صفحات سوريةغازي دحمان

النظام السوري يستنسخ تجربة “حزب الله” اللبنانية


دمشق ـ غازي دحمان

كانت واضحة حال الإستعجال التي سيطرت على عملية تشكيل الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، فلم يكن في أجواء المعارضة ما يشي بإمكانية نجاح هذا التشكيل السياسي، إذ بدا أن مبادرة المعارض رياض سيف وكأنها تأتي من سياق مختلف بالنسبة لفلسفة المجلس الوطني ونهجه، الهيئة الأكبر في المعارضة السورية.

غير أن مبادرة سيف بدت أنها تحاكي سياقاً دولياً وإقليمياً ينشد إعادة تفعيل قوى المعارضة السورية وتزخيم بنيتها، بعد أن تبين لتلك الجهات عدم قدرة البنية الحالية للمعارضة السورية على تغيير حالة “الإستاتيكو” التي علقت فيها الثورة السورية ميدانياً وسياسياً، ولكون هذه البنية، بما تحمله من تشوه بداخلها بفضل سيطرة التيار الإسلامي على القرار فيها، صارت طاردة لحماسة التحرك بإتجاه دعم الثورة، فكان الشرط الشارط لتزخيم هذا التحرك تطوير بنية المعارضة وتحويلها إلى إطار فضفاض من الناحيتين الحركية والإيديولوجية، وأكثر مرونة في التعاطي السياسي مع الأزمة واستحقاقاتها المقبلة، من جهة أخرى، لتصبح أكثر مقبولية، ليس بالنسبة لتمثيل الشعب السوري وحسب، وإنما لمنحها المساعدات بمختلف أنواعها، والتي من شأنها إحداث التغييرات الميدانية، وإقناع الأطراف الدولية والإقليمية، التي تقف إلى جانب النظام بالبحث في مصيره وإيجاد المخرج اللازم للأزمة.

يشي إسلوب بناء هذا النسق السياسي بأن الهدف من هذه العملية السياسية هو تحريك المعطيات على سطح الأزمة، ومع انه من المتوقع ألا تصل الأمور ضمن هذه العملية إلى حد الإجتياح العسكري، فإنه من المتوقع أن تشمل مروحة واسعة من الإجراءات التي قد تبدأ بتحصيل إعتراف أممي بالمعارضة، بوصفها ممثلاً للشعب السوري، وصولاً إلى حد تقديم المساعدات العسكرية، بما فيها إدارة مسرح العمليات من قبل الخبراء العسكريين.

مقابل ذلك، يبدو أنه قد إستقر في إدراك النظام، متأخراً، بأن سوريا غادرت مواقع الولاء الكامل، أو حتى الجزء المطلوب منه للإستمرار في الحكم، لذا فهو وإن كان في الظاهر يعمل على إستدامة حكمه في سوريا، فإنه صار يعمل أيضاً بإتجاه تحسين مواقعه كطرف في أية تسوية قادمة، إنطلاقاً من حساباته بأن وجوده ساعة التسوية، كطرف، من شأنه أن يحقق مكاسب مهمة لبيئته، أفضل بكثير مما إذا كان خارج التسوية.

وفي إطار ذلك، ثمة جملة من الإجراءات يقوم بها النظام، تؤكد توجهه لإعادة إنتاج تجربة” حزب الله” اللبنانية في سوريا، من خلال إحتكاره للسلاح داخل بيئته والسيطرة على الجيش عبر” علونته”، حيث يقوم بتطويع أعداد كبيرة من أنصاره في صفوف الجيش، وبخاصة في ظل حالة إستنكاف السنّة عن الإلتحاق بالجيش. وفي حال دخول النظام، مدعوماً من روسيا، مرحلة التفاوض، فإنه سيقاتل من أجل تثبيت وضع الجيش على حاله، لضمان السيطرة مستقبلاً على البلاد، عبر واجهات سياسية سنيّة تتحرك في إطار أهدافه وفي خدمته، تماماً كما هو حاصل الأن في تجربة” حزب الله” اللبنانية.

وفي سبيل السيطرة المطلقة على الجيش السوري تجري الآن عمليات تسريح كبيرة في صفوف الضباط من خارج بيئة النظام، ويترافق ذلك مع عمليات إعدام وإعتقال بحق ضباط آخرين، في ظل ظروف الفوضى التي تشهدها سوريا حالياً، ما يشكل تطبيقاً لعملية التطهير أو التنظيف، التي كان الأسد قد أشار لها في مقابلته مع قناة” الدنيا”، والتي لمح فيها إلى أنه سهّل عملية خروج البعض، وكان المقصود حينها العميد مناف طلاس، ربما لأنه يريد تنظيف القيادات العليا من الضباط الذين لاينتمون لبيئته الطائفية.

غير أن عملية اللعب بالمعطيات، تدار الأن في إطار عملية صراع إقليمية ودولية كبرى، إذ تتحرك الأهداف المحلية في سياق أهداف الدول الفاعلة، وتبدو متناغمة ومنسجمة معها، ففي الوقت الذي تريد فيه روسيا وإيران المحافظة على سيطرتهما على مراكز القوى والبنى المؤثرة في هياكل الدولة السورية لضمان مصالحهما المستقبلية، كي لا تقعان تحت رحمة ما يجود به الغرب، فإن الطرف الآخر يعمل على إضعاف النظام وتشتيته، وصولأ إلى تخفيض سقف الطموحات الروسية والإيرانية وإقناعهما بقبول القليل.

ولعل الصراع الميداني يعكس حال التسابق بين أطراف الصراع الخارجية ويترجم وقائعه على الأرض، فبعد نجاح الحلف المؤيد للنظام، ومن خلال ذراع “حزب الله” العسكرية، في إغلاق جبهة حمص – القصير وصولأ إلى ريف دمشق الغربي، وهي الجبهة التي تكفلت بإستنزاف النظام لمدة طويلة، عمدت المعارضة ومؤيدوها إلى توسيع قوس المواجهة على طول الحدود التركية بأكملها من غربي إدلب مروراً بحلب وريفها وإمتداداً إلى الرقة ودير الزور والحسكة، وهي مساحة تتجاوز مسافة تسعمئة كيلومتر، فضلاً عن الإختراقات في جبهة الجولان وإشعال العاصمة عبر تفجير خواصرها الجنوبية والغربية والشرقية، ولعل المراقبون العسكريون يفهمون معنى هذا التوسع في الإشتباك وخطورته على جيش نظامي، إذ يضطر النظام في هذه الحالة إلى إشراك كامل قوته العسكرية، التي حيّد جزءاً كبيراً منها لشكه بولائها، وفي ذلك، مغامرة لا يستطيع أحد تقدير أبعادها، فربما يؤدي الضغط المتواصل إلى كسر حلقته الصلبة المتمثلة بقوات النخبة المؤيدة له والتابعة لطائفته.

الصراع بين تحريك المعطيات وترسيخها عنوان المرحلة الراهنة في الحدث السوري، وهو صراع ما من شك بأنه جدّي، ودليله ليس قساوته وحسب، وإنما إعتماده من قبل الأطراف كإستراتيجية أخيرة، في سياق بحثها عن نافذة للولوج إلى مرحلة التفاوض الكبرى حول مصير سوريا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى