صفحات الرأي

اليساريّون والإسلاميّون… حوار يتجدد ولا يكتمل/ نيقولا دوت بويّار

 

 

 

منذ بداية الثورات العربية في عام 2011، والانقساماتُ تتعمَّقُ بين القوى اليساريّة والحركات الإسلامية، من مصر إلى تونس. أتى المؤتمر المُنعقِد في إيكس- آن- بروفانس في 5-6-7 مايو/أيار، وموضوعه “لمَ كلُّ هذه الكراهية؟”، ليسجِّل الشروخَ السياسيّة والإيديولوجيّة المتعدِّدة بين الحركات اليساريّة والإسلاميّة التي اجتمعَت في أوَّل عقد من الألفيّة الثالثة في معارضتِها الأنظمة الاستبداديّة.

واجتمعَ فاعلون سياسيّون من الجزائر والمغرب ومصر وتونس في المؤتمَر الذي نظَّمَهُ المعهدُ الجامعي الأميركي (AUI) والإيريمام IREM ومؤسّسة كامارغو Camargo وبرنامج الأبحاث وافاو WAFAW (حين يسقط الاستبداد في العالم العربي) الذي يرأسُه فرنسوا بورغا وأبوبكر جمالي. وعلى الرغمِ من الفروقات الإيديولوجيّة الفاصلة بينهم، التقى المؤتمرون حولَ نقطة مشتركة، هي مشاركتُهم في الحراكات السياسيّة والاجتماعيّة في عام 2011.

فاعلون سياسيّون وتجارب متعددة

لم يمثِّل المؤتمرون في إيكس مجملَ الاتجاهات اليساريّة والإسلامية في العالم العربي، والتي تتقاطعُ فيها وقائع عديدة.

– سيدة أنيسي عضوٌ في جمعيةِ ممثِّلي الشعب التونسي، ونائبُ دائرة فرنسا الشمالية لحركةِ النهضة، وهي ابنةُ لاجئين سياسيّين، نشأت في فرنسا، وكانت عضواً في اتِّحاد المنظَّمات الإسلامية في فرنسا. عبدالموجود درديري يعيشُ في الولايات المتحدة، وكان نائباً في البرلمان المصري، وعضواً في حزب الحرية والعدالة المحظور اليوم. كلاهُما شاهدان على تجربَتي النهضة والإخوان المسلمين في عامي 2012 و2013، وعلى إسلامٍ سياسيٍّ مستعدٍّ للاندماجِ في المؤسَّسات البرلمانية. وتعرّضَت مع ذلك حكومتا حمادي الجبالي وعلي العريض في تونس، ورئاسةُ محمد مرسي في مصر، لنقدٍ حادٍّ من فاعلين عديدين في الثورات، لا سيَّما اليساريين منهم.

“لم يكن للانشقاقِ بين الإسلاميين واليساريين دورٌ في هيكلةِ المرحلة الأولى من الثورات في بداية 2011، وظل عامل المناهَضة للاستبداد هو الفعّال” ويشهد مراد دهينة، رئيسُ جمعية كرامة ومركزُها جنيف، على تجربة إسلاميّة مختلفة، وهي تجربةُ التسعينيات في الجزائر، وانتهاء العمليةِ الانتخابية التي جاءت بجبهةِ الإنقاذ الإسلامية على عتبةِ الحكم عام 1991. كان دهينة قيادياً في الجبهةِ، واستقال منها عام 2000، منتقداً جوانب “شعوبية” لها، انضمَّ عام 2007 إلى حركة رشاد، وهذه حركة مكوَّنة من إسلاميّين جزائريّين سابقين، مناهِضين لحكمِ عبدالعزيز بوتفليقة، وشاركت في المظاهرات الشعبية التي حصلَت في الجزائر في ربيع 2011.

وأخيراً، عمر إحرشان، وهو عضوٌ في حركةِ العدل والإحسان التي شكَّلها عام 1980 الراحل الشيخ عبدالسلام ياسين، لا تتبنّى فكرَ الإخوان المسلمين، على عكسِ حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه عبدالإله بنكيران رئيس وزراء المغرب. الحركة متنوعة التركيب، متأثِّرة بالتقاليد الصوفية، إذ كان مؤسِّسها من أتباع الطريقة البودشيشية، لا يترشَّح أعضاؤها للانتخابات البلديّة ولا النيابيّة؛ وهي حركةٌ تعتمِد اللاعنف واللاموالاة، اتجاهُها جمهوريٌ مناهضٌ لمبدأ الملكيّة المغربيّة بحدِّ ذاته. وكانت من أركانِ حركة 20 فبراير 2011، وهذا تحالفٌ متنافرُ التركيب، يضمُّ تيارات إسلاميَّة ويساريّة، منها حركة الطريق الديمقراطي الماوِيّة، وقد طالَب هذا التحالف، في حينِه، بدستورٍ ديمقراطي جديد.

يشيرُ تنوُّع المؤتمرين هذا إلى مرونةِ الإسلام السياسي الشديدة. كلُّهم يعتمدون اللاعنف، ويميِّزون أنفسَهم عن الاتجاه السلَفي، لا سيّما في ميلِه العسكري، إلّا أن الخيارات الاستراتيجيّة لأحزابِهم اختلَفت منذ 2011. فالعدل والإحسان يختلفُ عن الإخوان المسلمين في المغرب، إذْ يرفضُ المساهمةَ في المؤسَّسات الحكومية. أمّا حزبُ الحرية والعدالة فقد اتَّجهَ نحوَ السيطرةِ على المؤسَّسات السياسيّة عن طريق الانتخابات، قبلَ أن تتوقَّف التجربةُ الحكوميّة، إثرِ الانقلابِ العسكري في يونيو/حزيران 2013. من جهَتِها، قرَّرت حركةُ النهضة عام 2012 أن تدخل في “ترويكا” حكوميّة مع تشكيلات من اليسار المعتدل، وقبِلت عام 2014 الدخول في حكومةِ وحدةٍ وطنيّة مع حركة نداء تونس (وهي تشكيلةٌ تنسبُ نفسَها إلى الانتماءِ الدستوري ويقودُها الباجي قائد السبسي الذي كان وزيراً للداخليّة في محطة من عهد الحبيب بورقيبة).

التعدُّديَّة والحركات اليساريّة العربية

عمر عزت نموذجٌ عن جيلٍ من الشباب المصري واليسار “الحراكي” الذي شاركَ في ثورةِ 2011 ضدَّ الرئيس حسني مبارك. خلال الانتخابات، دعمَ حملةَ عبدالمنعم أبوالفتوح، وهذا مفكرٌ مصريٌّ على قطيعة مع الإخوان المسلمين. شاركَ عمر في حراك صيف 2013 المناهضِ للإخوان المسلمين، وهو يفسِّرُ اليوم سلطويَّة تجربةِ هؤلاء بتجربة عبدالفتاح السيسي الذي أعادَ إلى الجيش امتيازاتِه السياسية.

أما خيام تركي، الذي وردَ اسمُه على لائحةِ المرشحين لوزارةِ الماليّة التونسيّة، في حكومة حمادي الجبالي عام 2012، فهو ينتمي إلى الاتجاه الاجتماعي – الديمقراطي، وليسار “إداراتي”. وهو يدافعُ، اليومَ، عن نتائجَ تحالفٍ غيرِ مسبوقٍ داخل الجمعيّة التأسيسيّة بين حركةِ النهضة والتكتُّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهوريّة الذي يرأسُه المنصف المرزوقي (يسار معتدل)، علماً أن خيام تركي كان مساعدَ الأمين العام وعضواً مستقيلاً في التكتُّل من أجلِ العمل والحريّات، وهي حركةٌ ضمنَ الاشتراكيّة الدولية.

أما عبدالعزيز النويضي، وهو عضو مؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان (OMDH) يروِّج، في إطار جمعيّة العدالة، لإصلاحِ السلطة القضائيّة المغربيّة؛ وينتمي، هو الآخر، إلى اليسار المعتدل، وكان في بداية الألفيّة مستشاراً لرئيس الوزراء، عبدالرحمن اليوسُفي، وهو عضوٌ في الاتِّحاد الاشتراكي للقوى الشعبية.

وفاقٌ على مناهَضةِ الاستِبداد

في البداية، أجمعَت ورشاتُ العملِ الأربع (الجزائر، مصر، المغرب، تونس) على واقعٍ يتناقض إلى حد ما مع عنوانِ المؤتمر نفسه: إذا ما كانَ هناك “كراهية” أو انفعالات، فهي لا تُنسي، في أي حالٍ، التحالفات السياسية التي نشأت في الماضي بين أحزابٍ تنسبُ نفسَها إلى اليسار وحركاتٍ تنسبُ نفسَها علَناً إلى الإسلام السياسي. وكما يذكرُ مراد دهينة، كانت الجزائر رائدةً في هذا المجال في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته. هذا وكان مؤتمر سانت إيديجيو Sant Edigio قد جمعَ عام 1995 الجبهةَ الإسلامية للإنقاذ مع تروتسكيين من حزب العمال الذي ترأسُه لويزة حنون وآخرين من جبهةِ القوى الاشتراكيّة التي يرأسُها حسين آيت أحمد، من أجلِ إيجادِ حلٍّ للحربِ الأهليّة التي كانت تمزِّق الجزائر آنذاك.

“كأنَّ الإسلاميّين المصريّين فشلوا في تحقيقِ ديمقراطيّتهم الانتقاليّة الخاصَّة بهم. وكان شعار “لا مرسي ولا سيسي”، بما معناه إبعاد كلا الفاعليْن السياسيَّيْن، مطلب جزءٍ من اليسار المصري” في العقدِ الأوَّل من القرنِ الحالي، تزايدَت التحالُفات المرحليّة بين الحركات اليساريّة والإسلامية، على أساسِ قاسمٍ مشتركٍ، هو مناهضةُ الأنظمةِ المستبدَّة، وحدٍّ أدنى من المطالبِ الديمقراطيّة: حريّةِ الإعلام، إطلاقِ سراحِ السجناءِ السياسيّين، دعمِ القضيّة الفلسطينيّة، أو مناهضةِ التدخَّل الأميركي في العراق عام 2003. وتونس أحدُ أهمِّ المختبَرات التي تفاعَلت فيها تحالفات تتجاوز الخلافات الإيديولوجيّة: جمعَت اتفاقيّات 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 بين النهضة، اليسارِ المتطرف الممثَّل بحزبِ العمال الشيوعي التونسي، وتيارات من اليسار المعتدلِ، مثلِ التكتُّل الديمقراطي للعملِ والحريات، والحزب الديمقراطي التقدمي الذي يرأسُه أحمد نجيب الشابي. وليسَت مصرُ غائبةً عن المشهد، إذ انضمَّ الإخوان المسلمون إلى تحالفاتٍ مع اليساريين والليبراليين، لا سيَّما حين دعموا ترشيحَ محمد البرادعي عام 2010.

لم يكن للانشقاقِ بين الإسلاميين واليساريين دورٌ في هيكلةِ المرحلة الأولى من الثورات في بداية 2011، وظل عامل المناهَضة للاستبداد هو الفعّال. في مصر، يشاركُ شبّان من “الإخوان المسلمين” في المظاهرات في ميدان التحرير إلى جانب شبّان من اليسار المُتَطرف، كالاشتراكيّين الثوريين مثلاً. في تونس، حصلَت مظاهراتُ القصبة في يناير/كانون الثاني 2011 على دعمِ “النهضة” التي ساهمَت، بُعيد ذلك، في الهيئة العليا لتحقيق مطالبِ الثورة إلى جانبِ اليسار المتطرِّف والتكتُّل والمؤتمرِ من أجل الجمهورية والاتحادِ العام للشغل التونسي. في المغرب، رفضَ الإخوان المسلمون المشاركة في المظاهرات التي أطلقَتها حركة 20 فبراير؛ إلا أنَّ حركةَ العدل والإحسان انخرَطت بقوةٍ في هيكلَة هذه الحركة، وشاركت في المظاهرات الشعبيّة، وساهمَت بنجاحِها.

وقد تمْتَدُّ التحالُفات البرامجيّة حولَ مطالبَ ديمقراطيّةٍ، وتستمرُّ ما بعدَ سقوطِ النظام. وهي، في الوقتِ نفسه، تلبيةٌ لوضعٍ طارئ سياسي ومؤسساتي، كما يقولُ خيام التركي، نائبُ الأمين العام للتكتل. يذكِّر خيام بأن الترويكا تكوَّنت بين اليسار المعتدلِ والنهضةِ داخل الجمعيَّة التأسيسيّة المنتخبة في ديسمبر/كانون الأول 2011 بعدما تبّينَ أنَّهُ من المستحيل تكوين أغلبيّةٍ حكوميّة مسبَقة، إلا أنَّ التقاطعاتِ بين الإسلام السياسي واليسار ليسَت لغاياتٍ تكتيكيّة ومرحلية وحسب. يذكِّر مراد دهينة بأنَّ المسارات النضالية ترجَعُ بتكوينِها إلى خطوطِ انقسامٍ أيديولوجيّة ثابتة: فانتسابُه للجبهةِ الإسلاميّة للخلاص في التسعينيات أتى رفضاً لكلِّ ما يمتُّ بصلةٍ إلى النظام الجزائري الذي ينسبُ نفسَه لـ”الاشتراكية”، إلا أنه يستعيد بدايات حياتِه السياسية في السبعينيات، وفترة الحراك في اللارزاك (Les luttes du Larzac) ولقائه حينَها بشباب الحزب الشيوعي الفرنسي.

إغراءات الهيمنة وتصدُّعات هوياتية

“هيمنة”.. كانَ الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، أوَّلَ من استعمَل هذه الكلمةِ في جلسة المؤتمرِ الافتتاحيّة. فهو يعتبِرُ أن رغبةَ اليساريّين في الحكمِ مع الإسلاميّين، لا بلْ سعيهم باتِّجاه “علمنة معتدلة” بموازاة “إسلام معتدل”، يشكِّلان الثقلَ الموازنَ الضروري للحيلولة دونِ هيمنةِ أيٍّ من التيارات على المؤسّسات السياسية. تذكِّر سيدة أونيسي بأنّ ما يميِّز المرحلةَ الديمقراطيّة الانتقاليّة دون سواها هو ضرورةُ البحثِ عن إجماع، وقد يستلزِم ذلك تراجُعات استراتيجيّة. وهكذا تفسِّر، من جهتِها، سياسةَ اليدِ الممدودة التي اتّبعَتها النهضة، بدايةً نحو اليسار، ومن ثمَّ نحو “نداء تونس” الذي ينسبُ نفسَه للحبيب بورقيبة. لم تكن تراجُعات “النهضة” الاستراتيجية كافيةً لتحُد من مخاوفِ جزء من اليسار الذي شهَّر، طوال عامي 2012 و2013، بوجودِ جسورٍ بينَ التياراتِ السلفيّة وتشكيلةِ راشد الغنوشي.

“يتمحوَرُ النقاشُ الدائرُ بين الحركات اليسارية والإسلامية حولَ عنصرٍ ثابت، وهو العاملُ الإيديولوجي والهويّاتي” وهذا ما كانَت تخشاهُ التيارات اليساريّة المصرية، بحسبِ عمر عزّت، خلالَ رئاسة محمد مرسي، ولم يَكنْ إعطاءُ صلاحياتٍ خاصةٍ لرئيسِ الجمهوريةِ في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 سوى بذرة استبدادٍ جديد، إذ إنَّ الإخوان المسلمين أعادوا إنتاجَ الأساليبَ السلطوية المعهودةَ تحتِ حكمِ مبارك. وكأنَّ الإسلاميّين المصريّين فشلوا في تحقيقِ ديمقراطيّتهم الانتقاليّة الخاصَّة بهم. وكان شعار “لا مرسي ولا سيسي”، بما معناه إبعاد كلا الفاعليْن السياسيَّيْن، مطلب جزءٍ من اليسار المصري. يقرُّ عبدالموجود درديري، وهو من قياديّي حزب الحرية والعدالة، وكان نائباً، بشرعيَّة احتجاجات يونيو/حزيران 2013 ضد الإخوان المسلمين، إلّا أنه يذكِّر بأنَّ الفرقَ بين سياسةِ الإخوان المسلمين والجيشِ يكمُنُ في درجة القمعِ الذي مارسَه الجيشُ وإغلاق صفحةِ التجربةِ الديمقراطيَّة القصيرة في صيف 2013.

يتمحوَرُ النقاشُ الدائرُ بين الحركات اليسارية والإسلامية حولَ عنصرٍ ثابت، وهو العاملُ الإيديولوجي والهويّاتي. فنقدُ استبدادِ الأنظِمة، ملكية أم جمهورية، ماضياً أم حاضراً، لا يشكلُ ركيزةً مشتركةً وافيةً لإجماعٍ مستدامٍ، باستثناء تونس ربَّما. ودارَ معظم النقاشُ بينَ عبدالعزيز نويضي وعمر إحرشان حول الطابع الإسلامي للحركة المغربية، العدل والإحسان. إذا كان جزءٌ من اليسار يشاركُ الحركةَ الإسلاميَّةَ طموحَها بإلغاءِ الملكيَّةِ في المغرب، وهو طموحٌ أبعدُ من أن يحظى بإجماعِ اليسارِ المغربي بمجملِه، فإنَّ الجانبَ الدينيَّ سُرعانَ ما يتناقضُ مع الطموحاتِ الأكثرَ “علمانيةً” لمكوِّنات أخرى في ائتِلاف 20 فبراير/شباط، فتركَت حركة العدل والإحسان الائتِلاف في ديسمبر/كانون الأول 2011، بما أدّى إلى إضعافِه وفشلِه، لأنَّ قدرةَ حركة العدل والإحسانِ على تفعيلِ الشارع تتجاوز بكثير قدرةَ التنظيمات اليساريّة المغربية.

لا تكْفي التجاربُ المشتركة للجزائر ومصر والمغرب وتونس، لتحيطَ بمجملِ السِّجالِ العامِّ الدائر في الأوساطِ الإسلاميّة واليسارية في العالمِ العربي. يتوجّبُ أخذ البعد الشرق – أوسطي بعينِ الاعتِبار مستقْبلاً، فهو شبهُ مغيَّب في المؤتَمَر، خصوصاً أنَّ الأزمةَ السوريَّة تشكِّل عامل استقطاب قوي بينَ التيارين. أثبتَت ورشاتُ العملِ في هذا المؤتمر أنَّنا لسنا بصددِ “كراهيةٍ” بين التيارين، بقدرِ ما نحن بصددِ نقاشات في بداياتٍها يعمُّها الانفعالُ الشديد، وحوارات تتجدَّدُ باستمرار ولا تكتمِل. مع ذلك، ومنذ بدايات التسعينيات، من الواضحِ أن التيّارات الإسلاميّة واليساريّة اتَّفقَت، منذُ بداية التسعينيات، على مجموعة قيمٍ مشتركَة، لا سيَّما الديمقراطية. نجمَ عن ذلك اعترافٌ متبادَل، بما أنَّ التيارين مكوَّنان من الفاعلين القُدامى المُعارضين لأنظمةٍ ديكتاتوريّة، وكلاهُما وقعَ ضحيَّةَ القمعِ، وإن في فتراتٍ متفاوِتة. جزءٌ من اليسارِ العربي ينسبُ نفسَه إلى إرثٍ “إسلامي” أو “عربي – إسلامي”. في المقابل، تطالبُ تشكيلاتٌ إسلاميَّة عديدةٌ بدولةٍ مدنيّة وليس بدولة إسلاميّة، كما هو الحالُ مع حركةِ النهضة. أخيراً، كانت خلاصةُ النقاشات معاينةً مشترَكةً للمسألة الاجتماعيَّة على أنَّها كانَت في صميمِ ثورات 2011، من تونس إلى مصر، وهي مسألةٌ بعيدةٌ عن الاستقطاب، ولا تقعُ تحتَ بابٍ المسائلِ المتعلِّقة بالهويّة. وستعودُ هذه المسألةُ لتطرحَ نفسَها على الحركاتِ الإسلاميّة واليسارية، على حد سواء، بحكمِها حركات معنيّة بمسألة “العدالة الاجتماعيّة”.

ترجمة هناء جابر

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى