قد أخبرتك يا ظل .. يا وجهاً منسكباً على صفحة مرآة الغائبة التي وددت أن تقول لها ‘بأن قلبك متعب..’

هكذا إذا … تصبح أحمالي أكثر خفة، ورشاقة .. فأمضي إلى الجلاد أعانقه’: أحبني …

أصرخ أمامه صرخة الحرية .. والرغبة الجامحة للإنعتاق من خنجر قابيل .. وصرخة هابيل .. لن أزيد من آلامه ..وأضاعف من هول آثامه ، فلا ظل لي، ولا ابنا ينتظر لعبة على منعطف يوم زاه … ولا زهور في حقيبة المطر العطشى، ولا أقمار، ولا أغنيات..

سوف أشرح له كيف أني لست سلفيا، وكيف يكره ” السلفيون ‘ النبيذ الذي أحب .. و سوف أفكك له حروف الحرية، ونعيد تركيبها سوية مستعينين بالمكعبات الملونة .. سأخبره أني لا أعرف ‘بندر’ ولم ألتق ‘الحريري’ ‘ولا معلومات لدي عما يملكون .. وشخصيا .. لم يصلني أي شيء مما يحسبون ..

سوف أتحدث له عن قصيدة لـ’ميليا غروس’ لشاعر سوري في الألفية الأولى قبل الميلاد وهو يتحدى السوط :’

”إيه أيها الرجل

أنا ميليا ‘الذي وصل إلى الحكمة

– نعم ولكن موقف الشخص تجاه وطنه هو أمر أهم من الحكمة نفسها!

– أنا في الواقع إنسان صدامي وأترك- أيها الرجل – الآخرين ينجون’

– هذا اعتراف جيد بالجميل تجاه أولئك الناس الذين أطعموك ورعوك

– أليس في نيتك الابتعاد من هنا؟

– لا تكن فظاً.

– يمكن لي أن أعاملك بفظاظة أكثر.. ‘***

وسوف أذكره بالكواكبي، وأعد عليه أسماء كثيرة تحفل بها ذاكرة سورية التي لا يأخذها النسيان .. وقبل أن يأمر بالقبض عليهم جميعاً .. سوف أطلب منه أن يتعلم اعتقال الزهور من على روابي أفاميا و إيبلا ‘وماري، وأن يفكك ضفائر زنوبيا، ويرتب فساتينها، وأن يتعلم الرقص من عشتار، ويستمع جيدا لصرخات نينوى وفيضها الموسيقي، وأن ‘يفكك أخبار صحيفة الكواكبي ‘مع احتراق زيت قنديله، وينام قليلا على أرصفة الماغوط، ويحفظ عن ظهر قلب مووايل العاصي على عنين نواعير حماة التي لم يغالبها النسيان…

‘عليه أن يتعلم شموخ آخر حرف في دوما

عليه أن يتعلم طرقة القاف في سويداء القلب” ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ‘ ”

سوف أطلب منه أولا ‘أن يحتمل بهاء ليلى … ‘وإشراقة ابتسامتها ‘الموغلة في الحكاية والقرنفل…

ثم .. ‘ من تواجه ‘ !!!!

يا أيها الجلاد … مباشرا كرصاصة ‘.. عاصفا ‘كالريح .. شفافا كالبللور..

سوف أغضب من ‘سلفييك’ اللذين هللوا في ضيعة ‘البيضا’ مهددين بشرب الدم.. دون أي مواربة..

سوف .. أهذب ‘شبيحتك’ بأن العصا وما ذلّ به سوء اللسان رجس من عمل الخيانة للإنسان…

سوف … أتحدث إلى صديقي عنك دون أن أغلق الهاتف خشية تلصص ‘مندسيك’ ..

لن أتردد عن صوغ مزاجي على حائطي الفيسبوكي رغم اعتراضات الأهل و الأصدقاء خشية إرهابك و توصياتهم لي بأنك لا ترحم..

هم أخبروني أنك تكره الحرية، ولا شيء يخيفك سوى كلمة الحرية ..

ورأيت كيف تقايضها باسمك.. و كيف قايضها أولئك الكادحون بأرواحهم..

سوف أرمي رداء الخوف بعيدا .. و أرقص للوطن الصاهل .. بعباءة مشغولة بالدم.. والحرية..

فأنا معارض .. حاولت كثيرا ألا أذهب إلى تلك المساحة ولكن رقصك الوثني على جثث الأشجار التي لم تركع أمام عصفك الغشيم دفعني للبحث في اللغة عما يبرر ..

حاولت كثيرا .. ولكن خروج الناس في ‘الميدان’ تهليلا بالمطر .. لم يقنع

حاولت كثيرا .. لكن ‘سوء بيان أبواقك لم يفلح ..

حاولت كثيرا .. لكن أسماء الشهداء في وطني تحاصر ترددي

فأعلن ملأ حنجرتي .. لا ..

كاتب من سورية

عطفا على شجاعة إياد الشربجي

** طائرٌ إذا انقطعَ نسلُهُ وهرمَ ألقى نفسَهُ في الجمرِ فيعود إلى شبابه من جديد

”لسان العرب’

*** جاء في العهد الجديد: من ضربك على خدك الأيسر فـاكسر يديه الإثنتين ..’مؤيد اسكيف’

صحفي سوري

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى