صفحات سوريةعلي العائد

السعادة وثمن الخوف وداعش/ علي العائد

 

 

تقول نجمة/ فيروز في فيلم “بنت الحارس”، مبررة سبب تقمصها لشخصية اللص المسلح (أبو الكفية): “.. لقيتهن يدفعوا ثمن الخوف وما يدفعوا ثمن السعادة”.

قرأ الفيلم المنتَج عام 1968 حال الواقع العربي، سياسة ومجتمعاً، بل واستشرف ذلك.

السياسة والأمن، عموماً، يتشابكان، ويتشابك معهما الاقتصاد، دائماً.

السياسة تفرض شكل الأمن في البلاد العربية، داخلياً، وفي ما بين كل دولتين، وما بين دول العالم العربي والعالمين القريب والبعيد، وهي التي تحدد مصادر الخطر المتوقعة.

وفي كل الأحوال، من المعروف أن التنسيق الأمني بين وزارات الداخلية في الدول العربية هو الوحيد المستمر والناجح، وربما لم يتوقف هذا التعاون حتى بين الدول التي شهدت علاقاتها البينية بعض الفتور في فترات عابرة.

في ما بعد عام 2011، وبدءاً من الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010، بدت الظروف الأمنية أكثر تعقيداً في العالم العربي. ففي سوريا، والعراق أيضاً، تكلل الخوف مع ظهور ظاهرة داعش التي يحار مواطن الدول التي اخترقها التنظيم، والمحلل السياسي في كل مكان، في توصيفها، وتحليل سبب وظروف نشوئها.

داعش الآن هو اللص الملثم، وقاطع الطريق، الذي يهدد الأنظمة والمجتمعات في العالم العربي، ووصلت تهديداته إلى العالم الغربي بجرعات إرهابية مخففة يتوقع أن تكون قاتلة، أو مرعبة، إن استمر التعاطي معه بهذه الخفة التي تستبعد تقديم تضحيات حقيقية للخلاص منه.

أمريكا لا تفضل أن تتدخل برياً ضد داعش. وتركيا لا تفضل أن تتدخل برياً، لوحدها، وإن كان على حدودها، وتلتزم بالاتفاقات السرية مع داعش بعد إطلاق سراح دبلوماسييها الذين احتجزوا بعد استيلاء داعش على الموصل. نظام بشار الأسد مرتاح لوجود داعش الذي يدعم مقولة إعلامه بتصديه للعصابات المسلحة التي ثارت عليه. الدول العربية الداعمة للثورة السورية تفضل استمرار دعم الفصائل المسلحة، وتأجيل قرار مجابهة داعش برياً، في انتظار إجماع من التحالف على اتخاذ هذه الخطوة.

في انتظار ذلك، لايزال “داعش – أبو الكفية” الفاعل الأكبر، وكل ما عدا ذلك ردود أفعال متفرقة، ولن يزيد من نجاعتها أن تكون رد فعل جماعي ومنسق.

الفعل والمبادرة والتضحية هو ما يلزم، ووحدها هذه الثلاثية كفيلة بالقضاء على داعش، ولو موقتاً، كون القضاء النهائي على التنظيم، كفكرة، يحتاج إلى إجراءات أخرى أكثر تعقيداً من أن نخوض فيها هنا، وهي مستحيلة على المدى القصير، وتحتاج زمناً طويلاً نسبياً.

المحيِّر في الأمر أن داعش تبادر، وتهجم، وتحتل، وتنسحب تكتيكياً، ثم تكر من جديد. وفي معركة داعش هذه الأيام مع البيشمركة في سنجار يتخذ داعش موقف المدافع، بينما لا تجد طائرات التحالف وسيلة لدعم البيشمرغة في حرب الشوارع التي تجري اليوم (الإثنين). لكن داعش في معظم معاركه الأخرى مهاجم ينشر صفوفه، ومن المفترض هنا أن يصبح هدفاً سهلاً للطائرات على الأقل، على عكس المدافع الذي تتكتل صفوفه ويصبح دفاعه البري أقوى، وصموده أطول عمراً. وما يجري في عين العرب – كوباني مثال على الدفاع، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من محاولات داعش لاحتلال المدينة، ودفاع وحدات الحماية الكردية عنها، بمساعدة من الجيش الحر والبيشمركة المستقدمة من كردستان العراق عبر تركيا!

ما يجري في سوريا والعراق من نشوء تنظيم داعش وتمدده واستقوائه على مجتمعي البلدين يحيل إلى استقالة طاقمي الحكم فيهما من مهام الدولة، فالحكم باسم طائفة في كلا الدولتين قاد إلى هذه النتيجة.

هنالك في الدوائر الغربية ومراكز دراساتها من يتحدث عن حاضنة اجتماعية في غرب العراق وشرق سوريا.

عن سوريا، وكوني ابن هذه المنطقة، أنفي صحة هذا التقدير، فعناصر داعش من السوريين هم أنفسهم الذين استخدمهم النظام في بدايات الثورة السورية لضرب الناشطين واعتقالهم، وعندما استشعروا ضعف النظام باعوا ضمائرهم وسواعدهم لداعش. وهم أنفسهم سيميلون إلى الكفة الراجحة في حال استشعروا ضعف داعش.

عناصر التحليل، هنا، لا تحتاج إلى نظرية المؤامرة، فداعش صنيعة النظامين السوري والعراقي، حتى ولو لم يساهما في صنع التنظيم بالفعل.

النظامان صنعا جدراً من الخوف، والأمن المقنَّع، بدل غلالات السعادة التي تحمي مواطني الدولتين دون أن تخنقهم بحجة الأمن. وكلا النظامين تمترس وراء قوة ترهب مواطنيه. كما ساهما معاً في تدهور التعليم والصحة، وأنفقا على سياسة التخويف أكثر مما أنفقا لتأمين فرص العمل.

والنتيجة كانت أن النظامين يدفعان الآن ثمن الخوف. ولو دفعا ثمن السعادة في وقتها لما كانت داعش تستنزفهما الآن أضعاف أضعاف ذلك الثمن.

هنا، الحراك الشعبي في غرب العراق، والثورة السورية في كل سوريا، محاولة لدفع ثمن السعادة، مقدماً.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى