صفحات العالم

مقالات تناولت تطورات الموقف الاميركي من الشأن السوري

 

“داعش” الذي لم تقاتله واشنطن… ولن تقاتله موسكو/ حازم الامين

توقع جنرال أميركي أن يشهد الشهر المقبل استعادة الحكومة العراقية مدينة الرمادي غرب العراق من أيدي «داعش»! هذا التوقع سبقته عشرات الوعود وعلى مدى أكثر من سنتين من استئناف التنظيم الإرهابي وثبته بعد سنوات من الهزائم التي ألحقتها به الصحوات السنية العراقية.

والحال أن العراق والعالم القريب والبعيد عاد هذه الأيام إلى التفكير بـ«داعش». بذاك «السر» الذي يعرفه الجميع، عن ولادة التنظيم وانقضاضه على مدن العراق وانتقاله إلى سورية وتأسيسه «دولة الخلافة» على مساحة شاسعة من الصحراء تضم مُدناً وبوادي وحقول نفط ومساحات زراعية ومراعي وسبل عيش.

لا شيء أقدر من واقعة الموصل على تفسير «داعش». فسقوط المدينة بيد التنظيم في 2014، شكل انتقالة هائلة في واقع «دولة الخلافة»، وتحولاً من حقيقة أن الجماعة تنظيم إرهابي إلى دولة و«خلافة».

والواقع أن الموصل لم تسقط بفعل خيانة ضباط المالكـــي وانسحابهم السهل، على رغم أنها كذلك. الأمر كـــان أعمــــق من خيانة، فـ2014 كان عام الحدث الذي بدأ التأسيس له أمام أعين الجميع منذ بدايات 2013. آنذاك ووصـولاً إلى لحظة الانقضاض على المدينة في 9 حزيران (يونيو) 2014 صُفّي كل خصوم «داعش» من شيوخ عشائر ووجهاء وصحافيين وناشطين، وهم للمصادفة خصوم المالكي وحكومتـــه آنذاك. وجرى ذلك تحت أنظار السلطة وليس بعيـــداً عــــن أنظار الأميركيين والإيرانيين، والأكـــراد الذيـــن كشف زعيمهم في أربيل مسعود بارزاني أنه عندما نبه المالكي إلى ما يجري في الموصل في 2013، أجابه الأخير: «عليك الاهتمام بإقليمك»!

لا يهدف هذا العرض إلى تبرئة البيئة التي تفشى فيها التنظيم من المسؤولية، ففي الوقائع التي سبقت احتلال الموصل حقائق حول دور لعشائر المدينة في تسليم السلطة لـ«داعش»، لكن هذه الحقائق تكشف أيضاً مقدار التخلي الأميركي عن سنّة العراق وتركهم نهباً للتنظيم ولجماعات تكفيرية في محيطه، ناهيك عن قرار حكومي ضمني بنقل تمثيل السنة العراقيين من قوى قبلت بالعملية السياسية إلى الجماعات «الجهادية». فـ«داعش» لم يأت بجديد على صعيد التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تلك المناطق. فقط تعامل مع البنية التي رفض الأميركيون التعامل معها. سلم عشائر الجبور النفط وهو ما كانت تفعله هذه العشائر منذ حكم صدام حسين، وعشائر الشمر الحدود والمعابر، ولهذه العشائر خبرات على هذا الصعيد بسبب تواجدها على طرفي الحدود. واستثمر التنظيم في ضباط الجيش العراقي المنحل والذي تحول إلى جيش من العاطلين من العمل بعد القرار الأميركي الغبي بحل الجيش.

وكان أن تفشى «داعش» على نحو ما شهدنا منذ 2014 إلى اليوم، ولم تُلحق به هزيمة تذكر منذ ذلك الوقت باستثناء تقدم طفيف للأكراد على حدود إقليمهم، واستعادة مدينة تكريت غير الاستراتيجية وبكلفة بشرية هائلة كشفت خللاً في كل مشاريع محاربة التنظيم.

إذا أراد المرء أن يُحصي الأحلاف التي نشأت لقتال «داعش» فسيخرج بنتيجة مذهلة. أحلاف أرضية وأخرى جوية وبحرية، وتحالفات تقودها جيوش لم يسبق أن التقت. التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من الجو، والحشد الشعبي الذي تقوده إيران في المدن العراقية، والبيشمركة الكردية التي تقاتل على تخوم إقليم كردستان، وصولاً إلى «الجيوش» الروسية والإيرانية والسورية التي انعقدت قيادتها مؤخراً لفلاديمير بوتين. والغريب أن كل هذا لم يؤت أُكله حتى الآن، وها نحن أليوم وبعد كل هذا الوقت والجهد أمام توقع ركيك من المرجح أن لا يُصيب، بأن تستعيد الحكومة العراقية مدينة الرمادي في صحراء غرب العراق.

ثمة سؤال يواجهه المرء أينما ولى: هل هناك رغبة فعلية بإلحاق هزيمة بـ«داعش»؟ وأمام كل هذه الوقائع علينا أن نؤمن فعلاً بأن لا رغبة لأحد في هزيمة التنظيم.

بالنسبة للأميركيين، «داعش» سبيلهم للتخلي عن المنطقة وعن حلفائهم التقليديين العرب تحديداً، وبالنسبة للروس تعتبر «دولة الخلافة» الدجاجة التي باضت ذهباً لنظامهم في دمشق، فلولاها لما كانت الطريق الدولية معبـــدة لموسكو كي تصل إلى دمشق. و«داعش» بالنسبة للإيرانيين عدو نموذجي كم تمنوا أن ينجحوا في تحويل أعدائهم إليه. وها هي طهران تكشف أن ما يعنيها من الحرب علـــى «داعش» في العراق هو حماية المناطق الشيعية، وما عدا ذلك فإن التنظيم مشكلة السنّة وعليهم حلها. فـ«داعش» عدو من خارج المذهب، ولا مشكلة معه طالما أن الحكومة العراقية بيدهم، وأن حدود «العراق الشيعي» مصونة. وكم يبدو جميلاً أن تلقى أعداءك في هذا المأزق. تركيا أيضاً اشترطت في بداية الحرب على «داعش» أن تتقاضى ثمناً لقاء «هذه الورقة»، وهو منطق ينطوي على رغبة بالاستثمار في التنظيم أيضاً. وما عزز الشكوك حيال دور أنقرة في السنة الأولى من عمر التنظيم في سورية، فتح الحدود أمام الراغبين بالالتحاق بـ«الجهاد».

اليوم خفض التحالف الدولي غاراته على مواقع «داعــش» بنسبة 50 في المئة على ما قال ناطق باسمه. الغارات الروسية على التنظيم أقل من 20 في المئة من مجمل الغارات الروسية المنفذة في سورية. والأتراك الذين بدأوا تلقـي طعنات التنظيم، يبدو أنهم مستمرون على اقتناعهم بأن القضاء على التنظيم يجب أن يكون لقاء ثمن واضح يتمثل برأس النظام السوري.

وما تكشفه خريطة المصالح هذه، غير انعدام الرغبة والمصلحة في هزيمة وشيكة للتنظيم، هو غياب مدوٍّ للعرب ولحسابات مصالحهم في غابة النوايا المتوحشة هذه، علماً أن «داعش» في هذه الخريطة هي ممثلة غيابهم، أو هي الحضور البديل الذي يُستعاض به عن هذا الغياب. فما هو مُدان في خطاب هذه الحرب الكاذبة على التنظيم هو «البنية القابلة للعنف والتكفير»، وليس كل هذه الوقائع الهائلة التي مهدت لصعود هذا العنف ولتحوله دولة و«خلافة».

ربما كان على المرء أن ينظر من بعيد إلى طاولة المفاوضات الدولية في فيينا حول مستقبل سورية، ليخلص إلى حقيقة أن الوقت لم يحن بعد للقضاء على «داعش»، وأن القضاء على التنظيم ليس مهمة أخلاقية يطرحها العالم نفسه.

الحياة

 

 

 

“داعش”… شماعة أوباما/ خالد الدخيل

الرئيس الأميركي باراك أوباما مهجوس بـ «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش). على رغم ضخامة المأساة، والدور الكبير للنظام السوري فيها، والعدد الكبير للميليشيات (سنّية وشيعية)، والدول المنخرطة فيها، لا يرى أوباما خطراً إلا في «داعش». هذا التنظيم يضاعف من المأساة، لكنه نتيجة لها. أوباما لا يستطيع أن يرى ذلك. سيلاحق هذا الموقف أول رئيس أميركي من أصول أفريقية. لا أقول هذا لأنني أعتبر أن لهذا الجانب العرقي علاقة بالرؤية السياسية للرئيس، أبداً، لكنني أقوله لأنه حقق بفوزه بالرئاسة مرتين اختراقاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً على المستوى المحلي الأميركي. وفشل في تحقيق أي اختراق بالحجم ذاته على مستوى السياسة الخارجية. ماذا عن الاتفاق النووي مع إيران؟ موقف أوباما من الثورة السورية وتحولها إلى مذبحة حرب أهلية حصل على ساعته، وفي زمنه، وبدوره في المسار الذي اتخذته الأحداث. حصل كل ذلك بلا مبالاة منه، ما سيلقي بظلال ثقيلة على رئاسته بما فيها الاتفاق، وهو اتفاق موقت. ولأن له زمناً محدداً ينتهي بانتهائه، سيظل تحت النظر والاختبار. قد لا يأتي الحكم النهائي عليه إلا بعد نهاية المسيرة السياسية لأوباما. روسيا وإيران طرفان في الاتفاق، وفي الحرب الأهلية السورية. كل منهما استخدمت الاتفاق لدعم موقفها في هذه الحرب. وقَبِلَ أوباما أن يكون شاهد زور على التداخل السياسي والأخلاقي ما بين هذا الاتفاق وهذه الحرب التي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من ربع مليون قتيل، وأكثر من 10 ملايين مهجر بين الداخل والخارج. ولا يزال عدّاد القتل والتهجير مستمراً.

هناك رؤية أميركية لموقف أوباما. رؤية من داخل الخطاب الأميركي، ومؤسسة الحكم الأميركية. وقد جاءت يوم الثلثاء الماضي أثناء جلسة استماع لوزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال جوزيف دانفورد، أمام لجنة خدمات القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. أهم ما فيها أنها كانت جلسة تشبه المحاكمة لاستراتيجية الرئيس من جانب غالبية جمهورية للوزير والجنرال كممثلين لإدارة ديموقراطية. وقد ارتفعت حرارة المحاكمة عندما جاء دور السيناتور الجمهوري المعروف، ليندزي غراهام. بدأ غراهام محاكمته بالتأكد من أن هناك استراتيجية جديدة للإدارة في محاربة «داعش». كانت الأولى تقوم على تدريب المقاتلين وتجهيزهم خارج سورية. أما الجديدة فتفعل عكس ذلك. التدريب والتجهيز فيها يتم داخل سورية. الأولى فشلت في شكل محرج، والإدارة تعترف بذلك. هل تختلف الجديدة عن الأولى؟ هنا تبدأ محاكمة السيناتور. وقد تم تداول هذا المقطع من المحاكمة على نطاق واسع عربياً في الـ «واتساب». وعلى رغم طوله إلا أنه مهم لأنه كاشف، ليس فقط لاستراتيجية أوباما، بل لقوة السلطة التشريعية وهي تسائل السلطة التنفيذية بقوة وشراسة أحياناً. يوجه السيناتور سؤاله إلى الوزير:

  • غراهام: هل لا يزال هدفنا استبدال الأسد؟
  • كارتر: بالتأكيد…
  • غراهام: هل هذا هو هدفنا؟
  • نعم، الانتقال من (مرحلة) الأسد إلى حكومة تشمل الجميع، معتدلة ومتماسكة…

ينتقل السيناتور الجمهوري إلى الجنرال دانفورد بالسؤال:

  • غراهام: هل سنقوم بتوفير غطاء جوي للمقاتلين الذين دربناهم لمحاربة «داعش»؟
  • دانفورد: نعم، سنقوم بذلك.
  • غراهام: هل هؤلاء المقاتلون يريدون إسقاط الأسد أيضاً؟
  • دانفورد: اهتمام الذين ندربهم الآن يتركز على محاربة «داعش».
  • غراهام: هل لديهم هدف لإسقاط الأسد؟
  • دانفورد: (بتردد واضح) لا أعرف.
  • غراهام: (بحدة واستغراب واضحين) ماذا تعني بـ «لا أعرف»؟
  • دانفورد: (بداية ارتباك الجنرال)… الذين ندعمهم… لا أعرف… لأن…
  • غراهام: (مقاطعاً) ألا تعتقد أن غالبية الناس في سورية تريد شيئين: تدمير «داعش»، والتخلص من الأسد…؟ هل هذا لغز أو سر (من أسرار الآلهة)؟
  • دانفورد: لا، هو ليس سراً، سيدي.
  • غراهام: فعلاً هو ليس سراً. هل روسيا تقاتل من أجل الأسد؟
  • دانفورد: روسيا تقاتل من أجل الأسد.
  • غراهام: وإيران تقاتل من أجل الأسد؟
  • دانفورد: هما تفعلان ذلك.
  • غراهام: و «حزب الله» يقاتل من أجل الأسد؟
  • دانفورد: هو يفعل ذلك.
  • (حسناً) عندما يقرر المقاتلون الذين دربناهم لمحاربة «داعش» توجيه سلاحهم إلى الأسد، هل سنحارب معهم لاستبدال الأسد؟
  • دانفورد: لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، سيدي.
  • غراهام (موجهاً كلامه إلى وزير الدفاع): الوزير كارتر، هل تستطيع الإجابة عن السؤال؟
  • كارتر: (بتردد) دعني أكن واضحاً… لنأخذ…
  • غراهام (مقاطعاً) هذا اليوم (توجيه سلاح المقاتلين للأسد) آتٍ…
  • كارتر: لنأخذ الأكراد… وو…
  • غراهام (مقاطعاً): هل ترى إمكان حدوث سيناريو حيث الناس في سورية لا يريدون محاربة الأسد؟
  • كارتر (مواصلاً حديثه): الناس (المقاتلون) الذي نجهزهم يأتون من مناطق تحت سيطرة «داعش»…
  • غراهام: هل يريد هؤلاء إسقاط الأسد؟
  • كارتر: في الغالب يتركز اهتمامهم على هزيمة «داعش»…
  • غراهام (مقاطعاً، يريد إجابة عن السؤال): هل يريدون إسقاط الأسد؟
  • كارتر: متردداً…
  • غراهام: هل سألتهم (عما يريدون)؟
  • كارتر: نحن نعرف نيتهم، محاربة «داعش» (أي لم نسألهم).
  • غراهام (وقد ارتفعت نبرة صوته): دعك من هذا. أنت تعرف، كما أعرف، وكلاكما يعرف، أن الإنسان السوري العادي لا يريد فقط تدمير «داعش»، بل تدمير الأسد كذلك… وهنا السؤال لهذه اللجنة: كيف يمكننا تفعيل إمكان مغادرة الأسد (استبداله) إذا كان الروس، وإيران، و «حزب الله» سيقاتلون من أجله، ونحن لن نفعل أدنى شيء لمساعدة أولئك الذين يريدون إسقاطه؟ وكلاكما (كارتر ودانفورد) يعرف ذلك. ولذلك عندما يذهب كيري (وزير الخارجية) إلى جنيف سيقوم بتسليم سورية للروس والإيرانيين. هل هناك أي تهديد عسكري للأسد ذو صدقية، في الوقت الذي يقف الروس والإيرانيون و «حزب الله» إلى جانبه؟
  • غراهام (موجهاً سؤاله إلى الجنرال): هل ترى أي تهديد عسكري ذي صدقية للأسد يمكن أن يؤدي إلى إسقاطه؟
  • دانفورد: أعتقد أن ميزان القوى الآن لمصلحة الأسد.
  • غراهام: ليس لمصلحته فقط، بل هو في مأمن. وهذا ما يحدث فعلاً. استراتيجية (الإدارة) تتهاوى في شكل كامل…
  • غراهام موجهاً سؤاله إلى الوزير كارتر: هل ترى أي سيناريو حيث يمكن أن نقاتل لدعم أي مجهود لإسقاط الأسد؟
  • كارتر (مرة أخرى بتردد): طريقتنا… لإزاحة الأسد… كانت دائماً…
  • غراهام (مقاطعاً): هل تتضمن (طريقتكم) مكوناً عسكرياً؟
  • كارتر (بهدوء وتباطؤ لافتين): هي (طريقتنا)… في شكل أساسي… مجهود سياسي.
  • غراهام: الإجابة إذاً «لا»، (لا تتضمن مكوناً عسكرياً).

تكشف محاكمة السيناتور أمرين: أن الجنرال كان أكثر وضوحاً ومباشرة في إجاباته، من الوزير السياسي الذي مهمته تسويق سياسة الإدارة. الثاني أن استراتيجية أوباما كما شرحها وزير الدفاع ليست أكثر من رؤية سياسية ضيقة، إما ساذجة أو خبيثة. اعترف الوزير بأنها تفتقد لأي عنصر عسكري ما عدا محاربة «داعش». وهذا مدهش. رئيس هيئة الأركان أقر بأنها استراتيجية انتهت إلى أن موازين القوة أصبحت لمصلحة الأسد، وليست للمقاتلين الذين يتم تدريبهم وفقاً لهذه الاستراتيجية. وهذا أكثر إدهاشاً. بل تنطوي استراتيجية أوباما على جانب غير أخلاقي مشين. لأنها تقوم على تدريب بعض السوريين، والتضحية بهم لمقاتلة «داعش» لمصلحة تخص أوباما نفسه. في الوقت نفسه ترفض الإدارة مساعدة هؤلاء للتحرر من الأسد، وقد أصبحوا حلفاء لها. بل ترفض حمايتهم من أي اعتداء عسكري قد يتعرضون له من سلاح الطيران الروسي، أو براميل الأسد. لماذا يقبل هؤلاء الانخراط في مثل هذه اللعبة السخيفة؟

ليس في هذا جديد. لكن فيه ما هو مهم وواضح. وهو أن خروج الدول العربية من معادلة التوازنات الإقليمية أوجد الفراغ الذي يعصف بالمنطقة: فراغ سياسي وعسكري وأيديولوجي. يسمح لرئيس مثل أوباما بممارسة لعبة يشبع فيها هوسه بـ «داعش»، ولروسيا أن تنقل مغامرتها من أوكرانيا إلى سورية، ولإيران أن توظف الميليشيات الطائفية كأداة لتوسيع نفوذها. تبدو الدول العربية عاجزة عن سد هذا الفراغ. تملأه استراتيجيات متناقضة وقاتلة: أميركية، وروسية، وإيرانية، وميليشياوية… إلى آخره.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

 

خطة كارتر: بقاء الأسد/ حسين عبد الحسين

الرئيس السابق جيمي كارتر هو من رؤساء الولايات المتحدة القلائل ممن تحولوا من عدو كثيرين من العرب الى صديقهم، بعد خروجه من الحكم. فالرئيس الذي كان يغني له المصري الراحل الشيخ امام “يا كارتر يا نذل” لدوره في هندسة ورعاية اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، أصدر كتابا هاجم فيه التمييز العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والتقى شخصيات ممنوع على الاميركيين لقائها، مثل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

في مصر، ابتعد الجيش الحاكم عن “مركز كارتر” على الرغم من اعتقاله اميركيين آخرين من الناشطين في المنظمات غير الحكومية في البلاد. كان الجيش المصري يحتاج لموافقة المركز على الانتخابات الرئاسية المصرية، بعد انقلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الشراكة الحكومية مع “الاخوان المسلمين”.

لكن كارتر وقف وقفة أخلاقية، ورفض ان يصادق على انتخابات برلمانية مصرية معروفة نتائجها سلفا، وبهدوء، أحرق العاملون في مكاتب “مركز كارتر” في القاهرة وثائقهم لتفادي توريط أي من العاملين المحليين في مواجهة مع الجيش الحاكم، واقفلوا المكاتب، وانسحبوا من مصر، وجرت الانتخابات البرلمانية المصرية وسط تشكيك عالمي في مصداقيتها.

وكما في فلسطين ومصر، كذلك في الدول الأخرى، وقف جيمي كارتر مواقف جريئة وإنسانية، باستثناء سوريا، وهو أمر محيّر فعلا.

في الشأن السوري، سارع كارتر، الذي يعاني وهو في عامه الحادي والتسعين من سرطان في رأسه، الى تدبيج مقالة حول رؤيته لحل ممكن للأزمة المندلعة منذ العام 2011. كتب كارتر انه يعرف شخصيا الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ويعرف خلفه الحالي بشار منذ ان كان الأخير طالباً في الجامعة.

يقول كارتر في وصف بشار: “لاحظت ان بشار لم يلجأ يوما الى مستشار لطلب نصيحة او معلومات”. ويضيف كارتر ان ميزة بشار الأسد “هي عناده، ما يجعل من المستحيل سيكولوجياً على بشار ان يبدل رأيه، خصوصا عندما يكون تحت الضغط”. ويتابع كارتر انه حتى العام 2011، لطالما حكمت عائلة الأسد سوريا، المتنوعة عرقيا ودينيا، بالإبقاء على التجانس بين هذه المجموعات.

ويعتقد كارتر ان مبادرات السلام التي قادها كوفي انان والاخضر الابراهيمي باسم الأمم المتحدة والجامعة العربية لم تثمر بسبب الخلاف حول مصير الأسد.

ويقول الرئيس الأميركي السابق انه التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في أيار (مايو) 2015 على هامش مؤتمر لمراكز الأبحاث، وسمع منه ان الحل الوحيد لإنهاء الصراع السوري هو دخول اميركا وروسيا وإيران وتركيا والسعودية في اعداد “اقتراح سلام شامل”، وان بوتين يعتقد ان كل الفصائل في سوريا، ما عدا داعش، ستقبل أي خطة تتبناها الدول الخمس هذه. ونقل كارتر اقتراح بوتين لواشنطن.

ويستعين كارتر بخطة للحل في سوريا، سبق ان قدمتها ايران من أربع نقاط، هي “وقف اطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إصلاحات دستورية وانتخابات. ويتابع كارتر انه لو تبنت الدول الخمس التي ذكرها بوتين هذه الخطة، يمكن تطبيقها من خلال مجلس الأمن.

ويختم كارتر بالقول ان التنازلات للتوصل الى حل في سوريا ليست مطلوبة من الافرقاء السوريين، بل من الدول التي تدعمهم.

هكذا، يلخص كارتر الوضع في سوريا على الشكل التالي: لأن بشار الأسد عنيد ولن يتخلى عن الحكم تحت أي ضغط، ولأن عائلة الأسد تحكم بتجانس المجموعات السورية المختلفة، ولأن روسيا وإيران توافقان على خطة من أربع نقاط برعاية الدول الخمس المعنية، يمكن إذا تنازلت بعض الدول ان يتم التوصل لحل وانهاء الحرب السورية.

طبعا، لم يكن كارتر بحاجة لزيارة موسكو لمعرفة وجهة نظر بوتين في الوضع السوري، فموقفه واضح وعلني ومبني على التمسك بالأسد. كذلك، توافق الدول الثلاث المؤيدة للمعارضة على الخطة الإيرانية، ولكن بشرط ان تترافق الخطة مع بند يحدد موعد خروج الأسد.

ربما لم يدرك كارتر ان سبب الثورة السورية أصلا هو عناد الأسد، بعكس ابيه الذي كان أكثر واقعية. عناد بشار أدى لإجباره على سحب قواته من لبنان، وأدى الى رفضه مبادرات حلول سياسية قدمتها دول معنية، منها تركيا وقطر، قبل ان يريق الأسد الدماء السورية. عناد الأسد هو المشكلة، وكارتر، بسذاجة ام خبث، يعتقد انه يمكن لتنازل وحيد يسمح ببقاء الأسد ان يؤدي الى تسوية.

حزين كارتر. هو نصير الشعوب المقهورة منذ عقود، لكن في سوريا، يخضع لعناد الأسد ويرضى ببقائه على جثث مئتي ألف سوري.

المدن

 

 

 

أميركا تتمسك بإيران في سوريا/ حسين عبد الحسين

بعدما سعت الإدارتان الأميركيتان المتعاقبتان للرئيسين جورج بوش، وباراك أوباما، لتطبيق سياسة “الانخراط مع الأسد” بين الأعوام 2007 و2011، وهي سياسة كانت مبنية على “فصل” الرئيس السوري بشار الأسد عن حليفته إيران، تسعى أميركا اليوم الى “الانخراط مع إيران” والتقريب بينها وبين الأسد، وفصل الأخير عن روسيا.

أساس التفكير الأميركي الحالي مبني على رؤية أوباما لإيران كقوة تتحلى بمنطق ويبرع حكامها “بحسابات الربح والخسارة”، حسب تعبير الرئيس الأميركي. كما يعتقد أوباما ان للإيرانيين حضارة تمتد آلاف السنوات، وان اعادة إيران كحليف أميركا الرئيسي في الشرق الأوسط، كما قبل العام 1979، هو مصلحة أميركية بحتة.

وتظهر سلسلة مواقف أوباما، منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام 2009، انه لم يألو جهدا للتقرب من إيران وحكامها، ففي “الثورة الخضراء”، وقفت أميركا متفرجة ولم تدِن قمع النظام الإيراني الدموي للمنتفضين.

وفي الأعوام 2010 و2011، فتح أوباما باب العراق على مصراعيه امام النفوذ الإيراني الذي أخلّ بالموازين الطائفية الدقيقة وأعاد العراق الى حربه الاهلية التي اندلعت بين الأعوام 2006 و2008.

ومنذ العام 2009، رمى أوباما ثقله خلف المفاوضات النووية التي أفضت لاتفاقية مع الإيرانيين. وعلى مرّ السنوات السبع الماضية، دأب الرئيس الأميركي على ارسال الرسائل الخطية الى مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي في محاولة لرأب الصدع بين البلدين. ولم يطق أوباما الانتظار كثيراً بعد الإعلان عن التوصل لاتفاقية نووية مع طهران، فسارع، لا الى التباهي بإنجازه الديبلوماسي فحسب، بل الى تكرار ان من شأن “الإيجابية المتولدة” عن الاتفاقية الى المساهمة في حلول للملفات الشرق أوسطية الأخرى، وفي طليعتها سوريا.

ومقابل كل تصريح إيجابي لأوباما تجاه طهران، كان خامنئي يطّل بتصريحات معادية لواشنطن، على وقع هتافات “الموت لأمريكا”. وبينما كان خامنئي يؤكد استحالة قيام أي حوار إيراني – أميركي بعد انتهاء المفاوضات النووية، كان زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، يتوعد الاميركيين ويشتمهم.

لكن كما اثناء المفاوضات النووية التي كانت تسير في منحى إيجابي فيما خامنئي يعلن تعثرها، وكانت إيران تتراجع عن التخصيب، فيما خامنئي يتوعد بتخصيب المزيد من اليورانيوم، كذلك في الديبلوماسية الأميركية – الإيرانية اليوم، إذ فيما يصرّ مرشد الثورة أن لا حوار مع أميركا غير الاتفاقية النووية، مازالت القناة الأميركية – الإيرانية مفتوحة، منذ صيف 2013، لمواكبة السعي الأميركي الحثيث لإشراك طهران في مؤتمرات الحلول المقترحة حول سوريا.

هكذا، بينما يسعى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الى عقد لقاء رباعي روسي – أميركي – سعودي – تركي في فيينا لإقناع أنقرة والرياض بدخول المنظومة الإقليمية التي تبنيها موسكو وتزعم أن هدفها القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، كمقدمة للتوصل لتسوية في سوريا، أصر وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري على توسيع لقاء فيينا ليضم إيران.

والإصرار الأميركي على مشاركة إيران في الحل السوري ليست مستجدة، بل هي تعود الى مؤتمر “جنيف 2” الذي انعقد مطلع العام 2014. وقتذاك، سعت أميركا من خلال الأمم المتحدة الى اشراك إيران في المؤتمر، لكن جهود المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين نسفوا المشاركة الإيرانية بسبب تورط طهران في الحرب السورية. هذه المرة، تقول واشنطن ان “الكل متورط” في الحرب السورية، وان الكل يجب ان يشترك في عملية الحوار للتوصل الى حل.

والرؤية الأميركية لإنهاء الحرب في سوريا تشبه تصورها لإنهاء الحرب في لبنان مطلع التسعينات. فأميركا سلّمت لبنان للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على اعتقاد ان الأخير كان انخرط في منظومة “الشرق أوسط الجديد” المبني على مؤتمرات السلام العربية – الإسرائيلية والاتفاقيات التي تمخضت عنها. وقتذاك الأسد ابتلع لبنان وبقي خارج المنظومة الأميركية، وأغلب الظن ان إيران ستفعل الشيء نفسه، فتبتلع سوريا وتستمر في اثارة المتاعب إقليمياً.

على ان دخول روسيا الحرب السورية، منذ أكثر من شهر، عزز رؤية أوباما لكيفية انهاء الحرب السورية، اذ أصبح لتسليم سوريا للإيرانيين بعدٌ استراتيجيٌ يتمثل بإلحاق الهزيمة بروسيا، التي تحاول إعادة تثبيت نفسها كمنافسة عالمية للقوة الأميركية، ما يجعل إدارة أوباما تعتقد انه بتسليم سوريا لإيران، تنجح أميركا في خطب ود طهران وإنهاء العداء الأميركي – الإيراني، من ناحية، وفي إخراج روسيا من سوريا، من ناحية ثانية.

إذاً، تمسك أميركا بدور إيراني في انهاء الحرب السورية هو، حسب رأي أوباما وادارته، إصابة عصفورين بحجر: تعزيز الصداقة مع طهران والتغلب على موسكو. أما النتائج المتوقعة لأي حوار موسع حول سوريا في فيينا، يوم الجمعة المقبل، قد تشارك فيه إيران، فالأغلب ستأتي مثل كل نتائج سياسة أوباما الخارجية عموما: فشل يتلو فشلاً ويسبق فشلاً آخر.

المدن

 

 

 

 

ما الذي يمكن أن تفعله واشنطن لتتمكن من إزاحة «الأسد»؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

يبدو أن الرئيس «أوباما» قد تعلم من سلفه أن الحسم ليس بالضرورة أن يكون فضيلة، لذا فإنه حتى الآن يتخذ نهجا حذرا أكثر من اللازم أمام تحديات السياسة الخارجية والتي ربما يكون لها عواقب مؤسفة على الأمن الوطني.

في سوريا، يمكن القول بأن الرئيس «أوباما» قد أخطأ بالتصرف على نحو حذر أيضا والمساهمة في وضع تكون فيه الفصائل الأكثر قدرة على البقاء هي من الإسلاميين من جانب، إضافة إلى الرئيس السوري، غير القابل للإصلاح، «بشار الأسد» على الجانب الآخر.

وقد دافع الرئيس «أوباما» عن سياسته غير الفعالة تجاه سوريا بحجة أنه من البداية، كان هناك عدد قليل جدا من المتمردين السوريين المتدلين القادرين على العمل على أرض الواقع، وبغض النظر عن كون هذا الأمر صحيح أم لا، فإنه ربما يكون نبوءة ذاتية التحقق بشكل كبير.

المتمردون السوريون المعتدلون الذين كانوا على استعداد للدخول في شراكة مع الولايات المتحدة في الحرب الأهلية في وقت مبكر كانوا مصرين على إبعاد «الأسد» عن السلطة، وقد كان الرئيس «أوباما» متحفظا على دعم هذا الهدف على الأقل علنا، وربما يرجع ذلك إلى خوفه من العواقب المحتملة للمفاوضات النووية مع إيران، بالإضافة إلى سائر القضايا المحددة للأمن الإقليمي.

ونتيجة لذلك، فإن المعتدلين صاروا مجبرين على نحو كبير للدخول في صفقة مع الإسلاميين الراديكاليين من أجل الحصول على أي فرصة لتحقيق هدفهم الأسمى. أي محاولة للقيام بخلاف ذلك يمكن أن تكون غير مجدية في أفضل الأحوال، وربما تزيد فقط من فرصهم في الذبح من قبل الجيش السوري المتفوق كميا ونوعيا بشكل ملحوظ.

أولئك الذين لم يحسبوا هذه المعادلة إما أنهم الآن في عداد القتلى أو أنهم قد قاموا بالانسحاب من ساحة المعركة أو أنهم لا يزالون يعيشون على أمل أنهم لن يقتلوا نتيجة الحسابات الجيوسياسية غير الحاسمة من قبل رعاتهم في الولايات المتحدة.

تدخل روسيا في سوريا يثير بدوره مسألة ما إذا كانت روسيا سوف تتمكن من إنقاذ «الأسد» أم أن مغامرة «بوتين» سوف تنتهي إلى نتائج أكثر مسؤولية، كما ذكر مسؤولون في إدارة «أوباما» أنهم يعتقدون أن «بوتين» سوف ينتهي إلى ذلك في نهاية المطاف. ولكن من المؤكد أن العمليات العسكرية السورية قد زادت من مخاطر تورط الولايات المتحدة في سوريا.

أخذا لهذه المخاطر بعين الاعتبار، يجب على إدارة «أوباما» زيادة المساعدات العسكرية للمعارضة السورية المعتدلة من أجل الضغط على «بوتين» كي يقوم بالتخلي عن «الأسد».

إذا لم تفعل إدارة «أوباما» ذلك فإنها من المرجح أن تجد نفسها تشاهد بأسى شركاءها الإقليميين، السعودية وتركيا وقطر على وجه الخصوص، يتخذون خطوات أحادية الجانب نحو دعم الفصائل الموالية لهم، ما يهدد بتفاقم البعد الطائفي في الصراع.

وسوف يعزز هذا التوجه الدينامية الحالية التي تجبر المعتدلين (من وجهة نظرهم)، على العمل مع المتشددين الإسلاميين.

تحت الوضع الراهن، إذا كان لتحالف المتمردين أن ينجح في نهاية المطاف فإن المتطرفين سوف يكونون في وضعية مميزة خلال مرحلة ما بعد «الأسد» في سوريا على حساب الجميع بما في ذلك روسيا وإيران. أما في حال وجود عناصر معتدلة أقوى، فإن ذلك يعطي فرصة أفضل في استيعاب المنافسة الراديكالية خلال مرحلة ما بعد «الأسد».

تواجه إدارة «أوباما» مجموعة من الخيارات القاتمة ولكنها واضحة على ما يبدو، إما أن تأخذ خطوة إلى الوراء وتسمح لروسيا وإيران بتقديم الدعم غير المشروط لنظام «الأسد» فيما يواصل ذبح شعبه، أو أن تعمل الإدارة على جعل اتخاذ هذه القرارات من قبل الخصوم أمرا مكلفا بما فيه الكفاية بما يدفعها، عاجلا وليس آجلا، نحو اتخاذ مسار أكثر حكمة من العمل عبر دفع «الأسد» عن السلطة أو تدبير انقلاب عليه.

على الولايات المتحدة أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع إسقاط الطائرات الروسية من أجل التخفيف من خطر المواجهة العسكرية المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة أو أحد شركائها الإقليميين. يجب على إدارة «أوباما»، مع ذلك، أن تزيد بشكل ملحوظ في إمداداتها من الأسلحة المضادة للدبابات وغيرها من المعدات العسكرية التي يمكن أن تساعد ميدانيا. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تساعد في استهداف الطائرات الدوارة وثابتة الجناحين لجيش «الأسد» من أجل المساعدة في استنزاف موارده وموارد روسيا وإضعاف معنويات قواته على الأرض.

ونتيجة لبعثات استشارية واسعة، يجب أن تحصل كل من روسيا وإيران خلال الأشهر لمقبلة على صورة استخباراتية أكثر وضوحا تمكنهم من تحديد من سيكون في وضع أفضل لقيادة سوريا خلال مرحلة ما بعد «الأسد». وينبغي أن يكون هذا القائد قادرا على نيل ولاء الجيش السوري ويجب أن لا يكون متورطا بشكل كبير في انتهاكات حقوق الإنسان.

من شبه المؤكد أنه قد لا يكون من الممكن العثور على مرشح قوي مع سجل نظيف لا تشوبه شائبة. ولكن هذا الاعتبار يجب أن يكون له وزنه في مقابل أولوية استقرار الدولة السورية.

ربما تكون روسيا وإيران على حق في أن «الأسد» هو الشخص الوحيد الذي بإمكانه أن يبقي سوريا موحدة. ولكن على الأرجح، فإن كل منهما لم يبد استعدادا بعد لقبول مخاطر التنصل منه.

ربما إدارة «أوباما» محقة: قد لا يكون هناك ما يكفي من المعتدلين على الأرض لتشكل تحديا حاسما للأسد والإسلاميين الراديكاليين. على الأرجح، ومع ذلك، فإن العديد من المعتدلين نسبيا يتواءمون الآن مع المتشددين من أجل تحقيق هدفهم المشترك، وبعد ذلك سوف يتحولون ضد بعضهم البعض.

من مصلحة جميع الأطراف أن تدرك أن البعد الطائفي لهذا الصراع من المرجح أن يزداد سوءا مع مرور الوقت. وأنه ينبغي السعي إلى الهدف المشترك المتمثل في تحديد المواقع المعتدلين. كلما استمرت نيران الحرب الأهلية متقدة، كلما قلل ذلك من فرصة العثور على المعتدلين وتنظيم صفوفهم مرة أخرى. ينبغي أن يتم وضع حل ذي محصلة إيجابية في حين لا يزال هناك متسع من الوقت.

المصدر | ناشيونال إنترست

 

 

 

عن دور أوباما في الكارثة السورية…/ محمد مشموشي

في المسألة السورية، وتعقيداتها المحلية والإقليمية والدولية، وملايين المشردين والنازحين بنتيجتها إلى أوروبا والعالم، طرح مراراً السؤال عن الدور، أو «اللادور»، الذي لعبه الرئيس الأميركي باراك أوباما فيها على مدى حوالى خمس سنوات. لكن التدخل العسكري الروسي أخيراً، وتحول سورية إلى سلطة من دون دولة أو حتى من دون شعب، وتحت احتلال روسي من الجو، وإيراني (متعدد الجنسيات) على الأرض، وأمام مصير مجهول إلى أمد مفتوح على كل الاحتمالات، يجعل السؤال من صنف الاتهام الذي لا بد من طرحه وبقوة الآن: لماذا هذا الدور، أو حتى «اللادور»، الأميركي الذي أوصل الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه؟.

للإجابة عن السؤال، ينبغي أولاً الوقوف عند ما سماه الرئيس الأميركي نفسه «الصبر الاستراتيجي» (Strategic patience) تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط والحرب الدائرة في سورية، كما عند ما قاله أحد كبار الاستراتيجيين في السياسة الخارجية الأميركية، زبغنيو بريجنسكي، بشأن الأمر ذاته. قال بريجنسكي في مقال له نشر أخيراً في صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية: «إن الغموض قد يخفي استراتيجية لكنه قد يعني أيضاً عدم وجود هذه الاستراتيجية… وكما يبدو، فان حال واشنطن في هذه المرحلة هي الحال الثانية»، أي ما معناه أن لا صبر ولا استراتيجية لدى أوباما إزاء المنطقة وسورية، إذا كان للصبر في حد ذاته أن يشكل استراتيجية في أي زمان أو مكان.

والواقع أن ما اعتاد البعض، داخل الولايات المتحدة وخارجها، على وصفه بـ «تردد» الرئيس الأميركي طيلة الفترة الماضية، لم يكن في حقيقته إلا تعبيراً عملياً عن غياب هذه الاستراتيجية. وحتى في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة أوباما تصويره إنجازاً استراتيجياً لبلاده وللسلام في المنطقة والعالم، فلم يعد خافياً أنه كان هروباً أميركياً من قضايا ليست أقل خطراً أو أهمية منه، بل هي في الواقع أم المشاكل وولاّدتها في المنطقة: القضية الفلسطينية. ولا حاجة لإعادة التذكير بالطريقة التي قارب بها أوباما هذه القضية، من كلامه الكبير بعد انتخابه في 2008 إلى غيابه الكامل عنها بعد ذلك وعلى مدى الأعوام التالية.

قد يقال، وربما عن حق، إن أوباما لم يملك ليس استراتيجية فقط تجاه المنطقة إنما لم تكن لديه حتى سياسة فيها. ولعل أقرب دليل على ذلك ما وصف بـ «الخط الأحمر» الذي وضعه في 2012 إذا ما استخدم رئيس النظام السوري بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وعندما تم ذلك فعلاً، وذهب أكثر من 1400 مواطن سوري ضحية الأسلحة الكيماوية في الغوطة، ووجد أوباما نفسه أمام استحقاق تنفيذ تهديده، قال علناً إنه اتخذ قراره في هذا الشأن. لكنْ لم تمر سوى أيام معدودة، حتى أعلن أنه يربط تنفيذ قراره بموافقة الكونغرس مع أنه، بحسب الدستور الأميركي، ليس في حاجة إلى مثل هذه الموافقة.

وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أنقذه حينها، من خلال إقناع الأسد بالتخلي عن أسلحته الكيماوية، فليس مبالغاً به اعتبار انه منذ تلك الواقعة تحديداً بدأ بوتين يتعامل مع أوباما، وحتى مع السياسات الأميركية كلها، «من فوق» كما يقول العامة في مثل هذه الحالات. وعندما عمد أوباما إلى الإشادة ب»دور روسيا البناء» في المفاوضات النووية مع إيران، على رغم احتلالها في تلك الأثناء شبه جزيرة القرم وتهديدها أوكرانيا، فان فوقية بوتين هذه جعلته يرسل مقاتلاته الحربية ودباباته إلى سورية ليكتفي أوباما بالقول إن هذه الحركة «دليل ضعف» أكثر مما هي دليل قوة.

هل هذا فقط؟.

لعل ما بات أوباما يعترف به في المدة الأخيرة، تحت عنوان أنه «سياسات فاشلة»، إن في العراق أو في سورية أو حتى مع روسيا وإيران وتركيا ودول الخليج، يصلح لتأكيد الحقيقة السالفة الذكر… وهي أنه لم تكن لديه لا استراتيجية بعيدة المدى في المنطقة ولا حتى سياسة للأمد القصير.

في العراق، لم يفعل أوباما قبل سحب قواته منها أو بعده، إلا أنه سلم السلطة كاملة إلى إيران، أقله في المرحلة الأولى، من خلال إبعاد الكتلة الفائزة في الانتخابات برئاسة إياد علاوي عن الحكم، ثم في الأعوام التالية من خلال التغاضي عن كل ما فعله رئيس الوزراء نوري المالكي في العراق لحساب إيران وحتى ضد مصلحة واشنطن نفسها. ويجب القول انه، في الفترة الأخيرة تحديداً، لم يكن رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي ليتراجع عن نيته طلب تدخل الطائرات الروسية ضد «داعش» في العراق، لو لم ينتقل رئيس الأركان الأميركي في آخر لحظة إلى بغداد ليطالبه بالتراجع.

في سورية، لم تعد خافية حكاية رفض أوباما نصيحة وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ومعها كل من وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي ورئيس وكالة الاستخبارات «سي آي أي»، منذ 2012، بتسليح المعارضة السورية المعتدلة، ولا بعد ذلك تدريب عدد من عناصر هذه المعارضة لكن بشرط قتالها ضد «داعش» فقط من دون قوات النظام (وهو ما اعترف أوباما أخيراً بأنه كان خطوة فاشلة، لهذا الشرط بالذات)، ولا خلافه الدائم مع تركيا حول إقامة منطقة حظر طيران في شمال سورية، من دون أن ننسى شروطه الأخرى على السعودية وقطر والأردن لمنع نقل أسلحة من صنع أميركي لديها إلى هذه المعارضة.

والأدهى أنه، في مقابلة أوباما الأخيرة مع البرنامج التلفزيوني الأميركي الشهير «ستون دقيقة» (60 minutes) تعمد تبرير ذلك بالقول: إن التدريب الفاشل يتحمل مسؤوليته من نصح به، وليس هو شخصياً، وإن منطقة حظر الطيران كانت تحتاج إلى من يحميها في الجو وعلى الأرض، وليست لديه قدرة أو رغبة بذلك، وإن الميليشيات الكردية في سورية حليفة لواشنطن، تماماً كما هي أنقرة التي تشن حرباً شعواء عليها، وعلى رغم أنها تقيم حكماً ذاتياً لها وتتعاون مع النظام في دمشق، وإن الأسد (لاحظ هنا إغفاله دور إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية) كان مهيأ لأن يرحل قبل أعوام لولا «داعش» وأمثاله من التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وغيرهما.

فهل يتحمل الأسد، ومعه طبعاً «الولي الفقيه» الإيراني علي خامنئي و «القيصر» الروسي بوتين، وحدهم مسؤولية الكارثة الإنسانية والمادية والسياسية التي حلت بسورية وشعبها طيلة الأعوام الماضية، أم أن لأوباما حصة كبيرة في هذه المسؤولية؟.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

مع التصعيد في سوريا.. أوباما ربما يكسب نفوذا في ساحة القتال وخارجها/ فيل ستيوارت ومارك هوزنبول

واشنطن (رويترز) – يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال قوات خاصة لسوريا تصعيد عسكري محسوب يمكن أن يزيد نفوذ الولايات المتحدة في ساحة القتال وخارجها.

ويتزامن هذا التحول في السياسة مع توسيع برنامج سري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ينقل أسلحة إلى معارضي الرئيس السوري بشار الأسد ومع حملة دبلوماسية جديدة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري لإيجاد حل سياسي للصراع.

وقد لا تكون إضافة ما يصل إلى 50 جنديا أمريكيا وحدها كافية لتغيير الحرب الأهلية السورية بشكل جوهري. فهذه القوات صغيرة جدا نسبيا من الناحية العددية ولن تقوم إلا بدور استشاري ومعاون تاركة الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على حلفائها من المعارضين الذين لم يثبت دائما أنه يمكن الاعتماد عليهم.

ولكن ذلك يمكن أن يساعد في الحد من تصورات في الشرق الأوسط بوجود تردد لدى الولايات المتحدة في أعقاب مواقف محرجة تعرضت لها إدارة أوباما وعززت أيضا الانتقادات الداخلية لسياسته الخارجية.

من ذلك انهيار برنامج لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ حجمه نصف مليار دولار لتدريب وتجهيز المقاتلين السوريين وكذلك قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا والذي جاء بسرعة لم تكن متوقعة. وقالت مصادر حكومية أمريكية إن روسيا لها الآن عدة آلاف من الجنود في سوريا تدعمهم طائرات ومدرعات.

وأدى الإعلان عن إرسال المستشارين العسكريين الأمريكيين يوم الجمعة إلى قلب استراتيجية عمرها عام تركزت على دعم مقاتلي المعارضة السورية الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية دون نشر جنود أمريكيين على الأرض.

وقال مسؤول في إدارة أوباما شريطة عدم نشر اسمه “إنه يهدف بالتأكيد إلى توجيه رسالة مفادها: إننا نعزز أداءنا داخل سوريا وإننا جادون تماما في ملاحقة داعش (الدولة الإسلامية) وإنه لن تثنينا أي محاولات عن دعم الأسد.”

ويشمل تغير الاستراتيجية أيضا وضع عدد أكبر من الطائرات الأمريكية في تركيا لتعزيز الغارات الجوية الأمريكية مع استعداد مقاتلين أكراد سوريين وعرب ومقاتلين معارضين آخرين للتقدم صوب مدينة الرقة التي تعد فعليا عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وقال فريد هوف مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية السابق لسوريا إن مجرد إرسال الولايات المتحدة حفنة من الجنود خطوة أشبه بالإسعافات الأولية أكثر من كونها تحركا يغير قواعد اللعبة. ولكنه قد يفتح أبوابا.

وقال هوف إن واشنطن ربما تتمكن من خلال المجازفة باتخاذ خطوة أكبر على الأرض في سوريا من تحفيز القوى الإقليمية على توفير عناصر القتال البري اللازمة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

* سي.آي.إيه تتوسع بحذر

تعهد أوباما بعدم تحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة مع روسيا التي باغتت واشنطن بتكثيف دعمها العسكري المفاجيء للأسد.

لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) زادت في الآونة الأخيرة وبالتعاون مع السعودية وقطر من الجماعات التي تمدها سرا بأسلحة منها صواريخ تاو المضادة للدبابات وذلك حسبما قال مصدر على دراية بعملية الدعم.

وقال مصدر آخر إنه تم هذا الشهر تسليم شحنة جديدة كبيرة من صواريخ تاو لجماعات سنية تقاتل القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا في شمال غرب سوريا وترى الولايات المتحدة أنها معتدلة نسبيا.

وذكرت المصادر الأمريكية أن توزيع صواريخ تاو يخضع لمراقبة دقيقة من جانب السي.آي.إيه وحلفائها في المنطقة لضمان وصولها إلى المعارضين الذين يعرفون كيف يستخدمونها وليسوا من الجهاديين المتشددين.

ومع هذا أقرت المصادر بأن عددا محدودا على الأقل من صواريخ تاو وصل إلى أيدي جهاديين. وقالت إن المسؤولين الأمريكيين ليست لديهم خطط لتقديم أي نوع من صواريخ مانباد أرض/جو التي تحمل على الكتف للمعارضة السورية.

وقال مسؤول بالمخابرات “من المفهوم أن المعارضة تريد أن تضرب الروس مباشرة لكن انتشار صواريخ مانباد في منطقة بها وجود كبير للإرهابيين يتجاوز مرحلة الخطر.”

ويريد المسؤولون الأمريكيون أن يتجنبوا بأي ثمن السماح لأسلحة مثل صواريخ ستينجر التي تم تقديمها للمجاهدين المناهضين للسوفيت في أفغانستان في الثمانينات من السقوط في أيدي مقاتلين مناوئين للولايات المتحدة ربما يستخدمونها في ضرب طائرات تجارية أو أهداف غربية أخرى.

* بناء قوة دفع

أعلنت الولايات المتحدة عن قرار إرسال قوات عمليات خاصة إلى سوريا في نفس اليوم الذي وجهت فيه 17 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة نداء بوقف إطلاق النار في أنحاء سوريا خلال محادثات جرت في فيينا.

وحضرت إيران حليفة الأسد المحادثات لأول مرة منذ تفجر الصراع عام 2011.

وقال كيري الذي كان في فيينا إن توقيت الإعلان الأمريكي جاء من قبيل المصادفة.

وأشار عدد من المسؤولين الأمريكيين الذين تحدثوا إلى رويترز شريطة عدم ذكر أسمائهم إلى أن الخطوات العسكرية لا تهدف إلى زيادة الضغط الدبلوماسي في تلك المفاوضات. لكن أحد المسؤولين أقر بأنها زادت من شعور بوجود قوة دفع فيما يتعلق بالأزمة السورية.

وقال المسؤول بالإدارة الأمريكية دون أن يعلق على برنامج وكالة المخابرات المركزية “هناك شعور بوجود قوة دفع… بدأت الأمور تدفع الناس لاتخاذ خيارات مختلفة عما كانوا يطروحونه.”

وتابع “إضافة المدربين (من قوات العمليات الخاصة) ربما يساهم في ذلك. نأمل هذا. لكن هذا ليس هو السبب وراء اتخاذنا هذه الخطوة.”

وقال مسؤول أمريكي آخر إن الإدارة تأمل أن تعزز الدفعة العسكرية الرامية لدحر الدولة الإسلامية والجهود الساعية لحل دبلوماسي لإنهاء حكم الأسد بعضها البعض بمرور الوقت.

وقال ديريك كوليت الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع في عهد أوباما إن القرار الأمريكي بإرسال قوات عمليات خاصة لسوريا وتعزيز الوضع الجوي الأمريكي “يعطينا قوة للسير في المسار الدبلوماسي.”

وقد تعطي الخطوة أيضا قوة دفع لأوباما خلال زيارته تركيا في نوفمبر تشرين الثاني حيث سيحضر قمة مجموعة العشرين مع بوتين.

وقال كوليت وهو الآن مستشار كبير بصندوق مارشال الألماني “بهذه الخطوات المنسقة نرى استراتيجية سياسية عسكرية تتشكل.” ولم يعلق على أسئلة بشأن برنامج وكالة السي.آي.إيه في سوريا.

(إعداد أحمد صبحي خليفة وأمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير علا شوقي)

رويترز 2015.

 

 

 

أوباما يتراجع/ هشام ملحم

القرارات السياسية والميدانية المفاجئة التي اتخذها الرئيس أوباما حديثاً والمتمثلة بدعوة ايران للمشاركة في الجهود الديبلوماسية الدولية لوقف الحرب في سوريا، ونشر عدد محدود من عناصر القوات البرية الخاصة، وتكثيف العمليات ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، تعكس التحولات الميدانية الناجمة عن التدخل العسكري الروسي. لكنها تعكس أيضاً تقويماً جديداً لاوباما ومساعديه للخيارات العسكرية والسياسية المتوافرة لهم، مع اقتراب الرئيس من دخول السنة الاخيرة من ولايته الثانية، ورغبته في أن لا يصبح انهيار البلدين جزءاً من تركته السياسية. أوباما الذي اضطر قبل أسابيع الى التراجع عن قراره الاولي سحب جميع القوات الاميركية من أفغانستان في نهاية 2016، وأعلن انه سيبقي اكثر من خمسة آلاف عسكري في تلك البلاد بعد انتهاء ولايته، يجد نفسه الآن مضطرا الى التراجع عن سياسات سابقة، مثل رفض مشاركة ايران في الجهود الديبلوماسية في سوريا، وعدم القيام بدور قتالي مباشر في سوريا والعراق.

ميدانيا، تعتزم الولايات المتحدة نشر مستشاريها العسكريين مع القوات العراقية وتركيز العمليات العسكرية في المدى المنظور على تحرير مدينة الرمادي من “داعش”. في سوريا، تعتزم القوات الاميركية تسليح وتدريب قادة بعض التنظيمات المعارضة من عربية وكردية في شمال البلاد للتقدم في اتجاه مدينة الرقة “عاصمة” تنظيم الدولة الاسلامية”، وشن القوات الخاصة غارات على “داعش” إما مباشرة وإما بالتنسيق مع القوات الحليفة في سوريا.

عقب التكهنات عن احتمال طلب العراق من روسيا لعب دور عسكري مباشر ضد “داعش” في العراق، برزت دعوات في أوساط الاجهزة المعنية بالامن القومي في واشنطن الى اعادة النظر في الخيارات العسكرية في العراق لمنع بغداد من تعزيز تعاونها العسكري والاستخباري مع موسكو.

ويأمل أوباما، بموافقته على اشراك ايران في العملية الديبلوماسية في سوريا، وتكثيف الدور الاميركي العسكري في سوريا والعراق (وما ينتج منه من قبول ضمني بما تقوم به روسيا من عمليات عسكرية ضد “داعش” او “جبهة النصرة”)، الى المساهمة في وقف انهيار البلدين خلال الاشهر الاخيرة لوجوده في البيت الابيض.

طبعاً من السابق لاوانه الحديث عن أفق التعاون الديبلوماسي مع طهران وموسكو في قضايا قوضت المفاوضات السابقة ومنها دور بشار الاسد خلال العملية الانتقالية ومصيره في نهايتها، أو احتمالات قبول فصائل رئيسية في المعارضة السورية بمشاركة ايران – التي تحارب على الارض دفاعاً عن نظام الاسد – أو قبول هذه التنظيمات بأي دور للاسد. الرئيس اوباما ناقش هذه المسألة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. لكن أي تعاون بين الرياض وطهران في سوريا يبدو بعيداً للغاية.

النهار

 

 

همسات خفية غريبة لا تخطر على البال في العاصمة الأمريكية: تنظيم «الدولة» الوحيد القادر على وقف تقدم موسكو في سوريا والشرق الأوسط/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»: انتقد زعماء الحزب الديمقراطي في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب استعداد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسماح لإيران بالمشاركة في المحادثات المتعددة الجنسية حول وضع حد للعنف في سوريا ضمن خطوة تتماشى مع رغبة روسيا إذ قال النائب آدم سميث بعد يوم واحد من اعتراف وزارة الخارجية بدعوة إيران لهذه المحادثات ان وجود طهران سيفسر كانه مكافاة لتدخلها في الحرب الأهلية المستمرة منذ أربع سنوات.

وأضاف ان الإيرانيين جزء من المشكلة، ومن الواضح انهم سيكونون جزءا من النقاش حول نهاية اللعبة ولكن بالتأكيد لن يكون لهم دور بناء. وقال أنه قلق من تأثير ذلك على الحلفاء مثل السعودية وغيرها وكيف ستنظر هذه الدول إلى التحول الأمريكي نحو إيران.

وأوضح انه بدلا من محاولة إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على التخلى عن السلطة فإن إيران ستحاول إنقاذه من الحصار ، وقال :» هدفهم هو الحفاظ على هذا الحليف، وبصراحة هناك قلق في الوسط السياسي في واشنطن من محاولات التواصل مع الإيرانيين والروس لأن ذلك يبدو كأنه مكافأة للتدخل العسكري.

وتاتي تعليقات سميث في اعقاب سلسلة من التصريحات الهامة من الجمهوريين في الكونغرس حول مخاطر استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع إيران وروسيا في الموضوع السوري، ووفقا للتقارير فقد دعت روسيا، وليس البيت الأبيض، إيران إلى المفاوضات الدبلوماسية في فينيا، ومع ذلك فإن رغبة إدارة أوباما في السماح لإيران باحتلال مقعد حول طاولة المفاوضات تمثل تحولا كبيرا في التقارب الأمريكي الإيراني في اعقاب الاتفاق النووي التاريخي بما ينسجم تماما مع المشروع الروسي في المنطقة.

ودافع البيت الأبيض عن وجود إيران في المحادثات، وقال المتحدث اريك شولتز للصحافيين على متن طائرة الرئاسة ان الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع أي دولة بما في ذلك روسيا وإيران لحل الصراع في سوريا مشيرا إلى ان بيت القصيد هو ضرورة وجود جميع الأطراف أصحاب المصلحة والمشاركة في العثور على حل.

وشرح ان دعوة إيران للمناقشات لا تغفل نقاط الضعف في علاقة إيران المستمرة مع النظام السوري ودعمها التواصل للمنظمات الإرهابية مثل حزب الله.

وإضافة إلى غضب الوسط السياسي في واشنطن مما يحدث، من المرجح ان تؤجج خطوات أوباما غضب الدول العربية مثل السعودية التي من المتوقع ان تشارك في المحادثات علما بأن البيت الأبيض قال أن أوباما تحدث مع العاهل السعودي الملك سلمان متعهدا بالحفاظ على «التعاون الوثيق» في سوريا.

وفي الواقع، فإن تزايد الغضب في واشنطن من سلوك إدارة أوباما تجاه إيران هو مؤشر واضح على أستياء النخبة السياسية في العاصمة الأمريكية من استعداد أوباما للتماشي مع خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط فالبيت الأبيض لم يقف بوضوح في وجه موسكو بصلابة وامتنع عن التعليق عن المعلومات المتسربة حول المشروع السياسي الروسي في سوريا بحجة انه لا يستند على موقف رسمي من موسكو، ولكن واشنطن بعيدا عن إدارة أوباما تعتقد أن الرئيس الروسي بعد ضمه لشبه جزيرة القرم وتحويله للمشكلة في اوكرانيا إلى لغو فارغ في الساحة الدولية قد تفرغ تماما الآن لمارسة لعبة القوة المفضلة لديه وهي اعادة تشكيل الشرق الأوسط بدءا من التدخل العسكري في سوريا باستخدام عباءة الدبلوماسية وتحويل الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مسرح شخصي ودعم الرئيس السوري عسكريا بصراحة عبر خطة واضحة وهكذا وفقا لما يعتقده ساسة واشنطن فان روسيا ستكون حرة جنبا إلى جانب إيران في فرض هيمنة اقليمية في جميع انحاء الشرق الأوسط، اما سوريا فما هي سوى خطوة أولى بالغة الاهمية لتحقيق هذا الهدف.

بوتين وفقا لأقوال الخبراء في واشنطن مفكر جيوستراتيجي مخضرم ادرك ببراعة أن الأسد قد بدأ يفقد سلطته تماما بمعدل متسارع أمام الجماعات المتمردة على الرغم من التفجيرات الوحشية التي يمارسها النظام بشكل روتيني فما كان من بوتين إلا التصرف مثل صياد في الإنتظار، لينشر خطته في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقد تحقق هدفه بالفعل من الهجوم العسكري المباغت في سوريا حيث حافظ على المفاوضات السياسية وبالتالي ضمان مقعداً لروسيا حول طاولة المفاوضات، والاهم من ذلك كله، اثبت بوتين للعالم أنه يقف مع حلفائه بشكل جيد في «لكمة» مباشرة للرئيس الامريكي باراك أوباما الذي لا يقف بشكل مناسب مع حلفاء الولايات المتحدة.

وفي الواقع، حقق بوتين انتصارات بدون حساب حيث توغل في سوريا على أرض صلبة من الناحية القانونية بحجة دعوة الأسد له للتدخل، ومن الناحية العسكرية، لم يتعرض الرئيس الروسي لنكسة حقيقية بسبب غزو روسيا لشبه جزيرة القرم، ومن المؤكد، عدم تصدي أي أحد لتحركات بوتين بما في ذلك الولايات المتحدة أو تركيا أو حلف شمال الاطلسي، وفي نهاية المطاف، وفقا لأقوال الخبراء فان ثمار الرهان ستظهر قريبا عبر الهيمنة على الشرق الأوسط وإعادة تشكيل خريطة المنطقة لصالح روسيا وإيران.

وعلى الرغم من وفرة التحديات التي ستواجه روسيا نتيجة تدخلها في سوريا إلا ان اللعبة في صالح موسكو حتى الآن، ووفقا للعديد من المحللين فان الثلاثي الروسي الإيراني السوري قد رسخ مكانته في جميع انحاء المنطقة، وكدليل على ذلك، تصطف حاليا الدول الأوروبية للاستثمار في إيران قبل ان يجف حبر الاتفاق النووي بينما تشهد دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة ويلات جديدة، وكل هذا سيسمح بوصول روسيا إلى فرص لا حدود لها لتحقيق استقرار في اقتصادها الهش، والأمر المثير للقلق وفقا لساسة واشنطن هو افساح المجال لروسيا عبر سوريا بإرسال إشارات لدول المنطقة بان الولايات المتحدة ليست شريكا يمكن الاعتماد عليه قطعيا وبالتالي ضرب صورتها كقوة عظمى وحيدة في العالم.

وتأتي المشاريع السياسية الروسية في سوريا امام المجتمع الدولي ضمن هذه الرؤية القاتمة ولا يمكن أخذها على محمل الجد أو الاحترام وفقا للوسط السياسي الغاضب في واشنطن فهي في النهاية تهدف للقضاء بشكل منتظم على المعارضة المتمردة واجبار المجتمع الدولي على الإختيار بين نظام الأسد او تنظيم «الدولة الإسلامية».

مرة أخرى، يمكن القول بان بوتين قد حقق مكاسب على حساب القوى الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة ولكن هناك العديد من التحديات التي يمكن ان تعيق التقدم الروسي في سوريا فالهجوم العسكري الروسي ضمن لبوتين بالفعل مقعدا على طاولة المفاوضات بغض النظر عن مستقبل الأسد ولكن، في الواقع، روسيا بحاجة لدعم من إيران لتحقيق ضربة قاضية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لكي تقطع شوطا اطول نحو تأمين مكانة روسية في التسلسل الهرمي الجيو سياسيى. ووفقا للتحليلات الأمريكية الهامسة في واشنطن فإن تحركات روسيا قد تتعثر بشكل جدي أمام تنظيم «الدولة» ، وكما سخر العالم من الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما في سوريا بدون تنفيذ فان هناك توقعات بهزيمة بشعة للخطوط الحمراء الروسية في المنطقة لأن الجميع يلعبون على رقعة شطرنج خاسرة تدعى الشرق الأوسط. طموحات إدارة أوباما على ما يبدو فيما يتعلق بدور سياسي روسي في سوريا لا تتجاوز إقناع موسكو للأسد بالتخلي عن السلطة مقابل الكثير من التنازلات ولكن الآمال ضعيفة حتى الآن في تحقيق أي نتيجة، وبغض النظر عن بنود أي اتفاق محتمل في الشأن السوري من الناحية السياسية فقد خسرت الولايات المتحدة بالفعل أكثر مما يمكن ان تكسبه من نتائج المفاوضات السياسية الحالية بمشاركة إيران وروسيا.

القدس العربي

 

 

 

 

اتفاق أوباما مع الروس على… عدم الاتفاق!/ الياس حرفوش

تبذل إدارة باراك أوباما جهدها، من خلال مواقف كبار المسؤولين فيها، لإقناع المشككين بأن خطوتها الأخيرة بإرسال 50 جندياً إلى أرض المعركة في سورية، لا تعتبر تراجعاً عن قرارها السابق بالابتعاد عن التدخل المباشر في الحرب، وعدم «وضع أحذية على الأرض»، كما تقول العبارة الانكليزية (no boots on the ground). فأكثر ما يقلق هذه الإدارة هو تهمة التردد والتراجع عن القرارات أو تأجيل اتخاذها إلى الأوقات الخطأ، أو عدم اتخاذها على الإطلاق.

لذلك، سارع الوزير جون كيري إلى تأكيد أن إرسال هذا العدد المحدود من العناصر إلى بلد بات يعج بآلاف المقاتلين من كل أنحاء الأرض، «لا يعني دخول أميركا الحرب الأهلية». وكأن هذه الحرب المشتعلة لا تزال في حاجة إلى إذن من أميركا لتستمر. فالهدف، كما أوضح الناطق باسم البيت الأبيض جوش ارنست، هو دعم قوات المعارضة «المعتدلة» التي أصبحت على بعد 70 كيلومتراً من الرقة، «عاصمة الدولة الإسلامية»، ويجب تعزيز هذه العناصر التي أظهرت أنه يمكن الاعتماد عليها في مواجهة «داعش»، كما قال ارنست.

وفي قرار مشابه للقرار المتعلق بسورية، اتخذت إدارة أوباما قراراً آخر بتشكيل غرفة عمليات مع العراق لتعزيز قدرة الولايات المتحدة، كما قيل، على توجيه هجماتها ضد «داعش» وضرب شبكاتها الإرهابية. وليس مستغرباً ولا مستبعداً أن تكون إيران طرفاً في عمليات من هذا النوع، نتيجة نفوذها المعروف على الأجهزة الأمنية العراقية.

لماذا يأتي القرار الأميركي في هذا الوقت بالذات، فيما تجري محادثات موسعة في فيينا بين الجهات المعنية والمتورطة في الحرب السورية، وبعد أسابيع على التدخل العسكري الروسي لحماية نظام الأسد وإنقاذه من الانهيار، تحت ستار محاربة التنظيمات الإرهابية في سورية؟

المفارقة ومصدر الاستغراب أن الإجابة الأميركية تتجنب الإشارة إلى أن هدف هذه القوات المحدودة العدد هو مواجهة النظام السوري. الحديث هو فقط أن دور هذه العناصر الذي سيبقى «استشارياً» هو مواجهة «داعش» والتنسيق مع فصائل المعارضة التي تقوم بذلك، وخصوصاً مع وحدات «حماية الشعب الكردي» في شمال سورية. فمناطق العمليات التي سترسل هذه القوات إليها أو تلك التي تعتبر أهدافاً للطائرات المقاتلة التي تم إرسالها إلى قاعدة «انجرليك» التركية، هي مناطق مواجهة مباشرة مع «داعش» وليس مع قوات النظام السوري أو الميليشيات التي تقاتل معه.

وفي هذا السياق، جاء إعلان الوحدات التي تطلق على نفسها اسم «قوات سورية الديموقراطية» والتي تضم مقاتلين من العرب والأكراد وتدعمها الولايات المتحدة، عن بدء عملية عسكرية ضد «داعش» في ريف الحسكة الجنوبي.

كل هذا يعني أنه، من الناحية العملية، باتت الأجواء السورية ومناطق العمليات على الأرض مقسمة الآن بين من يحاربون «داعش» من جهة ومن يقاتلون التنظيمات المعارضة الأخرى، ويتولون بالتالي حماية النظام وتعزيز مواقعه. الأميركيون والقوات الكردية في الصف الأول، والروس والإيرانيون وسائر الميليشيات الموالية للنظام في الصف الثاني. ولا خوف من الاصطدام بين الطرفين، مثلما ألمح الوزير الروسي سيرغي لافروف. فمناطق العمليات واضحة للطرفين. ونتيجتها الطبيعية هي تقاسم الجغرافيا السورية سياسياً وعسكرياً، مع ما يعنيه ذلك من تبعات على مستقبل أي حل ممكن لهذه الأزمة.

أليس مثيراً للدهشة أن أوباما، صاحب الإعلان عن «الخط الأحمر» الشهير، هو الرئيس الذي يلتقي الآن مع الروس والإيرانيين على أولوية مواجهة «داعش» في سورية بدلاً من مواجهة نظام بشار الأسد، متجاهلاً ما يصرح به مسؤولون في إدارته من أن الإرهاب الذي يمارسه نظام الأسد بحق السوريين لا يقل عن إرهاب «داعش»، بل إنه السبب المباشر لنمو التطرف وانتشار الإرهاب على الأرض السورية، كما في سائر المنطقة.

إنه التنسيق الخبيث وغير المعلن الذي لخصه الوزير جون كيري بعبارته الشهيرة التي سوف تصلح شعاراً للمرحلة المقبلة: اتفقنا مع روسيا وإيران على عدم الاتفاق على مصير الأسد!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى