صفحات العالم

جبهة نصرة” لبنانية”/ حـازم الأميـن

 

 

منْ لم يرَ في ظاهرة انشقاقات جنود لبنانيين من الجيش اللبناني من الطائفة السنية مؤشراً خطيراً جداً على الجيش وعلى لبنان، فهو يكرر التعامي الذي مارسته الحكومة العراقية منذ عام 2011 وحتى احتلال “داعش” أكثر من ثلث العراق.

فطوال المدة هذه كان كل من يحذّر الحكومة العراقية ورئيسها نوري المالكي من أن تهميش السنّة العرب سيضعهم في أحضان “القاعدة” كان يُخوَّن ويُتّهم بالوقوف الى جانب الإرهابيين، إلى أن وقعت الواقعة، فاحتلت “داعش” الأنبار والموصل، وها هي تتقدم نحو بغداد.

يُكرر “حزب الله” اليوم، ومِن ورائه قوى 8 آذار ما دأبت عليه الحكومة العراقية في تلك السنوات. يقول الحزب، ويقول التيار العوني، إن ما يجري ليس ظاهرة انشقاقات، بل عمليات فرار! وهم لا يريدون أن ينظروا بدلالات الظاهرة. جنود في الجيش اللبناني يُغادرون وحداتهم ويلتحقون بـ”جبهة النصرة”. هم جنود وليسوا ناشطين سلفيين. وهم أيضاً لبنانيون، وعائلاتهم التي ظهر أفراد منها يُناشدونهم العودة يبدو عليهم أنهم امتداد لعائلات لبنانية تمتُّ بعلاقة وطيدة للسلك العسكري.

والظاهرة، أي انشقاق الجنود، تفاقمت بعد أن نفّذت “جبهة النصرة” عملية بريتال، فانتزعت ثقة هؤلاء بأنهم سيلتحقون بطرف قوي يمكن أن يؤمّن لهم مأوى وحماية وغطاء، وفي الوقت نفسه جهة يُخاطبهم كلامها ويحاكي ضائقتهم الطائفية.

هذا مؤشر شديد الخطورة، ذاك أننا على ما يبدو أمام ولادة “جبهة نصرة” لبنانية. “جبهة نصرة” متصلة بقضايا لبنانيين، وناشطة على خطوط صراعاتهم المذهبية والطائفية. وصحيح أننا ما زلنا في البداية، وما زال عدد الجنود المنشقين خمسة، ولكن معادلة الالتحاق بـ”النصرة” وبهذا النوع من الجماعات، تعمل وفق متواليات هندسية لا جبرية، أي: ( 1 -2- 4- 8…)، ومع كل “إنجاز” تحققه هذه الجماعة تتضاعف جاذبيتها.

نعم، “جبهة نصرة” لبنانية، فالفراغ التمثيلي لـ”الجرح السنّي” واضح، وواضح أيضاً طموح “النصرة” لملئه، وهي تُحقق تقدماً ملموساً على هذا الصعيد. زيارة قصيرة لطرابلس ولصيدا ستُشعرك أين أصبحت “النصرة” في وعي شبان هذه المناطق وفي وعي فتيتها. قد تكون “داعش” موضع خلاف هناك، أما “النصرة” فهي تتحول إلى القوة الضاربة التي يُعوَّل عليها لمواجهة “حزب الله”. شاء الحزب أن يرى ذلك أم لم يشأ، هذه حقيقة سيمثّل عدم التعامل معها ضرباً من الهرب من الواقع. فشريط الفيديو الذي وزعته “النصرة” لاحتلالها موقع حزب الله في بريتال موجود الآن على هواتف آلاف الفتية، وأسير حزب الله لدى “الجيش الحر” استعيض بصوته في الهواتف عن أصوات الرنين المألوفة.

قال العونيون عن الجنود إنهم ليسوا منشقين، إنما فارون، وإن الجيش أكبر من هؤلاء، ودان “تيار المستقبل” محاولات تصوير السنّة بصفتهم بيئة حاضنة للجماعات المتشددة. رد الفعل الأول ينطوي على رغبة في توظيف الفعلة في الضغينة المذهبية، ورد الفعل الثاني ينطوي أيضاً على عجز وضيق حيلة. لكن الغريب والمخيف فعلاً أن لا يرى “حزب الله” حجم ظاهرة الحشد ضده، وأن يعجز عن المبادرة في غير المجالات الأمنية والعسكرية، ذاك أن للمبادرة في هذين المجالين مردوداً عكسياً، هذا طبعاً إذا كان يفكر بمستقبل الجماعة التي يمثلها.

لو أتيح لي أن أفكر لدقائق من موقع قريب من “حزب الله” لما ترددت في تقديم إغراءات لاستقدام سعد الحريري، ولتولّيت أمنه، وربما موّلت حملاته الانتخابية على رغم الخصومة المريرة.

هذا تحديداً ما فات نوري المالكي أن يفعله، لا بل ما مارس عكسه طوال ثلاث سنوات، فكان أن احتلت “داعش” نحو نصف العراق.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى