صفحات الثقافة

الكتب في حياتي» لهنري ميللر

 

علـى المــرء أن يـقـرأ أقــل

عناية جابر

الهدف من كتاب هنري ميللر على ما نقرأ، هو ان يحكي قصة حياته. عنوان الكتاب: «الكتب في حياتي» صادر عن «دار المدى» والترجمة لأسامة منزلجي، يحكي عن الكتب كتجربة حيوية، وليس دراسة نقدية ولا يحتوي برنامجاً لتثقيف النفس. ميللر يرى انه وجدت في السابق وستوجد دائماً كتب ثورية حقاً، أي مُلهمة وملهِمة، وهي نادرة طبعاً. والمحظوظ من يصادف حفنة منها في حياته. وزيادة على ذلك، هذا النوع من الكتب لا يغزو الجمهور العام. انها المخزون الخفي الذي لا يغذي الرجال الأقل موهبة الذين يعرفون كيف يجذبون رجل الشارع. إن النتاج الأدبي الشاسع في المجالات كلها، يتألف من أفكار مستهلكة، والسؤال الذي يطرحه ميللر هنا، والذي لم يجد له جواباً للأسف، هو إلى أي مدى سيكون عملاً مؤثراً تقليص المخزون الفائض من العلف الرخيص. واليوم هناك شيء واحد مؤكد: ان الأميين حتماً ليسوا الأقل ذكاء بيننا.

«الكتب في حياتي» يراه الناقد أحد أفضل ثلاثة أو أربعة من كتب هنرى ميللر التي يحبها قراؤه. انه كتاب وضع فيه ميللر الكثير من الفكر والجهد. وهو كان يوّد لو انه استطاع ان يضيف إليه جزءاً ثانياً أو ثالثاً، بما انه لم يأت إلا على ذكر عدد ضئيل من الكتّاب الذين أولع بهم وكان تأثيرهم عليه هائلاً. بل ان بعض أصحاب اقوى تأثير في ميللر لم يقترب منهم حتى.

لاحظ ميللر ان الشبان يتحولون أكثر فأكثر إلى الكتب الميتافيزيقية، والغامضة والصوفية فضلاً عن الإباحية والبذيئة، وهو يرى انهم في هذا الكتاب سيجدون اجوبة وإشارات سوف توجههم إلى ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم.

في هذا الكتاب يفلش لنا ميللر لائحة طويلة من الكتب التي أثرت به كما لو انها عملية في تفحص الذات المبدعة. احدى نتائج هذا التفحص هي الإيمان الراسخ بأن على المرء ان يقرأ أقل فأقل، وليس أكثر فأكثر. في متابعتنا نرى ان ميللر لم يقرأ بقدر ما يقرأ المثقف، وهو بالتالي ليس دودة كتب ولا حتى صاحب ثقافة جيدة، لكن في المقابل نراه قرأ، دون أدنى شك، مئة كتاب أكثر مما كان ينبغي له ان يقرأ.

لقاءات الكاتب بالكتب التي أوردها في كتابه هنا، أقرب شبها بلقاءاته مع ظواهر اخرى في الحياة والفكر. اللقاءات كلها مرتبة وليست منعزلة. وبهذا المعنى، تشكل الكتب جزءاً لا يتجزأ من الحياة كالأشجار والنجوم. لا يضع ميللر المؤلفين في أي خانة خاصة، أو متميزة، انهم بالنسبة إليه كالأشخاص الآخرين، لا أفضل، ولا أسوأ.

والنظر إلى القارئ الذي كأنه ميللر ذات يوم، أشبه بمراقبة رجل يشق طريقه بصعوبة في الأدغال. لكن هدفه لم يكن قط العيش في الأدغال، بل التخلص منها إذ تكفي الحياة نفسها دغلاً حقيقياً جداً ومعلماً جداً.

الهدف الأساسي لهذا العمل «كتب في حياتي» هو تقديم الثناء للكتّاب الذين استلهم من كتاباتهم، مع انه لا يعلم إلا القليل عن التأثيرات التي شكلت حياته ككاتب. ميللر دائماً إلى جانب البوح، وإلى جانب الجمال، والحق، والحكمة، والتناغم، والكمال المتطور باستمرار. في هذا العمل، نراه يطلق بيانات جديدة كي يتعرض للأحكام والتحليل، أو كي يكون مصدراً للمتعة. من الطبيعي ان ميللر لم يستطع في كتابه، الكتابة عن كل الكتب التي أغنته، أو حتى عن الهام منها التي قرأها على امتداد حياته، لكنه يعد بالاستمرار في الكتابة عن الكتب والمؤلفين إلى ان يستنزف أهمية هذا الحقل.

الكتاب يظهر مدى رغبة الكاتب في قول أشياء عن مؤلفين معينين، ومواضيع معينة، قارب بعضها واكتفى بذكر اسم كاتب في بعضها الآخر، وهو يعلم انه لن يتوصل أبداً إلى قول كلمة وافية عنهم. يرى ميللر أخيراً ان عالمنا يقترب بسرعة من نهايته، وثمة عالم جديد يوشك ان ينشأ. وإذا قدّر له ان يزدهر فينبغي ان يقوم على أساس من الانجازات وسوف ينبغي ان تصبح الكلمة لحماً.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى