صفحات العالم

المعارضة السورية : الحسم أو الانسحاب


غازي دحمان

تستحق المعارضة السورية لقب السلحفاة بجدارة، ففي الوقت الذي قفزت فيه الثورة، بشبابها، خطوات واسعة نحو تحقيق حلم سورية بالحرية والكرامة، وبالتزامن مع لهاث النظام الدائم للقضاء على تلك التعبيرات الثورية الرائعة، ما زالت قوى المعارضة التقليدية، الداخلية والخارجية، تنشغل بتفاصيل، يفترض المنطق والواقع أنه تم تجاوزها منذ الشهر الاول للإنتفاضة.

لم يعد مقنعاً التلطي خلف حقيقة أن للمعارضة السورية ظروفها الخاصة الناتجة عن تشتتها وقلة خبرتها جراء ما عانته من ضطهاد النظام، فقد مرت سورية بستة أشهر من الزخم السياسي كانت كفيلة بأن تعلم المبتدئين ألف ياء السياسة، فما بالك بمن يدعي في نفسه الجهوزية لإدارة شؤون البلاد والعباد.

الواقع، والحقيقة التي يبدو أن لا مناص من ذكرها، أن النظام على مدار أربعين عاماً استطاع أن يصنع معارضة على هواه، ومن يقرأ مشهد المعارضة السورية بتفحص لابد أن يكتشف ان هذه المعارضة ليست سوى المعادل الموضوعي لذلك النظام، سواء من حيث ثقافتها، أو آليات عملها، أو طبيعة إستجابتها.

من حيث الثقافة، تبني ثقافة هذه المعارضة على منطق الأكثرية والأقليات، فإذا كان جزء مهم من معارضة الخارج ينطلق من مبدأ أكثريته الإسلامية، ويرغب إنطلاقاً من هذا الوهم العنصري الحصول على الكعكة بكاملها، فإن معارضة الداخل يقودها مثقفون بذهنية أقلوية وتكاد هواجسهم أن تدفعهم للتلاقي مع النظام عند أقرب منعطف وأي منعطف، وفي ذلك تبدو المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي وكأنها رافد بعثي أكثر منها معارضة له.

أما من حيث أليات العمل، فتستعير المعارضة الآليات التي يعمل بها النظام، من حيث إتباعه مبدأ الإقصاء ومنطق الإستبداد وفرض الرأي على الآخر بالإجبار، حيث لا فوارق كبيرة بين إدعاء النظام والمعارضة تمثيلهما للشعب ومصادرة رأيه وحقوقه، في حين أن النظام يصر على إتهام شعبه بالتآمر ، تبدو المعارضتان الداخلية والخارجية بعيدتين عن فهم كنه حراك الشعب ومحركات ودوافع ثورته.

تتكثف مفارفة تلاقي النظام مع المعارضة من خلال إستجابة كلا الطرفين لواقع الأزمة، ففي حين يصر النظام على السير إلى أقصى حدود لعبة الدم والعنف ويترك البلاد عرضة لكل الإحتمالات السيئة، بما فيها إصراره على إستدعاء التدخل الخارجي بأي ثمن، تمكث المعارضة في لحظة إنتظارية إنتهازية، أملاً في حصول تبدل المواقف الدولية والرهان على حدوث تغييرات دراماتيكية تسقط النظام، دون حساب أن أي تغير من هذا القبيل لا بد أن يمر بداية على جسد الشعب المسكين.

لا يحتمل الوضع في الداخل كل هذا التردد الذي تعيشه المعارضة، وقد بات هذا التردد وصفة أكيدة لإنهاك الثورة، وتحويل البلاد إلى نموذج أفغاني، بنكهة شرق أوسطية، ذلك أن النظام عمل على إغلاق كل المخارج أمام الثورة، ويصر على نصر يذل كل من فكر، حتى مجرد تفكير، في تغيير الأوضاع في سوريا.

لم تعد تكفي للمعارضة ممارسة أدوار إعلامية، عليها أن تعمل ميدانياً، يكفي دمشق ان يقود حراكها ثلاثمائة مثقف، ذلك أن مراحل تزخيم الحراك يفترض أنها انتهت وتم تجاوزها، وما لم يتم معارضة الإنتقال للعمل الأكثر تنظيماً قد ننعى الثورة، وهذه مهمة المعارضة، والركون إلى حقيقة ان شباب الثورة يقودون المرحلة، وبالتالي إمتلاك المعارضة رفاهية التمتع بوقت فائض إلى حين الإتفاق قضية يجب الخروج منها لأن شباب الداخل يعرفون جيداً كيف يحركون الأمور، ولكن التعامل مع المفاجآت والخواتيم يتطلب جهداً أكثر وعيا ودراية.

الثورة السورية تعيش لحظات الحسم، فهي أمام عدة مسالك ليس فيها واحد، على الأقل، مفروشاً بالورود، وهي في حال حققت أهدافها، فهي بحاجة إلى قيادة منظمة وواعية ومتفق عليها، وإلإ فالبلاد أمام الفوضى، ولا يحتاج الأمر تدوير الزوايا وتربيع الدوائر، وهذا الأمر برسم المعارضة، أو لتنسحب من المشهد السوري وتترك الأمر لقوى الثورة لأن تفرز قيادتها بالطرق التي ترتئيها مناسبة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى