صفحات الحوار

المدير التنفيذي لمؤسسة آفاق أسامة الرفاعي: آفاق مؤسسة عربية ومستقلة… وهذه مفارقة


رلى راشد

ليس الانخراط في تمويل المبادرات الثقافية في المنطقة العربية مسألة هيّنة او بديهية. غير ان ذلك لم يثنِ “الصندوق العربي للثقافة والفنون” (آفاق) عن رفع السقف عالياً، آخذا على عاتقه ادخال نسق محدّث في سياق دعم المشاريع ذات الصبغة الثقافية. عن تجربة تخطّت عامها الرابع، واستبقاء لإعلان ثلة من ثلاثين اسما جديدا من الحاصلين على منح الصندوق، في الثامن عشر من كانون الاول في بيروت، حدّثنا مدير “آفاق” التنفيذي الدكتور أسامة الرفاعي. ها هنا حوار عن مغامرة التفّ حولها عدد من الناشطين العرب في مجال الثقافة يحركهم همّ السماح للأفكار بالخروج الى أرض الواقع.

¶ ثمة تعثر في تمويل الثقافة في المجتمع العربي بلا ريب. لكن اي نموذج في رأيك يناسبه خصوصا، أهو الثقافي الليبيرالي الأنغلوساكسوني ام نقيضه الفرنسي تحت رعاية السلطة المركزية التي أرساها فرنسوا الأول منذ عصر النهضة؟

– ذكرت النماذج المطروحة لكننا لسنا مرغمين على اعتماد احدها. يجب ان نأتي بنموذج مختلف يناسب فسيفساء العالم العربي. في المغرب العربي مثلا، ثمة دعم حكومي للثقافة يذكّر بنسق الدعم الفرنسي، ذلك انه يستلهمه. في دول الخليج راهنا نجد نمطا من العطاء الثقافي العربي غير انه يشبه المساعدات الخيرية. الدعم الحكومي للثقافة هو الوحيد الذي يكفل تأمين استمراريتها، في حين لا يزال خجولا. نحاول في “آفاق” ان نقيم جسرا بين الحال السائدة وتلك التي نتوق اليها بعد عقد او خمسة عشر عاما. ثمة ضرورة لرفع وعي المؤسسات والافراد من ذووي الامكانات علّهم يدعمون العاملين في المجال الثقافي عبر تبرعات مباشرة او من طريق مؤسسات مثل “آفاق” التي تجمع مساعدات الأفراد والمؤسسات وتمنحها على نحو شفاف ومتخصص. لا نزال في العالم العربي في منطقة وسيطة بين اللادعم والدعم المتخصص والمرجو الذي سيتبلور لاحقا.

¶ هناك افكار مسبقة كثيرة تخيم على العلاقة بين الثقافة والاقتصاد، الشائكة في الاساس. يقول المبتكرون ان الرعاة يعطون القليل في حين يأخذون الكثير، اما الرعاة فيتهمون المبتكرين بالقبول بدعمهم من دون اعطاء شيء في المقابل. هل تعتقد ان توقعات الرعاية الخاصة أدنى من النتيجة المتوقعة؟

– في العالم العربي لا يتم للأسف الحديث عن العائد على الاستثمار الثقافي على نحو كاف. أجريت دراسات عدة في اوروبا وآسيا وسواهما لرصد المردود المجتمعي لدعم الفنون لتتبين اهميته على اكثر من نطاق، وهناك أمثلة عدة في هذا السياق. في سنغافورة مثلا حيث الاقتصاد متين، لوحظ النقص في الإبتكار. ادخلت على هذا النحو الحصص الثقافية الى المدارس لتظهر دراسات المقارنة بعد خمسة عشر عاما ان الأشكال الثقافية نمت على نحو ملحوظ. في مدينة بلباو الإسبانية ايضا لم يكن ثمة حركة سياحة تذكر، غير ان إنشاء متحف “غوغنهايم” في 2007 حفز مليون شخص على زيارة المدينة سنويا ليسمّى ذلك “ظاهرة بلباو”. لا نعي في العالم العربي اهمية المردود الثقافي غير المباشر، ناهيك بأن المشكلات السياسية والاقتصادية تعوق اي تطور في هذا المجال. نحاول في “آفاق” ان نشكل البديل وان نجعل الأفراد ذوي الإمكانات المادية يدركون ان دعم الفنون من شأنه ان يطور مجتمعهم، وان رجل الأعمال الذي يقتطع من ارباحه لدعم نشاط ثقافي لا يؤدي عملا خيريا لأنه يعيد ضخها في الاقتصاد وهو يساعد نفسه تاليا. في اوروبا يعتبر طالبو الدعم انهم يساعدون المؤسسات التي تمّولهم وليس العكس.

¶ قدم الصندوق منذ تأسيسه نحو 300 منحة لمشاريع ذات جدوى في 15 بلداً عربياً، توزعت بين السينما والأدب والفنون الادائية والبصرية، الى الموسيقى والبحث والتدريب والتعاون الإقليمي. اين تتبدى الحاجة الأكثر إلحاحا؟

– قدم الصندوق نحو سبعين منحة كمعدل سنوي. تنبّهنا الى وجود حاجة مهولة الى درجة ان ليس في امكاننا تلبية عشرة في المئة من الطلبات. تصلنا المشاريع من أنحاء العالم العربي، نُمرّها الى المحكّمين الذي ينتقون تلك ذات القيمة. تنسحب الحاجة على جميع الفئات الثقافية في جميع البلدان، غير ان ثمة نقصا واضحا في دعم المشاريع السينمائية قبل الربيع العربي حتى، لهذا السبب انشأنا برنامجا لصنّاع السينما الوثائقية.

¶ أطلق البرنامج الذي تشير إليه في 2009 بالتعاون مع مؤسسة “ساندانس” للأفلام الوثائقية. هل تعوّلون على الربيع العربي لتحفيز نوع سينمائي يستند الى تمرين توثيق الذاكرة في سياق تحولات محورية تشهدها المنطقة؟

– في اعقاب التغيرات التي شهدها العالم العربي، برز نوعان من الحراك. ثمة فئة ارادت الحديث على نحو عفوي عن الوضع الراهن في المنطقة وعن التطورات التي بدّلت مشروع حياتها. في حين هناك تيار ثان اقتنع ان ثمة حاجة الى بعض الوقت لفهم ما يجري وتحليله. يفضل هؤلاء التروي والتعبير عما يختلجهم في مشاريع يتطلب انجازها ستة شهور وصولا الى عام ونصف العام. برزت مشاريع سينمائية تتمحور على هذه الثيمة وتبحث عن تمويل، الى أخرى في المسرح والأدب.

¶ تلفت الى ان الحكومات والمؤسسات غير الحكومية في المنطقة فشلت في توفير الدعم المالي لخدمة الثقافة، بينما اتهمت المؤسسات الدولية باتباعها اجندات غربية. كيف تلافت “آفاق” هذا التشكيك فيما تتلقى دعم مؤسسات دولية من قبيل “دون” الهولندية و”فورد” الأميركية وسواها؟ ايمكن المبتكر التغاضي عن مصدر الدعم المادي الذي يناله؟

– يواجه الفنان العربي معضلة بسبب غياب الدعم الرسمي فيضطر الى اللجوء الى مؤسسات دولية للمضي في مشروع يتطلب موارد مادية. تتحدث بعض المؤسسات الدولية بلهجة الراغب في اطلاق الديموقراطية في العالم العربي فتثير شكوك الفنانين. اما “آفاق” فتعتمد تنويع المصادر لكي تتحرك في صلب العالم العربي وتلبي متطلباته. يقترن الدعم الإنتاجي العربي احيانا إذا كان مصدره المؤسسات او الحكومات، بدفتر شروط سياسي او اجتماعي. اما نحن فلا نضع قيودا امام الاعمال الثقافية. استطاع “آفاق” ان يبرهن ذلك بعد اربعة اعوام من النشاط، وصار يعدّ مؤسسة عربية ومستقلة في آن واحد، وهذه تكاد تشكل مفارقة.

¶ يشير رئيس مجلس امناء “آفاق” الدكتور غسان سلامة في تشرين الأول 2010 الى رغبة “آفاق” في جعل تقليد “الوقف” المرتبط بالوقف الديني او العائلي او العشائري يتوسّع ليشمل من حيث المفهوم النشاطات الثقافية. الى اي حد تظن المناخ الراهن مهيأ لمجاراة هذا التحول؟

– نحن على عتبة ايجاد نموذج جديد يلائم العالم العربي، والحال ان تقليد “الوقف” من ضمن افكار عدة يمكن تطبيقها عمليا، على ان يتم تطويرها وتوسيعها، علما انها تستلزم امدا طويلا وإنشاء مجموعات دعم تنشط على مستوى الحكومات العربية. يحاول الدكتور سلامة تحفيز جهات عدة في العالم العربي في هذا الخصوص. اما اليوم فنرغب في تشجيع المؤسسات والأفراد المقتدرين على تخصيص جزء من امكاناتهم للاستثمار في مشاريع جيل شاب يساهم في دفع مجتمعه صوب مزيد من التسامح وقبول الآخر وفي مواجهة الصراعات بذهنية مختلفة.

¶ حاولتم في الآونة الأخيرة اشراك الجهات المانحة العربية على نحو أكبر في تمويل المواهب العربية. هل يترافق ذلك مع تردّي الأوضاع الاقتصادية اميركيا وأوروبيا وتراجع المبادرات التمويلية الآتية من هذا الجزء من العالم؟

– لا نواجه مشكلة تمويل، ذلك اننا نبدأ بدعم المشاريع من الصفر، الى حد ان اي اهتمام بسيط يحدث فرقا لافتا. يبلغ معدل منح الصندوق خمسة عشر ألف دولار لمشاريع تتحقق خلال ستة شهور، الى عام ونصف العام، وتعني فنانين عدة يتواصلون معا في اطار شبكة تواصل. لا نسعى الى تحقيق مشاريع ضخمة كإنشاء متحف للفن المعاصر. نريد ان نمكّن مجموعة من الشباب من كتابة عمل مسرحي او تصوير وثائقي يبحث في مسألة الهوية، او اقامة معرض فوتوغرافي.

¶ من اللافت ان يبلغ معدل سن الحاصلين على المنح 39 عاما وأن تتوزع نسبة الأفراد الحاصلين عليها بين 40 في المئة للذكور و30 في المئة للإناث. هل نقرأ في هذه النسب مؤشرا الى توجهات الصندوق من حيث المناصفة بين الجنسين ودعم اصحاب الخبرة النسبية او دلالة على شريحة المهتمين بالحصول على تمويل؟

– نجري التقويم وفق أربعة محاور: الجودة والإبداع وصلة المشروع بالراهن العربي وطريقة توزيع الموازنة، لنجمع بين الخبرة والافكار الجديدة. لا نعطي اي توجهات في ما يعني الجنس او السن، نعتمد على هذه المعايير فحسب. غير اننا تواقون الى اهتمام اكبر بالشباب الذين يخشون ربما تقديم طلب للحصول على دعم مباشر، فقمنا بتسهيل هذه المهمة عبر نشر نموذج بسيط لهذه الغاية، على موقعنا الالكتروني. نأمل ان نطلق السنة المقبلة مشاريع تتمحور على الشباب في اطار دعم الشرائط المصورة او موسيقى “هيب هوب” او مخرجي الأفلام القصيرة، ونسعى الى تنويع المحكّمين ليتفاعلوا مع هذه الافكار.

¶ تحرصون على تبديل المحكّمين على نحو دوري، هل في ذلك ضمان للشفافية؟

– في البداية تعاونّا مع محكّمين من ذوي الخبرة المديدة، اما راهنا فنعتمد على اشخاص مختلفين من حيث الانتماء الجغرافي والتجربة. ترسل المشاريع الى المحكّمين، كل على حدة، يأتي كل شخص بتقويمه المستقل من دون معرفة هويات المحكّمين الآخرين، على ان يجتمعوا قبل يومين من التقويم النهائي بغية اعتماد المشاريع التي فازت بالمنح.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى