صفحات الرأي

الإسلاموية: السلطة والحداثة والنزعة العالمثالثية/ حسام أبو حامد

 

 

منذ انطلاق الدعوة لإحياء الخلافة الإسلامية وحتى اليوم تفرعت الحركات الإسلاموية العربية وتعددت مجموعاتها الناشطة. لكنها بشكل عام لا تزال تدور في حيز الإطار المفهومي الذي وضعه حسن البنا (حركة الإخوان المسلمين)، أو ذاك المستمد من الصيغة الراديكالية التي صاغها الإخواني سيد قطب (حزب التحرير، الجهاد الإسلامي)، أو من تلك الصيغة العملية الانقلابية التي كرسها الفلسطيني صالح سرية (الفنية العسكرية).

وعلى النقيض من الحالة الإيرانية لم تستطع الحركات الإسلاموية في الوطن العربي الوصول إلى السلطة عن طريق ثورة إسلامية فعلية، وإنما عبر صناديق الاقتراع، إذا شئنا طبعاً أن نستبعد مصطلح الديموقراطية الذي رفضه الإسلامويون مراراً بوصفه بضاعة غربية.

كان وصول الإسلامويين إلى الحكم منذ مطلع التسعينات متوقعاً من وجهة نظر البحث الاجتماعي التاريخي. إذ اتسم تعامل النظم العربية الحاكمة معهم بالازدواجية والتناقض، ففي الوقت الذي جرى قمعهم على الصعيد السياسي كانت تتم عملية زرعهم أيديولوجيا واجتماعياً موفرة لهم كافة المنابر الممكنة وكان أخطرها المؤسسات التربوية التعليمية. إن التوظيف الاجتماعي لخطاب الطاعة المكرس إسلاموياً ومحاولة خلق حالة من التوازن في وجه حركات المعارضة ذات التوجهات اليسارية والعلمانية، استدعيا ذلك التواطؤ التاريخي غير المعلن مع الحركات الإسلاموية. وبدت تلك الحركات وقد استطاع استيعاب الحداثة السياسية إن لم يكن على الصعيد المفهومي فعبر الممارسة العملية، متقدمة من الانتخابات البلدية والمحلية إلى التشريعية إلى الرئاسية، مستندة إلى رصيدها الجماهيري المتنامي بفضل حالة التواطؤ المذكورة.

صحيح أن الحركات الإسلاموية تشترك مع الحركات السلفية الأصولية في ذلك البعد الأصولي الذي يريد إقامة مجتمع تحت حكم الشريعة، لكن لا يمكن اعتبار ذلك تبشيراً بالعودة إلى ما كان سابقاً (القديم) مما يتعارض مع الحداثة. فبالإضافة إلى استيعاب الحداثة السياسية بحدود قليلة أو كثيرة، نجد استيعاباً واسعاً لدى الحركات الإسلاموية لتطبيقات العلم الحديث سواء في التظاهرات أو وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي أو في الأسلحة وحتى في التخطيط لحروبهم بكافة أشكالها. كما أن الإسلامويين الذين هم في غالبيتهم من الطبقات الوسطى في المدينة لم يتلقوا تعليماً في مدارس دينية ولم يكتفوا بحلقات المساجد، بل هم طلاب جامعات ومعاهد تعليم عال وغالبيتهم من الفروع العلمية وقلة منهم رجال دين. وحتى مناصروهم يعيشون في ظل القيم المدينية والمجتمع الاستهلاكي.

وإذا كان هذا ما يبعدهم عن السلفية الأصولية فثمة ما يقربهم من الماركسية التي احتكّوا بها مبكراً في حرم الجامعات. وعلى رغم حالة العداء التقليدية، لا شك أن الإسلامويين تأثروا بهؤلاء الملتزمين الماركسيين من الناحية التنظيمية، حتى يبدو أن الأمير أو المرشد حل محل الأمين العام وأن مجلس الشورى لهذه الجماعات حل محل اللجنة المركزية. ولا يقتصر الأمر على مجرد الهيكلية التنظيمية لعمل الجماعة ونمط الزهد الاجتماعي المشترك نوعاً ما. فالانقلابية الماركسية تهدف للاستيلاء على السلطة من أجل إقامة سلطة البروليتاريا، ويهدف الإسلاميون إلى استرداد السلطة لأسلمة المجتمع. وفي كلا الحالين تنطوي الأهداف على رغبة عاطفية في رفع الظلم الاجتماعي عن المستضعفين. ويبدو أن مفهوم الثورة الماركسي أساساً استوعب إسلاموياً بمثابته تطويراً لمفاهيم الدعوة والتبشير.

التقدميون الذين تجمهروا في الساحات في الخمسينات والستينات تحت الأعلام الوطنية أو القومية أو تلك الحمراء، أخلوا الساحات اليوم للإسلامويين. وما بين ماض وحاضر تبقى صلة وصل تتمثل في حالة العداء للغرب، الإمبريالي في الحالة الأولى والكافر في الحالة الثانية. لقد كانت تلك الحقبة من القرن الماضي هي حقبة طغيان وحدة الوجدان والنزعة العالمثالثية التي جعلت من هذا «المناضل التقدمي» عابراً للحدود العالمثالثية. واليوم وبعد أن استُنفدت الحركات التقدمية بوصولها إلى السلطة في عديد البلدان العربية، هل تخلي الساحة لنزعة عالمثالثية إسلاموية الطابع في ظل مناخات «الربيع العربي»، أم أن السلطة التي استَنفدت أولئك ستقوم بالدور ذاته في ما يخص هؤلاء؟

* كاتب فلسطيني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى