حازم نهارصفحات مميزة

الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية

  

د. حازم نهار

    القضية الكردية والشعب الكردي:

    • القضية الكردية في العموم هي قضية قومية، تماماً كقضية القومية العربية، فلا بد من معالجتها في المستوى ذاته وبالمنطق ذاته الذي تعالج به القضايا القومية. فالأكراد يحملون مقومات جماعة متماسكة ومقومات شعب، ومن حق هذا الشعب أن يستكمل مقومات وجوده القومي كأمة، وأن يكون له كيان قائم بذاته ووطن أسوة بغيره من الشعوب.

    • القضية الكردية هي واحدة من المسائل المعقدة في العالم، فهي تتناول من ناحية الحقوق القومية لشعب متواجد كأقليات قومية موزعة في خمس دول متاخمة لبعضها وبينها حدود دولية فاصلة، وهي في الوقت ذاته تحمل تطلعات شعب يطمح إلى أن يكون أمة بين الأمم وأن يكون له كيانه القومي المستقل بين الكيانات القومية في العالم.

    القضية الكوردية والقومية العربية:

    • العرب والكورد مطالبون بإعادة تعريف وبناء هوياتهم في ضوء ما هم عليه وما يمكن أن يكونوا عليه، أي في ضوء ما ينتجونه مادياً وروحياً اليوم وغداً، لا في ضوء ما كانوا عليه في الماضي.

    • إن منحى التطور العام لمعظم دول المنطقة العربية يتجه اليوم نحو التطور الديمقراطي، على المدى المتوسط والبعيد، وهذا التطور الديمقراطي سيعمل على تجديد الهويات الوطنية، ومن ثم فإن صيغة الوحدة العربية، أو الدولة القومية سوف تتحدد بإيقاع هذا التطور واتجاهاته. إن الصيغة التي ستكون عليها المسألة الوطنية في دول المنطقة العربية هي التي ستقرر مصير المسألة القومية، للعرب والكورد معاً. وذلك انطلاقاً من ارتباط المسألة القومية بالديمقراطية ارتباط الشكل بالمضمون، أي انطلاقاً من تصور ديمقراطي للمشروع النهضوي العربي.

    • إذا كان العرب مع حقوق العرب وضد حقوق الأكراد، فإن موقفهم هش ومثلوم معرفياً وأخلاقياً وسياسياً، ولا يفضي إلى إحقاق حقوقهم أو استعادتها. والحقوق القومية المشروعة لا تتأسس واقعياً إلا على الحقوق المدنية والحريات الأساسية ومبدأ المواطنة وسيادة القانون وعمومية الدولة؛ أي على نسيج اجتماعي وطني متماسك محكوم بحقيقة التنوع والاختلاف وبمبدأ الحرية.

    • لا يمكن للمشروع العربي الوحدوي أن يتقدم في منطقة يتداخل فيها الأرض والبشر، وتتصارع فيها مصالح إقليمية وأخرى دولية، وتتشابك أيديولوجيات وقوى عديدة، دون الأخذ في الاعتبار الأهداف الوطنية الكوردية المشروعة. كما لا يمكن للمشروع القومي الكردي، إذا ما أعطيناه أبعاده كمشروع تحرر وطني ووحدة شعب وأرض، أن يسير نحو الأمام دون أن يتلاقى ويتعاون مع الأهداف والمطامح العربية الوحدوية. وهذا يعني أن لا يقوم بين الشعبين العربي والكردي تحارب أو عداء، وأن لا يتصادم المشروع العربي النهضوي، في أي موقع أو مرحلة، مع المشروع الكردي في أن يكون للشعب الكردي وطن وكيان.

    الأحزاب السياسية العربية والكوردية:

    لا شك أن أيديولوجيات الأحزاب القومية العربية استبعدت الأكراد وأقصتهم من دائرة رؤيتها، ولم ترَ فيهم سوى أغيار، وبالتالي رأت في عدم الاعتراف بوجودهم الواقعي، ومن ثم بحقوقهم، هو الحل النهائي للمشكلة، لذلك لم تعترف بوجود مشكلة كردية في الواقع. كذلك فإن أيديولوجيات الأحزاب القومية الكردية لم ترَ في العرب سوى أغيار يحتلون جزءاً من “وطن الأكراد” ويغتصبون حقوقهم ويضطهدونهم. في الحقيقة لا يمكن الحوار بين هاتين الرؤيتين. كما لا يمكن الوصول إلى حل مشكلة بهذا المستوى من الأهمية والتعقيد حلاً أيديولوجياً أو بدلالة الأيديولوجية، ولا بد من تلمس حلول واقعية.

    حل القضية الكوردية:

    • في العموم، ما زالت المنطقة أسيرة الترتيبات التي وضعتها الدول الكبرى في الماضي بكل ما تحمله وما يتداخل معها من مصالح وتوازنات ونزاعات وتناقضات محلية وإقليمية ودولية. وقد شاءت الظروف التاريخية والتحالفات الدولية أن تضع الشعب الكوردي موزعاً بين عدد من أقطار الدنيا، فأراضيه واقعة داخل أطر دول مستقل بعضها عن بعض. وما زالت قضيته أسيرة التوازنات والنزاعات الإقليمية والنظام الدولي، وبالتالي فإن حل القضية الكردية كقضية قومية عامة ليس مرتبطاً بسورية وحدها ولا بالعرب كلهم، إلا في حدود معينة، وإلا كطرف من أطراف عديدين.

    • من هنا، فإننا بحاجة لوضع تصور مستقبلي للمسألة، وإيجاد سبيل للتعامل معها، كونها قضية صعبة ومعقدة وتتداخل فيها أطراف عديدة، فهي مسألة لم تبدأ من سورية ولا تنتهي عند سورية، ولا هي بين الأكراد والعرب وحدهم، بل هي تمتد للعلاقات مع دول وشعوب غيرهما، وخاصة تركيا وإيران وروسيا، وهي ترتطم بالنظام الدولي القائم ذاته وتوازناته الاستراتيجية واستقطاباته الكبرى وتحالفاته.

    • وبالضرورة من هذا المنظور لا بد من التوصل إلى حلول مرحلية مناسبة للوجود القومي الكردي داخل الحدود المتعارف عليها دولياً لدول المنطقة، إذ لن يكتسب حق تقرير المصير الأهمية اللازمة في أي بلد ما لم تعالج قضية الشعب الكردي بكامله، وليس في دولة واحدة من الدول التي يتواجد فيها.

    حل القضية الكوردية في سورية:

    • منذ قيام دولة سورية واستقرار حدودها الدولية كان ولاء المواطنين الأكراد، ولا يزال، خالصاً لوطنهم السوري ومجتمعهم السوري ودولتهم السورية، من دون أن ننفي تعاطفهم المشروع مع بني قومهم في العراق وتركيا وإيران وغيرها، أو نتجاهل عذوبة الحلم بقيام دولة كردية.

    • إن معالجة قضية الأكراد في سورية محكومة بجميع الحيثيات التي وردت، ولا سيما باستقرار حدود سورية كدولة في النظام الدولي، وبجملة التوازنات الإقليمية والدولية.

    • سورية وحدها لا تستطيع حمل عبء المسألة الكردية في كليتها القومية، إنها لا تستطيعه إلا في سياق نهوض قومي عربي، وإلا وضعت وجودها ذاته في مهب العواصف.

    هدف الثورة السورية:

    مع الثورة السورية شرع السوريون بالتعرف على بعضهم بعضاً للمرة الأولى, ودون حواجز، وصاروا يعرفون أنفسهم ويتواصلون, وينهون حقبة طويلة من الاغتراب والانعزال والجهل ببعضهم، وأخذوا يتفاعلون معاً ويتبادلون هوياتهم الجزئية ومعاناتهم وآلامهم، ويستردون ذواتهم التي بددها القمع والاستبداد.

    هدف الثورة هو التغيير البنيوي الشامل، وهو الذي لا يعني إسقاط النظام وحسب، بل وتفكيك بنية الدولة الشمولية وإعادة بنائها عبر تأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن المساواة بين المواطنين من جهة، والمساواة بين القوميات من جهة أخرى.

    الدولة السورية المنشودة:

    • تشكّل الدّولة الوطنيّة الديمقراطية الحديثة الإطار السياسي والحقوقي الأرقى لتنظيم الحياة العامة في سورية. الدولة السورية دولة متعددة القوميات, وسوريا المستقبل هي لكل السوريين على نحو متساو وعادل دون تفاوت أو تفاضل، والانتماء لسورية هو القاسم المشترك بين السوريين, وليس هناك سوري أكثر سوريّة أو أقل من سواه.

    • أمام الدولة السورية هناك شعب سوري، ومواطن سوري.

    • تاريخ سوريا ليس تاريخ عرق بعينه أو دين أو مذهب دون سواه، بل هو تاريخ كل هذا التنوُّع الثقافي والسياسي والديني والاجتماعي.

    • الدستور السوري: دستور سورية المستقبل هو دستور ديمقراطي يقر أن الدّولة السورية هي دولة متعدّدة القوميّات، والكورد هم ثاني أكبر قومية، ويعترف بحقوق الجماعات القوميّة الأخرى كـالكلدوآشوريين وغيرهم، كما يقر بالتساوي التامّ بين جميع القوميات في المكانة والدور، وفي الحقوقِ والواجبات.

    النظام الديمقراطي والمواطنة:

    • المبدأ الجوهري في الديمقراطية هو المساواة السياسية بين الأفراد على أساس المواطنة. فلا تقبل الديمقراطية بأي تمايز على أساس العرق أو الدّين أو الانتماء السياسي أو الطبقي، وتعارض كلَّ تباين في الأدوار والمكانة والحقوق والواجبات، وترفض أيّة تراتبية في المواطنة بين الأفراد أو بين الجماعات القومية. المواطنة المتساوية هي شرطٌ سياسي وتاريخي لكمال الدّولة السورية ونضجها، ومقدمة لشرعيتِها واستمرارها، وتجسيدها لوحدة إرادة السوريين جميعاً.

    • النظام السياسي الديمقراطي المنشود يستمد شرعيّتَه من المجتمع السوري بتنوُّعِه القومي والثقافي والاجتماعي والتاريخي القائم، ويجد أسسَه الواقعيّة في هذا التنوّع ويعكسُه في مبادئه العامّة.

    • لا معنى للديمقراطية خارج الإقرار بتعدّد المعتقدات والهويّات والتطلُّعات الثقافية. وأيّ نظامٍ سياسي يستمد شرعيتَه من هيمنة أغلبية دينية، أو طائفية، أو أيديولوجية عرقية، إنما يقوّض الديمقراطية وينتهكُ كلَّ نزوعٍ نحو المساواة. إن كلَّ إقصاء صريح أو ضمني للأقليّة يتنافى مع قاعدة العموميّة والمساواة، ومطلب خضوع الأقليّة ديمقراطياً للأكثرية لا يعني انتهاك حريّتها والإخلال بمبدأ المساواة واستبعاد الأقلية، لأن الغاية من ترجيح إرادة الأكثرية هي ليست فرض هيمنتها أو طغيانها، بقدر ما هي ضمان حقوق الأقليّة وممارستها.

    الإجراءات المرحلية المطلوبة:

    • يتضمن حق تقرير المصير: الإدارة الذاتية، الحكم الذاتي، الفيدرالية، الكونفدرالية، الاستقلال. وحق الاستقلال لا يعني بالضرورة وجوب الاستقلال، كما أن الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية، في السياق الديمقراطي، هما صيغتان من صيغ الاندماج الصحي القائم على الوحدة والتنوع.

    • أي حل مرحلي عملي فيما يخص القضية الكوردية في سورية ينبغي أن يخضع لمصلحة سورية العامة والإرادة السورية العامة، فضلاً عن ارتباطه بالأوضاع الإقليمية والعربية والكوردية والعالمية، ولتوازنات القوى والمصالح والتناقضات المتشابكة.

    • الحلول القائمة على التوازن ما بين النظريات الحقوقية والاعتبارات السياسية هي المجدية، فالحلول التي تنطلق وحسب من النظريات الحقوقية لا معنى لها، ولا تمتلك دائماً فرصة التطبيق العملي.

    • يحتاج حق تقرير المصير إلى مرحلة انتقالية في سورية يجري خلالها تجاوز آثار الدولة الشمولية وإعادة بناء الثقافة الوطنية والهوية السورية، ومن غير المنطقي وضعه على مائدة بناء الدولة السورية في اللحظة السياسية الراهنة لأنه سيكون خاضعاً للظروف والمعطيات التي خلقها النظام الشمولي.

    • الحل الإجرائي المناسب في اللحظة السياسية الراهنة هو توسيع نطاق الحكم المحلي في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، والعمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعلان القطيعة مع الإجراءات العنصريّة والسياسات الإنكارية تجاه الكورد وقضيّتهم، واستعادة عمومية الدولة وإعادة بناء الثقافة والهوية الوطنيتين على أسس ديمقراطية، وإعادة إنتاج مبدأ المواطنة في العلاقات الاجتماعية والسياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى