صفحات الرأي

المثقف والطائفية/ حميد سعيد

 

 

في البدء لا بد من الإشارة إلى الفرق بين الطائفة والطائفية، فالطائفة – أي طائفة – وجود قائم نتيجة عوامل تاريخية واجتماعية وثقافية، أما الطائفية، فهي الوباء الذي يدمر جميع البنى، الوطنية والدينية والاجتماعية والحضارية، بل يدمر الطائفة ذاتها، التي يمارس الطائفي عصاب تطرفه وجهله باسمها.

وهذا الوباء لا ينصرف إلى طائفي من دون غيره، ولا إلى طائفة معينة، بل يمثل سمة مشتركة بين جميع الطائفيين في العالم، وفي جميع العصور.

وإذا كان الانتساب إلى الطائفة أمرا موروثا في الأعم الأغلب، لا خيار للمرء فيه، ولا دور للعقل في الاختيار، وفي أحسن الحالات يكون دور العقل تأكيد ما وجد عليه الفرد الآباء، فإن الطائفية انغلاق على الذات، ورفض ليس للمختلف فحسب، بل لكل ما يدخل مدخل الحوار مع ما نشأ عليه، لذلك كان الطائفي ومازال وسيبقى، لا يحاور ولا يقارب النقد العقلي الموضوعي، بل يكرر ما سمعه في محيط منغلق، فهو يخاطب الذين نشأوا على ما نشأ عليه، ويشعر بالزهو في خطابه هذا، وفي الاستماع إليه والتجاوب معه، من دون أي دور للعقل.

أما الآخر، فهو عدو في جميع الأحوال، ليس لسبب منطقي، بل لأن الآخر، لا يصدق كل ما يقوله، فهو عدو حتى لو صدق بعض ما يقال وخالف بعضا.

ومن صفات الطائفي، أنه لا يرى ما يتطابق فيه مع الآخر، ويعمل على تهميشه وإنكار أهميته، والبحث عما يختلف فيه، فيركز عليه ويضخمه ويجعل منه مبررا للاحتراب، والطائفي اتباعي في كل شؤون الحياة، العملية منها والمعرفية، فعلى صعيد المعلومة يتبنى ما يتطابق مع توجهاته ويتعصب لها، مهما كانت مجافية للعقل والمنطق، ويرفض سواها، وعلى الصعيد العملي، يهرع إلى معتركات لا ناقة له فيها ولا معزى، يَقتلُ حينا ويُقتل حينا آخر، مدفوعا بعصبية تحرمه من رؤية الأشياء على حقيقتها.

ليس في الدين الإسلامي أو في مجتمعنا العربي، بل في أديان أخرى ومجتمعات غير مجتمعنا، استغل أشخاص خبثاء، هذا التعصب، وجعلوا من المتعصبين وقودا لحروب وصراعات، فأصبحوا بما سفك السفهاء من دماء، قادة وحكاما.

ومن إشكاليات الطائفي، كونه ينتمي إلى ماض متخيَّل، يتقبله على عواهنه، ويخوض معاركه امتدادا لمعارك الماضي، من دون أن يدرك حقيقة أسبابها، فلم يكن حاضرا فيها ولا استشاره أحد في شنها، ويقبل الروايات التي تبررها وتوفر لها أغطية، فلا يناقشها ليفرق بين المعقول واللامعقول، ويرى من يختلف عنه، عدوا مقاتلا في صف أعدائه، ينبغي قتله، لذا يكون العنف في الصراعات الطائفية، متجاوزا التزامات وأخلاقيات الإخاء والصداقة والمواطنة والدين والقومية، وإذا كان مثل هذا السلوك غير مقبول في أوساط الجهلاء، فكيف ينظر إليه في أوساط من يحسبون أنفسهم على المثقفين؟

إن الثقافة في العربية، لغة، هي تقويم الرمح وتسويته ورفع ما لحق به من زوائد، وبالتالي، فإنها تقويم العقل، والمثقف هو الشخص الواعي، قويم العقل والقادر على إدراك الصواب وتبينه، وتحديد الخطأ ونقده وتجاوزه.

غير أن أشخاصا محسوبين على الثقافة، ويعدون أنفسهم من المثقفين، يتقدمون في بعض المنعطفات التاريخية، انحرافات العصاب الطائفي، وكل ما يرتبط به من ممارسات تخريبية، ويدّعون الإيمان بأطروحات أسطورية، وهذا الموقف يبعدهم عن أي تماس مع جوهر الثقافة ودور المثقفين، فدور المثقف ومواصفاته على النقيض من دور الطائفي ومواصفاته، لكن لا بد من القول، إنني لا أقصد في ما ذهبت إليه الانتماء إلى طائفة ما، فذلك أمر لا يد للمرء فيه، وحين لا يكون طائفيا، يكون عاملا من عوامل حيوية المجتمع المتعدد، وإبعاده عن الجمود والأحادية.

كاتب من العراق

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى