أنور بدرصفحات الحوار

اياد عيسى: الاعلام الرسمي السوري يحضّ على القتل

 


انسحب من اتحاد الصحافيين السوريين لأنه لا يريد ان يكون شاهدا اخرس

أنور بدر

إياد عيسى أول صحافي سوري يعلن بجرأة انسحابه من اتحاد الصحافيين السوريين احتجاجا على صمت الاتحاد حيال ما يجري في سورية، وتأييدا لمطالب الشعب بالحرية وحق التظاهر السلمي، وربما لن يكون الوحيد إذ بدأت السبحة تكر، وها هو الصحافي ماهر ذيب يعلن في رسالة إلى السيد وزير الإعلام استقالته من التلفزيون السوري كمعد برامج احتجاجا على فساد هذا الإعلام وتغطيته المعادية لمطالب المتظاهرين.

ونذكر بهذا الصدد أن حركة انسحابات مماثلة من اتحاد الكتاب العرب حصلت منتصف تسعينيات القرن المنصرم، حيث انسحب كل من المسرحي سعد الله ونوس والروائي هاني الراهب والروائي عبد الرحمن منيف، إثر قرار فصل أدونيس من الإتحاد بتاريخ 27/1/1995م.

ولمن يتذكر فالزميل إياد عيسى كان في طليعة الذين تجرأوا على فتح ملفات الفساد في الإعلام السوري عام 2007 من خلال صفحة أسبوعية ساخرة وجريئة ضمن صحيفة تشرين الرسمية بعنوان ‘راسب بالسلوك’ تناولت شخصيات حكومية ومحدثي النعمة ومطوري اقتصاد السوق الاجتماعي، بدءا بعبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ومرورا برجال الأعمال المتنفذين كمحمد حمشو ونادر قلعي وآخرين، وصولا إلى صباح عبيد رئيس نقابة الفنانين في حينها، وكما هو متوقع لم تعمر هذه الصفحة كثيرا، إذ أوقفت بتاريخ الفاتح من أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، كما أوقفت مجلة ‘الدومري’ الناقدة من قبلها.

لكن الظرف الآن مختلف عن كل ما حدث سابقا، وهذا الموقف المسؤول لا بد من أن تترتب عليه تبعات شخصية وعامة كثيرة، نرجو أن يكون في طليعتها التنبه لفساد الإتحاد وقيادته، واستعادة الدور النقابي والمطلبي المغيب عن هذه المؤسسات، وقد بادرت ‘القدس العربي’ إلى لقاء الزميل إياد عيسى للحوار معه في رزمة الهموم الإعلامية وعلاقتها باللحظة الراهنة:

* مع بساطة موقفك ووضوح البيان الذي نشرته في صفحتك على الفيس بوك، إلا أن كثيرين فوجئوا بجرأتك؟

* لأننا في سورية لم نتعرف بعد على أخلاق مهنة الصحافة، وربما لم يسمع أغلبنا بشرف المهنة، فالإعلام مسؤولية وطنية قبل أن يكون وظيفة للتكسب، ونلاحظ الآن كيف تحول إعلامنا إلى جزء من أزمة خطيرة تكاد تعصف بالوطن بدل أن يكون أحد أدوات تفكيك الأزمة أو حلها.

وقد نجح الاتحاد منذ تأسيسه في تحويل الأعضاء إلى مجرد موظفين من الدرجة الخامسة أو السادسة، بل ومصفقين حين يتطلب الأمر تصفيقا، وأنا أرفض أن أكون واحدا من هذا القطيع، أرفض أن أكون الشاهد الأخرس، وأن أكون جزءا من عملية تبرير بشعة لقتل المحتجين .. وذنبهم الوحيد أنهم يطالبون بالحرية.

هذا ما يمارسه رئيس الاتحاد الياس مراد بشكل علني واستفزازي لكل صحافي يحترم نفسه وكلمته ووطنه، وربما لا يعرف السيد مراد أو هو لا يدرك معنى أن يكون شعار الاتحاد في سورية ‘حرية ومسؤولية’. أين هذا الشعار من الأحداث والاحتجاجات غير المسبوقة التي تمر بها سورية منذ قرابة الشهر؟ وكيف نفسر صمت الاتحاد وعدم تأييده لمواقف المحتجين ومطالبتهم بالحرية ورفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 48 عاما؟ ولمصلحة من يمارس الإعلام تعتيما وإخفاء للحقائق، وينكر أو يتجاهل سقوط عدد كبير من القتلى كما يعتم على شلال الدم الذي تشهده البلاد …؟

* لأن الاتحاد فقد بوصلته النقابية منذ زمن طويل؟

* نحن نعرف أن العمل النقابي مستقل في اي بقعة من العالم، غير أن الوضع في سورية مختلف كثيراً، حيث تحول الاتحاد عن دوره النقابي المستقل، وغدا واحدة من أدوات السيطرة على هذا القطاع الحيوي والهام في المجتمع، وتابعاً ومؤيداً لسياسة الحزب الحاكم ومبرراً لها، وهذا ما جعل من اتحاد الصحافيين أداة قمع للحريات الصحافية بدل أن يكون دوره الرئيسي حماية الحريات الصحافية والدفاع عن حقوق أعضائه المنتسبين وحمايتهم من تغول السلطة التنفيذية عليهم.

في هذا المناخ سيطرت على الاتحاد ذهنية الدخلاء والمتطفلين، وانحصرت مهمته في ممارسة عمل مصرفي إذ يؤمن لأعضائه بعض القروض مقابل فوائد كأي مرابٍ، ويرشوهم بصرف بعض الفواتير الطبية لا أكثر ولا أقل.

* إشكالية الإعلام السوري الآن تكمن في تمترسه خلف نظرية المؤامرة؟

* لأنه لم يدرك مسؤوليته الوطنية أصلا، فنلاحظ التجييش الذي تمارسه كل وسائل الإعلام السوري لوضع الشارع المحتج مقابل شارع موال ٍ، وهو ما يمكن أن يؤدي في لحظة من اللحظات إلى تفتيت المجتمع السوري، مع أن مجتمعنا ليس طائفيا، ولا توجد إشكالية في الانقسام الطائفي، فوعي غالبية أبناء سورية بمسؤوليتهم الوطنية كفيلة بدرء أية مؤامرة.

وإذا نحن صدقنا نظرية الإعلام السوري عن المؤامرة، فهذه لا تعالج بتحميل المحتجين والمطالبين بالحرية وزرها، ووضعهم في خانة المندسين إن لم يكن تخوينهم، خاصة وأن فكرة المؤامرة في الشارع المؤيد تفترض الموت للمنضوين في إطارها، فهل تجيز أخلاقيات العمل المهني لرئيس الاتحاد أن يلعب دورا محرضا على القتل باسم الصحافيين ؟!

* كيف تفسر ذلك؟

* حقيقة أنا لا أعرف من يدير الأزمة في إعلامنا، وفيما إذا كانت توجد إدارة للأزمة أم لا، وفي حال وجودها أفترض أن يكون رئيس الاتحاد واحدا من هذه الإدارة، لكن الواضح حتى الآن أنه لا توجد إدارة للأزمة، لذلك اكتفوا بعنوان واحد لها اختزل في لفظة ‘المؤامرة’، وكان على الإعلام السوري المرئي والمسموع والمكتوب، الحكومي منه والخاص أن يسعى لإثبات نظرية المؤامرة، وكشف عناصرها من الأشباح والمندسين.

وفي ظل احتقان موجود سلفا على الأرض بعد الدماء التي سالت، تحول الإعلام إلى طرف في لعبة ضد طرف آخر هو الناس والمجتمع معا، وأخذ يمارس عن سبق الإصرار والتقصد زرع الهلع والخوف بين الناس، وللأسف الشديد غاب أي دور للاتحاد في ممارسة أخلاقيات المهنة.

* نلاحظ انسجام الإعلام الخاص في سورية مع سياسة الإعلام الحكومي في رؤيته للأحداث وفي آلية تبريرها؟

* بعد أربعين سنة من احتكار سلطة الحزب الواحد للإعلام في سورية، استبشرنا خيرا بالقانون رقم 50 الذي أجاز ترخيص مطبوعات وإذاعات وأقنية تلفزيونية خاصة، باعتباره مؤشرا على قيام سوق إعلامية مفتوحة، ووجود منافسة مهنية حقيقية، تحقق مواصفات السلعة الإعلامية المقدمة، بحيث أن السلعة الجيدة تطرد السلعة الرديئة من السوق.

لكننا سرعان ما اكتشفنا أن المنافسة اقتصرت بين السيئ وبين ما هو أسوأ، فجاءت النتيجة لصالح الإعلام الرسمي الذي راكم بعض الخبرات بحكم ممارسته الطويلة، وهو ما ظهر في التعامل مع الأزمة الأخيرة حيث تحولت قناة الدنيا إلى واحدة من ‘سرايا مكافحة الحرية’، ووصلت إلى حدّ المطالبة بعدم رفع حالة الطوارئ، وروجت لمعالجة الأزمة أمنيا بدل السعي لتفكيك أسبابها، كما عملت على تقزيم وتسخيف مطالب المحتجين، حيث قدمتها بصيغة شخصية تتعلق برغبة المحتجين في خفض أسعار الوقود حينا، أو ردم حفرة في الطريق حينا آخر. وهو نفس الدور الذي لعبته صحيفة الوطن الخاصة، التي وضعت على الصفحة الأولى منذ صدورها ترويسة ‘أول صحيفة يومية سياسية مستقلة منذ أربعة عقود’.

فأي استقلال يتحدثون عنه؟ صدقا لم أعد أميز قناة الدنيا عن القناة الليبية، فكلاهما تشيران إلى المحتجين كمتآمرين، وهو ما يمكن وضعه في خانة الحض على القتل.

نحن لم نعد نستطيع القول إنه إعلام غبي أو مقصّر، لأنه تحول إلى إعلام قاتل، فالكلمة كالرصاصة يمكن أن تقتل، فما بالك بصحف وإذاعات وفضائيات تطلق قذائفها المحرمة دوليا على مدار الأربع والعشرين ساعة باتجاه كل من يختلف معهم بالرأي.

* مع ذلك نحن موعودون بقانون جديد للإعلام والمطبوعات وقانون آخر للإعلام الإلكتروني؟

* المشكلة أننا بتنا نخاف من كل تجديد، فما تسرب إلينا من معلومات، ولم نقرأها بعد، أن عقوبة حبس الصحافي ألغيت حقا من القانون الجديد، لكنها استبدلت بما هو أسوأ، إذ استعيض عنها بغرامة قد تصل إلى 300 ألف وحتى 500 ألف ليرة سورية، وهذه لعمري أشد وطأة على الإعلاميين من عقوبة السجن، إذ قلما يتوفر صحافي في سورية على هذا المبلغ، وبالتالي سيكون مصيره الحبس أيضا وفق قانون العقوبات إن لم يدفع تلك الغرامة.

كما جرى ترويج لكثير من الصياغات والتفاسير المطاطية بحيث يمكن لبعض التهم الجديدة أن تجعلك تترحم على القانون رقم 50 الذي صدر عام 2005، كما ترحمنا حين صدور ذلك القانون على القانون السابق عليه.

وقانون الإعلام الإلكتروني الذي يجري الحديث بشأنه الآن هو نسخة من قانون المطبوعات والإعلام رقم 50 مع تغيير بعض المصطلحات التقنية، وهذا ما تعودنا عليه في سورية. لكن المشكلة أن اتحاد الصحافيين لم يعترض في تاريخه على قانون المطبوعات ولن يعترض كذلك على قانون الإعلام الإلكتروني، فهو صيغة وجدت للتأييد وليس للاعتراض، لذلك لم نسمع أبدا أنه احتج على اعتقال صحافي مثلا، أو تنطح للدفاع عن حقوق الإنسان حين تنتهك، أو حتى التعاطف مع الصحافيين المحتجزين في مناطق التوتر كليبيا، رغم أنه كان بين المحتجزين الصحافي السوري فراس كيلاني ضمن طاقم الـ BBC.

تصور أنني كصحافي في جريدة ‘تشرين’ الرسمية منذ عشرين عاما، وأنا أدفع التزاماتي المالية كاملة في صندوق الاتحاد، مع ذلك لو فصلت الآن من عملي في الصحيفة، أصبح عضوا مشاركا في الاتحاد فقط وأفقد كل حقوقي وتعويضاتي المالية، وهو بذلك لم يكتف بدور المرابي الذي اشرنا إليه سابقا، بل تحول بالقانون إلى نصاب يمكن أن يسرق مستحقات أعضائه ويحرمهم من حقوقهم.

وحتى تاريخه يرفض هذا الاتحاد الموقر ضم أيّ ٍ من الإعلاميين الذين يعملون في الصحف أو الإعلام الخاص، وكذلك العاملين في الإعلام الإلكتروني، واسمح لي أن أصف هذا الاتحاد بلفظة ‘هبور’ العامية، إذ يحق لرئيس مجلس الوزراء باقتراح من وزير الإعلام أن يحلّ الاتحاد، أضف إلى ذلك أن رئيسه يعين من قبل مكتب المنظمات الشعبية في القيادة القطرية لحزب البعث، ولا يحق لهذا الاتحاد عقد ندوة مثلا دون أخذ موافقة مسبقة من تلك القيادة.

لذلك كله أعلنت انسحابي من هذا الاتحاد، خاصة وأنني أجد الناس في بلدي يطالبون الآن بالحرية، التي كان جديرا بالاتحاد والإعلام السوري أن يطالب بها، فالناس الآن يطالبون بالحرية نيابة عنا جميعا وباسم سورية كلها.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى