صفحات العالم

إيران وسوريا: لماذا هما معاً؟


توفيق شومان

منذ انطلاق الأحداث السورية في الخامس عشر من آذار الماضي، وأسئلة المراقبين للعلاقات السورية ـ الإيرانية تلاحق الموقف الإيراني حيال الإيقاعات السريعة للحدث السوري، ولا تخرج كثرة من هذه الأسئلة عن سياق اتهامي نحو طهران ملؤه الطعن بازدواجية المعايير المتعلقة بحراك الشعوب العربية، فضلا عن السلوك الإصطفافي مع القيادة السورية الحليفة للجمهورية الإسلامية منذ العام 1979.

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تفترض العودة إلى مرتكزات العقل السياسي الإيراني المتبلور في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي، وهو العقل الذي قام على صوغ النظام السياسي الجديد وفق شرعيتين لا فصام بينهما، الأولى تتمثل بالشرعية الشعبية ومنها انبثق مفهوم «الجمهورية»، والثانية تنهض على الشرعية الدينية، ومنها أتى مفهوم «الإسلامية»، وسبق الوصول إلى هذا الدمج، جدل سياسي وفكري وفقهي حول هوية النظام الجديد، وذلك قبيل انتصار الثورة الإسلامية وبعيدها، إلى أن حسمه الإمام الخميني بالتوفيق بين الشرعيتين الشعبية والدينية .

ومثل هذا الدمج الثنائي، أخذ طريقه في صوغ القرار السياسي الإيراني الخارجي، فحل البعد الصراعي مع إسرائيل والولايات المتحدة في علاقات طهران بالخارج محل البعد الإسلامي للنظام السياسي في الداخل، وعلى هذا الأساس تشكلت دوائر السياسة الخارجية الإيرانية مع الدول وحركات المقاومة، ابتداء من سوريا، وتاليا مع حزب الله وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وكذلك السودان منذ إسقاط جعفر النميري في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وصولا إلى فنزويلا بقيادة هوغو تشافيز، واستطرادا مع تركيا (مرحلة نجم الدين أربكان 1996 ـ 1997)، ولاحقا مع رجب طيب أردوغان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة القرار التركي في العام 2002.

وهذا البعد في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الصراع مع إسرئيل يغور عميقا في الفكر السياسي ـ الديني الذي أنتجته المرجعية الفقهية في مدينة قم منذ ستة عقود. فهذا آية الله العظمى حسـين الطباطبائي البروجردي (1875ـ 1961) زعيم الحوزة الدينية العلمية يفتي في العام 1948 بدفع أموال الخمس المتوجبة على المسلمين الشيعة، للشعب الفلسطيني، فيما آية الله أبو القاسم كاشاني (المرجع الشيعي 1882ـ 1960 المتحالف مع الدكتور محمد مصدق في إقامة الحكومة الوطنية الإيرانية 1951 ـ 1953)، فقد أفتى بتجنيد الشباب الإيراني للدفاع عن فلسطين، ويقول عبد المتعالي الجبري في كتابه «لماذا اغتيل حسن البنا؟» وهو أحد تلامذة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ان الشيخ حسن البنا اجتمع مع آية الله كاشاني في موسم الحج من العام 1948، وتفاهما على أشياء عدة، من ضمنها العمل في سبيل القضية الفلسطينية..

وينقل السيد جلال الدين ميراقائي عن الشيخ يوسف القرضاوي قوله:

«حينما كنت شاباً طالباً في الأزهر الشريف، زار القاهرة الشهيد السيد مجتبى نواب صفوي وألقى خطاباً هاماً في مسيرة طالبية، وكان الطلاب يهتفون:

كن مصدق (محمد مصدق) يا فاروق (الملك).

كن كاشاني (آية الله) يا شيخ الأزهر.»

والسيد نواب صفوي (1924 ـ 1955)، أحد أهم الرموز الثورية ـ الدينية الإيرانية ومؤسس منظمة «فدائيان إسلام» سعى وبالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، إلى إرسال خمسة آلاف إيراني للقتال في فلسطين، وفي العام 1954، زار نواب صفوي، القاهرة، واجتمع مع قادة الإخوان المسلمين، وعن تلك المرحلة، يتحدث الداعية الإسلامي الراحل فتـحي يكن، في كتابه «الموسوعة الحركية» وفي مجلة «المسلمون» (العدد الأول 1956) عن نواب صفـوي بالقول: «لقد نزل ضيفا في القــاهرة واستقبلته بحماسة شديدة». ويعتبر فتحي يكن إعدام الشاه لنواب صفوي «بالحكم الجائر على المجاهد المؤمن البطل»، وكان صفوي، في سياق زياراته للأقطار العربية قبل إعدامه، قد زار سوريا، واجتمع مع المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي.

وللإضاءة على رمزية منظمة «فدائيان إسلام»، في الفكر السياسي الإيراني الحديث، قد تكون الاستعانة بأقوال الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، ما يوجز أهمية هذه المنظمة وزعيمها نواب صفوي، إذ يقول رفسنجاني في كتابه «سيرة قائد وثورة»: «كان لديـنا مشاعر قويــة تجاه «فدائيــان إسلام»، وكان استنتاجنا أن «فدائيان إسلام» هي سواعد آية الله كاشاني». ويصف راشد الغنوشي في كتابه «مقالات حركة الاتجاه الإسلامي» منظمة «فدائيان إسلام»، بأنها امتداد للإخوان المسلمين.

وهذا التفاعل الإيراني مع القضية الفلسطينية، يلاحظ بكثافة في خطب الإمام الخميني خلال ثورته الأولى عام 1963، ففي خطبة له في 20 ـ 3ـ 1963، يقول: «إن ربنا ليس أميركا وليس إسرائيل… فلماذا نخاف منهما؟ وفي خطبة ثانية له في 3 ـ 6 ـ 1963، يقول: «إن النظام هدفه تحقيق مصالح إسرائيل… ولأجل ذلك… يعمل على إذلال الإيرانيين»، وفي ثالثة مؤرخة في 26 ـ 10ـ 1964 يقول الإمام الخميني: «إن كل مصائبنا من أميركا وإسرائيل». وأما الشيخ هاشمي رفسنجاني. فقد أودعه الشاه محمد رضا بهلوي في السجن، بعد ترجمته كتاب «قضية فلسطين» للمؤرخ المعروف أكرم زعيتر، وذلك عام 1969، في حين ان حسينية «إرشاد»، تعتبر «أكاديمية» الثورة الإيرانية اذا ما جاز استخدام المفهوم الأفلاطوني، وذلك قبل إسقاط نظام الشاه عام 1979، حيث يمكن تتبع عشرات الخطب في هذه الحسينية، للإمام السيد علي الخامنئي، حول القضية الفلسطينية، وهذا ما ينسحب على فقهاء آخرين شكلوا أذرعة الإمام الخميني، مثل آية الله مرتضى مطهري وآية الله حسين بهشتي.

وتأسيسا على ذلك، يرتبط الموقف الإيراني بسوريا وفق هذه المعادلة، أي معادلة الصراع مع إسرائيل، وهذه أولى ركائز الشرعية التي تصوغ علاقة طهران بدمشق، فيما الركيزة الثانية المتمثلة بالشرعية الشعبية، من الإجحاف القول بأنها مهملة من قبل الطرف الإيراني، وهنا، لعله من المفيد استحضار مواقف المسؤولين الإيرانيين من الأحداث السورية، فالرئيس محمود احمدي نجاد أطلق في 25 ـ 8ـ 2011 من قناة «المنار» ما يجب الوقوف عنده، إذ قال: «الشعب والحكومة في سوريا يجب ان يجلسا معا… ويتوصلا الى تفاهم حول الاصلاحات، يجب أن يكون للشعب حق الانتخابات وحق الحرية والعدالة… أن يجلسا ويحددا جدولا زمنيا في هذا الخصوص وعدم السماح للغرب بالتدخل.»، كما أن وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي أكد بتاريخ 27 ـ 8ـ 2011، «ضرورة تلبية الحكومات لاحتياجات شعوب المنطقة في اليمن وسوريا».

بطبيعة الحال، مواقف أحمدي نجاد وصالحي مقرونة بالتالي:

1: موقع سوريا ودورها في الصراع مع إسرائيل.

2: عدم التدخل الخارجي.

3: عدم إراقة الدماء.

4: التأكيد على الحوار الداخلي.

هذه الأضلاع الأربعة المضاف إليها نظير خامس متمثل بحق السوريين بالإصلاح والتطوير و حرية الإنتخاب، تشكل مجتمعة الرؤية الإيرانية تجاه سوريا، وهي رؤية خارجة عن ثنائية الموقف، مع أم ضد، أسود أم أبيض، وهذا ما لم ينطبق على حراك الشعوب العربية في أقطار أخرى، حيث الركائز السياسية للأنظمة المتهاوية في تونس ومصر وليبيا، وكذلك اليمن والبحرين، فاقدة لشرعيتها وفق المنظور الإيراني، فلا الشرعية الشعبية معها ولا شرعية الصراع مع اسرائيل .

وأكثر من ذلك، قد يهجس الإيرانيون من سلسة مواقف هاطلة عليهم من هنا ومن هناك ترميهم بغرائب الاتهامات وأعاجيب القيل والقال، إلا أنهم يتساءلون في النهاية عن أسباب حصرهم في دائرة السلب من قبل غير العالمين وغير العارفين في قراءة أبجديتهم السياسية، في حين أن مواقف عربية شتى من سلطنة عمان إلى السودان والجزائر والمغرب، نفرت من كل موقف حيال سوريا، بينما الموقف الإيراني يزاوج بين حق الشعب السوري في الحرية وبين موقع القيادة السورية في منظومة الممانعة، وهما ليسا أضدادا، ولن يكونا أضدادا، إذا أرادت الأطياف السورية ألا تغرق سوريا في الفوضى… أو في براكين التدخل الخارجي… أو في الفراغ كما يقول وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي… وهو فراغ قاتل إذا ما تم التأمل في الحالة السورية… فتأمل.

([) كاتب لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى