صفحات العالم

حزب الله كمنظمة ارهابية –مجموعة مقالات-

 

 

الإجراءات الخليجية تؤلم نصرالله/ حسان حيدر

مع تزايد عدد قتلاه في سورية، وما يسربه الأميركيون عن تبدل ولو طفيف في الأولويات الإيرانية، تزداد الضغوط على «حزب الله» في بيئته الحاضنة خصوصاً، ولبنان عموماً، لإنهاء تورطه العسكري هناك، مهما حاول إخفاء تأفف الناس والسيطرة على غضبهم عبر حملة التجييش المستمرة وأساليب الترويع الهادفة إلى منع الصوت المعارض، وإلى التخفيف من وطأة النعوش المتقاطرة عبر الحدود، وإلى وقف الانتقادات لمسؤوليته عن تدهور علاقات لبنان العربية.

فالانخراط العسكري والأمني المستمر في سورية، في وقت يقول جون كيري إن طهران تقلص وحداتها من «الحرس الثوري» هناك، وإصرار الحزب على انه يخوض «معركة وجود» لن تنتهي قريباً على رغم الإمساك المتزايد لموسكو بالورقة السورية، والتصعيد المتعمد للمواجهة مع السعودية وسائر دول الخليج العربية، تعكس جميعها استفراداً سياسياً وأمنياً بلبنان لا يمتلك الحزب مبررات مقنعة لجعل اللبنانيين يقبلون تبعاته على أوضاعهم داخل الوطن وخارجه.

ولهذا سعى أمينه العام السيد حسن نصرالله أول من أمس، الى تطويق النقمة المتصاعدة باعتماد المزيد من التخويف تحت غطاء «تطمين» اللبنانيين الى استقرار بلدهم، مذكراً إياهم بأنه يملك وحده قرار استمرار هذا الاستقرار من عدمه، وأن أمنهم منّة منه، وأيضاً عبر محاولة زجّهم في المواجهة التي يخوضها مع دول مجلس التعاون في أكثر من «ساحة»، بتصويره أن القرارات الخليجية هدفها «معاقبة اللبنانيين جميعاً» وليس الحزب.

لكن من الواضح أن إجراءات دول الخليج في حق الحزب، وخصوصاً إلغاء السعودية منحة الأربعة بلايين دولار للجيش والمؤسسة الأمنية مخافة أن تنتقل الأسلحة إلى يده بسبب تسلطه على الجيش، وتصنيف مجلس التعاون الحزب «منظمة إرهابية» وتوعّد أعضائه باتخاذ تدابير لاحقة تنسجم مع هذا التصنيف، يضاف إليها الإشاعات الكثيرة المتداولة عن «لوائح الإبعاد»، آلمت الحزب ووضعته في مواجهة مع سائر اللبنانيين، بمن في ذلك الشيعة أنفسهم، الذين بدأوا يعانون من حصر تمثيلهم به وحشرهم تحت رايته.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، جرت نقاشات حادة ومتشعبة بين اللبنانيين، عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، تضمنت تساؤلات جدية عن «لبنانية» الحزب وقراراته وعن ولاءاته وأهدافه، وعن مبررات خروجه المتواصل على الإجماع اللبناني، وجدوى دفعه لبنان إلى الخروج على الإجماع العربي، وأسباب اختلال التوازن بين مكونات البلد السياسية والاجتماعية، وعما إذا كانت سياسته الخارجية مرتبطة بالأشخاص وبالحزب وحلفائه أم بالمصلحة الوطنية العامة. لكن هذا النقاش سرعان ما جلب على المنتقدين سباباً وشتائم وتعابير طائفية مقيتة اشتكى منها نصرالله نفسه بعدما شعر بأن «جماعته» بالغوا في استخدامها.

وفي كلمته، «نأى» الأمين العام للحزب بنفسه عن نزول جمهوره إلى الشارع وقطع الطرقات وأعمال التخريب التي رافقته بسبب برنامج تلفزيوني قلده، لكن اللبنانيين يعرفون أن مثل هذا «التبرؤ» يعني أن باستطاعة من أشعلوا الإطارات المطاطية في الشوارع أن يفعلوا ما يريدون لاحقاً، طالما أنه تنصل من العلاقة بهم. إذ سبق لنصرالله أن ناشد أنصاره في الماضي عدم إطلاق النار والقذائف الصاروخية في كل مرة يلقي خطاباً، لكن ذلك لم يمنعهم من مضاعفة فعلتهم في المرات التالية.

يحصر نصرالله استقرار لبنان بالأمن، في استعادة لمفهوم النظام الأمني الذي رعته سورية الأسد، ولا يرى ضرراً في استمرار الشغور الرئاسي طالما لم يُحسم مصير الحرب أو المفاوضات في سورية لمصلحة إيران، ويلجأ في الوقت نفسه إلى تكبيل الحكومة ومنعها من البت في ما يطاول حياة اللبنانيين اليومية، مثل أزمة النفايات المتعمدة، لإغراقهم في التفاصيل وصرفهم عن التفكير في احتكاره مستقبل بلدهم… ثم يحدثهم عن «الاستقرار» وهم مشغولون بالبحث عن بلد يهاجرون إليه.

الحياة

 

 

 

 

دور «الاعتدال» الإيراني في الأزمة مع دول الخليج/ راغدة درغام

واضح أن وتيرة التصعيد اللفظي بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ارتفعت في الآونة الأخيرة وأن إجراءات تصنيف «حزب الله» إرهابياً أتت رداً على خطاب السيد حسن نصرالله الذي تحدى فيه السعودية. أتى كل ذلك بالتوازي مع انتخابات إيرانية أسفرت عن تقليم أظافر جبهة المتشددين وعن فوز الوسطيين والإصلاحيين. لهذه النتيجة دلالات من الضروري التوقف عندها لدى رصد ما يحدث وسيحدث في ساحات الحروب بالنيابة من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى لبنان، بل أن ملامح القلق منها بدت في مزايدة «حزب الله» على المواقف الإيرانية، وبالذات تلك الآتية من جبهة الاعتدال. فأي خطاب سياسي وأية استراتيجية بعيدة المدى من المفيد لدول مجلس التعاون الخليجي اعتمادها في هذه المرحلة الحرجة من علاقاتها مع إيران وحلفائها الممتدين من منظمات على نسق «حزب الله» إلى دول مثل روسيا وأيضاً الولايات المتحدة؟ وهل هناك أدوار ضرورية على موسكو وواشنطن اعتمادها لترطيب الأجواء السعودية – الإيرانية بل الخليجية – الإيرانية، ولوقف النزيف في ساحات الحرب، وللحؤول دون فتح ساحة جديدة للاستنزاف في لبنان؟

ما جاء في خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» هذا الأسبوع أثبت وبرر دوافع القرارات الخليجية بدءاً بالقرار السعودي حجب الهبة للجيش اللبناني وانتهاءً بتصنيف الحزب «إرهابياً». نصرالله طمأن اللبنانيين، مشكوراً، أن قرار النزول إلى الشارع يضبطه هو وليس عائداً إلى حفنة شباب منعهم في خطابه من استقلالية هذا القرار الذي يضرب الاستقرار. وما لبث أن تعهد بضبط الشارع في لبنان حتى أقحم نصرالله لبنان في حرب اليمن معتبراً أن المصلحة القومية اللبنانية تقتضي عدم السكوت عما يحدث في اليمن.

هذا الكلام هو بمثابة اعتراف علني بأن «حزب الله» يحارب في اليمن، كما يتهمه التحالف العربي، وأنه شريك ميداني للحوثيين وللرئيس السابق علي عبدالله صالح كما هو شريك ميداني للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية التي أسفرت عن مقتل حوالى نصف مليون سوري وشرّدت الملايين.

الأكثر خطورة هو أن نصرالله قرر إقحام لبنان في حرب اليمن عندما تحدث عن «المصلحة الوطنية» في عدم السكوت، بل في المشاركة في هذه الحرب. ما فعله نصرالله هو إعلان استمرار حربه على التحالف العربي في اليمن الذي تقوده السعودية. وهذا الموقف من اليمن هو أحد أهم أسباب الرد الخليجي الذي صنّف الحزب إرهابياً. إنه سيؤدي، على الأرجح، إلى تمسك الدول الخليجية بمنع رعاياها من زيارة لبنان، وإلى عدم عودة السعودية عن إلغاء الهبة للجيش اللبناني – وكلاهما يكلّف اللبنانيين غالياً من ناحية الجمود الاقتصادي كما من ناحية تعزيز قدرات الجيش.

السؤال هو، هل أتى تصعيد نصرالله في مسألة اليمن بقرار إيراني، أو أنه قرار مستقل عن طهران. هذا التصعيد ليس لفظياً فقط، كما قال لنا نصرالله، بل إنه عسكري. مثل هذا التصعيد وإقحام لبنان فيه، يزيل طعم الطمأنة الذي ما كاد اللبنانيون يذوقونه في مطلع إطلالة نصرالله حتى بات مرّاً ومرعباً في آن.

بغض النظر إن كان هذا التطور الخطير إيرانياً بامتياز أو مستقلاً في إطار المبارزة ومعادلة الند التي أطلقها نصرالله، على القيادتين الروسية والأميركية التنبه لهذه الخطورة والتحرك فوراً مع طهران لمنع إقحام لبنان في حرب اليمن عبر بوابة «حزب الله». بل إن هذا هو المكان الذي يمكن للديبلوماسية الأميركية – الروسية أن تفتتح به ما تزعم أن في ودّها القيام به وهو بدء عملية إصلاح العلاقات السعودية – الإيرانية. لبنان اليوم هو المحطة الأولى الضرورية، لا سيما على ضوء إقحامه في موضوع اليمن. فمن الضرورة تحييده جدياً وفرض انتخاب رئيس له. فلا يجوز لـ «حزب الله» أن يرتهن البلد في الفراغ الرئاسي، وأن يحقق لنفسه حرية المشاركة في حروب الغير وجر لبنان إلى تلك الحروب.

من ناحيتها، من الضروري لدول مجلس التعاون أن تقرر إن كانت ستنساق وراء الاستفزاز اللفظي أو أنها ستتبنى استراتيجية متكاملة، بما فيها نحو إيران. المفهوم التقليدي لدى كثيرين من أهل الخليج هو أن «كلهم واحد» في إشارة إلى أقطاب نظام الحكم في طهران من معتدلين ومتشددين وأن هدف إيران يبقى تصدير الثورة إلى الدول العربية وتنفيذ مشاريع الهيمنة الإقليمية. هذا المفهوم، حتى وإن كان دقيقاً، يتطلب المراجعة أمام المعطيات الواقعية على الساحة الإيرانية، بما فيها نتائج الانتخابات التي قد تكون نافذة للتفكير بصورة مختلفة في العواصم العربية الخليجية.

فوز الرئيس المعتدل حسن روحاني بالمقاعد البرلمانية وجّه ضربة مؤلمة إلى الأصوليين و «الحرس الثوري». كذلك أن فوز الإصلاحيين والمعتدلين في مجلس الخبراء الذي يختار أعضاؤه المرشد المقبل، له دلالات مهمة حيث أن الشعب الإيراني صوّت بمعظمه لصالح الاعتدال المتمثل بحسن روحاني والرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني.

المقربين من روحاني أكدوا مراراً أن لديه وأنصاره برنامجاً مختلفاً عن مشاريع الأصوليين في إطار أصابع الأخطبوط الممتدة في الساحات العربية سعياً وراء الهيمنة وكذلك في إطار الحروب بالنيابة مع السعودية. وبحسب مصدر مطّلع، ما قاله الرئيس روحاني لمنظر أوروبي أثناء زيارته الأخيرة هو أن الاستقرار في السعودية مهم لإيران لأن ضرب الاستقرار السعودي يشكل تهديداً لإيران من ناحية تولي «داعش» أو «القاعدة» وأمثالهما ملء الفراغ.

أثناء ندوة في إطار منتدى «فالداي» في موسكو، أتت مداخلة الأستاذ في جامعة طهران، محمد سيد ماراندي، تحريضية ضد السعودية. ولكن، كان لافتاً أن في خضم حملته على السعودية وسياساتها في اليمن، تعمد البروفسور الذي ينطق بلهجة أميركية القول: نحن لا نريد أن نشهد اللااستقرار في السعودية.

هذه المواقف تستحق البناء عليها ضمن استراتيجية متعمدة. فالتكتيك الأفضل هو العمل الجدي باتجاه ترسيخ التعهد الإيراني بعدم التلاعب بالاستقرار السعودي. هذا ممكن إما عبر قنوات مباشرة بالذات مع معسكر الاعتدال المتمثل بالرئيس روحاني خصوصاً بعدما أتت الانتخابات لتقوية يده. وهو ممكن أيضاً عبر القنوات الروسية والأميركية – خصوصاً أن روسيا تريد لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران – عبر فسح المجال لهذه الوساطة أن تحصل على التعهدات رسمياً من طهران.

الأمر الثاني هو أن انتكاسة المتشددين يمكن أن تشكل مدخلاً لخطاب سياسي مختلف للدول الخليجية لإعطاء فرصة للاعتدال. هذا لا يمنع الإصرار على المواقف الثابتة، إنما من المفيد الاستفادة من فرصة الانتخابات للتفاعل معها ضمن استراتيجيات مدروسة. فالسياسة الهجومية مفيدة في مكان، إنما قد لا تكون ضرورة في مكان آخر.

هناك من يقول أن الرهان الأميركي على تقوية الاعتدال في إيران نتيجة الاتفاق النووي ورفع العقوبات نجح، وأن الشراكة الأميركية – الروسية في هذا المسعى أسفرت عن تهدئة إيران في طموحاتها النووية، وإزالة ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية – وكلاهما مطلب إسرائيلي بالدرجة الأولى. فالدولتان الشريكتان في سورية ونحو إيران اعتمدتا نموذج الاحتواء عبر الاحتضان مع طهران ونموذج الشراكة بدلاً من المنافسة والمواجهة في سورية. كلاهما يقول أن لا حاجة للهلع من العلاقة الاستراتيجية البعيدة المدى لكل منهما مع إيران ويستشهدان بنمو الاعتدال مع طهران بدلاً من التطرف. وهما يستدعيان الدول الخليجية إلى صياغة علاقات مبنية على السياسة الواقعية بعيداً عن الهلع والتجاذبات والاستنزاف.

البعض يتحدث هذه الأيام عن استراتيجيات كبرى تتعلق باليمن والعراق وسورية وليبيا ولبنان. يقولون أن موسكو ليست في علاقة استراتيجية محصورة بإيران والشيعة بل هي في صدد توسيع العلاقة مع السنّة العرب عبر البوابة المصرية والجزائرية مع الإصرار على الانتصار في سورية على الإرهاب وحفظ أولويات المصالح الاستراتيجية منها وتلك المتعلقة بالنفط والغاز.

في ما يتعلق باليمن، أكدت مصادر خليجية رفيعة المستوى أن روسيا مدّت المعونة الاستخبارية للتحالف العربي وليس فقط السكوت. مصادر أخرى غير خليجية تحدثت عن رغبة روسية وأميركية بتوفير الأرضية لاستراتيجية لخروج مشرّف من اليمن يحفظ كلياً أولوية الأمن القومي السعودي.

وفي العراق، هناك كلام عن اعتزام أميركا، وروسيا معها، على إرضاء السُنَّة هناك كي يتمكنوا من سحق «داعش» مقابل ضمانات عدم سحق حقوقهم في العراق.

في ليبيا، روسيا جاهزة لقلب تلك الصفحة التي أطلقت نزعة القومية لديها عندما شعرت أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) أهانها وخانها عبر قرار لمجلس الأمن. وتفيد المعلومات أن موسكو لا تعارض تدخلاً أميركياً أوروبياً في عمليات جديدة في الساحة الليبية كي لا يستولي «داعش» أو «القاعدة» على البلاد.

بالنسبة لسورية، تقول مصادر مقربة من التفكير في طهران أن إيران لا ترغب بتقسيم سورية لأن التقسيم يؤدي إلى تقاسم سورية بدلاً من الاستفراد بالنفوذ بعد كل ذلك «الاستثمار». تقول هذه المصادر أيضاً أن طهران في ظل حكم الاعتدال ليست متمسكة ببشار الأسد لكنها لن تهرول إلى إعلان ذلك الآن.

أما الكلام الذي تم التداول به حول التقسيم والفيديرالية والاتحاد فإن ما يمليه هو ما يحدث ميدانياً في سورية. ولعل الكلام عن الفيديرالية يأتي في سياق مفهوم روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية أي بمعنى الولايات ضمن دولة وليس إقامة دولة مستقلة.

الحياة

 

 

 

“لنحكِ الأمور مثلما هي”/ وليد شقير

لم يكن منتظراً من «حزب الله» أن يوقف إطلاق النار (السياسي على الأقل) على المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، طالما أنه يخرق وقف النار في سورية منذ بدء الهدنة السورية السبت الماضي. وهو يشترك مع قوات النظام السوري وروسيا والميليشيات التابعة لإيران و»حرسها الثوري»، المنتشرة من محافظة درعا جنوباً وفي محيط دمشق، وصولاً الى ريف حلب ومحيطها شمالاً.

وإذا كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قال في خطابه الأخير الثلثاء الماضي، إن «المعركة الكبرى» التي يخوضها «اليوم في المنطقة ستحدد مصيرها، ومنها مصير لبنان»، رافضاً المنطق القائل بأن لا علاقة للبنان بهذه المعركة، فعليه ألا يستغرب أو يستنكر أن تواجهه دول المنطقة في المقابل، بمثل ما يواجهها به من الخصومة والعداء والهجوم.

في كل خطاب يلقيه لتبرير سياسته وتقديم مطالعته لإشاحة النظر عند الجمهور اللبناني على الأقل، عن أن انخراطه في هذه المعركة هو تنفيذ لأجندة إيرانية بالتدخل في الحروب الدائرة في عدد من الدول العربية تسعى طهران إلى تقويض استقرارها لتسهيل توسيع نفوذها الإقليمي، يستخدم نصرالله تعابير من نوع: «لنحكِ الأمور مثلما هي»، و «نحن معنيون بأن نقول الحقائق»…، وهو بذلك ينسب لنفسه موقع من يمتلك الحقيقة المطلقة والوقائع الصافية.

أسهب الأمين العام لـ «حزب الله» في سرد ما اعتبره حقائق من دون أن يأتي على ذكر ما أعلنته الحكومة اليمنية من تسجيلات عن وجود عناصره في اليمن وعلى الحدود مع السعودية لتنفيذ عمليات على أرضها، وما وثّقته أجهزة الدول الكبرى عن تهريب إيران الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية إلى الحوثيين قبل بدء الرياض ردها العسكري ضد محاولة طهران السيطرة على اليمن السعيد، ولا تلك المعلومات عن استمرار تهريب هذه الأسلحة عبر البحر. وهو تجاهل ما سبق لحكومة الكويت أن كشفته عن خلايا الحزب المسلحة فيها التي تخطط لتفجيرات وتسليح مجموعات، ولا عن الخلايا التي كشفتها الحكومة البحرينية… ولا عن تلك التي سبق للحكومة المصرية أن ألقت القبض عليها. لم يذكر شيئاً عن سبب تدخله في نيجيريا. يقفز نصرالله فوق الأمور «مثلما هي»، لينسب الى غيره التحريض على الفتنة المذهبية، ويهرب من أثر تدخلات حزبه في إيقاظ الفتنة من سباتها، فهو يستند الى قاعدة تعبئة مذهبية، ويستظل بشعارات كبرى عنوانها التوجه الى فلسطين ومواجهة إسرائيل والهيمنة الأميركية على المنطقة، من حلب السورية وصعدة اليمنية…

بهذا المنطق يسهّل نصرالله على نفسه الاقتناع بأن موقفه ضد حملة السعودية العسكرية ضد التمدد الإيراني في اليمن «أعظم من المقاومة» ضد إسرائيل، ويقر بلسانه بأن حجة مقاومة إسرائيل تأتي بمرتبة متأخرة على تدخلات حزبه الأمنية في دول الخليج، التي يعطيها الأولوية.

مثله مثل سائر الفرقاء المعنيين بالحرب في سورية، لا سيما روسيا والولايات المتحدة الأميركية، يعتقد السيد نصرالله أن الهدنة الراهنة الهشة فيها، هدفها استنفاد الخيارات الديبلوماسية لإطلاق الحل السياسي، تمهيداً للعودة الى جولات عسكرية جديدة من أجل تصحيح ميزان القوى، حتى يستمع الأسد لصوت التسوية، التي قد يقتضي إنجاحها الأخذ بالاقتراح السعودي إرسال قوات إسلامية وعربية، بينها وحدات سعودية، لمحاربة «داعش»، والمساهمة في ضبط المناطق التي تسيطر عليها فصائل معارضة وسنّية، حتى يكون للجانب العربي دور في هذه التسوية، لأن الدورين الروسي والإيراني وحدهما يستحيل عليهما رعاية حل سياسي في غياب الرعاية العربية.

إذا كان يتوجب أن «نحكي الأمور كما هي»، فإن اللغة اليائسة عند «حزب الله» من أن يتمكن من الجلوس على طاولة التفاوض في اليمن، عبر إيران، تجعله يتشدد ضد المشاركة العربية في أي معادلة تتعلق بسورية. خلافاً لتوقيع 97 فصيلاً سورياً على تفويض الهيئة العليا التفاوضَ بالنيابة عن المعارضة السورية، فإن «حزب الله» غير معني بتفويض أي جهة بالتفاوض في سورية.

يرفض «حزب الله» التسويات، بما فيها على رئاسة الجمهورية في لبنان، حتى لو قدم سعد الحريري تنازلاً بدعم ترشيح أحد حلفاء الحزب. لكن المشكلة تكمن في أنه مع إقراره بأن مشكلة دول مجلس التعاون الخليجي، «هي معنا نحن ونتحمل المسؤولية»، في معرض رفضه تحميل لبنان المسؤولية، فإن قول «الأمور مثلما هي» يعني أنه يريد للبنانيين أن يتحملوا معه تبعات تنطحه للمعارك العابرة للحدود، وأن يسكتوا عن رفضه تحييد البلد.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى