صفحات العالم

اتصالات أميركا السرية بالأسد

 

 

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الأربعاء، مقالاً لنور ملص وكارول لي، بعنوان “الولايات المتحدة سعت لاتصالات سرية مع نظام الأسد، على مرّ أعوام”.

وجاء في المقال، أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، سعت إلى اتصالات سرية مع عناصر في النظام السوري، خلال السنوات الماضية، في محاولة فاشلة للجم العنف، ودفع الرئيس بشار الأسد إلى التخلي عن السلطة، وذلك بحسب مسؤولين أميركيين وعرب.

وفى البداية بحثت الولايات المتحدة عن صدوع في النظام يمكن أن تستغلها لتشجيع انقلاب عسكري، لكنها لم تجد الكثير منها.

وتعكس تلك الجهود، مقاربة إدارة الرئيس أوباما للتعامل مع ديكتاتورية غامضة في الشرق الأوسط، أديرت لأكثر من 45 عاماً من عائلة الأسد.

وبخلاف قناة البيت الأبيض السرية الخلفية إلى إيران، فإن الجهود السورية لم تكسب دفعاً والاتصالات ظلت محدودة. وتستند تلك الشهادة، بحسب الصحيفة، إلى مقابلات مع أكثر من 24 شخصاً، منهم مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون، ومسؤولون وديبلوماسيون عرب. وأغلب هذه الاتصالات لم يتم الحديث عنها من قبل.

وقال المسؤولون الأميركيون إن الاتصالات مع النظام، كانت متقطعة، وركزت على موضوعات محددة. وأحياناً، تحدث مسؤولون كبار، مع بعضهم مباشرة، وأحياناً أرسلوا رسائل من خلال وسطاء مثل حلفاء الأسد الأساسين؛ روسيا وإيران.

وحاول الأسد فى أوقات مختلفة، التواصل مع الإدارة الأميركية، للقول بإنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتحد معه، لمحاربة الإرهاب.

في العام 2011، ومع بداية قمع النظام للمتظاهرين، وبداية انشقاق الجنود عن الجيش، حدد مسؤولو المخابرات الأميركية، هوية ضباط من الأقلية العلوية، ممن يمكن أن يقودوا تغيير النظام، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون سابقون وأوروبيون حاليون.

وقال مسؤول أميركي سابق، إن “سياسة البيت الأبيض في العام 2011 كانت الوصول إلى نقطة التحول فى سوريا عبر إيجاد تشققات فى النظام، وتقديم حوافز للناس للتخلي عن الأسد”.

إلا أن تماسك النظام استمر ومعه القمع. وفي آب/أغسطس 2011، دعا أوباما الأسد علناً إلى التنحي.

ولم تحد الرسالة المركزية للإدارة أبداً عن نهج الولايات المتحدة بضرورة تنحي الأسد فى النهاية. لكن بدلاً من إقناع الأسد بالرحيل، ربما غذت الاتصالات السرية إحساسه بالشرعية والحصانة. وهو ما ساعد على تأجيج الخلافات بين القوى العالمية حول مستقبل الرئيس السوري فى أي تسوية. كما أعاق أيضاً جهود تعزيز المعركة الدولية ضد “الدولة الإسلامية”.

وقال مسؤول أميركي رفيع، “لقد وصلنا إلى أوقات قلنا فيها إن بمقدورك (الأسد) خلق بيئة أفضل لوقف إطلاق النار، لو توقفت عن إلقاء قنابل البراميل”. وأضاف المسؤول: “هناك اتصالات حول قضايا محددة”. و”الأمر لم يكن مثل كوبا أو إيران، حيث كنا اعتقدنا أنه بإمكاننا أن نحل القضية، عن طريق المفاوضات السرية الثنائية بشكل أساسي”.

وأرسلت الصحايفة أسئلة إلى مكتب مستشارة الرئيس بثينة شعبان، حول الاتصالات مع إدارة أوباما، لكنها لم تتلق رداً.

طيلة فترة الصراع، كان هناك عنصران أساسيان للاستراتيجية الأميركية بشأن سوريا، الضغط السياسي والعسكري على نظام الأسد، ولم يتمخضا عن نتائج، ما أدى إلى تحول فى التكتيكات.

السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، قال بإن “هذا نظام مطواع سياسياً، إنهم أذكياء للغاية”. وأضاف فورد: “هناك دائماً اختبار لنقاط الضعف، ودفع للحدود”.

في صيف العام 2012، باءت استراتيجية البيت الأبيض بتنسيق تغيير النظام بالفشل. وانتقلت الولايات المتحدة إلى دعم المتمردين، ولكن الجهود  تسارعت ببطء.

مسؤول سابق في الإدارة قال: “ضاعفت روسيا وإيران دعمها للنظام، ولم يعطِ ذلك نتيجة”.

في صيف العام 2012، أرسلت الإدارة الأميركية تحذيراً عبر المسؤولين الروس والإيرانيين للأسد، بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، بحسب مسؤولين أميركيين.

كما تحدث مسؤولون أميركيون مع نظرائهم السوريين، بشكل مباشر؛ نائب وزير الخارجية ويليام بيرنز، الذي تقاعد العام الماضي، أجرى اتصالين بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، للتأكيد على التحذيرات، بحسب مسؤولين أميركيين.

وخوفاً من تصاعد خطر الأسد، رسم أوباما خطاً أحمر علانية، حول السلاح الكيماوي في آب/أغسطس 2012. ورغم التحذير، فإن الهجمات بالسارين في آب/أغسطس 2013، قتلت تقريباً 1200 شخص. وبينما هدد أوباما بعمل عسكري، كرد فعل، إلا إنه عقد اتفاقية مع النظام لإزالة مخزونه من الأسلحة الكيماوية.

وخلال العامين اللاحقين، بدلت واشنطن من رسائلها إلى دمشق، لتركز على احتواء النزاع.

وهناك سبب آخر للابقاء على خطوط الإتصال مفتوحة: خمسة مواطنين أميركيين مازالوا مفقودين أو محتجزين في سوريا. مساعدة وزير الخارجية الأميركية آنا باتيرسون حادثت نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد مرتين على الأقل، حول مصير الأميركيين.

بعد ذلك غيرت إدارة أوباما، توجهها إلى الديبلوماسية، لجلب الحكومة السورية إلى طاولة التفاوض.

في مركز تلك الجهود، كان رجل الأعمال ومحط ثقة بشار الأسد، خالد أحمد، الذي خدم كمحاور أساسي عن القيادة السورية، في السنوات الأخيرة، مع المسؤولين الغربيين، بما فيهم الأميركيون. ولم يجب الديبلوماسي أحمد على أسئلة “وول ستريت”.

الخبير السوري والأستاذ في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديز، قال: “الأسد كان يبحث عن طرق للحديث مع البيت الأبيض”. والسيد أحمد، رجل الأعمال من محافظة حمص، كان رجله في تلك المسألة.

في نهاية العام 2013، السفير السابق إلى دمشق روبرت فورد، ثم مبعوث الإدارة الأميركية الخاص بسوريا، التقى خالد أحمد في جنيف، خلال تحضير جولة مباحثات السلام. فورد أخبر أحمد بأن الولايات المتحدة مازالت تبحث عن تحول سياسي بعيداً عن حكم الأسد.

ورد أحمد بأنه يتوجب على أميركا والغرب مساعدة الحكومة السورية في مكافحة الإرهاب.

صعود “الدولة الإسلامية” في العام 2013، شغل انتباه الإدارة الأميركية، ووجد الأسد في ذلك مفتاحاً أفضل لإعادة وضع نفسه كشريك في مكافحة الإرهاب الذي يستنزف المنطقة، والمتمدد إلى الغرب.

مع حلول العام 2014، وعندما وسعت الولايات المتحدة غاراتها الجوية ضد المليشيات من العراق إلى سوريا، أجرى مسؤولو وزارة الخارجية اتصالات بنظرائهم في وزارة الخارجية السورية، للتأكد من أن دمشق ستبتعد عن المقاتلات الأميركية في السماء السورية.

اليوم، وعندما تريد واشنطن من دمشق معرفة مكان دخول المقاتلين السوريين المدربين أميركياً لقتال “الدولة الإسلامية” كي لا تخلط بينهم وبين المتمردين، فإن المندوبة الأميركية إلى “الأمم المتحدة سامانتا بور، ترسل نائباً للتواصل مع المبعوث السوري بشار الجعفري.

ويقول البيت الأبيض بإن تلك الملاحظات لا تعتبر تعاوناً مع النظام. لكن الأسد يستخدمهم لمصلحته.

هذا الربيع، المسؤول السابق في البيت الأبيض ستيف سيمون، التقى الأسد في دمشق، في زيارة مهد لها ودبرها خالد أحمد.

وسيمون الذي ترك البيت الأبيض في العام 2014، التقى أحمد على الأقل لمرتين، قبل رحلته إلى دمشق، والتي لخصها لزملائه السابقين كخطوة فردية، بحسب متابعين للزيارة.

وقد التقى سيمون، مع زملاء سابقين وحاليين في الإدارة الأميركية، قبل وبعد زيارته، ومنهم المدير العام لمجلس الأمن القومي الأميركي روبرت مالي.

وأوضح سيمون الخطوات التي يمكن للنظام تقديمها كمؤشر على حسن النوايا تجاه المجتمع الدولي: ايقاف إلقاء البراميل المتفجرة، فعل المزيد في قتال “الدولة الإسلامية” بدلاً من قتال المعارضين للنظام، والتعاون مع جهود الأمم المتحدة لعقد هدن محلية.

وأجاب الأسد بالحديث عن تلك النقاط المعتادة، مركزاً على قتاله ضد الإرهاب. وأظهر الأسد انفتاحه على الهدن المحلية، وفق شروط حكومته.

في الشهور اللاحقة، عاد النقاش داخل البيت الأبيض حول مضاعفة معارضة الولايات المتحدة للأسد، أو أولوية قتال “الدولة الإسلامية” على حساب ملاحقة النظام.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى