صفحات سورية

الكرد .. الديمقراطية لسوريا.. النظام .. الحل الأمني

 


مسعود محمد

يعيش النظام السوري حالة من القلق والاضطرابات بسبب الاحتجاجات التي تعم الشارع السوري. وهو يعمل على كتم تلك الحالات الاعتراضية بالشارع بالأساليب الأمنية الكلاسيكية. بإطار التسهيلات والإجراءات التي بوشر فيها منذ أسبوعين لامتصاص حالة الغضب الشعبي، أفادت وكالة الأنباء السورية بأن الأسد اصدر مرسوما يقضي “بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة، الجنسية السورية”، في إشارة الى الأكراد في شمال شرق سوريا، وكانت السلطات السورية أعلنت أنها “ستدرس أوضاع حوالي 300 ألف كردي محرومين منذ نصف قرن من الجنسية السورية على أساس إحصاء اجري في 1962″، وقالت الوكالة ان الأسد “اجتمع كذلك مع قيادات إقليمية في المناطق التي تقطنها أغلبية كردية في الشرق في وقت سابق هذا الأسبوع للاستماع لمطالبهم.” كان ملفتا رفض قيادات الصف الأول الكردية ومنهم القيادي الكردي حميد درويش لدعوة لقاء الرئيس رغم ان درويش يعتبر من القيادات الوسطية التي كانت تدعو دائما الى تفاهمات مع السلطة، مما يوحي بأن كيل الأكراد قد طاف من حكم البعث، وفقدوا أي أمل من أي تفاهمات أو اصلاحات تجريها سلطة البعث. بدا مشروع التجنس هذا كمحاولة للفصل بين الحالتين المعارضتين الكردية والعربية في سوريا، حيث تباينت الآراء الكردية حول هذا المرسوم، ففي وقت رحبت فيه بعض القيادات الكردية التابعة للنظام والمتعاملة معه بمرسوم التجنس، أكدت قيادات سياسية كردية منتمية للأحزاب السياسية الكردية، وللقيادات الشبابية الكردية الغير منتمية سياسيا لأي أحزاب أن “القضية الأهم للأكراد هي الديمقراطية”، وبدا واضحا من خلال المشاركة الكردية النوعية في التظاهرات يوم الجمعة الفائت 8/04/2011 أن أكراد سوريا اختاروا طريق مواصلة كفاحهم السلمي من أجل الحقوق المدنية والديمقراطية ولم ينجروا الى لعبة النظام بشق الصف الوطني للمعارضة السورية. ويبدو إن قضية الأكراد في سوريا ستكون في المرحلة القادمة هي “الديمقراطية لكل سوريا”، ويعتبر الأكراد أن المواطنة هي حق لكل سوري وليست فضلاً أو منة من أحد. فقد جاء في المادة الخامسة عشرة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ” ” ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً.” تبقى الحركة الكردية بجميع فصائلها حركة وطنية ديمقراطية تدافع عن الوطن والمواطن ومسؤوليتها مضاعفة حيال هذا الوضع بسبب الظلم المضاعف المطبق بحق الأكراد. النظام السوري يتحدث هذه الأيام كثيرا عن مؤامرة تستهدف سوريا، وأكد ذلك الرئيس السوري بخطابه. أوافق الرئيس السوري حول ضرورة تجنيب سورية كأس الاضطرابات المر ويكون ذلك بالاصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي وهو العلاج الانجع لافشال هذه المؤامرة، وعدمه هو الطريق الاسرع للفتنة، وقد اعترف الرئيس الاسد بهذه الحقيقة عندما قال ان البقاء بدون اصلاح هو امر مدمر للبلد، ولكن خطابه لم يتضمن اي فقرة او تعهد أو بشرى بالبدء في اتخاذ خطوات جدية في هذا الاتجاه، وكل ما تضمنه هو تلاعب بالكلمات، وتكرار فقرات وردت في خطابات سابقة، اي لا جديد على الاطلاق سوى التهديد والوعيد لاي انسان يجرؤ على شق عصا الطاعة، واللجوء الى الاحتجاج، لانه في هذه الحالة سيكون شريكا في المؤامرة ومحرضا على الفتنة. ترجمة التهديد كان باللجوء الى الحلول الأمنية مما أدى الى الآن الى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. تقسيم الشارع الوطني السوري الى كردي عربي سني علوي هي أحد ألعاب النظام وبالتالي على المعارضة السورية الانتباه حتى لا تقع بذلك الفخ القومي الطائفي مما يجهض كل النتائج التي حققتها انتفاضة درعا الى الآن.

هناك عدة تفسيرات، او اجتهادات، حول اسباب احجام الرئيس الاسد عن تلبية مطالب شعبه في الاصلاحات:

الاول: ان يكون هناك انقسام داخل النظام الحاكم ومراكز القوى فيه حول هذه المسألة، فهناك جناح براغماتي يقوده الرئيس بشار نفسه ويريد اصلاحات سياسية بحدها الأدنى، مما يتيح له فرصة للاستمرار لفترة أطول في الحكم. يقابله جناح متشدد ينتمي الى مدرسة الأسد الأب، ويرى ان اي اصلاح هو خطيئة كبرى يمكن ان تهدد بتقويض النظام من الداخل مما يؤدي الى انهياره.

الثاني: ان تكون المظاهرات الشعبية التي نظمها رجال النظام قصرا عبرمصادرة بطاقات الهوية وتجييش طلاب المدارس والجامعات لتأييد النظام، قد أوهمت الرئيس بشار بان حجم التأييد له في سورية اكبر بكثير من حجم المعارضة.

الثالث: يبدو ان الجناح المتشدد في النظام، الذي يضم قادة الاجنحة الامنية على رأسها ماهر الاسد، وآصف شوكت كانت لها الغلبة في الصراع الدائر بين جناحي النظام، مما رجح الخيارات الأمنية وبالتالي ضرورة توحيد صفوف النظام بجناحيه، والعمل على قمع اي احتجاجات، اعتقادا منهم بقدرتهم على الانتصار في اي حرب طائفية، لما يملكونه من قوات مسلحة واجهزة امنية تدين غالبيتها بالولاء للنظام بسبب تركيبتها الداخلية، والاختيار الدقيق لقياداتها. وهذا يفسر الاشارات التي التي أطلقها النظام يوم السبت 9/04/2011 وذلك باطلاق النار على مشيعيي درعا بارصاص الحي وسقوط قتيل وعدة جرحى، والقيام بحملة اعتقالات واسعة في اللاذقية، والاطاحة برئيسة تحرير جريدة تشرين سميرة المسالمة ابنة درعا على خلفية تصريحات أدلت بها لتلفزيون الجزيرة دعت فيها الى محاسبة مطلقي النار على أهل درعا،اصدار وزارة الداخلية بيان شديد اللهجة في مواجهة المظاهرات ” لن نتسامح مع الدخلاء والمندسين”.

من الأمور التي تؤكد ما سبق واستنتجناه في الاستنتاج الثالث، هو عجز الرئيس بشار عن فرض ارادة جناحه وبالتالي تنفيذ الاصلاحات التي حرص على التأكيد عليها في كل خطاباته على مدى اكثر من عشر سنوات من حكمه. وذلك باعترافه عندما كشف في خطابه عن مناقشة المؤتمر القطري لحزب البعث عام 2005 لكل هذه الخطوات الاصلاحية التي تحدثت عنها الدكتورة شعبان، ولكنه لم يقل لنا لماذا، وهو الذي قال انه يريد الاسراع لا التسرع، لم يتم اقرار اي منها طوال السنوات الماضية، وظلت هذه الاصلاحات حبيسة الادراج في ارشيف القيادة القطرية؟

من الواضح أن النظام وبالتالي الرئيس الأسد يراهنون على عنصر الوقت، ويؤمنون بقدرة النظام على تجاوز الازمة الحالية، فهل تنجح المعارضة السورية بفرض أجندتها للتغيير والديمقراطية؟ أم ينجح الجناح المتشدد في النظام بخنق انتفاضة الشعب السوري في مهدها؟ الوحدة الوطنية السورية والمشاركة الواسعة بتحركات الشارع كفيلة بالاجابة على هذه الاسئلة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى