صفحات الثقافة

إبداعات طائفية

عباس بيضون

الفنان الصيني يوي منجن يرسم نفسه، ليس بوصفه بطلا ولكن بوصفه فرداً في مجتمع لا افراد فيه. مجتمع يعلو فيه صوت الجماعة الذي لا يترك مجالاً لهمسة شخصية. يصوّر منجن نفسه مكرراً عشرات المرات بالوجه ذاته والملابس ذاتها والتعبير ذاته فهذه العشرات تفتح فمها على آخره مطلقاً ضحكة جنونية. ضحكة يمكننا أن نعتبرها صرخة لا صوت لها. صرخة هائلة خرساء، في هذا التماثل إلى حد التكرار نجد ليس فقط طغيان الجماعة واستبدادها وإنما الصوت المخنوق للفرديات المغتالة.

لسنا في نظام شيوعي. نسمي نظامنا ديموقراطياً لكنه نظام جماعات تخوض كل عشر سنوات أو أكثر أو أقل حروباً لتعيد إلى الجماعة سياجها ولكي تمنع الاختلاط الذي يحدث بين الحرب والحرب من أن يصبح حداً. تصح لوحات منجن بصورة خاصة على المشروع الأرثوذكسي. ستكون كل جماعة هكذا وحدها وسيكون الاختلاط خارج القانون وخفية عن القانون. الزواج بين المذاهب سيكون لا قانونيا. يمكن لنا عندئذ أن نتخيل رساما كمنجن يرسم الجماعة كلها رجلاً واحداً مكرراً بالملامح ذاتها والملابس ذاتها والتعبير ذاته. لن تكون الضحكة الجنونية عندئذ سوى ضحك الفرد على نفسه وعلى ميزته المهدورة التي لا قانون لها. سيكون عندنا فقط الماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي والسني والشيعي والدرزي. لن يكون للواحد سوى هذا الإسم. سيكون له وجه الجماعة وتعبيرها. وهذا قد يكون حلاً. ستبقى الجماعات هكذا منفصلة عن بعضها البعض ولن نحتاج إلى حروب جديدة لرسم الحدود، لكن الناس يتعايشون رغم ذلك في الأحياء وفي الأسواق وفي الشوارع. أيكون أفضل أن يشتري المرء ويعمل ويتزوج في إطار الطائفة؟ ماذا لو فرضنا على كل طائفة لوناً لثيابها فنعرف الماروني والأرثوذكسي والسني والشيعي والدرزي من ثيابه. هذا ما فعلوه في الغرب القديم لتمييز اليهود. ماذا لو فعلنا الأمر نفسه لتمييز الجميع؟ فتكون هناك الطائفة الصفراء والطائفة الخضراء والطائفة الليلكية والطائفة الحمراء، وهكذا إلى أن تستنفد الألوان ومعها الطوائف. ربما يكون هذا حلاً، لكن ماذا نفعل بالعدد. تنبغي طريقة ليكون العدد متساوياً ويكون الصفر بقدر الحمر بقدر الليلكيين بقدر الخضر. لا تضحكوا، هذه بالتأكيد حلول، ان لم يكن الآن وقتها فسيكون المستقبل. من كان يفكر بأن شيئاً كالمشروع الأرثوذكسي قابل للحياة، مع ذلك وجد وعاش وصار أكثرياً. لنفكر من الآن بحلول مماثلة، لنفكر بطريق فاعلة لعزل الطوائف عن بعضها. من اخترع المشروع الأرثوذكسي ستكون مخيلته قادرة على ابتكارها. الطوائف جميعها تملك مخيلات هائلة في هذا الباب وجميعها يمكنها أن تخترع وأن تجد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى