صفحات سوريةفايز ساره

المتظاهر شخصية العام العالمية 2011!


فايز سارة

ليس حدثا عاديا أن تختار مجلة «تايم» الأميركية «المتظاهر» باعتباره شخصية العام 2011. فهذا الخيار لمجلة مثل «تايم» له دلالات كبيرة، لعل الأبرز فيها إدراك المجلة لأهمية هذه الشخصية والانحياز لها بما تركته من بصمة واضحة في الحياة التي عاشها سكان العالم في عامنا الذي يستعد أن يغادرنا الأسبوع بعد القادم، وكان التعبير البارز لهذا الموقف وصف المجلة «المتظاهر» بالقول «إنه جسّد شعورا عالميا يحمل الأمل بالتغيير وأطاح بحكومات وبأفكار معلبة، وجمع بين أقدم التقنيات وأكثر التكنولوجيات تطورا لتسليط الضوء على الكرامة الإنسانية، وقيادة العالم على طريق القرن الحادي والعشرين ليكون أكثر ديمقراطية مع أنه أحيانا أكثر خطورة».

وأهمية التعريف الذي ساقته «تايم»، تكمن في أنه يعطي صورة عامة لشخصية المتظاهر، التي وإن استندت إلى ما ظهر من ملامحها في بلدان الربيع العربي، مضافا إليها حضور المتظاهرين في بقاع كثيرة من العالم، امتدت من روسيا إلى بريطانيا في غرب أوروبا وصولا إلى الولايات المتحدة، وفي إيران وإسرائيل واليونان وغيرها، مما ساهم في بلورة ملامح هذه الشخصية، الحاملة دلالات مهمة من حيث نزعتها إلى تغيير العالم عبر الإطاحة بحكومات وأفكار صارت من الماضي، واستخدامها وسائط متعددة تجمع بين القديم والجديد لأجل تحقيق هدفها وغايتها في توفير الحرية وتأكيد الكرامة الإنسانية باعتبارهما جزءا من عملية دفع العالم ببلدانه وشعوبه على طريق الديمقراطية المأمولة.

الصورة العامة للمتظاهر العالمي، وإن اتفقت بملامحها مع ملامح المتظاهر العربي، فإن للأخيرة تفاصيلها المميزة، حيث يخرج المتظاهر العربي من أجل قانون يحميه ويحفظ حقوقه في ظل سلطات طاغية ومستبدة، ومن هذه النقطة بالذات أخذ المتظاهر العربي خصوصيته، التي أعطت المظاهرات هذا القدر من الاهتمام والتأثير والاحترام، وسط حقيقة أن التظاهر في بلدان العالم، يبدو مختلفا في دوافعه وأدواته وأهدافه وحيثياته الأخرى، ولهذه أسباب تكمن في خلفيات السياسة والمجتمع في كل بلد من البلدان.

إن التمايز الأساسي بين المتظاهر في البلدان المتقدمة والغربية على نحو عام والبلدان العربية، يكمن في اختلاف الأهداف. فالأول يسعى – غالبا – من أجل هدف محدد يتعلق بقضية معينة، فيما يخرج الثاني من أجل أهداف عامة، حيث أهداف المتظاهر العربي غالبا تغيير الإطار القانوني والحقوقي للدولة والسلطة وعلاقتهما بالمواطنين، وبالاستناد إلى ذلك تتم صياغة مطالب التغيير الكلي وشعارات المتظاهرين.

والتمايز الآخر بين متظاهري البلدان المتقدمة وأمثالهم العرب، يمكن ملاحظته في اختلاف بيئة التظاهر. ففي الحالة الأولى، يستند التظاهر إلى بيئة قانونية وإدارية مرسومة مسبقا، تجري عملية التظاهر في حدودها، ونادرا ما يتم تجاوزها بخلاف ما هو عليه واقع الحال في البلدان العربية، التي لا تعترف أغلب سلطاتها أصلا بالتظاهر وبحق المواطنين بالتعبير عن آرائهم في تظاهرات سلمية ومنظمة، مما يترك الباب أمام أشكال مختلفة للتظاهر، ترسم حدوده ومساراته وفق الظروف الواقعية والعملية، وغالبا ما يتم قمع المظاهرات السلمية بواسطة القوة والعنف المفرط ضد المتظاهرين من جانب القوى والأجهزة الأمنية، وتم في الواقع العربي إدخال ميليشيات مسلحة في عمليات قمع المتظاهرين منها الشبيحة في سوريا والبلطجية في مثال مصر.

وثمة اختلاف آخر في موضوع التظاهر بين البلدان المتقدمة والأخرى العربية، وهو اختلاف نتائج التظاهر. ففي الحالة الأولى تكاد النتائج تكون محدودة من حيث مسرح التظاهر وما يصيب المتظاهرين وما يؤدي إليه التظاهر على صعيد السلطات والسياسات والشخصيات الحاكمة، أما في الحالات العربية، فتكون النتائج أكثر حضورا وأثرا، وغالبا فإن مسرح المظاهرات تصيبه خسائر بفعل أعمال العنف التي تتم ضد المتظاهرين، وقد يدخل الأخيران إطار رد فعل، وتتجاوز النتائج الأضرار والخسائر المادية في مسرح التظاهر إلى خسائر بشرية تلحق بالمتظاهرين قتلا وجرحا واعتقالا ومطاردة، وقد تصيب الأضرار العناصر الأمنية، إذا وقعت صدامات مع المتظاهرين.

في الجانب السياسي للتظاهر ثمة اختلاف بين وواضح نتيجة تمايز الأهداف. وفي الغالب فإن نتائج المظاهرات في الدول المتقدمة تحقق نتائجها في تغيير السياسات والمواقف، وقد تطيح بالمسؤولين عن تلك السياسات والمواقف التي يناهضها المتظاهرون، فيما نتائج المظاهرات العربية مختلفة من الناحية السياسية، حيث لا مكان لنتائج جزئية تفصيلية، بل إن النتائج تكون كلية على نحو ما تمخضت عنها نتائج المظاهرات في تونس وفي مصر من إسقاط للنظام ورموزه، وهي الأهداف التي تعبر عنها أهداف وشعارات المتظاهرين في اليمن وسوريا.

إن المظاهرات ترسم ملامح المتظاهرين، وفي بلدان الربيع العربي، كانت صورتهم أكثر وضوحا في حضورهم النشط والفاعل وفي أهدافهم التي تعكس طموحهم لتغيير حياتهم في بناها ومعانيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، توفر العدالة والمساواة، ولأن الأمر على هذه الصورة من الأهمية، فكان لا بد أن يتحلى المتظاهرون بقدر كبير من الشجاعة والإصرار، وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح اليوم في شوارع سوريا واليمن، وما زالت روحه حاضرة في شوارع تونس وليبيا، وقد يكون ذلك في خلفية ما قاله ريك ستينل، مدير تحرير «تايم» في تعليقه على اختيار المتظاهر شخصية عام 2011 في أن «هؤلاء الأشخاص غيروا من الآن التاريخ، وسيغيرون التاريخ في المستقبل»!

الشرق  الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى