صفحات الرأي

العلمانية للخروج من الحروب الدينية القائمة/ إبراهيم غرايبة

 

 

هل جاء أوان العلمانية للخروج من الحروب الدينية القائمة اليوم؟ انحسار العلمانية كان سياسة/مغامرة رسمية معطوفة على موجة دينية صعدت واجتاحت العالم عامة والعالم العربي والإسلامي خاصة. واليوم في ظل هذه الصراعات والحروب الأهلية المدمرة للدول والمجتمعات والموارد، هل تدرك السلطات في الدول العربية ضرورة الدخول في سياسات عامة وتعليمية تضع الدين في السياق العام للإصلاح والتنمية وتجنبه التوظيف السياسي سواء من قبل السلطة أو الجماعات السياسية والاجتماعية؟

يجد الكاتب نفسه ملزماً بالتضحية بالحصة الأكبر من المساحة المخصصة ليجادل، وسيفشل في ذلك على الارجح، بأن العلمانية ليست بالضرورة هي اللادينية أو عدم التدين، وهي بالتأكيد وعلى الدوام ليست معادية للدين. إنها في بعدها التطبيقي السياسي حياد الدولة تجاه الدين، بمعنى أنها تدير السياسة العامة والتشريعية مستقلة عن الدين، ولكنها بسبب حيادها نفسه ملزمة بالحريات الدينية وحماية الدين والجماعات الدينية المختلفة، وربما تكون المسألة الثانية الأصعب في الجدل هي أن الاندماج بين الدين والدولة تمارسه السلطات والحكومات العربية أكثر من أو مثل جماعات الإسلام السياسي، وأن العلاقة القائمة بين الدولة العربية الحديثة منذ نشأتها وبين الدين هي أكثر استحضاراً للدين من أية فترة تاريخية سابقة، بل هي أكثر مما يريد الله، وأن أزمة العلمانيين (الذين هم بالتأكيد ليسوا أعداء للدين وليسوا بالضرورة لا دينيين) مع السلطة أكثر مما هي مع جماعات الإسلام السياسي، وإن كانت هذه الجماعات رافضة للعلمانية ومعادية لها!

ستوفر النخب والقيادات السياسية للدول تضحيات وأوقات كبيرة وعزيزة إذا بادرت أو غامرت برد الصراع القائم اليوم إلى جذوره الأساسية والتاريخية، وهي ببساطة وبداهة الحكم والفرص والموارد. فالأمم والأفراد والجماعات والدول على مدى التاريخ والجغرافيا تتنافس وتتصارع حول الموارد والسلطة: من يحكم؟ وكيف تقسم الموارد (التي يعتقد خطأ أنها نادرة) بين الناس والجماعات؟ ويستوي في ذلك صراع الإخوة والعشائر والدول والقوى العظمى والصغرى، ثم وبعد الاعتراف بحقيقة الصراع وجوهره محاولة تنظيمه ليكون سلمياً ما أمكن ذلك، وإن تعذر فلا حاجة (بل هو أمر خطير وكارثي) لاستحضار الدين في الصراع، وجرّ الأفراد والمجتمعات والمجاميع الكبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ والمحايدين والمستضعفين إلى صراعات وحروب مدمرة لا ناقة لهم ولا جمل فيها ولا تؤثر نتيجتها عليهم سلباً أو إيجاباً.

ويمكن أن توفر المجتمعات الموارد والوقت وتحمي الأرواح والممتلكات والحريات والحقوق لو أنها تكلف نفسها بإدراك مصالحها وما تريده وما تحتاج اليه وما لا تريده ولا تحتاج إليه، وتنشئ على ذلك وعياً بمسار النضال وأهدافه، لأجل ماذا تضحي ولأجل ماذا لا تضحي ولا تتدخل؟ ستكون المجتمعات بالطبع أبطأ من النخب في تحولاتها وتشكيل وعيها الجديد، ولكن ربما يكون الحلّ العملي أو الأكثر وضوحاً هو أن تتقدم نخب وجماعات ومؤسسات مجتمعية جديدة أو مختلفة عن تلك المهيمنة اليوم والملوثة بالدماء والأموال المنهوبة لتقود المجتمعات أو تدلها أو تشاركها في وعي جديد لا يكتشف العجلة من جديد ولكنه فقط يقتبس بنزاهة ووضوح تجارب الأمم والمجتمعات في الصراع والتقدم، ويجنبها عقوداً وربما قروناً طويلة من الصراع العبثي المدمّر.

ولكن لماذا العلمانية وربما العلمانية فقط هي المخرج من هذه الحروب الأهلية؟ ولماذا هي الدليل العملي والواقعي للنجاة والإصلاح؟ لأنها وببساطة تمثل النظر إلى العالم المشهود بما هو كذلك على النحو المفضي إلى معرفته وعلى أساس الإقرار مسبقاً بعدم معرفته، ما يعني بالضرورة أنه ليس لأجل ذلك ثمة حق نزل من السماء. وهكذا فلا مناص لنا بعد هذه القرون الطويلة من الحروب والتيه سوى أن نعود الى النقطة الأولى المملة والقاسية: أن نفهم ما نريده ونحتاج إليه بما تسعفنا عقولنا ومداركنا في الرؤية والاستيعاب، وبما يحفزنا جهلنا لذلك الانجاز، وتلك هي العلمانية ببساطة!

* كاتب أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى